تداعيات تجدّد الصراع في أفريقيا الوسطى

صلاح خليل

 

تشهد جمهورية أفريقيا الوسطى الموجة الثالثة من العنف الذي أصبح أكثر تعقيدًا وتعددت أطرافه، وشاركت فيه أطراف خارجية، وهو ما أعاد البلاد إلى مربع الأزمة وربما الفشل. يحاول هذا التقرير أن يشير إلى ملامح الأزمة وأطرافها، وتداعياتها على الأمن والاستقرار في أفريقيا الوسطى.

ملامح الأزمة

تجدد الصراع في أفريقيا الوسطى عندما قام الرئيس تواديرا باستغلال الفرصة لقمع المعارضين وتعزيز سلطته، من خلال المليشيات الموالية له المعروفة باسم (أسماك القرش)، وكتيبة المشاة السابعة، التي تورطت في اختفاء محافظين ونواب تابعين لحزب الرئيس السابق فرانسوا بوزيزي. ففي شهري يناير وفبراير 2023، نفّذت الجماعات المسلحة (تحالف الوطنيين) الذي يتزعمه الرئيس فرانسوا بوزيزي هجومًا على مركز (بيلوكو) الجمركي على حدود الكاميرون، ومواقع أخرى للجيش وتم أسر العديد من عناصر الجيش.

نتيجة لتلك العمليات نفّذت السلطات الحكومية بدورها حملات شرسة تضمنت تطبيق إجراءات استثنائية ضد المدنيين خاصة في محافظتي: مامبيري وكاديو. وفي أغسطس 2019، استقال كل من الأعضاء المؤثرين من الحكومة الحالية من مناصبهم احتجاجًا على سياسة ضد العرقيات التي ينتمون لها. تلك الخطوة دفعت الجنرال عبدالله مسكين قائد الجبهة الديمقراطية لشعب أفريقيا الوسطى، إلى رفضه تولي منصب حكومي بعد الاستقالة الجماعية التي بُنيت على حسابات عرقية بحتة، وعلى إثر ذلك انضمّ إلى الحركات المسلحة، وشكّل في العام نفسه حزبه المسمى (حزب تجمع أمة وسط أفريقيا) Partie du Rassemblement de la Natio Centrafricaine، ورفضه اتفاقية السلام، بحجة أنها تؤدي إلى عدم تقاسم السلطة والثروة.

هذه الخطة التي اندلع على إثرها قتال بين حركتين مسلحتين وقعتا اتفاقية فبراير 2019، بالخرطوم، بوساطة الاتحاد الأفريقي، ووقعتها الحكومة وأربع عشرة جماعة مسلحة في مقدمتها الجبهة الشعبية وحركة محرري أفريقيا الوسطى من أجل العدالة (MLCJ)، ومعظمها من عرقية الكارا، التي أسسها أبو بكر صابون، وهي ليست جزءًا من تحالف سيليكا. ولكن سُرعان ما نقضت السلطة الحكومية الاتفاقية نتيجة ضعف سلطة الدولة، وزيادة التوترات العرقية الداخلية، وتنامي الحركات المتمردة المسلحة المتكررة، وهو ما أدى إلى زيادة مخاطر ارتكاب فظائع جماعية ضد المدنيين.

سيطرت الجماعات المسلحة المختلفة وأمراء الحرب على مساحات شاسعة من الأرض نتيجة هشاشة الدولة في الشرق والشمال الشرقي، وعدم قدرة القوات المسلحة لجمهورية أفريقيا الوسطى على حماية السكان والحفاظ على النظام، مما صبّ في صالح الجماعات المتمردة. وقد أدى ذلك إلى تفاقم النزاعات المحلية وترك المجتمعات ضعيفة وعديمة القوة بشكل متزايد. وأدت الهجمات الانتقامية إلى انقسامات أعمق داخل المجتمع، مما زاد من احتمالية استمرار العنف على أساس الهوية، في ظل ارتفاع وسائل خطاب الكراهية بين السكان.

وحاليًا، تسيطر حركة FPRC على مناطق (سام-ونجي، ودعه جالي، وودعة، وانا قورديل، أكرب صلبك، كاكا، بندرو)، وعلى طول الحدود مع دولتي جنوب السودان والكونغو الديمقراطية، بالإضافة إلى 90% من المناطق الحدودية مع دولة شمال السودان، فضلًا عن تمتعها باتفاق وتنسيق مع جماعة الرئيس السابق بوزيزي في جنوب أفريقيا الوسطى، كما تسيطر الحركة أيضًا على طول الشريط الحدودي مع تشاد في الشمال، مما يعكس تمتعها بتحالف قوي تقوده الجماعات المسلحة في مناطق متعددة.

