خيارات محدودة للتعامل مع رفع الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة

محمد صبرى

 

في ختام اجتماع صنع السياسة النقدية لشهر يوليو، وافق أعضاء البنك المركزي الأمريكي يوم 27 يوليو مرة أخرى على رفع أسعار الفائدة بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية؛ في خطوة قوية لمعالجة التضخم الحاد. يؤكد ذلك الإجراء غير المسبوق على إصرار الاحتياطي الفيدرالي على دفع الاقتصاد للتخفيف من ارتفاع التكاليف للأمريكيين، وسط أعلى زيادات في الأسعار منذ الثمانينيات. كيف يؤثر ذلك القرار على بيانات التضخم في أمريكا، وما هي انعكاساته على أسعار الفائدة وقيمة العملة في مصر؟

تلعب البنوك المركزية عالميًا دورًا في الحفاظ على استقرار الأسعار والنظام المالي برمته كهدف أساسي لتلك البنوك، وتستخدم أدوات في تحقيق تلك الأهداف تسمى بأدوات السياسة النقدية التي تختلف بين استخدام أسعار الفائدة، أو تغيير الاحتياطيات الإجبارية للبنوك، أو عمليات السوق المفتوحة التي تنطوي على إصدار أو إعادة شراء السندات من سوق الأوراق المالية.

في الولايات المتحدة الأمريكية، يقود البنك الفيدرالي مهمة الحفاظ على النظام المالي من خلال إدارة مقدار النقد والأموال المتاحة بسوق التداول، من خلال تحريك أسعار الفائدة. يدير البنك الفيدرالي حجم النقد بالسوق الأمريكية من خلال ثمانية اجتماعات كل عام، يتخذ فيها قرارات تخص رفع أو تثبيت أو خفض أسعار الفائدة، يتحدد اتجاه سعر الفائدة وفقًا لخطة البنك تجاه النمو الاقتصادي بالبلاد، إما تحفيز النمو الاقتصادي والإنتاج والإنفاق والتوسع من خلال خفض سعر الفائدة، ومن ثم إتاحة أموال أكبر بالسوق، ومن ثم تتمكن البنوك من إقراض أموالها بتكاليف أقل، ومن ثم تشجيع الشركات والأفراد على الاقتراض للتوسع والاستثمار. أو رفع الفائدة من جانب آخر عند رغبته في كبح جماح التضخم.

عندما ضرب الوباء الولايات المتحدة للمرة الأولى، أطلق الاحتياطي الفيدرالي سلسلة من الإجراءات الطارئة لدعم الاقتصاد، بما في ذلك خفض سعر الفائدة إلى الصفر، مما يجعل اقتراض الأموال شبه مجاني. ولكن في حين أن سياسة “المال السهل” تلك شجعت الإنفاق من قبل الأسر والشركات، إلا أنها غذت التضخم وساهمت في الاقتصاد المحموم اليوم.

الآن بما أن الاقتصاد لم يعد بحاجة إلى الدعم من الاحتياطي الفيدرالي، فقد اتخذ البنك المركزي خطوات “لسحب السيولة من السوق وخفض التضخم” وإبطاء الاقتصاد عن طريق رفع أسعار الفائدة. ستزيد إجراءات بنك الاحتياطي الفيدرالي من المعدل الذي تفرضه البنوك على بعضها البعض للاقتراض بين عشية وضحاها إلى نطاق يتراوح بين 2.25٪ و2.50٪، وهو أعلى معدل منذ ديسمبر 2018.

على مدى العقود الثلاثة الماضية، حرك بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي بمتوسط 25 نقطة أساس، مفضلًا توجيه الاقتصاد بسرعة منخفضة. لكن ارتفاع التضخم أجبر البنك المركزي على تنفيذ قرارات أكثر عنفًا من خلال رفع أسعار الفائدة بحوالي ثلاثة أضعاف هذا الحجم، وهي المرة الأولى منذ 1994 التي يطرح فيها بنك الاحتياطي الفيدرالي زيادة بمقدار 75 نقطة أساس.

يمثل رفع سعر الفائدة يوم 27 يوليو المرة الأولى في تاريخ بنك الاحتياطي الفيدرالي الحديث التي يرفع فيها البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس مرتين على التوالي. ويهدف الاحتياطي الفيدرالي إلى تنفيذ عملية توازن دقيقة، أو قد تؤدي استراتيجيته إلى إبطاء النمو الاقتصادي بينما لا يزال التضخم ينمو. قد يؤدي التضخم الكبير إلى فقدان الثقة في قدرة الاحتياطي الفيدرالي على الوفاء بولايته المزدوجة المتمثلة في استقرار الأسعار وتوفير الحد الأقصى من فرص العمل.

