زيارة بلينكن إلى كييف…هل من انفراجة وشيكة لأزمة أوكرانيا؟

 أحمد السيد

 

في خضم التوترات والتصعيد المستمر الذي تشهده الساحة الأوكرانية، ومع تزايد القلق الأمريكي والغربي من التحركات الروسية واتهامها بالسعي لغزو الأراضي الأوكرانية، وبعد فشل المحادثات التي جرت خلال الأسابيع القليلة الماضية، جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” إلى أوكرانيا يوم الثلاثاء الماضي 18 يناير 2022؛ بحثًا عن التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة الراهنة، وتأكيدًا للدعم الأمريكي لكييف في مواجهة أي عدوان روسي قد يتم خلال الفترة القادمة.

حملت زيارة “بلينكن” طمأنة كييف بأنها تحظى بدعم الولايات المتحدة، وحث الدول الغربية على الاتحاد ضد ما وصفه بالعدوان الروسي، فضلًا عن أنها هدفت إلى تهدئة التوترات في المنطقة.

جاءت الزيارة؛ بعد جولات دبلوماسية مكثفة أجرتها الولايات المتحدة الأمريكية مع شركائها الأوروبيين للتوصل إلى نهج موحد لمواجهة التهديد الذي تشكله روسيا –وفقًا للغرب- على أوكرانيا، وبلورة جهود مُشتركة لتشجيع موسكو على اختيار الدبلوماسية وخفض التصعيد لصالح أمن واستقرار المنطقة، خاصة في أعقاب المحادثات الدبلوماسية غير الحاسمة بين موسكو والغرب في أوروبا خلال الأيام القليلة الماضية، والتي فشلت في حل الخلافات الصارخة بشأن أوكرانيا والمسائل الأمنية الأخرى.

وكذا، تأتي الزيارة في إطار الجهود الأمريكية لمنع الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، وتجنب أي تصعيد آخر من الجانب الروسي. خاصة مع احتشاد عشرات الآلاف من القوات الروسية على حدود أوكرانيا. وقد تكثفت الجهود لمنع تصاعد التوترات إلى حرب أوروبية جديدة.

تصاعد الاتهامات الروسية-الغربية حول الأزمة الأوكرانية

تٌعد الأزمة الأوكرانية المصدر الرئيس للتوتر بين روسيا والغرب. إذ تتهم روسيا الغرب بأنه يؤجج الأزمة من خلال غرس المشاعر المعادية لروسيا في أوكرانيا، وتوفير الأسلحة. في حين أن الغرب يتهم روسيا بأنها أثارت الأزمة الأخيرة بنشر عشرات الآلاف من القوات بالقرب من الحدود الأوكرانية.

في سياق آخر، تستمر روسيا في رفض انضمام أوكرانيا إلى حف شمال الأطلنطي (الناتو)، ويرى المسؤولون الروس أن الناتو توسع إلى الشرق، على الرغم من التأكيدات الشفهية التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى الزعيم السوفيتي السابق “ميخائيل جورباتشوف” بأنها لن تقوم بذلك.

ووفقًا لمسؤولين غربيين، فإنه إذا ما قامت روسيا بتوغل عسكري كبير في أوكرانيا، فإن الناتو سيفكر بقوة في نقل المزيد من القوات إلى الدول الحليفة المتاخمة لأوكرانيا، مثل بولندا ودول البلطيق، لأن العمق الاستراتيجي ضد روسيا الذي توفره أوكرانيا سوف ينتهي.

إظهار الدعم الأمريكي لكييف

تحذر الولايات المتحدة الأمريكية من أن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” يستعد لتوجيه ضربة سريعة لأوكرانيا، مُستندة إلى الزيادة الكبيرة في حجم القوة العسكرية الروسية، بما قد يُمكّن موسكو من اتخاذ المزيد من الإجراءات العدوانية ضد أوكرانيا في غضون مهلة قصيرة جدًا.  وتتخوف الولايات المتحدة الأمريكية كذلك من قيام روسيا بشن هجوم على أوكرانيا؛ لذا جاءت زيارة “بلينكن” لإظهار الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وخاصة بعد تعثر الجهود الدبلوماسية لإثناء روسيا عن مهاجمة جارتها الموالية للغرب.

وبعد فشل المحادثات التي جرت خلال الأسابيع الماضية في تهدئة المخاوف، حذر البيت الأبيض من أن روسيا مستعدة لمهاجمة أوكرانيا “في أي وقت”. وكان هذا تكثيفًا ملحوظًا لتقييم التهديدات قبل الاجتماع المتوقع بين بلينكن ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي تم في جنيف يوم 21 يناير الجاري.

وفي حين أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين ليست لديهم خطط لمواجهة هجوم روسي على أوكرانيا بالقوة العسكرية، فإن الإجراءات الاقتصادية المضادة ستكون مختلفة عن أي إجراءات متبعة في الماضي.

ماذا تحتاج موسكو؟

في عام 2008، أعلن الناتو في بيان أن أوكرانيا ستنضم يومًا ما إلى الاتفاقية الأمنية المكونة من 30 دولة، وهو الأمر الذي أثار قلق موسكو. ورغم تأكيد المسؤولين الغربيين أنه سيكون من غير العملي أن تصبح أوكرانيا عضوًا في المستقبل المنظور، يبدو أن الغرب لن يُعدل موقفه ردًا على التهديدات الروسية.

