تيكاد 8: اليابان وأفريقيا بين القضايا المشتركة وفرص التعاون المستقبلية

شيماء البكش

 

استضافت العاصمة التونسية خلال (27-28) أغسطس 2022 الدورة الثامنة لمؤتمر طوكيو الدولي حول التنمية الأفريقية (تيكاد 8)، كأول قمة تعقد في عهد رئيس الوزراء الياباني الجديد “فوميو كيشيدا”؛ ما يجعلها تحمل تساؤلات حول مستقبل الحضور الاستراتيجي الياباني في أفريقيا.

وفي سياق التنافس الدولي على القارة، والحضور الصيني المتنامي في أفريقيا، جنبًا إلى جنب مع تصاعد التحديات العالمية، وما تفرضه من أولويات على أجندة المنتديات متعددة الأطراف، خاصة في ظل تداعيات كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية، والتغيرات المناخية وما تفرضه من قيود على مؤشرات التنمية المستدامة؛ فإن أجندة القضايا اليابانية الأفريقية بحاجة إلى إعادة صياغة، على نحو يضمن استمرار نهج “شينزو آبي” من جهة، وتلبية التطلعات الأفريقية واليابانية من جهة أخرى.

إرث اليابان

لليابان طموحات قوية في أفريقيا، كجزء من طموحها العالمي في تعظيم مكانتها على الساحة الدولية. والعلاقات بينهما ليست بجديدة، بل تعود إلى القرن السادس عشر، ومع ذلك مثّل الانفتاح التدريجي لليابان على العالم عاملًا في تباطؤ توطيد العلاقات الشعبية بين الجانبين. وتعد اليابان من أوائل الدول التي أطلقت مؤتمرات للقمم الأفريقية بعد فرنسا، في أوائل عقد التسعينيات، حيث كانت أول قمة يابانية – أفريقية في طوكيو عام 1993، وظلت اليابان تحتضن القمة بشكل دوري كل خمسة أعوام، حتى اتُفق في قمة عام 2013 على أن تعقد القمة بالتبادل بين اليابان والدول الأفريقية كل ثلاثة أعوام.

وكانت كينيا أول دولة أفريقية تستضيف “تيكاد 6” عام 2016، ومثّلت استضافت دولة أفريقية للحدث عاملًا في معالجة مخاوف مجتمع الأعمال الياباني الذي ينظر إلى السوق الأفريقية بوصفها بعيدة وعالية المخاطر، مقارنة بالأسواق الآسيوية والأوروبية. لكن مثّل اصطحاب “شينزو آبي” عددًا من قادة المنظمات اليابانية وحوالي 200 من ممثلي الشركات اليابانية فرصة للانفتاح التجاري والاقتصادي بين الجانبين.

وبهذا أكدّ شينزو آبي على تحويل التيكاد إلى منصة لتعزيز الاستثمار التجاري والتعاون الاقتصادي، بدلًا من المساعدات الإنمائية. فقطعت العهود في قمة تيكاد 7 في يوكوهاما عام 2019، إلى إيصال الاستثمارات اليابانية في أفريقيا إلى ما يزيد على 20 مليار دولار. لكن جاءت جائحة كورونا لتضع قيودًا على هذه الرؤية، بل على العكس من ذلك، انخفض حجم الاستثمارات الياباني في أفريقيا من 12 مليار دولار عام 2013 إلى 6 مليارات دولار عام 2019؛ ذلك رغم الزيادة المطردة في عدد الشركات اليابانية في القارة من 520 عام 2010 إلى 796 عام 2019.