وتُظهر بيانات جديدة من مكتب التحليل الاقتصادي أن الأمريكيين يدخرون أقل بكثير مما فعلوه قبل عام. في مايو، حيث وفرّ الأمريكيون 5.4٪ فقط من الدخل الشخصي المتاح، انخفاضًا من 12.4٪ على أساس سنوي، في غضون ذلك، يقترب معدل البطالة من أدنى مستوى له منذ 50 عامًا ويتراجع هذا العام. يمنح سوق العمل القوي باستمرار الاحتياطي الفيدرالي بعض الحرية في مناورة أسعار الفائدة.

تأثيرات متباينة

في كل مرة يرفع فيها الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، يصبح الاقتراض أكثر تكلفة. وهذا يعني ارتفاع تكاليف الفائدة على الرهون العقارية وخطوط ائتمان حقوق الملكية وبطاقات الائتمان وديون الطلاب وقروض السيارات، وسوف تكون قروض الأعمال أيضًا بأسعار أعلى للشركات الكبيرة والصغيرة. إن أكثر الطرق الملموسة لهذا التأثير هي الرهون العقارية؛ إذ أدت زيادة أسعار الفائدة بالفعل إلى ارتفاع الأسعار وتباطؤ نشاط المبيعات.

لكن تلك ليست هي النهاية؛ إذ يتوقع المستثمرون أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي برفع الحد الأقصى لنطاقه المستهدف إلى 3.75٪ على الأقل بحلول نهاية العام، بارتفاع من 1٪ اليوم، فقد رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة إلى 2.37٪ خلال ذروة دورة رفع أسعار الفائدة الأخيرة في أواخر عام 2018. ارتفعت أسعار الفائدة إلى 5.25٪ قبل الركود العظيم في 2007-2009. وفي الثمانينيات، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي بقيادة بول فولكر أسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة لمحاربة التضخم الجامح. بحلول الذروة في يوليو 1981، تجاوز سعر الفائدة الفعلي على الأموال الفيدرالية 22٪؟ ومع ذلك، فإن التأثير على تكاليف الاقتراض في الأشهر المقبلة ستعتمد بشكل أساسي على وتيرة رفع أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، والتي لم يتم تحديدها بعد.

لكن المدخرين يستفيدون من جانب آخر؛ إذ سترتفع معدلات الادخار مع رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، بحيث سيبدأ المدخرون في كسب الفائدة مرة أخرى، لكن هذا يستغرق وقتًا طويلًا. في كثير من الحالات، خاصة مع الحسابات التقليدية في البنوك الكبرى، لن يكون التأثير محسوسًا بين عشية وضحاها، وحتى بعد عدة زيادات في أسعار الفائدة، سوف تظل معدلات الادخار منخفضة للغاية، أقل من التضخم والعوائد المتوقعة في سوق الأسهم.

تجاوب الاسواق

شكلت المعدلات المرتفعة للفائدة تحديًا كبيرًا لسوق الأوراق المالية، الذي اعتاد- إن لم يكن مدمنًا- على المال السهل. انغمست الأسهم الأمريكية في سوق هابطة وسط مخاوف من أن الزيادات الصارمة التي يقوم بها بنك الاحتياطي الفيدرالي في أسعار الفائدة ستدفع الاقتصاد إلى الركود. سيعتمد التأثير النهائي لسوق الأوراق المالية على مدى سرعة رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، وكيفية أداء الاقتصاد الأساسي وأرباح الشركات في المستقبل.

لكن الهدف الحالي لرفع أسعار الفائدة هو السيطرة على التضخم مع الحفاظ على انتعاش سوق العمل، من جانب آخر يحذر الاقتصاديون من أن التضخم قد يزداد سوءًا لأن أسعار الوقود مستمرة في بلوغ مستويات قياسية في الأيام الأخيرة، مما أدى إلى تفاقم الارتفاع الذي بدأ بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أصبح كل شيء من الغذاء والطاقة إلى المعادن أكثر تكلفة.

وقد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تبدأ أسعار الفائدة المرتفعة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي في تقليص التضخم. وحتى ذلك الحين، سيظل التضخم خاضعًا للتطورات الخاصة بالحرب في أوكرانيا، وفوضى سلسلة التوريد، وبالطبع تطورات الحالة الوبائية لفيروس كورونا المستجد.