دور الأطراف الخارجية

تنتشر في أفريقيا الوسطى شبكات مركّبة من الكيانات المسلحة تعمل في ظل الحرب بالوكالة لصالح نظام الرئيس تواديرا، مثل قوات فاجنر الروسية، وجماعات قبلية محلية موالية لفرنسا، بالإضافة إلى قوات من جمهورية الكونغو الديمقراطية والقوات الرواندية الذين يقاتلون جنبًا إلى جنب مع الجيش الحكومي. وقد دفعت الحربُ بالوكالة أيضًا مجموعات أجنبية أخرى مثل جيش الرب الأوغندي والعديد من الحركات التي تنتشر في شرق الكونغو الديمقراطية للانخراط في التفاعلات العنيفة في أفريقيا الوسطى كمصدر من مصادر الاقتصاد بالنسبة لهم، فضلًا عن الفواعل الأخرى من المنظمات الفاعلة والمتورطة في تهريب الموارد الطبيعية، بما في ذلك الذهب والماس وتهريب الأسلحة. وتعمل مجموعة من اللاعبين الدوليين على تمكين هذه الشبكات الإجرامية التي تخلق حالة من عدم الاستقرار والصراع، من أجل الاستفادة من تهريب مزيد من الماس والذهب لهذه الشبكات الإجرامية الدولية.

وفي مارس 2021، قامت السلطات الحكومية في جمهورية أفريقيا الوسطى بتدشين نصب تذكاري في جامعة (بانغي) تكريمًا لبسالة جنود الجيش وحلفائهم الروس لقتالهم ضد الجماعات المسلحة في البلاد، وهو الأمر الذي أثار انتقادات واسعة من المنظمات الدولية للدور الكبير الذي تلعبه روسيا في أفريقيا الوسطى من خلال قوات فاجنر. وتقوم روسيا بإمداد الحكومة بالأسلحة، فيما تعمل قوات فاجنر على تدريب الجيش في أفريقيا الوسطى ومرافقتهم في الحرب في المناطق النائية. كما تعمل قوات فاجنر على عرقلة عمليات بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى.

تسوية صعبة وتداعيات كارثية

سببت الأزمة السياسية والاجتماعية في أفريقيا الوسطى كارثة حقيقية؛ إذ لا يزال جزء كبير من المدنيين يواجهون أزمة إنسانية كبرى، ولا سيما في المناطق الريفية، حيث يستمر العنف ضد المدنيين ويتفاقم انعدام الأمن، مما دفع المدنيين العزل إلى النزوح. فخمس سكان أفريقيا الوسطى مشردون إما داخل البلد أو في البلدان المجاورة. ومع بداية العام الحالي عام 2023، سيحتاج 3.4 ملايين شخص، أو 56% من السكان في أفريقيا الوسطى، إلى المساعدة الإنسانية والحماية. وجراء ذلك الصراع العرقي والسياسي والديني تحتل أفريقيا الوسطى المرتبة 188 من بين 191 دولة في مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2022. كما تعتبر أفريقيا الوسطى من أقل البلدان نموًا، وواحدة من أفقر البلدان في العالم ولا تزال متأثرة بتاريخها الطويل من الصراع.

وفي الربع الأخير من عام 2022، بدأت محاولات إقليمية ودولية لنزع السلاح والتسريح، أو إعادة التأهيل والاندماج، إلا أنها جميعها باءت بالفشل بسبب السياسة التي تنتهجها السلطة في أفريقيا الوسطى التي تعتمد فيها على دور الفواعل الخارجية على رأسها فاجنر والمليشيات القبلية. ومع استمرار المسببات الجذرية للصراع الممتد، لا يزال من المتوقع أن تظل أفريقيا الوسطى من أكثر الدول الأفريقية التي تعاني من ويلات الصراعات المسلحة، سواء كانت عرقية أو دينية، طالما لم يتوقف العنف، وعادت التوترات السياسية إلى الارتفاع مرة أخرى، مع فشل الحكومة منذ الاستقلال في إقناع الجماعات المسلحة بإلقاء أسلحتها.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/33390/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M