عشية زيارته إلى روسيا: الرئيس الصيني يكتب حول رؤية بكين للنظام الدولي والمصير المُشترك

أحمد السيد

 

عرض – أحمد السيد

يحل اليوم الرئيس الصيني “شي جين بينغ” ضيفًا على روسيا في أول زيارة له عقب توليه الولاية الثالثة للحكم، وهي الزيارة الأولى أيضًا للرئيس الصيني لموسكو مُنذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير 2022. توقيت الزيارة بالغ الحساسية، وخاصة مع ما بدا من بزوغ دور سياسي لبكين على الساحة الدولية؛ يُعطي للزيارة أولوية قصوى واهتمامًا دوليًا غير مسبوق، في انتظار ما قد تُفضي إليه تلك الزيارة من نتائج.

في هذا السياق، وعشية زيارته إلى موسكو، كتب الرئيس الصيني مقالًا على موقع وزارة الخارجية الصينية بعنوان “المضي قدمًا لفتح فصل جديد من الصداقة والتعاون والتنمية المشتركة بين الصين وروسيا“، نوه من خلاله بـ “صمود” العلاقة بين بكين وموسكو “أمام اختبارات الظروف الدولية المتغيرة”، مشيرًا إلى أن الصداقة بين البلدين “تنمو باطراد، مع ضرورة الحفاظ عليها”. وفي السطور التالية سنتطرق لاستعراض مُفصل لما جاء في المقال.

موسكو وبكين..شراكة استراتيجية وتنسيق شامل

أوضح الرئيس الصيني “شي جين بينغ” أن قيامه بزيارة روسيا الاتحادية يأتي استجابة لدعوة من الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”. موضحًا ان روسيا كانت أول زيارة له بعد انتخابه رئيسًا قبل عشر سنوات. وخلال العقد الماضي، قام بثماني زيارات إلى روسيا الاتحادية، مبينًا أنه في كل مرة كان يذهب لموسكو بتوقعات كبيرة ويعود بنتائج مُثمرة، فاتحًا فصلًا جديدًا للعلاقات الصينية الروسية مع الرئيس “بوتين”.

أشار إلى إن الصين وروسيا هما أكبر جيران لبعضهما البعض، وبينهما شراكة استراتيجية وتنسيق شامل. وكلاهما دول رئيسة في العالم وعضوان دائمان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ويلتزم كلا البلدين بسياسة خارجية مستقلة، ويأخذان في الحسبان علاقتهما الثنائية كأولوية قصوى خاصة في الأمور الدبلوماسية.

وأكد الرئيس “شي” على المنطق التاريخي الواضح والقوة الداخلية الكبيرة والدافعة لنمو العلاقات الصينية الروسية، وأوضح أنه وعلى مدار السنوات العشر الماضية، قطعت الدولتان شوطًا طويلًا في تعاونهما واسع النطاق، وخطى الطرفان خطوات كبيرة في العصر الجديد. ووضع الجانبان إطار تعاون شامل ومتعدد المستويات بفضل الجهود المشتركة للجانبين.

وأكد الرئيس “شي” على أن حجم التجارة بين البلدين تجاوز الـ 190 مليار دولار العام الماضي، بزيادة 116% عن العشر سنوات الماضية. وظلت الصين أكبر شريك تجاري لروسيا لمدة 13 عامًا على التوالي. ولقد شهد الجانبان زيادة مطردة في الاستثمارات، ويتقدم التعاون بينهما في المشاريع الكبرى في مجالات مُهمة مثل: الطاقة، والطيران، والفضاء، والاتصال، بشكل مطرد. ويظهر التعاون المُشترك أيضًا في الابتكار العلمي والتكنولوجي والتجارة الإلكترونية عبر الحدود وغيرها من المجالات الناشئة، ويُكسب علاقتهما زخمًا قويًا. فضلًا عن أن تعاونهما على المستوى المحلي يشهد ازدهارًا كبيرًا، وكل هذا جلب فوائد ملموسة لكل من الشعبين الصيني والروسي، ووفر قوة دافعة للعلاقة بينهما.

