روسيا وكوريا الشمالية.. تحالف الغاضبين

د. خالد عكاشة

 

استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قاعدة مطار “فوستوتشني” الفضائية رئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون، في زيارة لافتة لانتباه عديد من الأطراف الدولية والإقليمية أيضًا. المعلن من الجانبين أن هذه الزيارة تأتي مواكبة لاحتفال كوريا الشمالية بمرو 75 عامًا على تأسيسها، و70 عامًا على الانتصار في الحرب الكورية التي تسميها كوريا الشمالية “حرب التحرير الكبرى”، فضلًا عن مرور 75 عامًا على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين. الجانب الروسي اعتبر أن قضايا التعاون الاقتصادي والقضايا الإنسانية والوضع في المنطقة هي أهم الموضوعات الحاضرة على جدول أعمال تلك الزيارة. فيما غلب على الحديث الكوري الشمالي لهجة عدائية تجاه ما أسمته بيونج يانج “السياسات الاستعمارية”؛ كون هناك تأكيدًا كوريًا شماليًا بأنها داعمة وشريكة للقيادة الروسية في “الحرب ضد الإمبريالية”.

مكان اللقاء بالتأكيد له دلالة غير خافية، ويستهدف إنفاذ حزمة من الرسائل إلى من يهمهم أمر هذا التعاون الذي يوشك أن يتطور إلى مستويات متقدمة فيما يخص البعد العسكري والتقني الفضائي؛ فقاعدة “فوستوشني” الفضائية -التي دخلت الخدمة منذ العام 2016، والواقعة بمنطقة “آمور” في أقصى الشرق الروسي- تعد أهم منشأة لإطلاق الأقمار الصناعية، وهي بمثابة النسخة المطورة من قاعدتي “بايكونور” الموجودة في كازاخستان، ونظيرتها “سفوبودني 18” الواقعة على مسافة قريبة من مجمع “فوستوشني” والتي ظلت موقعًا رئيسًا لإطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، قبل إغلاقها عام 1993.

في داخل القاعدة، حرص الجانب الروسي على إطلاع الرئيس كيم جونج أون والوفد العسكري المرافق له على تقنية تجميع الصاروخ الفضائي “أنغارا” الذي يمثل النسخة الأحدث في عائلة الصواريخ الفضائية الروسية التي تضم: الصواريخ الخفيفة، والمتوسطة، والثقيلة، والفائقة الثقل. وقد تم إطلاق أول صاروخ اختباري خفيف من تلك العائلة في يوليو 2014، أما أول صاروخ اختباري ثقيل فانطلق إلى الفضاء في ديسمبر نفس العام من مطار “بليسِتسك” الفضائي العسكري.

الرئيس “كيم” لا يخفي اهتمام بلاده الكبير بتكنولوجيا الصواريخ، وقد أعلن مرارًا أن بيونج يانج في طريقها لاقتحام مجال تطوير قدراتها الفضائية، فهناك عدة اختبارات لصواريخ باليستية كورية شمالية جرت مؤخرًا في فترات زمنية متقاربة، تفصح بشكل واضح عن هذا التوجه ومحوريته بالنسبة للقيادة الكورية الشمالية. ولهذا تشير التوقعات إلى أن زيارة القاعدة الروسية ولقاء الرئيسين المطول بها جاء تعبيرًا عن رغبة كوريا الشمالية  في تلقي الدعم الفني الروسي لتعزيز جهودها الرامية إلى تطوير أقمار استطلاع عسكرية، حيث تتأكد أهميتها بالنسبة لبيونج يانج في تعزيز التهديدات التي تشكلها صواريخها التي تحمل رؤوسًا نووية.

ولهذا ربما حرصت كوريا الشمالية على أن تجري عملية إطلاق لأحد صواريخها الباليستية قبالة ساحلها الشرقي، قبل ساعات من اجتماع كيم جونج أون مع الرئيس الروسي، رغم الحظر الأممي المفروض على تلك النشاطات التي تشمل الصواريخ قصرة المدى وصواريخ “كروز” والصواريخ الباليستية عابرة للقارات.

