دور الاتحاد الافريقي في حل النزاعات الافريقية: دراسة حالة ليبيا

اعداد : م.م. سيماء علي مهدي – المركز الديمقراطي العربي

 

بدأت فكرة الوحدة الافريقية تتبلور في اطار ما اطلق عليها حينها بـ(بالجامعة الافريقية)(*, وكانت الرغبة في الوحدة حلما راود جميع الزعماء الافارقة ، لكن كان هناك تباين واضح في طريقة الوصول اليها ، وهو ما نلاحظه قبيل اعلان تشكيل منظمة الوحدة الافريقية ، وكذلك قبيل الاعلان عن الاتحاد الافريقي ، فبالنسبة لـ (منظمة الوحدة الافريقيـة )؛ يمكن القول انها تنازعت فكرة انشاءها اربع طروحات حول تشكيلها : الاولى ، مثلتها كتلة اتحاد مالي اتحـاد فـي ظـل الرابطة الاتحادية مع فرنسا ، والثانية ، مثلتها مجموعة “برازافيل ” الاتحاد الافريقي المالاجاشي وميثاقهـا ” اتحـاد الدول الافريقية ، والثالثة مثلتها مجموعة ” منروفيا ”  وعنهـا جـاءت الدعوة الى منظمة افريقية عامة ذات صفة استشارية([1]) . اما الرابعة فمثلتها مجموعة ” الدار البيضاء ” وجاء في ميثاقها النص على الوحدة الشاملة لافريقيا ([2]), وكـان انشاء منظمة للوحدة الافريقية والاعلان عن ميثاقها في أذار ١٩٦٣ تتويجاً لتلك الجهود ، حتى صارت المنظمة التكريس العملي لفكرة الوحدة الافريقية بوصفها هيكلا منظماً يرعى شؤون القارة ويسعى لحل مشكلاتها . فضلا عن ذلك فانها شكلت في حينه تطوراً مهما على صعيد القارة الافريقية . وعلى الرغم من النواقص التي اعترت ميثاق المنظمة في ادائها  الا انها ظلت تمثل رمزاً افريقيا وتتويجاً لجهود افريقية([3]) .

وعند بداية التسعينات، شهد التعامل الإفريقي مع النزاعات الداخلية تحولات جوهرية ارتبطت بالتحولات الراهنة في قمة النظام الدولي إضافة إلى ذلك التحولات التي شهدتها القارة الإفريقية لاسيما تلك المرتبطة بازدياد عدد وحدّة النزاعات الداخلية في الكثير من الدول الإفريقية، إذ أصبح من الصعب على منظمة الوحدة الإفريقية أن تقف عاجزة فاضطرت بالتالي إلى النهوض بعبء اكبر في التعامل مع هذه النزاعات خاصة بعد فشل التدخل الدولي في العديد منها, ولذلك  بـذلت ليبيـا جـهـوداً مكثفـة بالتعـاون والتنسيق مع الامانة العامـة لمنظمـة الوحـدة الافريقية ومع الدول الاعضاء في المنظمة من اجل تفعيل دور منظمة الوحدة الافريقية ، اذ عقدت ثـلاث قمم لمنظمـة الوحـدة الافريقية ، اثنـان منـهـا استثنائية وثالثـة اعتياديـة ( سـرت الاستثنائية الرابعة ايلول ۱۹۹۹ ، قمة لومي تموز ۲۰۰۰ ، سرت الاستثنائية الخامسة آذار  ٢۰۰۱ ) أسفر عنها الاعلان عن قيام ” الاتحـاد الافريقي وبرلمـان عمـوم افريقيا ” وباكتمال النصاب القانوني المتمثل بتصديق ( 36 ) دولة وهو ما يمثل ثلثي اعضاء منظمة الوحـدة الافريقيـة دخـل القـانون التأسيسي للاتحـاد الافريقي المكـون مـن ديباجـة وثلاثة وثلاثين مـادة حيز التنفيذ . مع الملاحظة ان المـادة ( ٣٣ ) فقرة ( ۱ ) تنص على ان ” يحل هذا القانون محل ميثاق منظمة الوحدة الافريقية غير ان الميثاق يظل ساريا لفترة انتقالية مدتها سنة واحدة أو لمدة أخرى يحددها المؤتمر بعد دخول هذا القانون حيز التنفيذ وذلك لتمكين منظمـة الوحـدة الافريقيـة / الجماعة الاقتصادية الافريقيـة مـن اتخـاذ التدابير اللازمة فيما يتعلق بتحويل اصولها وخصومها الى الاتحاد او احالة جمع المسائل الأخرى ذات الصلة اليه ” ([4]), وبذلك حل الاتحاد الأفريقي محل منظمة الوحدة الأفريقية بأديس أبابا بتاريخ 25 أيار 1963. وكانت مدينة ديربان بجنوب أفريقيا مقر انعقاد أول قمة لهذا للمنظمة من 8 إلى 10 تموز 2002.