لكن يُنظر في الإجمال إلى الطموحات اليابانية في القارة إلى كونها رؤية حكومية لا تقاسمها إياها الشركات اليابانية. وقد انعكس ذلك في الانخفاض الواضح في حجم الاستثمارات اليابانية في أفريقيا، نتيجة وباء كورونا، حيث انخفض حجم الاستثمار من 590 مليون دولار في عام 2019 إلى 310 ملايين دولار في عام 2021. وللحكومة اليابانية دور في تحجيم الدور الاستثماري للشركات التي تتخوف من دخول السوق الأفريقية، فلا توجد اتفاقيات تجارة حرة أو اتفاقيات شراكة دولة بين اليابان والدول الأفريقية، بخلاف بعض الدول منها مصر وكينيا.

قضايا مشتركة

شارك في القمة حوالي 20 رئيس دولة وحكومة أفريقية من بين خمسة آلاف مشارك، وركزت القمة على قضايا مثل: التحول الرقمي، وإزالة الغابات، والزراعة، وكيفية الاستفادة من قوة اليابان. وركزت الاجتماعات الجانبية على قضايا الساحل وغرب أفريقيا.

ويمكن إجمال الأبعاد الرئيسة للمجالات محل الاهتمام الياباني في أفريقيا على النحو التالي: 

  • المنافسة الاستراتيجية للصين

تستهدف اليابان من وراء تعزيز حضورها في أفريقيا استعادة الحضور ووضع نفسها في مقدمة السباق الدولي على القارة، ورغم ذلك فإن الاستثمارات اليابانية في أفريقيا محدودة مقارنة بمشروعات الحزام والطريق الصينية. ولا تنحصر الفجوة بين البلدين في البعد الاقتصادي فحسب، بل على الجانب الشعبي والثقافي كذلك، فتحرز الصين تقدمًا ملحوظًا، مقارنة بغيرها من القوى المتنافسة على القارة. وعلى الرغم من امتلاك اليابان لأدوات التأثير والنفوذ الثقافي إلا أنها لم تسع إلى توظيفها في تعاونها مع القارة على مدار العقود الماضية.

عملت الصين على نشر مراكز الثقافة الصينية ونشر تعلم اللغة الصينية في القارة، فضلًا عن انتشار الصينيين للعمل في القارة، بينما تظل اللغة اليابانية محدودة الانتشار مثل غيرها من أدوات الثقافة اليابانية؛ حيث يوجد 13 ألف أفريقي فقط يتعلمون اليابانية. مثال آخر يعكس حجم الروابط والنفوذ؛ تستضيف اليابان اثني عشر ألف أفريقي فقط، مقارنة بوجود 11 مليون في أوروبا و5 ملايين في الشرق الاوسط، و3 ملايين في أمريكا الشمالية، وخمسمائة ألف في الصين؛ بما يعكس الفجوة في الروابط الشعبية بين البلدين.

ويمكن لليابان الاستفادة من قوتها الناعمة في أفريقيا مثلما وظفتها الصين؛ كونهما دولتين لا تمتلكان تاريخًا استعماريًا في القارة. وتمتلك اليابان كذلك قوة ناعمة في مجالات الفنون التقليدية والشعبية بما قد يلقى رواجًا مع الفنون الشعبية في أفريقيا، فضلًا عن الألعاب الرياضية والأوليمبية ومجالات الطهي وغيرها من المجالات التي قد تلقى ترحابًا شعبيًا على المستوى الأفريقي.

  • قضايا الاستثمار والتجارة

وعد رئيس الوزراء فوميو كيشيدا بضخ 30 مليار دولار على مدى 3 سنوات للاستثمار في أفريقيا على هامش القمة الأخيرة. كذلك فإن الشركات اليابانية لديها ميزة تنافسية في الاستثمار الرقمي والابتكار مقارنة بالشركات الصينية، مما يجلها نموذجًا للشركات الأفريقية الناشئة. وفي هذا الصدد، أنشأت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي برنامج لزيادة تسخير ريادة الأعمال والابتكار وخلق الأعمال التجارية، ويمكن لأفريقيا الاستفادة من الشركات اليابانية العاملة في أفريقيا والتي ارتفع عددها من 169 شركة عام 2013 إلى 259 شركة في 2019.

