توقيف شحنة أسلحة من الأردن يسلّط الضوء على مشكلة التهريب في إسرائيل

  • ماثيو ليفيت
  • لورين فون ثادن

 

تتصدر قضية عضو مجلس النواب الأردني المتهم بتهريب الأسلحة عناوين الصحف، لكنها مجرد جزء صغير من الزيادة الحادة في تهريب الأسلحة عبر حدود الأردن وإسرائيل.

في 22 نيسان/ أبريل، اعتقلت السلطات الإسرائيلية النائب الأردني عماد العدوان عند “معبر جسر اللنبي” أثناء محاولته إدخال أكثر من 200 بندقية إلى الضفة الغربية. وعادة ما يمر النواب الأردنيون عبر هذا المعبر من دون تفتيش، لذلك من المرجح أن يكون التوقيف ناتجاً عن تحذير مسبق من سلطات الاستخبارات. وفي حين أن تهريب الأسلحة من الأردن آخذ في الازدياد، يتميّز هذا الحادث عن سواه بعدد الأسلحة المصادرة، وتورط عضو في مجلس النواب، ومحاولة استخدام معبر رسمي (مقارنة بمناطق أخرى على طول الحدود غير الخاضعة للحراسة الكافية).

ويستند التحليل التالي إلى المعلومات التي جمعها كاتبا هذا المقال وتم تنظيمها في مجموعة بيانات مفتوحة المصدر تتعلق بـ 98 محاولة تهريب عبر الحدود الإسرائيلية (من بينها 35 حالة تهريب من الأردن إلى إسرائيل) خلال الفترة من آذار/مارس 2021 إلى 23 نيسان/أبريل 2023. وعلى الرغم من تركيز هذا “المرصد السياسي” على تهريب الأسلحة من الأردن، إلا أن مجموعة البيانات الأوسع نطاقاً تغطي تهريب الأسلحة والمخدرات والعُملات من مصر وغيرها من المناطق، بالاستناد على التقارير الحكومية، والبيانات الصحفية، والمقالات الإخبارية، والمقابلات مع كاتبي هذا المقال.

زيادة التهريب من الأردن

شهدت فترة السنتين الموثقة في مجموعة البيانات ارتفاعاً كبيراً في تهريب الأسلحة من الأردن إلى إسرائيل والضفة الغربية، مما ساهم في تأجيج عدم الاستقرار وازدياد الإرهاب وأنشطة العنف الأخرى. فقد أحبطت الشرطة الإسرائيلية ما لا يقل عن 35 محاولة تهريب من الأردن خلال هذه الفترة، وصادرت أكثر من 800 قطعة سلاح. وفي عام 2022 وحده، ارتفع عدد الأسلحة المصادرة إلى حوالي 570، وفقاً لـ “الجيش الإسرائيلي”. كما أفادت التقارير أن السلطات الأردنية أحبطت أكثر من 20 مؤامرة تهريب من هذا القبيل على مدى السنوات الثلاث الماضية، معظمها يتضمن مسدسات من عيار 9 ملم. ولم يتم الإبلاغ علناً عن الكثير من الحوادث الإضافية على جانبَي الحدود – وكما علم كاتبا هذا المقال في محادثات خاصة مع المسؤولين، تقع حادثة أو حادثتي تهريب كل أسبوع عبر الحدود الإسرائيلية الأردنية، بعضها يتم اعتراضها، والبعض الآخر يتم الكشف عنها بعد وقوعها فقط.

وفي حين تستفيد التنظيمات الإرهابية من بعض عمليات تهريب الأسلحة هذه، إلا أن الغالبية العظمى منها تتم ضمن شبكات تهريب إجرامية تضم قبائل بدوية وتمتد على الحدود الأردنية والإسرائيلية والمصرية. لكن المثير للاهتمام أن عملية التهريب التي قام بها عماد العدوان لا يبدو أنها شملت هذه الشبكات.

