تأملات قرآنية من الآية الخامسة والعشرين من سورة سبأ

بهاء النجار

 

قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)

التأمل الأول :
ليس من السهل أن يعتبر الإنسان نفسه مجرماً ، ولكن إن أراد الحوار مع الآخرين ممن يختلف معه في الرؤى والقناعات والتوجهات فلا بد أن يطمئنهم (حتى لو كان واثقاً من منهجه وثاقة الرسل من مناهجهم ) بأنه من الممكن أن يكون مخطئاً – بل ويكون مجرماً – وفي الوقت نفسه لا يعتبر عملهم إجراماً ، فإذا كانت بداية الشروع من هذه النقطة سينفتح الحوار بكل يُسر وسلاسة ما دام كل شخص يتحمل مسؤولية إجرامه ولا يتحمل مسؤولية عمل الآخرين .
ومن الضروري أن يضع كل إنسان في حساباته – حتى لو كان في مستويات الكمال العليا – أن عمله قد يكون إجراماً ، وأن الإجرام يُحاسَب عليه من قبل المحكمة الإلهية .

التأمل الثاني :
من الأخلاق التي يمكن أن تنفع في تطوير العلاقة مع الآخرين – مهما بلغنا مستوى عالياً من الكمال – هو النظر الى أخطائنا تجاههم كجرائم وليست أعمالاً عادية ، فضلاً عن التعامل معها كحسنات ، أو على الأقل أن نحتمل الخطأ معهم ، وفي الوقت نفسه يكون التعامل مع أخطاء الآخرين إلينا على أنها أعمال قد يكون ما يبررها حتى يثبت لنا قصدهم الإجرامي ، فقد تكون هذه الأخطاء ردة فعل على أخطائنا تجاههم خاصة إذا كان الآخرون ممن نحتلف معهم بأمور جزئية وليست أساسية ، فالتعامل مع الكافرين لا يكون كالتعامل مع المؤمنين ، ولا التعامل مع المسلمين كالتعامل مع غيرهم .

التأمل الثالث :
من سمات القوانين العادلة أنها لا تأخذ الإنسان بجريرة وجريمة غيره ، وأن لا تزر وازرة وزر أخرى ، هذا ما شرّعه قرآننا الكريم ويريد تربية أتباعه به ، فأين أولئك الذين يقتلون شخصاً كونه ينتمي الى عشيرة أو قبيلة أو حزب أحد أفرادها قاتل ؟! هل يعتبرون أنفسهم منتمين لهذا الدين الحنيف ؟!
هذا لا يعني تبرئة المحرّض على الجريمة أو من يؤسس لها أو يشجّع عليها أو يتستر على من يقوم بها ، لأن المحرّض والمؤسس والمشجع للجريمة والمتستر عليها هو مجرم أيضاً وليس طرفاً بعيداً عن الجريمة ، وهذا ما ينبغي أن تلتفت إليه الأنظمة التشريعية وحتى القضائية إضافة الى المؤسسات التربوية كي لا يضطر من وقعت عليه الجريمة للاقتصاص بنفسه وربما بدون أدلة فتعمّ الفوضى .

التأمل الرابع :
قد يتصور البعض أن عدم مساءلة الغير على إجرامنا هو دليل على أنه لا حاجة لأمرنا بالمعروف أو نهينا عن المنكر ، باعتبار أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو فقط لدفع المساءلة الأخروية يوم القيامة !
وهذا التصور خاطئ ، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفرائض الثابتة ، بل هي أسمى الفرائض ، وهذا التصور غير كافي لإبطال هذه الفريضة ، كما أن جريمة ترك هذه الفريضة ستنعكس آثارها على الواقع ، فبها تقام الفرائض ، فهل تُترَك مساءلة ومحاسبة من يتسبب في عرقلة إقامة الفرائض ؟! بالطبع لا .
ولو نظرنا الى هذه الفريضة على أنها معونة فكرية ومعرفية وفقهية تساعد من يحتاجها لما تبادر الى أذهاننا هذا التصور .

 

للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M