وكذلك، لعبت التفاعلات رفيعة المستوى دورًا استراتيجيًا رئيسيًا في قيادة العلاقات الصينية الروسية. حيث أنشأ الطرفان مجموعة كاملة من الآليات للتفاعلات عالية المستوى والتعاون متعدد الأوجه الذي يوفر ضمانات نظامية ومؤسسية مهمة لنمو العلاقات الثنائية. على مر السنين، أوضح “شي” أنه حافظ على علاقة عمل وثيقة مع الرئيس “بوتين”، لقد التقيا 40 مرة في مناسبات ثنائية ودولية. ورسما معًا مخططًا للعلاقات الثنائية والتعاون في مختلف المجالات، وأجروا الكثير من الاتصالات بشأن القضايا الدولية والإقليمية الرئيسية والقضايا ذات الاهتمام المشترك، الأمر الذي رسخ نموًا مُستدامًا للعلاقات الروسية الصينية.

رؤية مُشتركة للنظام الدولي

وعزز الجانبان الثقة السياسية المتبادلة، وعززا نموذجًا جديدًا للعلاقات بين الدول الكبرى، مسترشدين برؤية الصداقة الدائمة والتعاون المربح للجانبين. وتلتزم الصين وروسيا في علاقتهما بعدم التحالف وعدم المواجهة وعدم استهداف أي طرف ثالث في تطوير علاقاتهم الثنائية.

وأكد الرئيس “شي” على الدعم المتبادل بين الصين وروسيا وضرورة اتباع مسار تنمية يتماشى مع النموذج الخاص بكلاهما. كما نمت العلاقات الثنائية بينهما بشكل أكثر نضجًا ومرونة، تحكمها الديناميكية والحيوية، مما يشكل مثالًا رائعًا لتطوير نموذج جديد للعلاقات بين الدول الكبرى يتسم بالثقة المتبادلة والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين.

وذكر “شي” أن الجانبان قد عملا على أساس رؤية الصداقة الدائمة، وعززا بشكل مطرد صداقتهم التقليدية. وبمناسبة الذكرى العشرين لمعاهدة حسن الجوار والتعاون الودي بين الصين وروسيا، أعلنت الصين وروسيا تمديد المعاهدة وإضافة أبعاد جديدة إليها. ووقف الشعبان جنبًا إلى جنب مع بعضهما البعض في الحرب ضد فيروس “كوفيد-19″، الأمر الذي يبرهن على قوة الصداقة الحقة بين البلدين.

وأجرى الجانبان تنسيقًا وثيقًا على الساحة الدولية، وأديا مسؤولياتهما كدول رئيسة؛ إذ أكد “شي” على التزام الصين وروسيا بحماية النظام الدولي المتمركز حول الأمم المتحدة، واحترام القانون الدولي، والأعراف الأساسية للعلاقات الدولية القائمة على مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

وأوضح الرئيس “شي” في مقاله أن الطرفين ظلا على اتصال وتنسيق وثيق في الأمم المتحدة، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة البريكس، ومجموعة العشرين، وغيرها من الآليات المتعددة الأطراف، وعملا معًا من أجل عالم متعدد الأقطاب. وأوضح أن موسكو وبكين ظلتا عضوين نشيطين في ممارسة التعددية الحقيقية، وتعزيز القيم المشتركة للإنسانية، والدفاع عن بناء نوع جديد من العلاقات الدولية ومجتمع المصير المشترك للبشرية.

وذكر الرئيس “شي” أنه وبالنظر إلى الوراء على مدى السبعين عامًا الماضية وأكثر فإن رحلة العلاقات الصينية الروسية لم تصل على ما هي عليه الأن بسهولة، كما بيَّن أن الصداقة تنمو باطراد ويجب الاعتزاز بها. كما أكد على أن الصين وروسيا قد وجدتا المسار الصحيح للتفاعلات بين الدول. وهذا الأمر ذا أهمية كبيرة وضرورية لصمود العلاقة بينهما أمام أي اختبارات قد تفرضها الظروف الدولية المتغيرة.

