تعزيز العلاقات الأمريكية الجزائرية وسط انعقاد “قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا”

سابينا هينبرج

 

في الوقت الذي يتنامى فيه التعاون العسكري بين الجزائر وروسيا وتتكاثر فيه تحديات مكافحة الإرهاب في أفريقيا، لا تستطيع واشنطن أن تقف مكتوفة اليدين معتبرةً أن هذه العلاقة أمراً مسلماً به.

من بين حوالي خمسين رئيس دولة حضروا “قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا” هذا الأسبوع، كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أحد الغائبين البارزين. وعلى الرغم من أن علاقات واشنطن مع الجزائر لم تكن دافئة على مر السنين، إلا أنها لم تكن غير ودية أيضاً. لذلك فإن قرار تبون بتفويض رئيس الوزراء أيمن بن عبد الرحمن بالحضور بدلاً منه يجب أن يرسل إشارة صغيرة بل مهمة إلى واشنطن للتنبه إلى دور الجزائر الذي يتطور سريعاً على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

ولطالما صورت السياسة الخارجية الجزائرية نفسها على أنها غير منحازة، لكن اندلاع الحرب في أوكرانيا غيّر هذا الموقف، نظراً لعلاقات روسيا الوثيقة تاريخياً مع الجزائر. وبدلاً من انجرار الجزائر إلى الصراع، تمكنت من الاستفادة منه – وهو وضع أثار انتقادات الغرب وقد يؤدي إلى فرض عقوبات أمريكية.

قبل الغزو الروسي، كانت الجزائر تتعامل مع الاضطرابات السياسية والاقتصادية في أعقاب الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت في عام 2019، وأرغمت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على ترك منصبه. غير أن هذه الاضطرابات هدأت إلى حدٍ كبير، وساعدت العائدات الناتجة من ارتفاع أسعار الطاقة الحكومة على استعادة أنفاسها بعض الشيء على الصعيد المالي، والعودة إلى تطبيق بعض السياسات الريعية التي كانت تقلّصها. ومنذ ذلك الحين، بدأت الجزائر تعتبر نفسها مورّداً رئيسياً للطاقة إلى أوروبا، بينما تُظهر في الوقت نفسه أنها لن تذعن للغرب – على سبيل المثال، حصلت على صفقات في مجال الطاقة ووسّعت التعاون العسكري مع إيطاليا، لكنها انسحبت أيضاً من العلاقات مع إسبانيا وفرنسا.

وبالتزامن مع ذلك، حرصت الحكومة على عدم تنفير موسكو، جزئياً من خلال امتناعها عن تأييد القرارَيْن اللذين اعتمدتهما “الجمعية العامة للأمم المتحدة” هذا العام اللذين يدينان غزو أوكرانيا. ولا شك في أن هذا الموقف تأثر بالعلاقة الأمنية الوثيقة بين البلدين، إذ تستورد الجزائر من روسيا حوالي 80 في المائة من أسلحتها، وأجرى البلدان تدريبات عسكرية مشتركة بالقرب من الحدود المغربية الشهر الماضي. ووفقاً لبعض التقارير، ستجري الجزائر قريباً عملية شراء كبيرة أخرى تشمل غواصات، وطائرات الشبح “إس يو-57″، وقاذفات “إس يو – 34″، ومقاتلات “إس يو – 30”.

وفي أيلول/سبتمبر، دفعت صفقات الأسلحة هذه مجموعةً من الحزبين في الكونغرس الأمريكي إلى بعث رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن تدعوه فيها إلى فرض عقوبات على المسؤولين الجزائريين. وعلى الرغم من أن بعض المحللين أعربوا عن شكوكهم في فرض العقوبات، إلّا أن آخرين شجعوا على اتخاذ مثل هذه الإجراءات، مشيرين إلى أن الجزائر لا تشتري المزيد من الأسلحة من موسكو فحسب، بل تخطط أيضاً لشراء طائرات مسيّرة إيرانية.