تريد موسكو ردًا مكتوبًا من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب يتضمن وقف المزيد من توسع الناتو في أوروبا الشرقية، وتعهدًا ملزمًا قانونًا من الناتو بأنه لن يقبل أوكرانيا كعضو في الحلف. وهذا الأمر يُعد أحد الطلبات المركزية لموسكو لإثنائها عن التوغل في الأراضي الأوكرانية. لكنًّ الولايات المتحدة الأمريكية وصفت تلك المطالب بأنها غير مقبولة.

على صعيد أخر، أوضحت موسكو إنها لن تسمح للولايات المتحدة بإطالة أمد المفاوضات دون تقديم ردود على مطالبها، وأنها تنتظر ردًا مكتوبًا على مقترحاتها. وعلى الرغم من دعم موسكو الفعلي للانفصاليين شرق أوكرانيا، يخشى المسؤولون الأمريكيون من أن بوتين قد يسعى إلى غزو واحتلال المزيد من البلاد إذا لم يتم تلبية مطالبه، خاصة مع نشر روسيا ما يقرب من 100 ألف جندي على طول حدودها الغربية مع أوكرانيا.

وكان الرئيس الأمريكي “جو بايدن” قد حذر روسيا من أنها إذا ما أقدمت على غزو أوكرانيا فإن ذلك سيكلفها ثمنًا باهظًا، وسوف تندم على ذلك. بينما نفى الجانب الروسي أي نية لغزو الأراضي الأوكرانية، وأن حشد القوات على الحدود مع كييف يأتي في سياق إجراء تدريبات عسكرية. وتنفي موسكو أي خطط لنقل قواتها إلى أوكرانيا.

ماذ دار بين بلينكن والرئيس الأوكراني؟

خلال اللقاء الذي الذي جمع وزير الخارجية الأمريكي بالرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي”، أكد الأخير أهمية الدعم العسكري الأمريكي لبلاده، وأن ذلك يتماشى مع الخطط الاستراتيجية لانضمام أوكرانيا إلى الحلف.  على الجانب الآخر، أكد بلينكن على الدعم الأمريكي لكييف، وأن الإدارة الأمريكية ستضغط من أجل إيجاد حل دبلوماسي للأزمة، مُعتبرًا أن طريق الدبلوماسية والحوار هو الطريق الأفضل لحل الخلافات الراهنة.

في سياق آخر، لم تُحدد زيارة بلينكن لأوكرانيا أي وعود من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لكييف لردع موسكو أو لمحاربة الجيش الروسي في حالة حدوث غزو واسع النطاق. لكن مسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية أكدوا أن إدارة بايدن وافقت الشهر الماضي على 200 مليون دولار إضافية كمساعدات أمنية دفاعية لأوكرانيا. وتأتي هذه الأموال بالإضافة إلى 450 مليون دولار من المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا في السنة المالية الماضية.

وحذرت إدارة بايدن من أن روسيا ستعاني من عقوبات اقتصادية ضخمة تفرضها واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون إذا تحرك بوتين عسكريًا ضد أوكرانيا، على الرغم من أن العديد من المحللين يشكون في إمكانية ردعه بهذه الإجراءات.

وعلى الرغم من التقليل من احتمال حدوث أي انفراج أمريكي روسي في المستقبل القريب، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تبدو مصممة على متابعة حل دبلوماسي للأزمة. وخاصة في ظل جولات وزير الخارجية الأمريكي لمقابلة مسؤولين ألمان، وحضور جلسة جماعية مع دبلوماسيين فرنسيين وبريطانيين.

وردًا على زيارة “بلينكن” إلى كييف، رفضت روسيا المزاعم الأمريكية بأنها تسعى إلى غزو أوكرانيا. وأكد وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” أن روسيا تتوقع ردًا مكتوبًا في أسرع وقت من الولايات المتحدة وحلفائها على طلب موسكو الحصول على ضمانات ملزمة بأن الناتو لن يحتضن أوكرانيا أو أي دول سوفيتية سابقة أخرى، أو يُمَركز قواته وأسلحته هناك. وحذر بوتين من أن موسكو ستتخذ “إجراءات عسكرية تقنية” غير محددة إذا رفض الغرب مطالبها.

هل من حدوث انفراجة؟

على الرغم من رفض مسؤولي الناتو للمطالب الروسية، فإن “جيك سوليفان” مستشار الأمن القومي الأمريكي ذكر أنه بينما لدى الروس قائمة مخاوف أمنية، فإن الأمر كذلك بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين، وأن واشنطن مُستعدة للتفاوض على هذا الأساس.

وعلى مدار العشرين عامًا الماضية، أجرى الجانبان الروسي والأمريكي حوارًا حول قضايا الأمن الأوروبي، أسفر الحوار في بعض الأحيان عن تقدم، وفي بعض الأحيان أسفر عن طريق مسدود.  وتشير هذه التصريحات إلى عدم استبعاد الولايات المتحدة الأمريكية الدخول في حوار مع روسيا بشأن المخاوف الأمنية للطرفين، وبما يفتح الباب لإمكانية التوصل لترتيبات أمنية لمعالجة هذه التخوفات؛ بما يؤدي إلى تلاشي الحديث عن الحرب في أوكرانيا.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/66766/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M