تأملات قرآنية من الآية السادسة والعشرين من سورة سبأ

بهاء النجار

 

قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)

التأمل الأول :
الفتح الحقيقي والفتح المبين يكون يوم القيامة عندما يجمع رب العالمين الأولين والآخرين ، فلا ينتظر المؤمنون فتحاً دنيوياً بينهم وبين غير المؤمنين ، وإن كان ذلك محتملاً وممكناً ومطلوباً ، ولكنه ليس شرطاً وثمرة من ثمار الإيمان ، وإن حصل فهو وقتي إلا في آخر الزمان عندما يكون الفتح نهائياً فيُظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون .
ومن يطمح في أن يكون الفتح حليفه حليف المؤمنين فعليه أن يعمل لنصرة دينه وفي الوقت نفسه عليه أن لا ينتظر الفتح في الدنيا .

التأمل الثاني :
إن الفتح والفصل بين المختلفين يعتمد بشكل كبير على العلم بما أختلفوا فيه ، أما الضبابية في عدم وضوح الأدلة يجعل الفصل والفتح بين المتخاصمين صعباً بل وسيكون ظلماً لأنه بعيد عن الحق ، ربما يكون الحُكُم عدلاً وحقاً إذا لم يكن بالإمكان توفير أدلة أكثر دقة وكان لا بد من الُحكُم ، ومع هذا فهو ليس حقاً محضاً وإنما أقرب الى الحق وهو أفضل من عدم الُحكُم ، لأن الُحكُم سيحق الحق ويبطل الباطل بشكل من الأشكال ولو بنسبة ضعيفة ، وعدم الُحكُم سيعكس المسألة .
لذا إذا صدر الُحكُم من معصوم ( نبي أو وصي نبي ) فسيكون حقاً محضاً لأن علمه من لدن حكيم عليم .

التأمل الثالث :
من المستَحسَن أن نبيّن أن من أذكار يوم الأحد التي يتناقلها المؤمنون ( يا فتاح ) ، فيمكن أن يجعل المؤمن غايته من هذا الذكر ليفتح الله تعالى بينه – أو بين المؤمنين عموماً – وبين غيرهم وخصوصاً من هم أعداءٌ للمؤمنين ، وعسى أن يكون هذا الفتح في الدنيا إضافة الى الفتح في الآخرة ، ففي الدنيا من خلال النصر الإلهي الذي يُدخِلُ الناسَ في دين الله أفواجاً ليحكم دين الله بالحق لصالح المؤمنين بهذا الدين ويفصل بينهم وبين أعدائهم ، وأما في الآخرة فيكون الفتح من خلال الحُكُم لله جل شأنه بلا واسطة أو وسيلة لأنه العليم بذات الصدور .

التأمل الرابع :
يجمع ثم يفتح ، ما لم نتمكن من جمعه في الدنيا سيجمعه ربنا يوم القيامة ، وما لم يُفتَح بالحق في الدنيا سيُفتَح بالحق يوم القيامة ، فالجمع بين المؤمنين وغيرهم ثم الفتح بينهم سيتحقق بأكمل الصور في الآخرة ، أما في الدنيا فقد يتحقق في آخر الزمان على يد خاتم الأوصياء وابن خاتم الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين .
وعلى ما يبدو فإن الجمع والفتح بين المؤمنين وغيرهم من الاختصاصات الربوبية ، وبالتالي فإن من يقوم بهذا الدور ( الجمع والفتح ) ينبغي أن يكون مُربيّاً عليماً ، وأن تكون غايته من الجمع والفتح هو تربية الأمة – من المؤمنين وغيرهم – تربية سيادة الحق لعلمه أن الحق هو الذي يحقق الخير للجميع .

التأمل الخامس :
الفتاح العليم سبحانه وتعالى لا يفتح فقط بين المؤمنين وغير المؤمنين ممن اختلفوا عقائدياً وسلوكياً وأخلاقياً وغيرها من الاختلافات ، بل يفتح أبواب الرزق أيضاً للمؤمنين وغير المؤمنين لعلمه بما يصلح كل فئة بل وكل فرد ، فبعضٌ يصلحه الرزق الواسع فيفتح له باب الرزق بشكل واسع ، والبعض الآخر يصلحه الرزق القليل فيفتح باب الرزق بدرجة أقل ، ولكن يبقى باب الرزق الإجمالي الذي يشمل الرزق المادي والمعنوي مفتوحاً بدرجات متقاربة إن لم تكن متساوية وذلك طبقاً للعلم والحكمة واللطف التي تسود تعامل رب العباد مع عباده .

التأمل السادس :
كثيرة هي الدعوات الإلهية لاتباع الشريعة السماوية عبر القرآن وسفرائه والناطقين بإسمه ، ولكن للأسف الاستجابة قليلة وبطيئة ، ولو كانت الاستجابة بالمستوى المطلوب لجُمعنا على ما أراده الله تعالى ، عندها سيَفتح لنا ربنا – بمقتضى ربوبيته وتربيته – أبواب الفرج والخلاص من الظلم والقهر والتقهقهر في حياتنا دنيوياً وأخروياً ، لأنه يعلم جلّ وعلا أن أبواب الفرج تُفتَح عندما نتبع شريعته السمحاء ، وأقل إتباع مطلوب هو الإتباع الاعتقادي ، فلو اجتمع الناس على إتباع المنقذ المخلص الموعود ونصرته لفُتِح باب الفرج ولملئت الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً .

 

للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M