العرض والطلب

على غرار الأسواق الأخرى، تعمل الأسواق السوداء التي يغذّيها تهريب الأسلحة بناءً على العرض والطلب، والطلب في هذه الحالة وافر. فالأردن يقع عند مفترق طرق في منطقة تتخبط في الصراعات وتفيض بالأسلحة، حيث تدخل الأسلحة إلى المملكة من سوريا والعراق المجاورتين عبر طرق تهريب قديمة، والتي أصبح الكثير منها أكثر صعوبة في تسيير الدوريات بعد أن سيطرت الجماعات الجهادية على الجانب السوري من الحدود (على وجه الخصوص، يبدو أن هذا الوضع لم يتحسن بعد أن أعادت قوات النظام السوري السيطرة على بعض المناطق الحدودية). وقد كشفت المقابلات التي أجراها كاتبا هذا المقال أن ثمن المسدس يبلغ حوالي 2000 دولار في سوق الأسلحة المتخمة في الأردن – لكنه يباع بـ 5000 دولار في الضفة الغربية.

وفي الوقت نفسه، لا يزال الطلب على الأسلحة مرتفعاً في الضفة الغربية وإسرائيل. ويعزى بعض هذا الطلب إلى تصاعد النشاط المسلح في الضفة الغربية خلال العامين الماضيين، بما في ذلك من قبل تنظيمات جديدة غير مرتبطة بحركة “حماس” أو “حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين”. ففي عام 2022، قُتل واحد وثلاثون إسرائيلياً في الهجمات الإرهابية، مقارنة بأربعة قتلى في عام 2021 وثلاثة في عام 2020. كما قُتل ثمانية عشر آخرون في عام 2023، إضافة إلى أكثر من 90 فلسطينياً. ووسط هذه الموجة من الإرهاب وما صاحبها من ارتفاع في الجرائم، ارتفعت الطلبات الإسرائيلية للحصول على تراخيص الأسلحة بنسبة 400% منذ عام 2021. وبالمثل، سعت العصابات الإجرامية إلى شراء المزيد من الأسلحة خلال هذه الفترة. ووفقاً لأحد تجار القدس الشرقية، إن “البنادق في كل مكان… يمكنك شراء بندقية في غضون ساعة واحدة … وحتى يمكنك شراء بندقية رشاشة … إنها باهظة الثمن. ولكن الطلب مرتفع جداً. لذلك فهي تجارة مربحة للغاية”.

ولكن في حين أن الكثير من هذه الأسلحة تتدفق من الأردن، إلا أن المملكة الهاشمية ليست بأي حال من الأحوال المصدر الوحيد للأسلحة في السوق السوداء. إذ تكمن المشكلة الأكبر في السرقة المنظمة للأسلحة والذخائر من قواعد “الجيش الإسرائيلي”. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2022 على سبيل المثال، أقدم لصوصٌ على سرقة 70 ألف رصاصة ونحو سبعين قنبلة يدوية من قاعدة للجيش في شمال البلاد. وأفاد أحد التقارير أن 70% من حوادث إطلاق النار الإسرائيلية في عام 2021 استخدمت أسلحة مسروقة من “الجيش الإسرائيلي”، بينما وجدت دراسة أخرى أنه ما بين أسلحة الجيش المسروقة وتلك التي يتم تهريبها عبر مناطق “السلطة الفلسطينية”، هناك الآن عشرات الآلاف من الأسلحة غير القانونية في المجتمعات العربية في إسرائيل.