أهداف ومبادئ الاتحاد الافريقي

القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي يتكون من ديباجة و 33 مادة ، وحددت المادة الثالثة طبيعة الأهداف التي يسعى الاتحاد للوصول إليها، وتأتي في مقدمتها:

  • 1-  تحقيق وحدة أفريقيا وتضامنها.
  • 2- الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أرضيها واستقلالها.
  • 3- التعجيل بتكامل القارة السياسي والاجتماعي والاقتصادي(وخاصة المجال العلمي والتكنولوجي).
  • 4-  تعزيز المبادئ الديمقراطية والمشاركة الشعبية والحكم الرشيد.
  • 5- تعزيز وحماية حقوق الانسان والشعب طبقاً للميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب.
  • 6- تشجيع التعاون الدولي مع مراعاة ميثاق منظمة الامم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
  • 7- تعزيز السلام والأمن والاستقرار في القارة.
  • 8- العمل مع الشركاء الدوليين ذو الصلة للقضاء على الأوبئة.

أما مبادئ الاتحاد الافريقي فقد تضمن:

  • مبدأ المساواة والترابط بين الدول وأعضاء الاتحاد, ومنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء؛ لكنه يحق للاتحاد كمنظمة إقليمية في التدخل في دولة عضو طبقا لقرار المؤتمر في ظل ظروف خطيرة متمثلة في جرائم الحرب والإبادة الإنسانية.
  • وضع سياسة دفاعية مشتركة للقارة الإفريقية.
  • تسوية الخلافات بين الدول الأعضاء في الاتحاد بوسائل مناسبة يقررها الاتحاد نفسه.
  • تعزيز المساواة بين الجنسين.
  • إدانة ورفض التغيرت غير الدستورية للحكومات.

اجهزة الاتحاد الافريقي

فقد نصت المادة الخامسة من القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي : ” تكون للإتحاد الأجهزة التالية : مؤتمر الإتحاد – المجلس التنفيذي – برلمان عموم افريقيا – محكمة العدل – اللجنة – لجنة الممثلين الدائمين- اللجان الفنية المتخصصة – المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي – المؤسسات المالية ، أي أجهزة أخرى قد يقرر المؤتمر إنشاءها ” . بالامكان توزيع هذه الأجهزة على مجموعات ثلاث ، تضم الأولى الأجهزة التي نص عليها ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية بعد تغيير مسمياتها ، فمؤتمر الإتحاد الإفريقي هو مجلس رؤساء الدول والحكومات ، و المجلس التنفيذي هو مجلس وزراء المنظمة ، و المفوضية هي الأمانة العامة ، و اللجان الفنية المتخصصة هي ذاتها أيضا . بينما تضم المجموعة الثانية الأجهزة المنصوص عليها في اتفاقية أبوجا المؤسسة للمجموعة الاقتصادية مثل البرلمان و المحكمة في حين أن المجموعة الثالثة تشمل الأجهزة التي استحدثها القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي ، مثل لجنة الممثلين ( المندوبين ) الدائمين ، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي([5])

