تعدد المحاور: قراءة في تحولات السياسة الخارجية التركية

مارى ماهر

لطالما استجابت تركيا للمتغيرات الدولية والإقليمية خلال العقود الأخيرة من خلال هندسة تحولات لسياستها الخارجية على مستوى التوجهات والآليات والأدوات لتلبية مصالحها الوطنية العليا المتمثلة في جعلها قوة إقليمية مهيمنة لا غنى عنها والتأكيد على أهميتها الاستراتيجية عالميًا وخدمة الطموحات السياسية لحزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان. وفي هذا الإطار، مرت السياسة الخارجية التركية بعدة تحولات مرحلية على مدار العقدين الماضيين تكيفًا مع تطور البيئة الجيوسياسية على المستويين العالمي والإقليمي، وقد حملت المتغيرات الراهنة في طياتها محفزات الانتقال الثالث الذي حمل عنوان السياسة الواقعية البراجماتية متعددة المحاور لإصلاح العلاقات المتوترة مع الجيران والشركاء المهمين بعدما بلغت السياسة القائمة على الاستخدام المكثف للقوة حدودها القصوى.

ثلاث مراحل

مرت السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية منذ وصوله للحكم عام 2002 بثلاث مراحل رئيسية حكمتها الاستجابة للتغيرات الديناميكيات العالمية والإقليمية والمحلية؛ كالآتي:

• مرحلة صفر مشاكل: وهو مفهوم طوره رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، حكم السياسة الخارجية التركية خلال العقد الأول لحكم العدالة والتنمية تقريبًا، وجوهره إقامة علاقات دبلوماسية ومؤسسية مستقرة مع المناطق التي تشكل عمقًا استراتيجيًا لتركيا بما في ذلك الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز وآسيا الوسطى وبحر قزوين والبحر المتوسط والبحر الأسود، اعتمادًا على أساليب القوة الناعمة القائمة على تعددية الأطراف والعولمة النشطة والواقعية الحضارية بما يؤهلها للحصول على مكانة مركزية في الشئون الإقليمية. وانطلقت تلك السياسة من اعتقاد بأن نهج أنقرة خلال التسعينيات تجاه جوارها المباشر في القوقاز والشرق الأوسط (الأراضي السابقة للإمبراطورية العثمانية) اتسم بالتراجع، وأن التواصل خارج حلف الناتو كان ضعيفًا رغم القوة العسكرية والإمكانات الاقتصادية والروابط الاجتماعية والثقافية بالمناطق المجاورة، الأمر الذي أضعف تأثير أنقرة إقليميًا وأدى لتراجع استثماراتها الخارجية وشراكاتها العسكرية، الأمر الذي تطلب نهجًا متعدد الاتجاهات يرتكز على مبادئ “صفر مشاكل” و”العمق الاستراتيجي”.

وقد قاد هذا النهج أنقرة إلى قيادة محاولات تهدئة إقليمية شملت الانخراط في محادثات نووية مع إيران نيابة عن الولايات المتحدة وإتمام المصالحة مع سوريا بقيادة الرئيس بشار الأسد وقيادة محاولة وساطة عربية إسرائيلية والتواصل مع أكراد العراق. كما سمح للدبلوماسية التركية بتوسيع نفوذها إلى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق والقوقاز وآسيا الوسطى وشمل ذلك تأسيس منظمة الدول التركية عام 2009 والدخول في شراكة تعاونية ثلاثية مع جورجيا وأذربيجان وإقامة علاقات شراكة استراتيجية مع أوكرانيا. علاوة على تنفيذ مشاريع تجارية جديدة داخل عشرات البلدان وتحسين العلاقات مع روسيا وتوسيع المشاركة الدبلوماسية في أفريقيا.