حول زيارته لموسكو

وحول زيارته لروسيا على مدى ثلاثة أيام من 20 وحتى 22 مارس الجاري، أوضح الرئيس “شي” أن الزيارة ستكون بمثابة رحلة صداقة وتعاون، وأنه يتطلع للعمل مع الرئيس “بوتين” للتبني المشترك لرؤية وخطة وإجراءات جديدة لنمو الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا في السنوات القادمة. ولهذه الغاية، أوضح “شي” أن الجانبان بحاجة إلى تعزيز التنسيق والتخطيط المُشترك. نظرًا لأن كلاهما يركز على القضية الخاصة بالتنمية والتجديد، مع الحث على ضرورة الإبداع في التفكير الصيني الروسي المشترك، وخلق فرص جديدة مع ضخ زخمًا جديدًا في العلاقات. ومن المهم زيادة الثقة المتبادلة وإبراز إمكانات التعاون الثنائي للحفاظ على العلاقات الصينية الروسية على مستوى عالِ.

في السياق ذاته، أكد الرئيس “شي” على حاجة الجانبين إلى رفع جودة وحجم الاستثمار والتعاون الاقتصادي وتكثيف تنسيق السياسات لخلق ظروف مواتية لتطوير عالي الجودة للتعاون الاستثماري. مع الحاجة إلى تعزيز التجارة البينية، وتعزيز تقارب المصالح ومجالات التعاون، والحاجة إلى بذل جهود متواصلة لتحقيق التآزر بين مبادرة “الحزام والطريق” و”الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي”؛ وذلك لتوفير المزيد من الدعم المؤسسي للتعاون الثنائي والإقليمي.

وأكد الرئيس الصيني على حاجة الجانبين إلى تكثيف التبادلات والرياضية الشعبية والثقافية بين الصين وروسيا. مع ضرورة الاستفادة بشكل جيد من آليات التعاون دون الوطنية لتسهيل المزيد من التفاعلات بين الدولتين. وتشجيع تبادل الأفراد والدفع من أجل استئناف التعاون السياحي. مع توفير مخيمات صيفية أفضل ومدارس مشتركة وبرامج أخرى لتعزيز التفاهم المتبادل والصداقة بين الشعبين، وخاصة بين الشباب.

رؤية “شي” للوضع الدولي

فيما يتعلق بالوضع العالمي، أوضح الرئيس الصيني شي جين بينغ في مقاله أن العالم يمر بتغيرات عميقة لم نشهدها منذ قرن، ولا يمكن وقف الاتجاه التاريخي للسلام والتنمية والتعاون المربح للجانبين الروسي والصيني. فالاتجاهات السائدة في العالم متعدد الأقطاب والعولمة الاقتصادية وزيادة الديمقراطية في العلاقات الدولية لا رجوع فيها. من ناحية أخرى، أوضح “شي” أن العالم يشهد تحديات أمنية تقليدية وغير تقليدية بشكل مُعقد ومتشابك فضلا عن وضع اقتصادي غير مستقر، لذا تشعر بلدان العالم بقلق عميق وتبدو حريصة على إيجاد طريقة تعاونية للخروج من الأزمة.

ذكر الرئيس “شي” أنه تحدث في مارس 2013 في “معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية” أن بلدان العالم مرتبطة ببعضها البعض وتعتمد على بعضها البعض على مستوى لم يسبق له مثيل، وأن الجنس البشري الذي يعيش في نفس القرية العالمية تبدو مصالح متشابكة ومُشتركة. ونتيجة لذلك قال “شي” في مقاله إن ذلك كان دافعًا له لاقتراح مبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية في مناسبات مختلفة. وأوضح أن كل هذه الأمور قد أثرت في الرؤية الصينية لمجتمع المصير المشترك للبشرية. وقدمت بكين مسارات عملية نحوه، ووصفها بأنها جزء من استجابة الصين لتغيرات العالم في العصر الراهن، وأن ذلك نتيجة طبيعية لمسار التاريخ الذي لا يمكن لأحد إيقافه.