توجهات القيادة الليبية قبل2011

يعارض البعض من الباحثين والمتخصصين في الشؤون العربية والشرق – أوسطية ، فكرة أن ( الربيع العربي ) كان مجرد حركة احتجاجية عفوية انهت أهم الأنظمة الاستبدادية القائمة في المنطقة ، وإنما جرى التخطيط  لتنفيذها منذ سنوات طويلة, واكدتها  ثلاث اطروحات: الاولى اطروحة الشرق الاوسط لـ(شيمون بيريز ), والثانية, الفوضى الخلاقة لـ(كوندليزا رايس), والثالثة, اطروحة سايكس بيكو الثانية لـ(براند لويس)، وتندرج في سياق مخططات القوى الدولية النافذة لمستقبل المنطقة ، وخصوصاً منها القوى الغربية ، المعنية أساساً بتأمين مصالحها في مجالين معروفين ، الأول هو ( النفط ) الذي ما تزال البلاد العربية والإسلامية الأوفر مخزوناً منه عالمياً ، والثاني ( إسرائيل ) التي ما تزال تعد في مراكز القرار الغربي قاعدة الغرب المتقدمة في قلب العالم العربي الإسلامي الواجب حمايتها وتأمين أمنها ومستقبلها([6]).

وهنا يجب أن نذكر بأن هناك ثلاثة عوامل كانت تمثل تيار فكري وعقائدي لدى القيادة الليبية، وكانت سببا رئيسيا من أسباب الحرب على ليبيا، وأهم هذه الأسباب تكمن في الدعوة إلى ضرورة الوحدة العربية، ودور ليبيا في قيام الاتحاد الأفريقي، ودور ليبيا في التحريض على ضرورة حصول الدول الأفريقية على مقعد في الأمم المتحدة ومجلس الأمن ([7]).

وفي العقد الأول من حكم معمر القذافي اختار محيطه العربي كي يكون فاعلا فيه؛  بدأ بمصر وعقد تحالفا مع رئيسها “جمال عبد الناصر” ثم استمر التحالف مع خلفه الرئيس “أنور السادات” في العام الأول من سبعينيات القرن الماضي دخل العقيد في دولة كونفيدرالية مع مصر وسورية اسمها (اتحاد الجمهوريات العربية.), ساهم في دعم المصريين بطائرات ميراج فرنسية ومعدات عسكرية خلال حرب أكتوبر 1973, وما لبث الى أن بدأ في عقد تحالفات جديدة أدت الى تورطه في الحرب الأهلية اللبنانية وفي أكثر ألغازها تعقيدا وهو اختفاء الإمام موسى الصدر بعد زيارته الى ليبيا عام 1978([8]).

وخلال العقد الثاني من حكمه اختار الساحة الدولية كي يمتد إليها نشاطه الحركي, فدعم خلال سنوات الثمانينات الجماعات المتمردة في أماكن عديدة ربما أشهرها في أوروبا حيث قدم دعما للجيش الجمهوري الايرلندي والألوية الحمراء ومجموعة بادر ماينهوف؛ لكن ضربته الكبرى كان في تفجير ملهى ليلي في ألمانيا الغربية عام 1986 يرتاده عسكريون أمريكيون.. تفجير قدم مبررا للرئيس الأمريكي “رونالد ريجان” كي يقوم بضربه عسكريا في نفس العام. لكنه نجا من صاروخ استهدف منزله([9]).