• مرحلة الأمننة: بدأت منذ اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011 واتخذت طابعًا أكثر عنفًا وعسكرة بحلول منتصف 2016 لمعالجة المشكلات الأمنية التي فشلت القوة الناعمة في تحقيقها بحسب الرؤية التركية ارتباطًا بمتغيرات داخلية وخارجية فرضت ضغوطًا سياسية واقتصادية خطيرة على حكومة أردوغان لعل أهمها احتجاجات حديقة غيزي 2013 والانقلاب 2016 الفاشل والاتهام الموجه للقوى الإقليمية بالوقوف خلفه، والتهديد الكردي على طول حدودها الجنوبية مع سوريا والعراق، وتباين المصالح مع شركائها الغربيين وحلفائها بشأن المشاكل الإقليمية ولا سيما تلك المتعلقة بأمنها. وحكمت السياسة الخارجية التركية خلال تلك المرحلة مفاهيم الاستقلال والتدخلات الأحادية ودبلوماسية المدافع لحماية المصالح الأمنية غير القابلة للتفاوض وتقديم الدعم لتيار الإسلام السياسي، حيث نفذت سلسلة عمليات عسكرية داخل الشمال السوري وتحالفت مع هيئة تحرير الشام وقصفت الشمال العراقي مرات عدة ووسعت قواعدها العسكرية هناك لكبح التطلعات الكردية في البلدين، كما شاركت بتقديم الدعم العسكري في الصراعين الليبي وناجورنو كاراباخ، الأمر الذي أفضى بها إلى عزلة وصراع مع معظم جيرانها الإقليميين، وعزز الاصطفافات متعددة الأطراف المناهضة لها، وعمق الخلافات الثنائية مع شركائها الغربيين التقليديين كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وباتت مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي التي كانت هدفًا استراتيجيًا لحكومة أنقرة مستحيلة بحكم الخلافات ذات الأهمية الوجودية لتركيا الناتجة عن التوغلات المتكررة في مياه شرق المتوسط القبرصية والمواجهات مع السفن البحرية اليونانية والفرنسية، وعززت أزمة اللاجئين السوريين عام 2015 وتداعياتها الصعبة حالة انعدام الثقة بين الطرفين. كما تعقدت العلاقات الأمريكية التركية بعد شراء الأخيرة لنظام الدفاع الجوي الروسي S-400 في يوليو 2019 وتعليق واشنطن المشاركة التركية في برنامج الطائرات المقاتلة من طراز F-35، وأيضًا أثار التوغل العسكري التركي الذي استهدف الميليشيات الكردية السورية شمال شرق سوريا في أكتوبر 2019 التوترات مع الكونجرس الذي اعتبر الأكراد الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في حربها ضد داعش. فيما اتسمت العلاقات الروسية التركية بفترات صعود وهبوط حكمتها المنافسة العسكرية والدبلوماسية لإدارة الصراع السوري والليبي وحرب ناجورنو كاراباخ حيث دعمت البلدين أطراف متناقضة لكنهما طورا بالأخير نمطًا تعاونيًا تنافسيًا لتجنب الانزلاق لصدام مصالح داخل الساحات الصراعية المشتركة.

• العودة للنهج البراجماتي: تقف تركيا الآن على شفا منعطف آخر في السياسة الخارجية يحكمه الابتعاد عن الأحادية والعودة لسياسة خارجية متعددة المحاور لتقليل التداعيات السلبية لحقبة السياسات العدوانية الخشنة وفشله في توظيف الانتفاضات العربية، وتتسم تلك المرحلة بتعزيز التحالفات القائمة وتحسين العلاقات الثنائية، وإدارة تضارب المصالح، واتباع دبلوماسية استباقية تحافظ على الاتصال مع جميع الأطراف خلال الأزمات، والاستفادة من دبلوماسية القمم متعددة الأطراف. ويتضح النهج الجديد بالفعل في جهود إصلاح العلاقات المتدهورة مع أربع دول شرق أوسطية مهمة هي مصر والسعودية والإمارات وإسرائيل، وإحراز تقدم في العلاقات الأرمينية التركية حيث استؤنفت العلاقات الدبلوماسية والرحلات الجوية، والتهدئة في شرق المتوسط، ومساعي تسهيل المحادثات بين روسيا وأوكرانيا. ويدفع هذا التوجه مجموعة عوامل أهمها؛ الحاجة للتعزيز الدبلوماسي للمكاسب من الانتصارات العسكرية الأخيرة في ليبيا وسوريا وجنوب القوقاز، وكسر الاصطفافات المناهضة لها، وتزايد المنافسة الإقليمية مع روسيا وإيران، وخفض التكلفة الاقتصادية للمغامرات الخارجية، وتغيير الرئاسة الأمريكية في بداية عام 2021.

