سوق الرقائق الإلكترونية: الحجم والمشاكل ومستقبل المنافسة

 أسماء فهمى

 

تعد أشباه الموصلات أو الرقائق الإلكترونية محركات التحول الرقمي بوصفها مكونًا حيويًا في مختلف الأجهزة والمنتجات التكنولوجية، والتي يعتمد إنتاجها على سلاسل التوريد العالمية التي تتسم بالضعف والتعقيد، من مشكلات طويلة الأمد داخل الصناعة، مثل عدم كفاية السعة في صناعة أشباه الموصلات، فضلًا عن التحديات الناتجة عن جائحة كورونا ومن بعدها الحرب الروسية الأوكرانية على الصناعة.

وتلعب الإعانات الحكومية المتزايدة وتمويل البحث والتطوير والدفع المجتمعي المتزايد نحو تقنيات الحوسبة المستقلة والواقع الافتراضي دورًا محوريًا في تقليل تأثير اضطرابات سلسلة التوريد العالمية وتعزيز النمو المحقق في سوق أشباه الموصلات والإلكترونيات، لتنامي التوقعات المتعلقة بتزايد الطلب على الرقائق خلال السنوات العشر القادمة. لكن من غير المرجح أن يتم حل النقص الحالي في الرقائق في المستقبل القريب؛ ويرجع ذلك جزئيًا إلى تعقيدات عملية إنتاج أشباه الموصلات، فضلًا عن التهديد المستمر لتايوان التي تهيمن على أعمال أشباه الموصلات من الغزو من قبل بكين وهو ما يمثل أيضًا نقطة اختناق في سلسلة التوريد العالمية وتعطي إلحاحًا جديدًا على اليابان والولايات المتحدة لزيادة الاعتماد على الذات.

وضع صناعة أشباه الموصلات

تُستخدم الرقائق في مجموعة متنوعة من المنتجات، من أجهزة الكمبيوتر إلى الأجهزة الطبية، وأنظمة 5G والذكاء الاصطناعي، وفي أجهزة الأمن والدفاع. وأدى عدم التوازن بين العرض والطلب على أشباه المواصلات في عام 2021 إلى خلل أثر على كل من الأسواق النهائية التقليدية للرقائق مثل مراكز البيانات والهواتف الذكية، والأسواق الأقل اعتمادً مثل السيارات. علاوة على ذلك، وصلت قيمة أو محتوى أشباه الموصلات المستخدمة في الأنظمة الإلكترونية إلى مستوى قياسي بلغ 33% في عام 2021، مقارنة بـ 26% في عام 2010 و22.5% في عام 2000، ويشتمل الهاتف الذكي على حوالي 160 شريحة مختلفة، والسيارات الكهربائية الهجينة تصل الشرائح فيها إلى 3500 شريحة.

في عام 2021، بلغت الإيرادات من صناعة أشباه الموصلات العالمية 595 مليار دولار أمريكي، بزيادة عن العام السابق حيث بلغ إجمالي الإيرادات 470.89 مليار دولار أمريكي. وفي عام 2022، من المتوقع أن تصل عائدات سوق أشباه الموصلات إلى 676 مليار دولار أمريكي. ومن المتوقع كذلك أن تستمر سوق الرقائق في النمو في السنوات القادمة، حيث يقدر أن السوق يمكن أن تصل إلى ما يقرب من تريليون دولار أمريكي في عام 2030.

ووسط النقص العالمي المستمر في الرقائق مقابل الطلب المتزايد في عام 2021 زادت شركات أشباه الموصلات بشكل كبير من الإنتاج والابتكار لتلبية الطلب المتزايد باستمرار، مما أدى إلى مبيعات قياسية للرقائق وشحن الوحدات، ويمكن متابعة تطور إيرادات صناعة أشباه الموصلات في جميع أنحاء العالم من خلال الشكل التالي:

وعالميًا، يهيمن 24 مصنعًا على مسابك 8 بوصة و12 بوصة في تايوان، تليها الصين وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وبالنظر إلى خطط المصانع الجديدة لما بعد عام 2021، لا تزال تايوان تستحوذ على أكبر عدد من المنتجات الجديدة، تليها الصين والولايات المتحدة. وأعلن المصنعون التايوانيون عن توسعات المصانع في مواقع تشمل الولايات المتحدة والصين واليابان وسنغافورة بالإضافة إلى تايوان في ضوء احتياجات العملاء المحليين والتعاون التقني.

وبلغت إيرادات عمليات تصنيع أشباه الموصلات (عمليات السبك) حسب الحصة السوقية 107.5 مليار دولار أمريكي عام 2021، وفي عام 2022 ستمثل تايوان حوالي 48% من الطاقة الإنتاجية العالمية مقاس 12 بوصة، وستنخفض الحصة السوقية التي تحتفظ بها وقدرة عمليات تصنيع أشباه الموصلات المحلية (عمليات السبك) في تايوان بشكل طفيف إلى 44% في عام 2025، ويمكن متابعة القيمة السوقية لعائدات أشباه الموصلات (عمليات السبك) من خلال الشكل التالي:

أما في عام 2022، فيتوقع أن تبلغ عائدات أشباه الموصلات (عمليات السبك) 128.8 مليار دولار أمريكي، سترتفع حصة تايوان منها لتصبح 66% بزيادة مساهمة شركة تي إس إم سي التايوانية بنسبة 56% مقارنة ب 53% عام 2021، تليها كوريا الجنوبية بنسبة مساهمة 17%، ثم الصين بحصة 8%، ودول أخرى 9%.