و التغير الذي مرت به المنطقة العربية ، وخاصة بعد التسعينيات والتي تميزت بالركود الدبلوماسي- السياسي في منطقة الشرق الأوسط . وخاصة بعد اجتياح العراق للكويت في 1990. كان موقف القيادة الليبية القومي رافضا لقرار جامعة الدولة العربية الذي صدر في اجتماع القاهرة عام 1990 والذي كان ينص على تدويل أزمة الكويت وذلك من خلال الاستعانة بالقوات الأمريكية وفي الحث والتحضير للعدوان على العراق في 17 كانون الثاني 1991 ؛ لقد حدثت اختلافات وخلافات بين القذافي و” حسني مبارك” الذي كان رئيس الجلسة الطارئة للجامعة العربية في 1991 ، ويتفق معه كل ملوك وأمراء دول الخليج دون استثناء ، وكان رد القذافي مباشرة موجه إلى الدول التي وافقت على تدخل الولايات المتحدة في أزمة الكويت في اجتماع جامعة الدول العربية مخاطبا الجميع في 2 أب عام 1991 : ” لأننا قدمنا إلى أمريكا فرصة تاريخية لا يمكن تعويضها يمكن أن تأتى في أي وقت إلى شبه الجزيرة العربية “([10]).

وفي عام 1992 حيث اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية ليبيا بالإرهاب نتيجة لسقوط طائرة شركة الخطوط الجوية الأمريكية بان إم فوق بلدة لوكربي باسكتلندا عام 1988 ، والتي أسفر عنها مقتل 259 راكبا إضافة إلى 11 من سكان مدينة لوكربي ، وهذا ما أدى إلى فرض قرار رقم 337 لمجلس الأمن الدولي بالحظر الجوي على ليبيا وحصارا اقتصاديا على ليبيا . غير أن أحد أعضاء السي أي أيه ” CIA ” “سوزان لينداور” التابعة للمخابرات الأمريكية کشفت عبر قناة روسيا اليوم أسرار حادثة تفجير طائرة “بان أميركان” في سماء مدينة لوكربي,  كان يقف وراء هذه العملية هي المخابرات الأمريكية ،  وأن ليبيا ليس لها أي علاقة بقضية لوكربي ومن قام بها هو المخابرات الأمريكية والمتورطون فيها هم “محمد أبو طالب” تاجر السلاح السوري و”منذر الكسار” و” أبو نضال” ، والتفجير كان نتيجة لوجود فريق من المخابرات كان يحمل أوراقا واتهامات تدل على فساد أعضاء من المخابرات الأمريكية السي أي أيه والذين كانوا على متن هذه الطائرة ، وتقول بأن ليبيا عرفت ذلك ومع هذا دفعت التعويضات لأسر الضحايا([11]).

نشأة الازمة الليبية

كان لدى القذافي معلومات حول نية الدول الاجنبية بإحداث تغيير في المنطقة العربية (*), وبالفعل , حدثت موجات الاحتجاجات بعد ثلاث سنوات أخذت ليبيا نصيباً منها, 17شباط 2011, بدأت الدعوات للخروج بالتظاهرات الشعبية في وسائل التواصل الاجتماعي, على إثرها خرج الليبيون في بنغازي ثم انتشرت الى باقي المدن الليبية, وحدوث انشقاقات في صفوف النظام واعلان العديد من القبائل دعمها للمتظاهرين , اضطر النظام لمواجهة المتظاهرين باستخدام العنف المسلح مما ادخل ليبيا في مأزق كبير([12]). لهذا يمكن القول بأن القذافي استند في حكمة على ثلاث آليات: شراء الولاءات العشائرية, واستثمار الريع النفطي(إلا أن هذه الثروة لم يستفد منها الشعب الليبي في بناء اقتصاد وبنية تحتية قوية بسبب سيطرة النظام الحاكم على ثروات البلاد، مما أدى إلى تعميق الفساد والاستبداد) , واستبدال المؤسسات العسكرية بالمليشيات العائلية الحامية للنظام واغلاق كل منافذ الحراك السياسي في المدن التي يمكن أن تشكل دوائر وسطية للمواطنة([13]).