سياقات حاكمة

حملت مقتضيات اللحظة الجيوسياسية الراهنة على المستويين العالمي والإقليمي ومتطلبات الواقع المحلي في طياتها عوامل الانعطافة الثالثة في السياسة الخارجية، بمعنى أكثر وضوحًا وتفصيلًا؛ فقد أجبر الثمن السياسي والاقتصادي لعزلة أنقرة الدبلوماسية وضرورة التكيف مع النظام الإقليمي الذي نشأ بعد اتفاقيات إبراهيم الموقعة بين إسرائيل ودول عربية الحكومة التركية على تسكين التوترات مع السعودية والإمارات ومصر، الأمر الذي يفتح قنوات جديدة لتعزيز أصول تركيا الدبلوماسية والاستراتيجية والاقتصادية في سياستها الخارجية إذ أثبتت العلاقات المتوترة بين الجهات الإقليمية الرئيسية أنها تضر بالآفاق الحقيقية للعلاقات الاقتصادية.

كما حفزت الرغبة التركية في استغلال مزايا موقعها الجغرافي وبنيتها التحتية للغاز كطريق عبور لصادرات الغاز الإسرائيلية إلى أوروبا، وهو الخيار الذي اكتسب قيمة بعد سحب الدعم الأمريكي لمشروع خط أنابيب إيست ميد، تحسين العلاقات مع إسرائيل. وأيضًا دفعت رغبتها في تفكيك شبكة التعاون الإقليمية التي نشأت مما يسمى بالشراكات الثلاثية (مصر-قبرص-اليونان وقبرص-اليونان-إسرائيل، ومنظمة غاز شرق المتوسط) لمحاولة نزع فتيل التوترات مع دول شرق المتوسط وأحياء آليات الاتصال القديمة التي تعطلت خلال السنوات الأخيرة، لكن هذا المسار ربما يشهد تعثرًا خلال المرحلة المقبلة لما تعتبره تركيا تطويقًا لمصالحها الأمنية بعدما أعلن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس موافقة واشنطن على صفقة طائرات F-16 لأثينا وحثه للكونجرس على رفض صفقة مماثلة لتركيا، حيث تنظر أنقرة للتعاون العسكري والأمني الأمريكي اليوناني بالطريقة نفسها التي تنظر بها لدعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، أي تحالفًا بين الغرب وخصومها التقليديين من أجل الإضرار بمصالحها الأمنية.

ولا يمكن إغفال المصالح السياسية والاقتصادية المحلية كأحد أهم محركات التحول في نهج السياسة الخارجية، حيث تشهد تركيا أزمة اقتصادية حادة وتتفاقم منذ عام 2017، حيث ارتفع سعر صرف العملة من 3.1 ليرة للدولار في يوليو 2017 إلى 17.3 ليرة للدولار في يونيو 2022 مما أدى لبلوغ التضخم مستويات قياسية مسجلًا 78.6% على أساس سنوي في يونيو الأمر الذي انعكس على تراجع القوى الشرائية ومستويات المعيشة للأتراك وتزايد معدلات الفقر. وبالنظر إلى أن الوضع الاقتصادي يمكن أن يضر بآفاق أردوغان الانتخابية، فإن تحسين العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول الشرق أوسطية المهمة اقتصاديًا قد يساهم في إعادة فتح أسواقها الضخمة أمام الصادرات التركية ويتيح إمكانية رفع واردات المنتجات الزراعية والمصنعة ويسمح بتنشيط قطاع السياحة، وبالتالي قد يساهم في تحقيق انتعاش اقتصادي ضروري لكسب تصويت قاعدة الانتخابية القومية المحافظة. وبالمثل تعتبر أوروبا جزءًا مهمًا من هذا التوجه حيث تظل تركيا متكاملة اقتصاديًا تمامًا مع الاتحاد الأوروبي بفضل الاتحاد الجمركي القائم منذ عام 1996 والعلاقات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية الثنائية التي تعود إلى قرون.