ورغم محدودية الاستثمار والحضور الياباني في أفريقيا، لكن بإمكانها توظيف المزايا التنافسية من أجل خلق فرص استثمارية وتعاون اقتصادي مع أفريقيا؛ حيث تمتاز اليابان بمزايا صناعية في القوة الصلبة وإنتاج النقل وتصنيع المعدات الإلكترونية والصلب وتطوير البنية التحتية. وهي المجالات التي تحتاج أفريقيا إلى تطويرها.

ولليابان مزايا تنافسية في مجال الصناعات الإبداعية وعلوم الفضاء. بجانب أنها تتشابه مع أفريقيا في بعض التحديات مثل أعباء الدين العام؛ إذ تصل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في اليابان إلى حوالي 234 في المئة. ولدى اليابان وأفريقيا أهداف فيما يتعلق بتخفيض نسبة الانبعاثات الكربونية. ويمكن لليابان خلق فرص عمل والمساهمة في تحويل الاقتصادات الأفريقية، خاصة مع تمتع القارة بأعلى نسبة نمو في عدد الشباب، إلى جانب العديد من الاقتصادات الأسرع نموًا، مقارنة باليابان التي تعاني من ارتفاع نسب السكان فوق سن 65، مما يؤثرعلى الإنتاجية ويجعلها بحاجة إلى من يلبي حاجة العمل لديها.

وهناك رؤى تنظر إلى المزايا اليابانية كمجال أوسع للتعاون مع أفريقيا، وخاصة في استغلال مزايا تقدمها التكنولوجي؛ إذ تعد اليابان ثالث أكبر دولة في العالم في مجال التكنولوجيا والاتصالات، بما يفتح الباب للقادة الأفارقة للاستفادة من الاقتصاد الرقمي والاستثمار في البنية الرقمية والبحث في مساهمات الشباب في هذا الشأن.

  • قضايا السياسة والدبلوماسية

وعد رئيس الوزراء الياباني أن بلاده ستدفع في اتجاه إصلاح مجلس الأمن لدعم حصول أفريقيا على مقعد دائم في المجلس لإصلاح الظلم التاريخي، خلال مشاركة بلاده كعضو غير دائم خلال الفترة 2023-2024. ويعد هذا طموحًا مشتركًا لليابان مع أفريقيا؛ لتنوع قضايا ومجالات التعاون مع القارة، بدلًا من اقتصارها على قضايا التجارة والاستثمار. وقد تأكد المدخل السياسي والإنساني في قمم سابقة، حينما بدأت مع قيمة “تيكاد 5” عام 2013 بالتأكيد على دعم السلام والاستقرار.

وهي في سبيل ذلك قدمت العديد من المبادرات والمساعدات الأمنية والدبلوماسية للدول الأفريقية، في مجالات منع النزاعات والتطرف العنيف، وكذلك المساعدة في عملية تعزيز الجهود الأمنية للدول وبناء الجيوش والسلام، مثلما هو الحال في الصومال وجنوب السودان. وقدمت اليابان العديد من المنح للدول الأفريقية في مجالات الأمن، إلى جانب المشاركة في جهود مكافحة القرصنة وأمن البحر الأحمر، علاوة على دعم عمليات السلام في الدول التي تشهد عدم استقرار، بما يعكس رؤيتها الأوسع لتعزيز الحضور والنفوذ.

وتسعى اليابان إلى أن تعين مبعوثًا دبلوماسيًا لها بالقرن الأفريقي؛ في محاولة للحاق بجهود الصين في القارة بأن تأخذ طابعًا سياسيًا وأمنيًا، بعد أن تركزت جهودها بشكل أكبرعلى البعد الاقتصادي لوقت طويل. لكن رغم المساعي اليابانية، فإن الصين تحقق تقدمًا عليها سواء كونها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي، بما يسمح لها بتوظيف موقعها في القضايا الأفريقية المطروحة على المجلس، أو من خلال مشاركتها في عمليات حفظ السلام الدولية. وفي هذا الصدد، سبقت اليابان الصين بخطوة حينما أسست قاعدة عسكرية لها في جيبوتي عام 2011.