اطراف النزاع في الازمة الليبية

تدخلت اطراف متعددة في الازمة الليبية منها لتهدئتها والاخرى لاستغلال الازمة لصالحها, وهذه الاطراف تشمل:

أولاً: اطراف داخلية: وتتضمن قوات النظام( الكتائب الامنية- الميلشيات القبلية-المرتزقة-القوات البحرية والجوية الليبية) , وقوات المعارضة( منها المعارضة القديمة التي نشطت في المهجر, والثوار الجدد ويشمل المجلس الوطني الذي يعد لجنة لادارة الازمات تشكل بعد الثورة, المدنيين الذين يعدون اساس الاحتجاجات, والجهاديون المعادين لنظام القذافي, والمنشقون عن نظام القذافي كالدبلوماسيون واعضاء في الجيش)([14]).

ثانياً: اطراف خارجية: كان لقرار مجلس الأمن 1973 ، الصادر في 17 أذار 2011 الدور الكبير في تدويل القضية وحمل أطراف أجنبية تحت قيادة الحلف الأطلسي للتدخل في ليبيا عبر حملة جوية ضد القذافي ، مما ساهم في إسقاط النظام في 20 تشرين الاول 2011 بعد مقتلة ،  وهذا رغم انتقادات روسيا والصين وبعض الدول التي اعتبرت أنه تجاوز للتفويض الممنوح له أمميا([15]).

دور الاتحاد الافريقي في الازمة الليبية

تمثل ليبيا ثقلا كبيراً للاتحاد الإفريقي، نظراً لعلاقة التي ربطت معمر القذافي بالاتحاد والعديد من القادة الأفارقة،  فكان الموقف الإفريقي منذ بداية الأزمة رافضا لأي تدخل عسكري خارجي في ليبيا، حتى أنه امتنع في البداية عن توجيه أي إدانة مباشرة للقذافي، كما أنه لم يعلق عضوية اجتماعاته الرسمية كما فعلت الجامعة العربية، كما شدد على ضرورة تطبيق حظر الطيران بالقوانين الدولية وببنود قرار مجلس الأمن الدولي،  المتعلق بالشأن الإنساني الذي يقضي بحماية المدنيين وقد احتوت خريطة طريق الاتحاد الإفريقي تجاه الملف الليبي خمسة نقاط وهي: وقف إطلاق النار، حماية المدنيين، مساعدات إنسانية من دول الجوار وضمان مرحلة انتقالية للتعاطف مع طموحات الشعب الليبي، إضافة إلى محاولات الوساطة من طرف الاتحاد الإفريقي في 12نيسان2011 والتي قوبلت بالرفض من المعارضة الليبية التي طالبت بمغادرة القذافي([16]).

اتخذ مجلس السلم الأمن التابع للاتحاد موقفا يرفض التدخل العسكري الدولي في ليبيا، وأعلن عن تشكيل لجنة من خمس رؤساء أفارقة للتشاور مع جميع الأطراف في ليبيا بشان الأزمة، وعقد الاتحاد قمة طارئة في أديس أبابا في 25 أذار2011 ، نتج عنها خارطة طريق لحل الأزمة سياسيا، ثم جاءت القمة السابعة عشر في غينيا الاستوائية في حزيران2011 ، لتبحث سبل الوصول لحل الأزمة في ليبيا دون إدانة القذافي([17]).