كذلك، ساهمت التطورات الأخيرة في الجغرافيا السياسية العالمية في هذا التحول نحو الاعتدال؛ فقد شكل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، الدولة التي تمارس فيها تركيا نفوذًا كبيرًا، فرصة لتأكيد قدرتها على الحوار مع نظام طالبان، حيث ظهرت كلاعب رئيسي في الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة مع القوى الغربية وحلف شمال الأطلسي، ويضاعف النفوذ التركي هذا في آسيا الوسطى أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة إذا أرادت الوصول إلى هذه المنطقة.

وأيضًا، أتاحت الحرب الأوكرانية لتركيا فرصة لإعادة تموضعها استراتيجيًا حيث أرادت توظيفها لتحقيق هدفين؛ أولهما تأكيد مكانتها العالمية والإقليمية عبر المحافظة على علاقتها متوازنة بين موسكو وكييف دون تعريض حساباتها الجيواستراتيجية في المنطقة للخطر وتجنب الانضمام إلى العقوبات الغربية ضد روسيا بشكل يضمن لها الترويج لاستقلالها الاستراتيجي، وثانيهما تعزيز نفوذها الجيوسياسي والاقتصادي من خلال تشكيل ديناميكيات الأزمة الحالية. ويتفق هذا التوجه مع قراءة بعض القادة الأتراك لمستقبل هيكل النظام الدولي حيث يعتقدون أننا بصدد نظام عالمي متعدد الأقطاب مما يوفر للقوى الإقليمية مثل تركيا مساحة أكبر للمناورة وبالتالي يُمكن خدمة المصالح الوطنية من خلال التوازن الجيوسياسي بين القوى الغربية وروسيا، مجادلين بأن الانتماء الدفاعي الحصري للبلاد إلى حلف الناتو هو شيء من الماضي، وأن التطورات التي شهدتها البلاد منذ سقوط الاتحاد السوفيتي يجب أن تعيد وضع تركيا بعيدًا عن الناتو وتوجهها نحو موقع مستقل بين مراكز القوى المختلفة.

وبالفعل، أبرزت الحرب الأوكرانية الأهمية الاستراتيجية لتركيا بالنسبة للغرب وجعلتها أكثر قيمة للبنية الأمنية الأوروبية الأمر الذي ساهم في كسر عزلتها الدولية وأتاح لها لعب أدوار أكثر بروزًا على الساحة العالمية لتحسين مكانتها الدولية، حيث لعبت دورًا رئيسيًا في تأمين صفقة الحبوب التي وقعتها روسيا وأوكرانيا الشهر الماضي والتي تهدف إلى تجنب أزمة الغذاء العالمية، كما سمحت عملية الموازنة الصعبة والحفاظ على الاتصالات بين طرفي الصراع قبل الحرب وأثنائها، لتركيا بطرح نفسها كوسيط حيث استضافة محادثات سلام في أنطاليا (11-13 مارس 2022) بمشاركة وزيري خارجية البلدين، ثم استضافت محادثات أخرى في إسطنبول يوم 29 مارس.

كما استغلت أنقرة مكانتها في الناتو لانتزاع تنازلات في قضايا السياسة الخارجية وخدمة أهدافها الأمنية المركزية، فلم يكن تحركها لتأجيل الطلبات الفنلندية والسويدية لعضوية الناتو يهدف إلى إعاقة القرار الاستراتيجي لتوسيع الحلف ردًا على العدوان الروسي على أوكرانيا، ولكنها كانت خطوة محسوبة لإظهار استمرار امتلاك تركيا القدرة على تغيير قواعد اللعبة واستثمار مكانتها هذه لدفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تقديم تنازلات بشأن طائرات F-16 ومسألة حظر الأسلحة، ولمعالجة القضايا الأمنية على المستوى الثنائي المرتبطة بعناصر قسد الذين تئويهم الدولتين حيث رأى أردوغان أن الناتو لا يأخذ مخاوف تركيا الأمنية على محمل الجد وأن هذه لحظة مناسبة لإجبار الناتو على التعامل مع تلك المخاوف، وتزامن ذلك مع تهديدات تركية متكررة لاستهداف القوات الكردية في منبج وتل رفعت شمال سوريا ضمن سياسة طويلة الأمد تعتبر قوات سوريا الديمقراطية جزءًا من حزب العمال الكردستاني.