تأثيرات مصرية

في منذ مارس الماضي، قرر البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة بنحو 3%، وكانت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري قد قررت في اجتماعها الأخير يونيو الماضي الإبقاء على أسعار الفائدة كما هي للإيداع والإقراض عند 11.25% و12.25% على التوالي.

لكن الوضع الحالي بعد قيام الولايات المتحدة برفعين متتاليين، وضع الاقتصاديين في حالة من التباين بشأن توقعاتهم حيال قرار المركزي المصري في اجتماعه المقرر له منتصف شهر أغسطس المقبل؛ إذ تتفاوت الآراء بين رفع بمقدار 0.5% و1.0%، خاصة وأن قرار الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة يشكل ضغطًا على العملة المصرية.

لكن الوضع المصري شديد الخصوصية؛ إذ إن وقت الرفع المصري يتزامن مع مفاوضات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد، ما يدفع المفاوضات نحو الوصول إلى اتفاق، وجذب استثمارات أجنبية في أدوات الدين. لكن ووفقًا لتقرير صادر عن صندوق النقد الدولي خلال الشهر الحالي، طالب الصندوق الحكومة المصرية باتخاذ المزيد من خطوات تعزيز القطاع الخاص وتحسين قواعد الحكومة، مشيرًا إلى حاجة مصر إلى إحراز تقدم حاسم في إجراء إصلاحات مالية وهيكلية أعمق لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد وجعله أكثر مرونة في مواجهة الصدمات.

من جانب آخر، توقع تقرير صدر عن مؤسسة فيتش أن يتخذ البنك المركزي المصري إجراءات لرفع أسعار الفائدة بنحو 3% خلال اجتماعاته المتبقية من العام الجاري 2022، خاصة مع تراجع النشاط الاقتصادي المحلي، موضحة أن تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصري والعالمي عميقة وأدت إلى ارتفاع معدلات التضخم وتباطؤ قطاع السياحة بعد التعافي من أزمة كورونا، لكن رفع أسعار الفائدة سيؤدي إلى رفع تكاليف الاقتراض وتشجيع البعض للادخار بدلًا من الاستثمار، لكن ربما تعوض زيادة الاستثمارات الأجنبية التأثيرات السلبية على القطاع الاقتصادي.

فيما أشارت توقعات أخرى إلى اتجاه البنك المركزي المصري إلى تثبيت أسعار الفائدة في اجتماع أغسطس؛ خاصة مع بدء انفراجة في سلاسل الإمدادات، والسيطرة على ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ومن ثم انحسار مستويات التضخم المرتفعة. فوفقًا للبيانات الأخيرة الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن معدل التضخم السنوي تراجع لأول مرة في 7 أشهر ليسجل 14.7% في يونيو الماضي مقابل 15.3% في مايو السابق له، مع تراجع أسعار الخضروات والفاكهة. ورغم تراجع معدلات التضخم إلا أنها تظل أعلى من المستهدف الذي وضعه البنك المركزي لمعدل التضخم السنوي عند مستوى 7% “بزيادة أو نقصان 2% في المتوسط”.

ومن ثم فلا داعٍ للرفع، خاصة وأنه لا توجد مخاوف على الاستثمار الأجنبي خاصة أن الأموال الساخنة خرجت في معظمها؛ إذ أوضح وزير المالية أن 20 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين خرجت من مصر منذ بداية العام، مشيرًا إلى أن كل رفع للفائدة بنسبة 1% يكلف الموازنة العامة حوالي 30 مليار جنيه.

أما عن سعر الصرف، فوفقًا لآراء عدد من الخبراء سيمنح قرار الفيدرالي الأمريكي قوة أكبر للدولار على حساب العملات الأخرى بما فيها الجنيه المصري، وهو ما يدفع البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة على نهج الفيدرالي الأمريكي للحفاظ على سعر العملات ومكتسبات الاقتصاد، خاصة وأن انخفاض العملة المحلية من شأنه رفع فاتورة الاستيراد. ومن ثم فتشير التوقعات إلى احتمالية تحريك سعر الجنيه المصري مقابل الدولار إلى أعلى بمتوسط 25 قرشًا خلال الفترة المقبلة أو لحين اتخاذ البنك المركزي المصري قرارات من شأنها الحفاظ على قوة الجنيه المصري.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71897/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M