ما الذي يتم تهريبه وأين يتم تهريبه على وجه التحديد؟

عند اعتقال النائب الأردني، أفادت التقارير أنه كان يخفي ثلاث حقائب من الأسلحة تحتوي على حوالي 200 مسدس ونحو عشر بندقيات هجومية من طراز “إي-آر-15”. وهذا الرقم يفوق بكثير عدد الأسلحة المعتاد الذي يتم ضبطه على طول الحدود الأردنية، والذي بلغ بالمتوسط نحو 15 مسدساً وبندقية هجومية واحدة أو اثنين خلال العامين الماضيين. وتشير الأرقام الاستثنائية الأخيرة (وإن كانت أصغر) إلى أن نطاق هذا التهريب قد يتسع. ففي وقت سابق من هذا الشهر، على سبيل المثال، صادرت الشرطة 63 مسدساً واعتقلت مواطناً بدوياً إسرائيلياً يشتبه في قيامه بتهريبها من الأردن. وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، اعتقلت السلطات الإسرائيلية شقيقين بدويين وفلسطينياً من شمال الضفة الغربية بتهمة تهريب الأسلحة وحوالي 150 ألف رصاصة قاموا ببيعها بعد ذلك لعناصر في “حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين” في الضفة الغربية ولمجرمين في جنوب إسرائيل.

والجدير بالذكر أن التهريب الذي تغطيه مجموعة بيانات 2021-2023 لا يقتصر على البنادق. فعلى طول الحدود الأردنية، بلغت محاولات تهريب الأسلحة نسبة 94 في المائة من إجمالي المحاولات، بينما استحوذت المخدرات على النسبة المتبقية؛ كما احتوى أحد المخابئ على 80 ألف دينار أردني. وفي المقابل، شكلت المخدرات نسبة 93 في المائة من محاولات التهريب على طول الحدود المصرية، بينما شمل عدد قليل منها فقط الأسلحة، وتضمنت محاولة واحدة تهريب ثلاث عشرة سبيكة من الذهب.

أما بالنسبة إلى الموقع المحدد لكل عملية تهريب عبر الحدود، فغالباً ما تكون هذه المعلومات غير معروفة في حالة الحوادث الأردنية المصدر، لأن البيانات الصحفية الحكومية والتقارير الإعلامية تحدد مكان حدوث الاعتقالات الذي لا يكون عادةً هو نفسه المكان الذي يحدث فيه التهريب الفعلي. وبشكل عام، وقعت جميع محاولات التهريب الأردنية المدرجة في مجموعة البيانات، باستثناء محاولة واحدة، على طول الجزء الشمالي من الحدود فوق البحر الميت، حيث عبر المشتبه بهم إما إلى الضفة الغربية أو دخلوا إسرائيل في مكان ما بين بيت شآن وحمات غدير.

الخاتمة

على الرغم من توتر العلاقات الإسرائيلية الأردنية بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، إلّا أنه من غير المرجح أن يؤدي اعتقال النائب العدوان إلى زعزعة استقرارها. فقد أصدرت وزارة الخارجية الأردنية بياناً أشارت فيه بهدوء إلى أنها تتابع تقارير الاعتقال مع السلطات المعنية، في حين بذل وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين جهداً خاصاً ليصرّح بإنه لا يلوم الحكومة الأردنية على الحادثة، بل وصف ما حدث بأنه “عمل إجرامي متهور”. وينبع ضبط النفس هذا من حقيقة أن الحكومتين تعملان بجد وبتنسيق وثيق لمنع الأنشطة الإرهابية والإجرامية عبر حدودهما الممتدة على طول 483 كيلومتراً، ومن ضمنها الضفة الغربية. وفي المحادثات الخاصة، غالباً ما يثني المسؤولون الإسرائيليون والأردنيون على جهود بعضهم البعض لمكافحة التهريب عبر الحدود – على الرغم من أنهم يشيرون عادةً إلى أنه يمكن فعل المزيد. وفي الواقع، على الرغم من جرأة قضية عماد العدوان، إلّا أن التهديد الأكبر لكلا البلدين لا يزال نابعاً من عمليات التهريب اليومية على طول حدودهما الشمالية التي تفتقر إلى الحراسة الكافية.

 

.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/twqyf-shhnt-aslht-mn-alardn-yslwt-aldw-ly-mshklt-althryb-fy-asrayyl

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M