وبالتوازي يشكل الموقف التركي فرصة شخصية لأردوغان لتحقيق أغراضه السياسية وبالأخص تعزيز فرصه الانتخابية بين جمهور الناخبين من خلال دغدغة مشاعر القطاعات القومية عبر تحقيق نصرًا في معركة سياسية مع أوروبا لاسيمَّا أن بعض القضايا الوطنية مثل الدعم الغربي لقوات سوريا الديموقراطية ونزاع ترسيم الحدود البحرية مع اليونان يتجاوز الخطوط الحزبية ويحظى بإجماع القوى السياسية المختلفة ويتوقع أن تتبني أي حكومة تركية موقف مماثل.

ومع ذلك، قد تهدد الحرب الأوكرانية وتداعياتها الاستقرار في عدد من القضايا الإقليمية التي تعتبر حيوية لأمن تركيا، فعلى سبيل المثال، كانت سياسة تركيا الإقليمية مبنية على شراكة ظرفية مع موسكو، تؤدي الحرب إلى إحداث فوضى بالتوازن الإقليمي في جنوب القوقاز ومنطقة البحر الأسود والشرق الأوسط (سوريا تحديدًا) بشكل قد يعزز الحضور الإيراني بالأخص داخل الساحة السورية، الأمر الذي يضيف المزيد من العناصر الخلافية بين القوتين الإقليميتين المتنافستين ويفاقم التوترات القائمة بالفعل بشأن عدة قضايا بما في ذلك، الموقف الإيراني السلبي تجاه أي عملية عسكرية تركية شمال سوريا، والتنافس على النفوذ في القوقاز والعراق، والخلافات على الموارد المائية، وغضب أنقرة بشأن التعدي على السيادة التركية عبر التجسس ومحاولات الاغتيال لمنفيين إيرانيين على أراضيها، ومحاولات هجمات إيرانية على أهداف إسرائيلية داخل تركيا.

كذلك، لايزال الخيار العسكري مطروحًا لمعالجة مخاوف أنقرة الأمنية وبالأخص القضية الكردية، حيث شهدت الأيام الماضية قصفًا بطائرات بدون طيار تركية لعدة مناطق سورية خاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، خاصة في منطقة تل رفعت وقرى عين عيسى وتل تمر وكوباني، كما قصفت المدفعية منتجع زاخو السياحي بمنطقة دهوك الواقعة ضمن إقليم كردستان العراق في 20 يوليو الجاري، الأمر الذي يرجح صعوبة وربما استحالة إتمام مصالحة تركية سورية خلال المرحلة الحالية، ويخلق مناخًا من الدبلوماسية التصعيدية بين بغداد وأنقرة بشكل يعطي طهران مساحة أكبر للمناورة على الساحة العراقية، ويكشف عن نطاق التنافس التركي الإيراني المتزايد في شمال العراق.

ختامًا؛ فرضت المعطيات الدولية والإقليمية والمحلية الراهنة على تركيا إعادة توجيه سياستها الخارجية نحو نهج متعدد المحاور وأكثر براجماتيةً وهدوءًا يعطي مساحة أكبر لصالح التفاهمات الدبلوماسية والسياسية مقابل تراجع سياسة المواجهة وتقليل التداخلات الأمنية بهدف بناء علاقات إيجابية مع الشرق الأوسط واستعادة موقعها كشريك استراتيجي للولايات المتحدة وتقليل التوترات مع الاتحاد الأوروبي دون قطع العلاقات المتميزة والصعبة مع روسيا. ومن المرجح أن تواصل تركيا استراتيجية الحياد والتحوط في ظل بيئة عالمية مضطربة يسودها عدم الاستقرار وتشهد إعادة تشكيل التحالفات، لأن الانحياز إلى جانب سيعني تقليص قدرتها على العمل كجسر بين روسيا والحلفاء الغربيين، لذلك قد تكون الدولة الأكثر موثوقية عندما يتعلق الأمر بالمفاوضات المحتملة بين روسيا وأوكرانيا. ومع ذلك، ليس متوقعًا إغفال أنقرة عن تأمين مصالحها الوطنية في سوريا وليبيا والقوقاز ومنطقة شرق المتوسط، بما يُعطي مؤشرًا على استمرار الحلول العسكرية كخيار لا يزال مطروحًا لمعالجة بعض المسائل الأمنية التي تعتبرها

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/20454/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M