الملفت للنظر بعد أن رفض الاتحاد الإفريقي التدخل في ليبيا ، جاءت كل من نيجيريا وجنوب إفريقيا والغابون متوافقة على قرارات مجلس الأمن 1970 و 1973 ،   بشأن فرض عقوبات على ليبيا وإقامة منطقة حظر جوي لحماية المدنيين فيها، في حين امتنعت كل من الصين وروسيا والبرازيل والهند ألمانيا عن التصويت على القرار 1973 ، فهذا التباين بين موقف الاتحاد الإفريقي كمنظمة وموقف دولة الأعضاء كفاعلين مستقلين يكشف عيوباً في آلية اتخاذ القرار داخل الاتحاد ، ويعبر عن سوء التواصل بين قادة الاتحاد وبين الدول الأعضاء ، تصويت الدول الثلاثة على القرار 1973 اضعف من مصداقية الاتحاد كمنظمة واظهر أن الحل السياسي الذي طرحة الاتحاد لم يكن حفاظا على مبادئه بقدر ما كان على مصالحه ، ولعل الدليل الأكبر على ذلك هو ما جاء في خارطة الطريق من تأكيدات على ضرورة حماية المدنيين توصيل المساعدات الإنسانية ، فكلها ادت لاقتناع الاتحاد بتردي الأوضاع الإنسانية في ليبيا ، فإذا ما وضعنا جنبا إلى جنب ذلك مع موقف الدول الإفريقية الأعضاء في مجلس الأمن وافقت على قرار التدخل العسكري نجد أن الاتحاد الإفريقي لديه  في بروتوكولاته ما يسمح له في التدخل في شؤون الدول الأعضاء في حالة تردي الإنسانية دون اللجوء للأمم المتحدة ,  وكان من الممكن أن يتدخل الاتحاد الإفريقي عسكريا في ليبيا استنادا لما جاء في بيانه التأسيسي في الفقرة “ه” من البند الرابع والتي تعطى للاتحاد الحق للتدخل في أي من الدول الأعضاء في حال موافقة الجمعية العمومية للاتحاد على اعتبار ما يحدث في هذه الدولة استثنائيا مثل جرائم الحرب- جرائم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية، فمنة كان على الاتحاد إرسال قوات عسكرية لليبيا مثلما فعل في دول إفريقية أخرى. كما لا يمكن للمنظمة القارية أن تؤثر على أطراف الأزمة في ليبيا، وهي تلتزم بالحياد المطلق، فالتجربة تشير إلى أن الجهات الفاعلة التي يمكن أن تدفع الأطراف الليبية إلى طاولة المفاوضات هي تلك التي تدعم أحد الأطراف دون الآخرين. وينطبق ذلك على الأمم المتحدة نفسها([18]).

وبعد سنوات من الصراع المسلح، تشهد الأزمة الليبية انفراجة في الفترة الأخيرة بعد تمكن الفرقاء الليبيين من المصادقة على سلطة انتقالية موحدة يرأس حكومتها “عبد الحميد الدبيبة”، ومجلسها الرئاسي “محمد المنفي”، وتسلمت مهامها في 16 آذار 2021 , وإن هناك اتفاق أممي إفريقي على دعم الاستقرار في ليبيا([19]).

(*)  والتي بدأت مؤتمرهم الاول عام 1900 , بهدف البحث عن سبل تحسين أوضاع الافارقة السود ، والمطالبة بحسن معاملتهم من قبل الدول الاستعمارية . ومؤتمرهم الثاني في نهاية الحرب العالمية الاولى في باريس ١٩١٩ وتوالت المؤتمرات بعد هذا في بروكسل ۱۹۲۱ ولشبونة ۱۹۲۳ ونيويورك ١٩٢٧ ، ، ويعد مؤتمر الوحدة الافريقية المستقلة الاول المنعقد في ” اكرا ” عاصمة غانـا بمثابة نقطـة تـحـول في حركـة الوحـدة الافريقية ، اذ اكتسبت الحركة ملامح واهدافاً جديدة ابرزها ” ان افريقيا للافريقيين ” فضلاً عن العمل علـى قـيـام ولايات متحـدة افريقية والسعي نحو بلورة ” قومية افريقية ” وترسيخها “. ينظر الى: محمد احمد الطوير, السمات المشتركة بين سكان افريقيا, مجلة دراسات, العدد9, ليبيا, 2000, ص133وما بعدها.

(1) محمد بشر الشافعي,  المنظمات الدولية، مكتبة الجلاء الجديدة، المنصورة، ۱۹۹٤ ، ص 398ومابعدها.

(2) محمد المبروك يونس, تاريخ التطور السياسي للعلاقات الافريقية, مطابع الوحدة العربية, ط2, 1991, ص83.

