تساؤلات أوبك في الستين من عمرها

أنس بن فيصل الحجي

 

أمس، بلغت أوبك الستين من العمر. لم يكن خبر تأسيسها مهماً، ولم يغطها الإعلام العالمي، ولكن خلال 15 عاماً أصبحت محور الحديث في الصفحات الأولى، أصبح اسمها مشهوراً وعلى كل لسان. وتم تأسيسها من خمس دول شكلت “البنتاغون النفطي”، وهي السعودية وفنزويلا والكويت والعراق وإيران.

وبمناسبة بلوغها الستين، سيتم تغطية النقاط الخلافية حول أوبك، وأغلبها خلافي بين الأكاديميين والصحافيين والسياسيين.

1- من أول من جاء بفكرة أوبك؟ 

الشائع والمؤكد أن مؤسسي أوبك الأساسيين هما خوان ببلو بيريز ألفونسو الفنزويلي وعبد الله الطريقي السعودي. الأول كان وزيراً سابقاً ولاحقاً، والثاني أصبح وزيراً فيما بعد. وتشير الأدلة التاريخية الآن إلى أن من جاء بالفكرة هو ألفونسو في الأربعينيات من القرن الماضي، ثم التقى الطريقي بعد سنوات من ذلك في هيوستن، وأعجب الاثنان بأفكار بعضهما، وعملا بعدها معاً على تكوين أوبك. وكان ألفونسو قد درس كيفية عمل مفوضية سكة حديد تكساس عن كثب، ثم قام هو والطريقي بالسفر في سيارة يقودها ابنه إلى مؤتمر منتجي ولاية تكساس المستقلين، حيث شاركا في المؤتمر في محاولة لمعرفة رأي المنتجين بإدارة مفوضية سكة حديد تكساس للإنتاج في تكساس، وكيفية إدارتها للإنتاج على أرض الواقع.

2- ماهدف الفونسو والطريقي من الدعوة لتشكيل أوبك؟

يتضح من السجلات التاريخية أن الهدف هو تحقيق العدالة، بحيث يحصل مالك الموارد الطبيعية على عائد عادل، يمكنه من تنويع مصادر الدخل والانتقال إلى مرحلة الاستدامة من دون الاعتماد على النفط. هذه الدعوة سببت إشكالية تاريخية، فاتهم كلاهما بأنهما اشتراكيان وشيوعيان، مع أنهما لم يكونا كذلك. ولكن هذه الاتهامات كانت جاهزة لوصم كل وطني مخلص من قبل شركات النفط الأميركية والأوروبية. نعم، كان للطريقي اتجاهات قومية، ولكن هذا ليس عيباً. والحقيقة، من لم يكن له اتجاهات قومية في ذلك الوقت؟

3- ما أهم نجاحات أوبك التاريخية؟  

هناك خلاف كبير حول هذا الموضوع. ولايكاد نجاح يذكر وبدلائل قوية، إلى وتجد خبيراً يقدم دلائل تنفي ذلك. وسبب أغلب الخلاف يعود إلى جزئيتيين، واحدة تاريخية والأخرى قانونية. الجزئية التاريخية تحوم حول فكرة أن بعض الأحداث كانت ستحدث على كل الحالات بوجود أوبك، أو عدم وجودها مثل حركة التأميم مثلاً، الجزئية القانونية أنه من الصعب معرفة إذا ماكانت المنظمة قامت بذلك أم أعضاء المنظمة بشكل منفصل.

ولايمكن الحديث عن نجاح أوبك إلى إذا عرف الوضع قبل تأسيس أوبك، شركات نفطية عالمية عملاقة تسيطر على الصناعة بالكامل، من بداية السفر إلى مكان ما للتنقيب عن النفط إلى بيع البنزين في المحطة، مدعومة بجيوش بلادها. في المقابل، كانت الدول النفطية ترزح تحت وطأة الاستعمار، أو في حماية الدول الكبرى، تعاني من الفقر المدقع واقتصاد لايكاد يوجد. ويكفي أن نذكر هنا أن الحكومات المحلية التي وقعت الامتيازات مع شركات النفط العالمية كانت تحصل على حوالي 16 سنتاً أميركياً عن كل برميل يصدر، بينما كانت تحصل الشركات على دولار كامل كربح صاف عن كل برميل! وكانت الشركات تتلاعب بالدفاتر المحاسبية بحيث جعلت الحكومات المحلية تشاركها دفع ضرائبها لحكوماتها في بلادها الأم!