المنافسة بين القوى العظمى

اكتسبت تايوان نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا في عالم يتم فيه تجنيد التكنولوجيا في تنافس القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين – وهي مواجهة من غير المرجح أن تخفف في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن”، وظهرت حدة المنافسة بين الدول مع معاناة صناعة السيارات من نقص في الرقائق المستخدمة في كل شيء بدءًا من أجهزة استشعار وقوف السيارات وحتى تقليل الانبعاثات. ومع اضطرار شركات صناعة السيارات بما في ذلك شركة فولكس فاجن الألمانية وشركة فورد موتور الأمريكية وشركة تويوتا موتور اليابانية إلى وقف الإنتاج وتعطل المصانع، أصبحت أهمية تايوان فجأة محط انظار الدول المتنافسة في الصناعة.

وفي الوقت الذي تدفع فيه الصين العالم إلى تجنب التعاملات الرسمية مع تايوان التي تعدها الصين مقاطعة تابعة لها، يدرك القادة في جميع أنحاء العالم مدى اعتمادهم على تايوان فيما يتعلق بصناعة أشباه المواصلات، لقدرتها على تصنيع رقائق كمبيوتر رائدة ويعود ذلك في الغالب إلى “شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة” أكبر مسبك في العالم ومنتج الرقائق للهواتف الذكية لشركة “آبل”، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة عالية الأداء، بحسب “بلومبرج”.

وفي عام 2021، بلغت مبيعات شركات أشباه الموصلات الأمريكية 258 مليار دولار، أو 46% من السوق العالمية، وللحفاظ على قدرتها التنافسية في الصناعة استثمرت شركات أشباه الموصلات الأمريكية أيضًا 50 مليار دولار في البحث والتطوير، وهو أعلى معدل في التاريخ، ويمكن متابعة حصص الدول في تصنيع أشباه الموصلات العالمية بحسب المفوضية الأوروبية من خلال الشكل التالي:

يوضح الشكل السابق أنه بالرغم من تراجع حصة مساهمة الولايات المتحدة في صناعة أشباه المواصلات عالميًا من 56.70% إلى 43.20%، إلا أن الشركات الأمريكية لا تزال تقود السوق العالمية، حيث تمثل ما يقرب من نصف مبيعات الرقائق في العالم، حيث تعد صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة محركًا رئيسًا للقوة الاقتصادية لأمريكا والأمن القومي والقدرة التنافسية العالمية والريادة التكنولوجية. وقد تم اختراع أشباه الموصلات في أمريكا، ويرجع سبب انخفاض حصة مساهمة الولايات المتحدة في الصناعة في الغالب إلى أن حكومات البلدان الأخرى (بشكل خاص تايوان وسنغافورة) استثمرت بطموح في تصنيع الرقائق ولم تفعل الحكومة الأمريكية ذلك.

ويعتمد الاقتصاد العالمي على تايوان بنسبة تفوق 65% في إنتاج هذه الرقائق، فاليوم تعد تايوان واحدة من الدول الرائدة عالميًا في صناعة أشباه الموصلات، خاصة في التصنيع حيث أصبحت مركزًا رئيسيًا لإنتاج أشباه الموصلات المتطورة، وكانت تايوان أيضًا مستفيدة من الاستثمار الأجنبي في قطاع أشباه الموصلات، وفي الربع الثالث من عام 2021، كانت تايوان أكبر سوق لمعدات أشباه الموصلات في العالم، وذلك بفضل مشتريات الآلات والمعدات الأخرى التي بلغ مجموعها 7.33 مليار دولار أمريكي – بزيادة قدرها 54% عن الربع الثالث من عام 2020، وهناك توقعات بأن تحقق تايوان ريادة في إنتاج أشباه الموصلات في السنوات القليلة المقبلة.

ويستحوذ عدد قليل من الدول على أكبر شركات الصناعة في العالم وهي تايوان والولايات المتحدة وهولندا وسويسرا وألمانيا وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية واليابان والصين، وتستهدف الدول الأوروبية هي الأخرى ضخ استثمارات في القطاع بما يمكنها من رفع حصة مساهمتها في سوق الرقائق العالمية إلى 20% من أقل من 10% الآن.

وقد خصصت اليابان كذلك 110 مليار ين (1 مليار دولار) عام 2020 للاستثمار في البحث والتطوير و 90 مليار ين أخرى عام 2021. ووضعت الصين خطة دعم لصناعة الرقائق وغيرها من التقنيات الرئيسية لتصل قيمتها إلى 1.4 تريليون دولار حتى عام 2025.

وبالرغم من ذلك فإنه كما تتمتع صناعة الرقائق وأشباه الموصلات بفرص واعدة إلا أنها تواجه تحديات زيادة الطلب على المنتجات في المستقبل القريب، وسيؤدي نمو الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء  والطلبات المستمرة من قطاع الهواتف الذكية وغيرها من الصناعات عالية التقنية إلى الضغط على سلسلة توريد أشباه الموصلات. ومن الصعب كذلك إعادة تدوير مواد أشباه الموصلات، وهناك حاجة إلى إنتاج أجهزة أشباه الموصلات باستخدام عمليات أكثر استدامة لتقليل انبعاثات الملوثات السامة أثناء عملية التصنيع، وسيزداد التحدي تعقيدًا بسبب النزاعات التجارية الدولية المستمرة، والتي قد ترفع تكلفة مواد أشباه الموصلات وتتداخل مع التعاون العالمي داخل الصناعة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72929/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M