تأملات_قرآنية من الآية الثانية و الاربعين من #سورة_فاطر

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)

التأمل الأول :
من يعرف مستوى تحمل نفسه للإلتزامات الشرعية والأخلاقية التي يأتي بها النذير فإنه يأمل ليكون مهتدياً بمقدار مستوى تحمله ، وليس بأهدى من ذلك المستوى ، فضلاً عن أن يُقسم بالله جهد أيمانه ليكون أهدى الناس .
ومن جانب آخر فمن الجميل أن يكون الإنسان طموحاً بحيث يطلب شيئاً راقياً ذا مستوى عالٍ ، ولكن في الوقت نفسه عليه أن يعرف إمكانياته وقدراته في تحقيق هذا الطموح ، فلكل إنسان طاقة ومستوى معين من التحمل ، وبالتالي فالتفكير بمستوى أعلى من مستواه سيؤدي الى نتائج سلبية منها نفوره مما كان يطمح إليه ، فليس المهم أن يكون الإنسان في أعلى المراتب على الإطلاق ، وإنما أن يكون في أعلى المراتب التي تناسب مستوى تحمله .

التأمل الثاني:
مما لا شك فيه أن الإنذار وسيلة من وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة الى الله بشكل عام ، ومن كان نذيراً لا بد أن يكون بشيراً أيضاً ، فإذا لم يكن كذلك فسيزيد الناسَ نفوراً ، فيبدو أن الإنسان لا يريد الإنذار فكيف يقبل به لوحده من دون أن يبشره أحد بما يمكن أن يحصل عليه من أجر دنيوي أو أخروي ، فالترغيب والترهيب أسلوبان مهمان في التربية والإصلاح والهداية ، وقد استخدمها المنذرون من الأنبياء والأوصياء ، فعند البشارة يرغّبون وعند الإنذار يرهبون .
ويبدو – وفق ما تقدم والله العالم – لو أن الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم لو أنهم أقسموا لئن جاءهم نذير وبشير ( وليس فقط نذير ) ما زادهم نفوراً ولتمكنوا من الوفاء بقسمهم .

التأمل الثالث:
من غير المتوقع أن يزيد النذيرُ الآخرين نفوراً من الدين ، لأن النذير إما نبي أو وصي أو فقيه أو مصلح ، وإلا لما أرسل الله تعالى رسولَه محمداً صلى الله عليه وآله وهو النذير الأبرز من بين المنذرين ، ولكن النفور يكون بسبب المتلقي ، ولو كان المتلقي مؤمناً مستعداً لتلقي النُذُر لما نفر .
ومن ذلك نستفيد أن المصلح إن لم يستطع إصلاح المجتمع فليس بالضرورة أن يكون السبب هو ضعف المصلح أو عدم صلاحه وإنما من المحتمل أن يكون أفراد المجتمع ممن يزدادون نفوراً إن جاءهم نذير ، لأنهم غير مستعدين لتقبل هذا الإصلاح ، بل يجدون في الإصلاح تضييقاً وخنقاً لهم ، كالتي ترى الحجاب تقييداً لحريتها !

التأمل الرابع:
في حياتنا الاجتماعية يوضَع الكثير من الأشخاص في مواقف محرجة وحرجة بسبب كذبة يكذبونها أو موقف سلبي يتخذونه أو عدم مطابقة ما يظهرونه لما يبطنونه أو غير ذلك ، ونلاحظ بعض هؤلاء يلجأون الى القَسَم المغَلَّظ لِيُبعِدوا عنهم هذا الحرج والإحراج ، وربما يكون أحياناً القَسَم كاذباً والعياذ بالله ، وقد يضطر المحرَجُ الى المبالغة للتخلص من ذلك الموقف المحرِج ، كأولئك الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم ، ولما جاءهم النذير زادهم نفوراً .
ومثل هذه الحالات قد يقع فيها حتى الإنسان المؤمن من ضعيفي الإيمان ، لذا فعلينا أن نتعلم مما تقدم أن لا نُحرِجَ شخصاً ووضعه بزاوية ضيقة حتى لا نضطره ونجبره على قَسَمٍ مُغَلَّظ وقد يكون كاذباً هو في غنى عنه .

التأمل الخامس:
يعتقد المسلمون أن أمتهم هي أهدى الأمم لأن دينهم خاتم الأديان ونبيهم صلى الله عليه وآله خاتم الأنبياء وأفضل الرسل ، وكتابهم (القرآن) أفضل الكتب ، على الأقل أنه لم يتعرّض للتحريف ، وهو المعجزة التي لا تضاهيها معجزة ، وهذا فخر لجميع المسلمين إن كانوا مؤمنين .
ولكن ، علينا أن لا نغتر ونهتم بالجانب التشريفي ، إذ لا بد أن نوازن بين التشريف والتكليف ، فهذه الميزات التي يتمتع بها المسلمون ( ديناً ونبياً وكتاباً ) هي تكليف أيضاً ، وإلا سنكون مثل أولئك الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونُنّ أهدى من إحدى الأمم ، ولما جاءهم النذير زادهم نفوراً لأنهم نظروا الى التشريف فقط ، ولو جمعوا بينه وبين التكليف لزادهم النذير إيماناً وتمسكاً .

للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M