ومما يزيد الأمور تعقيداً هو دعم الجزائر لـ”جبهة البوليساريو”، التي تمثّل مطالبة الصحراء الغربية بالاستقلال عن المغرب. ففي أواخر عام 2020، اعترفت إدارة ترامب بمطالبة المغرب بالمنطقة المتنازَع عليها مقابل موافقة الرباط على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وفي ذلك الوقت، تكهّن البعض بأن هذا القرار المتعلق بالصحراء قد يضرّ بالعلاقات الأمريكية مع الجزائر، لكن هذه المخاوف لم تتحقق حتى الآن، بل على العكس من ذلك، شهدت البلاد سلسلة من الزيارات البارزة من قبل المسؤولين الأمريكيين، شملت الوفد الأخير برئاسة بريت ماكغورك، منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي. علاوة على ذلك، لم تعمل إدارة بايدن على إلغاء قرار ترامب، ويرجع ذلك على الأرجح إلى العلاقات القوية مع المغرب.

كما أدى التنافس مع الرباط أيضاً إلى تحفيز الأنشطة الدبلوماسية الجزائرية المتوسعة في أفريقيا في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد إعادة انضمام المغرب إلى “الاتحاد الأفريقي” في عام 2017. وقد لعب موقع الجزائر المركزي على ممرات النقل والطاقة بين أوروبا وأفريقيا دوراً رئيسياً أيضاً – على سبيل المثال وقّعت الحكومة الجزائرية اتفاقيات لبناء طرق مع موريتانيا وخطوط أنابيب الغاز الطبيعي مع نيجيريا والنيجر.

مبررات تعزيز العلاقات الأمريكية

من منظور المنافسة بين القوى العظمى، فإن أي محاولة لإضعاف العلاقة القائمة منذ زمن طويل بين الجزائر وروسيا أو إبعاد الجزائر عن النفوذ الصيني ستكون محاولة صعبة على الأرجح إن لم تكن مستحيلة. وفي الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، تقدمت البلاد بطلب للحصول على عضوية في “مجموعة البريكس” (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، بتأييد من بكين.

ومع ذلك، لدى واشنطن العديد من المصالح الأخرى – والخيارات – لتعزيز علاقاتها مع الجزائر. والأهم من ذلك، إن الجزائر شريكة مهمة في مكافحة الإرهاب، وستؤدي على الأرجح دوراً عسكرياً رئيسياً في منطقة الساحل، حيث ينشط الجهاديون بشكل متزايد. وتزيد الجزائر إلى حد كبير في ميزانيتها المقترَحة لعام 2023 من إنفاقها الهائل أساساً في مجال الدفاع، وتصل نسبة هذه الزيادة إلى 130 في المائة تقريباً، لذلك سيكون لديها قدرة كبيرة على لعب مثل هذا الدور.

في المقابل، فإن أي عدم استقرار داخلي في الجزائر قد يؤدي إلى إضعاف فعاليتها في مُهمات الأمن الإقليمي، لذلك يجب أن تعزز واشنطن انخراطها الاقتصادي والسياسي أيضاً. على سبيل المثال، لن تتمكن البلاد على الأرجح من الحفاظ على وضعها المالي القوي دون التقليل من اعتمادها على الهيدروكربونات. ومع ذلك، فشلت الجزائر حتى الآن في جهودها لتحقيق التنويع الاقتصادي، كما أن عملية تنقيبها عن احتياطيات ضخمة من الزيت الضخري لم تؤتِ ثمارها. ولا تشكل الإصلاحات القانونية الأخيرة لتشجيع الاستثمار الأجنبي في قطاع الطاقة سوى خطوة صغيرة نحو الابتعاد عن سيطرة الدولة الكبيرة على الاقتصاد.

ومن الناحية السياسية، تُعتبَر شرعية الحكومة منخفضة للغاية، إذ لم تتجاوز نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت في العام الماضي 24 في المائة. وإلى جانب استمرار القمع والتحديات الاجتماعية، يشير هذا المزاج العام الذي يسوده الشك إلى أن جولات جديدة من الاضطرابات قد تلوح في الأفق.

وعلى الصعيد الثقافي، أعلنت الجزائر مؤخراً عن خطط لتدريس اللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية كجزء من جهد تدريجي لاستبدال اللغة الفرنسية (وبشكل ملحوظ، لم ترسل الحكومة ممثلين إلى القمة الأخيرة للدول الناطقة بالفرنسية التي انعقدت في تونس). وتمنح مثل هذه التغييرات واشنطن فرصة نادرة للمشاركة البناءة بالإضافة إلى الدبلوماسية رفيعة المستوى والجهود المبذولة لتعميق العلاقات العسكرية.

 

سابينا هينبرج هي “زميلة سوريف” في معهد واشنطن.

 

.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/tzyz-allaqat-alamrykyt-aljzayryt-wst-anqad-qmt-qadt-alwlayat-almthdt-wafryqya

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M