(3) خيري عبد الرزاق جاسم, الاتحاد الافريقي (النشأة – الهيكلية – التحديات), مجلة دراسات دولية , جامعة بغداد, العدد 31-32عدد مزدوج, 2006, ص44.

(4) خيري عبد الرزاق جاسم, المصدر سبق ذكره, ص50. وكذلك: أمنة زويد, دور الإتحاد الإفريقي في حل النزاعات الإفريقية-دراسة حالة الصومال, رسالة ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية, قسم العلاقات الدولية والاستراتيجية, جامعة محمد خيضر بسكرة, الجزائر, 2018, ص35.

(5) عصموني خليفة, تسوية النزعات الافريقية في اطار الاتحاد الافريقي, رسالة ماجستير, جامعة الدكتور الطاهر مولاي سعيدة, كلية الحقوق والعلوم السياسية, الجزائر, 2010, ص41.

(6)  خالد شوكات, مشروع الشرق الأوسط الجديد: قراءة في دلالات الربيع العربي, مجلة حمورابي للدراسات, مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية, العدد6, 2013, ص105وما بعدها.

(7) فريحة عوض الترهوني, المؤامرة الكبرى فوضى الربيع العربي وحقيقة الحرب على ليبيا, نيولينك لنشر والتدريب, ليبيا, 2015, ص20-21.

(8)  سياسة القذافي الخارجية: عقود من الرسم على الرمال, بي بي سي, نشر بتاريخ 27 آب 2011, على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/multimedia/2011/08/110827_gaddafi_politics_map

(9) سياسة القذافي الخارجية: عقود من الرسم على الرمال, المصدر نفسه.

(10) فريحة عوض الترهوني, المصدر سبق ذكره, ص54.

(11) سوزان ليندوار, عندما تصبح الحقيقة خيانة, ترجمة: دواود سيمان القرنة, العبيكان للنشر, الرياض, السعودية, 2016, ص11. وكذلك: فريحة عوض الترهوني, المصدر نفسه, ص55.

(*) في خطاب ألقاه معمر القذافي في قمة جامعة الدول العربية عام 2008 , ينظر الى: مالك العبدة، “بعد ثورات الربيع ماذا يريد العرب”، مجلة العرب الدولية، العدد 1586 ، الرياض, 2013, ص20.

(12) الاحتجاجات الشعبية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط: فهم الصراع في ليبيا, تقرير الشرق الاوسط رقم(107), 6حزيران2011, ص44.

(13) سليم بوسكين، تحولات البيئة الإقليمية وانعكاساتها على الأمن الوطني الجزائري 2010-2014. رسالة ماجستير, جامعة محمد خيضر- بسكرة, كلية الحقوق والعلوم السياسية, 2015, ص151.

(14)  نور الهدى بن بتقة, اشكالية بناء الدولة في ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي 2012-2016, اطروحة دكتوراه, جامعة الجزائر3, كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية, 2017, ص179ومابعدها.

)15) نور الهدى بن بتقة, المصدر نفسه, 181.

(16)  أحمد الفقيه وآخرون، إلى أين يذهب العرب؟, مؤسسة الفكر العربي, بيروت,2012, ص211.

(17) أوشريف يسرى، تداعيات الأزمة الليبية على الأمن الجزائري, رسالة ماجستير, جامعة محمد خيضر-بسكرة, كلية الحقوق والعلوم السياسية, 2016, ص155.

(18) أميرة عبد الحليم, هل باستطاعة الاتحاد الأفريقي قيادة عملية تسوية في ليبيا؟, مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية, نشر بتاريخ 14/12/2017, على الرابط:  https://acpss.ahram.org.eg/News/16488.aspx

(19) محمد ارتيمة, اتفاق أممي إفريقي على دعم الاستقرار في ليبيا خلال لقاء في أديس أبابا بين المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيتش، ومفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والسلام والأمن بانكول أديوي, موقع الاناضول, نشر بتاريخ 13/4/2021, على الرابط: https://www.aa.com.tr/ar/

 

.

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=78380

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M