وجاء تأسيس أوبك في فترة حركات التحرر العالمية وانتشار كبير للأفكار القومية العربية، وجاءت بعد تأميم محمد مصدق للنفط في إيران في عام 1951، وتأميم قناة السويس في 1956.

بغض النظر عن هذه الخلافات، التي أغلبها أكاديمية، من الواضح أن أكبر نجاحين حققتهما أوبك كمنظمة هما، تنفيق الريع وتشجيع أعضاء المنظمة على المشاركة في الشركات كي يكون لها دور أكبر في الإنتاج والتصدير. ونجحا في ذلك نجاحاً كبيراً حيث تم تنفيق الربع، الأمر الذي زاد من إيرادات الدول النفطية، وقامت بعض دول أوبك بالتأميم، بينما قامت دول الخليج بالمشاركة مع الشركات، الأمر الذي زاد إيراداتها من جهة، وأعطاها قدرة أكبرعلى التحكم في الإنتاج والتصدير.

ماعدا ذلك فهو خلافي لأن نجاحات أوبك في تخفيض الإنتاج ورفع الأسعار، أو زيادة الإنتاج لمنع الأسعار من الارتفاع بشكل كبير كي لاتضر بالطلب العالمي على النفط، قام بها بعض الدول الأعضاء وليس كل الأعضاء. ومشكلات تجاوز الإنتاج التي بدأت مع تطبيق الحصص الانتاجية في عام 1982، سمعنا عنها في وسائل الإعلام في الأشهر الأخيرة. هذا يعني أنه رغم مرور 38 سنة على تطبيق نظام الحصص مازالت المشاكل نفسها، وتتكرر باستمرار.

4- ما أهمية دور السعودية في أوبك

الأمر الوحيد الذي يتفق فيه كل الخبراء والإعلاميين، حتى أعداء النفط والعرب وأوبك، هو دور السعودية الهام في أوبك وأسواق النفط العالمية، وأنه لولا السعودية لما قامت لأوبك قائمة. ويذهب البعض أبعد من ذلك، وأنا منهم، إلى القول بأنه على أرض الواقع أوبك هي السعودية والسعودية هي أوبك. وأهمية دور السعودية تنبع من مرونتها في تغيير الإنتاج صعوداً أو هبوطاً بشكل لايمكن لأي دولة أخرى أن تقوم به، يساعدها في ذلك وجود طاقة إنتاجية فائضة.

5- هل حادت عن طريقها؟

عدد المتخصصين بأوبك وفلسفتها وتاريخها ودورها قليل، ويعد على الأصابع، وكلهم من الأكاديميين. وهناك سؤال يدور بينهم عما إذا كانت الرؤية الأصلية لأوبك تحتلف تماماً عن وضع أوبك الآن؟. هناك من يرى أنها حادت عن طريقها، وهناك من يرى أنها مشت في طريقها وحققت أهدافها. الحقيقة أن هذا الموضوع يحتاج وحده إلى كتاب. رؤيتي الخاصة أنها حادت عن طريقها، ولكن هذا التغيير هو الذي أبقاها حتى اليوم. لأنها لو تحولت إلى منظمة قوية مهمتها تطوير الدول الأعضاء بالشكل الذي تصوره ألفونسو والطريقي، لانتهت هذه المنظمة منذ زمن بعيد.

6- هل أوبك “كارتل”