فرص مستقبلية

وفقًا للتحديات السابقة المتعلقة بقضايا التجارة والاستثمار والتعاون الاقتصادي يمكن من خلال الإقدام على عقد اتفاقيات للتجارة الحرة فتح آفاق أوسع لليابان في تعزيز التجارة والحضور المستقبلي في منطقة التجارة الحرة القارية. وهذا ما يجعل القطاع الخاص في اليابان عازمًا على الدخول للسوق الأفريقية، بما يتوافق والرؤية الاستراتيجية اليابانية.

وعلى جانب التعاون، ينظر إلى التيكاد بعين أكثر إيجابية؛ كونها تعتمد على تيسير الاستثمار والقروض بدلًا عن نهج المساعدات الذي ربما يوفر إغاثة مؤقتة، لكنه غير قادر على تحقيق الاستدامة والمرونة. وفي تصريح سابق عام 2014، قال رئيس الوزراء الياباني الراحل “شينزو آبي”: إن أفريقيا ليست بحاجة إلى المساعدات بل إلى الاستثمار في مجالات التنمية البشرية والبنية التحتية”. وهو ما يعكس الرؤية اليابانية تجاه القارة.  وهو ما يحققه النهج الياباني من التعاون الذي ربما يسمح في مساعدة الاقتصادات الأفريقية في تحقيق التحول الهيكلي للاقتصادات الأفريقية، بما في ذلك التحول نحو الاقتصاد الرقمي والأخضر؛ لكن لا تزال المخاوف المرتبطة بفخ الديون ما يقلق اليابان وأفريقيا على السواء.

وربما تمثل المخاوف الأفريقية من فخ الديون الصينية، علاوة على المشكلات المرتبطة بالأيدي العاملة في السوق الأفريقية التي تزاحمها الصين في قلب بلدانها، بما يثير غضب الشباب الأفريقية على الاستثمارات الصينية في القارة؛ فرصة سانحة للاستثمارات اليابانية في هذا الشأن؛ خاصة مع تقارب المصالح وتقاطع الرؤى بين الطرفين، فاليابان تتبنى نهج تدريب الأيدي العاملة ورفع كفاءتها، فضلًا عن ارتفاع معدلات العمر لديها بما يجعلها في حاجة إلى الأيدي العاملة الماهرة والمدربة، على عكس الصين التي يمثل حجم العمالة لديها تحديًا ومنافسة استراتيجية بالنسبة للعمالة الأفريقية.

مما سبق، يمكن القول إن اليابان بذلت من الجهد الكثير لتحقيق حضور فعّال في أفريقيا في وقت مبكر عن الكثير من القوى الإقليمية والدولية، لكن رغم ذلك لا تزال اليابان في مسافة بعيدة عن غيرها من القوى الحاضرة في أفريقيا، بما في ذلك الصين على سبيل المثال التي قطعت أشواطًا بعيدة في القارة؛ ورغم ذلك فإن الحضور الياباني في أفريقيا قد يقتطع جزءًا من النفوذ الصيني في أفريقيا، علاوة على توفير مساحة مناورة استراتيجية أمام القارة الأفريقية، خلال بحثها عن شركاء التمويل والتنمية. وعلى المستوى الياباني، رغم محدودية القدرات الاستثمارية التي تؤهلها لاقتحام القارة، إلا أنها تمتلك من القدرات الثقافية والتكنولوجية ما تحتاج إليه الاقتصادات الأفريقية لتحقيق التنمية في المستقبل، خاصة في مجالات النقل والطاقة والتكنولوجيا الرقمية والاقتصاد الأخضر.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72867/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M