على الجانب الآخر، هناك رغبة روسية ملحة لأن يكون ثمرة هذا التطوير في التعاون بين البلدين هو عقد حزمة من الصفقات التسليحية تحتاجها موسكو من بيونج يانج لتعزيز قدراتها في الحرب الروسية الأوكرانية. لهذا تسعى روسيا إلى توفير كمية كبيرة من المساعدات التي تحتاجها كوريا الشمالية، خاصة في مجالي السلع الغذائية والدوائية، في مقابل إتمام الصفقات التي تخطط موسكو لإنجازها خلال هذه الزيارة.

فكوريا الشمالية تعد واحدة من أكثر الدول تسليحًا على مستوى العالم؛ فهي تمتلك ملايين من القذائف المدفعية والصواريخ، فضلًا عن الذخائر بأنواعها، والتقديرات تشير إلى امتلاك بيونج يانج مخزونًا جيدًا منها بحيث يمكنها إمداد الجانب الروسي بالكثير منها لسد احتياجها المتنامي للاستهلاك في ميدان القتال الأوكراني. وهناك ميزة نسبية تتمتع بها كوريا الشمالية، أن كافة أنظمتها التسليحية ومنظومة تصنيعها الوطنية اعتمدت منذ نشأتها على الأنظمة السوفيتية، لهذا سيكون هناك توافق واسع في طرازات الذخائر التي تمثل الاحتياج الأبرز للجيش الروسي. في هذا السياق قام وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو بزيارة لكوريا الشمالية يوليو الماضي؛ بهدف تقييم ما هو متاح من الأسلحة والذخائر التي يمكن إخضاعها للصفقات المتبادلة بين الدولتين.

رغم التحذيرات الأمريكية التي صدرت عن واشنطن في أكثر من مناسبة حول خطورة تزويد كوريا الشمالية لروسيا بالأسلحة والذخائر، فإن الدولتين تجدان أن تحالفهما يحقق لهما حزمًا من المكاسب الاستثنائية في تلك الفترة، مما يدفعهما إلى تجاوز سياج العقوبات ومحدداته. وتتطلع كل دولة إلى استثمار الاحتياج الملح لكل منهما للأخرى في الاستحواذ على متطلباتها، وتحقيق مكاسب في غضون اللحظة الاستثنائية لكليهما.

بيونج يانج بالضرورة تحتاج إلى المال والنفط والغذاء، وهي سلع يمكن لروسيا أن تمدها بها فضلًا عن التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، في مقابل أن تضمن موسكو تغذية الجبهات الأوكرانية بالأسلحة والذخائر القادمة من كوريا الشمالية والتي تضمن للجيش الروسي عدم الوقوع في فخ تحديات الاستهلاك، أو تعثر جداول القتال الزمنية.

هذه المعادلة الروسية-الكورية الشمالية تمثل تحديًا كبيرًا لواشنطن من جهة  منع الأسلحة الكورية الشمالية من الوصول إلى خطوط المواجهة في أوكرانيا، فيما يتنامى القلق في كوريا الجنوبية حول ما يمكن أن تحصل عليه كوريا الشمالية مقابل بيع أسلحتها لروسيا، خاصة ما هو مرتبط ببرنامج بيونج يانج النووي. فشبح إمكانية أن تنجح الأخيرة في تعزيز قدراتها من الأسلحة النووية الاستراتيجية على غرار الغواصات المسلحة نوويًا أو الرؤوس المحملة على منظوماتها الباليستية، أو الوصول إلى امتلاك قمر صناعي عسكري لمهام التجسس والدعم المعلوماتي؛ هذا يمثل خللًا كبيرًا في معادلة التوازن بالنسبة لسول، ويجعلها تراقب مخرجات تلك الزيارة عن كثب، أكثر من أي طرف آخر داخل صفوف التحالف الذي يضمها مع اليابان والولايات المتحدة الأمريكية.

نظام العقوبات الذي عكف المجتمع الدولي على نسجه كشبكة متكاملة حول قدرات كوريا الشمالية  لمنعها من تطوير أسلحة الدمار الشامل والاتجار بها يبدو على وشك الانهيار، وقد يكون بالفعل آيلا للسقوط على يد الدولة الروسية العضو الدائم في مجلس الأمن، والتي تخوض معركة وجود في أوكرانيا تدفعها إلى عبور وتحطيم كافة محرمات ما كان بعيدًا من قبل، رغم تأثيره المتوقع على معادلة التوازن الإقليمي الدقيق في هذه المنطقة، التي قد لا تتحمل خطوات واسعة على هذا النحو.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/79289/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M