من الأمور الخلافية جداً حول أوبك إذا ماكانت “كارتل”، أو منظمة احتكارية، تستطيع التحكم بالسعر لجني أرباح تفوق مايمكن أن تحققه الدول الأعضاء في سوق حرة. ويستدل من يرى أنها “كارتل” بالاجتماعات الدورية وقرارات تغيير الإنتاج صعوداً وهبوطاً. إلا أن الدراسات الأكاديمية تؤكد أن أوبك لايمكن أن تكون كارتل لأسباب عديدة أهمها، أنها لاتتمتع بصفات الكارتل التي تتضمن حصة سوقية ضخمة، وتقسيم السوق وتوزيع الحصص ومراقبة الصادرات ومعاقبة المخالفين، وتحديد نطاق سعري والدفاع عن الحد الأعلى والأدنى لذلك النطاق.  كما أن القرار في الكارتل يكون لإدارة الكارتل، وليس للأعضاء، وهذا على خلاف وضع أوبك حيث أن الدول الأعضاء تحتفظ بسيادتها ومن ثم بقرار الإنتاج. والتصويت في الكارتل يكون حسب حجم الحصة السوقية، بينما التصويت في أوبك متساو لكل الأفراد بغض النظر عن حجم حصصهم الانتاجية. كما أن هناك أموراً أكاديمية بحتة تتعلق بمرونة الطلب السعرية وغيرها. أهم مافي الأمر هنا أن “الكارتل” تكون حصتىه السوقية فوق 90 في المئة، بينما حصة أوبك السوقية لم تتجاوز 65 في المئة في أحسن الأحوال.

7- ما أهمية وجود أوبك؟

قيام السعودية وحلفائها بتغيير الإنتاج صعوداً وهبوطاً، حتى لو لم تشارك كل الدول الأعضاء، يمنع الذبذبات الكبيرة في أسواق النفط. لاشك أن فترة وجود أوبك منذ السبعينيات شهدت ذبذبات أكبر من فترة سيطرة شركات النفط العالمية منذ الأربعينيات وحتى بداية السبعينيات، ولكن تقلبات الأسعار ستكون أكبر وأكثر حدة، لولا وجود أوبك وقيام السعودية بقيادتها فعلياً.

كما أن أوبك مركز بحوث ضخم يضم عدداً كبيراً من الباحثين، ويستفيد كل الدول الأعضاء من هذه البحوث. وتشارك جميع الدول الأعضاء في التكاليف. فإذا لم تكن أوبك موجودة، فإن كل دولة مضطرة لإنشاء مركز بحوث أو الاعتماد على مراكز أخرى قد لاتكون مستقلة، وقد لاتتوافق مع مصالحها، وتكاليف ذلك أكبر بكثير من رسوم العضوية في أوبك.

أخيراً، لايمكننا أن نتجاهل الدور الدبلوماسي لأوبك. فرغم الحرب العراقية الإيرانية، ظل البلدان يحضران اجتماعات أوبك. ونفس الأمر ينطبق على العراق والكويت، والسعودية وليبيا، ودول الخليج وإيران. وعندما احتلت الولايات المتحدة العراق، وعينت حكومة جديدة هناك، لم تذهب إلى الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية للمطالبة بالاعتراف بالحكومة الجديدة، وإنما ذهبت إلى أوبك للاعتراف بالحكومة الجديدة وقبول مندوب العراق الجديد في المنظمة!

وعندما انهارت أسعار النفط طالب ترامب السعودية وروسيا ودول أوبك + بتخفيض الإنتاج ورفع الأسعار. الحقيقة هو كان يستجدي دول أوبك، ولكن عدم ذكره لأوبك يعود إلى عدائه الشديد لها خلال 30 سنة الماضية، وكونه ذكر ذلك في أحد كتبه وفي عدد من لقاءاته الصحفية. لذلك لم يذكرها لهذا السبب، وإنما كان يعنيها.

إلا أن الزمن قد تغير، وأوضاع السوق قد تغيرت بعد الزيادة الصخمة في إنتاج النفط في الولايات المتحدة وروسيا والبرازيل وغيرها. كما أن التحديات قد تغيرت أيضاً مع الحرب الشعواء على النفط بحجة التغير المناخي، وماصاحب ذلك من إعانات مليارية لمصادر الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية.

زيادة إنتاج دول خارج أوبك وتحديات الطلب العالمي على النفط، استلزمت تحالفاً جديداً أكبر من أوبك بكثير، وهو تحالف أوبك +. فهل يتم احتواء أوبك وذوبانها في أوبك + مع مرور الزمن؟ هل تتم إعادة هيكلة أوبك + بحيث تظهر منظمة جديدة تختلف تماماً عما كانت عليه أوبك في الماضي؟ كثير من الخبراء يعتقدون ذلك.

رابط المصدر:

https://www.independentarabia.com/node/151611/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D8%A4%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D9%88%D8%A8%D9%83-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D9%85%D9%86-%D8%B9%D9%85%D8%B1%D9%87%D8%A7

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M