وأوضح أنه خلال هذه السنوات العشر، ترسخت القيم المشتركة للإنسانية والقائمة على مبادئ -السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية- بجذور أعمق في قلوب الناس. وأدرك المجتمع الدولي أنه لا يوجد بلد متفوق على الآخرين، ولا يوجد نموذج عالمي واحد للحكم يُمكن فرضه على الاَخرين، ولا ينبغي لدولة بمفردها أن تملي شروطها على النظام الدولي. وأوضح أن المصلحة المشتركة للبشرية جمعاء تتحقق من خلال “عالم موحد ومُسالم” وليس مقسمًا ومتقلبًا.

حول الأزمة الأوكرانية

أوضح الرئيس “شي” أنه ومنذ العام الماضي كان هناك تصعيد شامل للأزمة الأوكرانية. لكنَّ بكين تمسكت طوال الوقت بموقف موضوعي وغير متحيز، وروجت بنشاط لمحادثات السلام. وذكر أن الصين قدمت عدة مقترحات، منها: مراعاة مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، واحترام الشواغل الأمنية المشروعة لجميع الدول، ودعم جميع الجهود التي تؤدي إلى التسوية السلمية للأزمة، وضمان استقرار الصناعة والإمداد العالمية وسلاسل التوريد. ولقد أصبحت هذه الأمور من المبادئ الأساسية للصين في معالجة الأزمة الأوكرانية.

وتطرق الرئيس الصيني إلى موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية والمشروع الذي تقدمت به بكين مُنذ عِدة أيام، والذي يأخذ في الحسبان الاهتمامات المشروعة لجميع الأطراف، ويعكس تفاهمًا أوسع ومشتركًا للمجتمع الدولي بشأن الأزمة. موضحًا أن المشروع كان بنّاءً في التخفيف من تداعيات الأزمة وتسهيل تسويتها السياسية. مؤكدًا أنه لا يوجد حلول بسيطة لقضية مُعقدة، وأن تبني جميع الأطراف لرؤية مشتركة للأمن مع تعاون شامل ومُشترك، ومع مواصلة الحوار والتشاور فسيقود ذلك لأفضل النتائج، وسوف يجد الجميع طريقة معقولة لحل الأزمة، وطريق مُمهد نحو عالم يسوده السلام الدائم والأمن المشترك.

في ختام مقاله أوضح الرئيس الصيني “شي جين بينغ” أنه ولإدارة شؤون العالم على نحو جيد يجب أن يدير المرء أولًا وقبل كل شيء شؤونه الخاصة على نحو جيد. فالصينيون تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني يسعون جاهدين إلى التقدم في مسار نهضة الأمة الصينية على كافة الأصعدة عبر مسار التحديث الصيني، ويتسم مسار التحديث الصيني بأنه تحديث لعدد هائل من السكان، وتحديث للرخاء العام للجميع، وتحديث للتقدم على الصعيدين المادي والثقافي الأخلاقي، وتحديث للتناغم بين الإنسانية والطبيعة وتحديث للتنمية السلمية. وذكر أن هذه الأمور تبلور السمات الصينية على مدى سنوات، وتعكس فهمًا عميقًا للتجربة الدولية.

وللمضي قدمًا، ستعمل بكين باطراد على دعم قضية التحديث الصيني، مع السعي إلى تحقيق تنمية عالية الجودة وتوسيع نطاق الانفتاح رفيع المستوى. واعتقد الرئيس “شي” أن هذا سيفتح آفاقًا وفرص تنمية جديدة أمام روسيا وجميع دول العالم. وكما يبدأ كل عام جديد بالربيع يبدأ كل نجاح بالعمل. واختتم بأن لدى الصين جميع الأسباب التي تجعلها هي وروسيا رفيقين على درب رحلة التنمية والنهضة، وستقدمان إسهامات جديدة وعظيمة للتقدم البشري.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76205/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M