عودة نيتانياهو إلى الحكم.. هل هناك جديد؟

اللواء محمد إبراهيم الدويري

هناك ملاحظتان رئيسيتان لابد من الإشارة إليهما فى البداية, الأولى أن فوز نتانياهو في الانتخابات الأخيرة وتكليفه بتشكيل الحكومة الإسرائيلية لم يكن مفاجأة, حيث إن كل استطلاعات الرأي العام منحته دائماً الأولوية باعتباره رئيس الوزراء المفضل لدى الشعب الإسرائيلي, كما منحت الليكود أكبر عدد من مقاعد الكنيست مقارنة بأي حزب آخر، والملاحظة الثانية أن الكثير من المحللين يتحدثون عن نتانياهو وكأنه شخصية جديدة على الساحة السياسية سوف تتولى السلطة للمرة الأولى, متجاهلين أنه قد سبق له أن شغل منصب رئيس الوزراء خمس مرات وبالتالي أصبح كتاباً مفتوحاً لكل من يريد أن يفهم سياساته أو سياسات أى حكومة يترأسها.

تجدر الإشارة إلى أن نيتانياهو لم يغب عن السلطة سوى عام واحد فقط كان خلاله زعيماً للمعارضة فى وقت تولى فيه الحكم ائتلاف غير متجانس تماماً جمع اليمين المتطرف واليمين ويسار الوسط والعرب وتناوب على رئاسة الوزراء خلال هذا العام كل من نفتالى بينيت ويائير لابيد، وبالتالى كان من الطبيعى أن ينهار هذا الائتلاف فى وقت قياسى لم يتعد اثنى عشر شهراً ولم يستطع لابيد أن يحقق أى إنجازات تحسب له على مستوى الشارع الإسرائيلى إلا إذا سلمنا بأن اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان كان خطوة جيدة .

وقد كان من الواضح أن المجتمع الإسرائيلي قد سئم إجراء خمسة انتخابات في نحو أربع سنوات وبالتالي كان مصراً على أن يكون له الدور الرئيسي في استقرار النظام السياسي، وقد وضح ذلك من خلال ارتفاع نسبة التصويت إلى نحو 72%، كما كان من الواضح أيضاً أن المجتمع الإسرائيلي أصبح أكثر ميلاً نحو اليمين والدليل على ذلك أن حزب العمل الذى أسهم في تأسيس الدولة قد حصل على أربعة مقاعد فقط وأن حركة ميرتس اليسارية لم تعبر نسبة الحسم .

ولابد لى أن أطرح سؤالاً مشروعاً مفاده هل هناك اختلاف حقيقى بين سياسات كل من نيتانياهو ولابيد، وفى رأيى أن كل من يرغب فى الوقوف على الإجابة عن هذا التساؤل لابد أن يعود إلى السياسة التى انتهجها لابيد والتى تتوافق بشكل كبير مع سياسة نيتانياهو، وسوف نسوق فى هذا المجال أربعة أمثلة فقط وهى كمايلى :-

أولاً: استمرار السياسات المتشددة تجاه الفلسطينيين من حيث مواصلة الاستيطان والاعتقالات والاغتيالات واقتحام المسجد الأقصى وهدم المنازل واقتحام مدن الضفة الغربية، بالإضافة إلى أنه وقعت فى عهده الحرب الخامسة بين إسرائيل وقطاع غزة .

ثانياً: عدم حدوث أى تقدم فى التسوية السياسية ولم تكن تصريحاته تجاه تأييد مبدأ حل الدولتين سوى كلمات جوفاء لم تتضمن أى آلية للتنفيذ وهو نفس المنطق الذى يتبناه نيتانياهو .

ثالثاً: العمل على دعم العلاقات مع الدول العربية التى تم توقيع اتفاقيات التطبيع معها فى السابق ولاسيما المغرب .

رابعاً: تأكيد مخاطر التهديدات الإيرانية على الأمن القومى الإسرائيلى وبما يتطلب ضرورة أن يضمن أى اتفاق أمريكى / إيرانى عدم قدرة إيران على امتلاك السلاح النووى فى أى وقت.

إذن فإن هذه الأمثلة الأربعة تشير إلى أن كلا من نيتانياهو ولابيد هما وجهان لعملة واحدة، وحتى إذا كانت هناك اختلافات بينهما فلن تكون سوى فى الإطار التكتيكى ولاسيما على المستوى الداخلى، أما مادون ذلك فلن نجد أى فوارق جوهرية بين سياسة كل منهما خاصة بالنسبة للقضايا الإقليمية.

ومن ناحية أخرى فلابد أن نستذكر أن نيتانياهو هو الذى وقع اتفاقيات التطبيع مع كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان كما حرص على الحفاظ على العلاقات الجيدة مع كل من مصر والأردن، ومن هنا فقد جاءت ردود الفعل العربية عقب فوز نيتانياهو مرحبة بشكل عام ومؤكدة الحرص على استمرار العلاقات الثنائية مع إسرائيل .

ولاشك فى أن عودة نيتانياهو إلى الحكم سوف تجعله أكثر قوة على المستويين الداخلى والخارجى، ومن ثم سوف يحرص على استمرار ائتلافه لأطول فترة ممكنة، وفى تقديرنا أنه سوف يحاول تحجيم بعض السياسات المتطرفة لدى حزب الصهيونية الدينية – الذى سيأتلف معه – خاصة تجاه الفلسطينيين دون أن يلغيها، مع التبنى الكامل لموقف هذا الحزب إزاء الرد القاسى على أى عمليات فلسطينية ضد الإسرائيليين أو فى مواجهة انتفاضة محتملة.

ومن المؤكد أن سياسة نيتانياهو عقب توليه الحكم لن تختلف عن سياساته التى انتهجها من قبل من حيث مواصلة الإجراءات المتطرفة فى الضفة الغربية والقدس وعدم تقديم أى تنازلات فى القضية الفلسطينية مع إمكانية اندلاع حرب سادسة مع قطاع غزة، فى الوقت الذى سيتجه فيه إلى دعم اتفاقيات التطبيع العربى ومحاولة توقيع اتفاقيات جديدة مع بعض الدول العربية والإسلامية، كما سيحاول احتواء أى خلافات مع الإدارة الأمريكية الحالية التى يمكن أن تتخذ سياسات تجاه القضية الفلسطينية وإيران قد لا تتفق مع سياسات نيتانياهو أملاً فى عودة الإدارة الجمهورية.

وفى النهاية إذا كانت سياسات نيتانياهو لا تحتاج إلى اجتهاد فى استيعاب أبعادها، ففى رأيى أن المسئولية الأكبر تقع على كل من الفلسطينيين والدول العربية الذين يجب عليهم تغيير سياسات تعاملهم مع الحكومة الإسرائيلية المقبلة من خلال اتخاذ ثلاثة قرارات قد تبدو صعبة ولكنها غير مستحيلة أولها إنهاء الانقسام الفلسطينى، وثانيها دعم أواصر التضامن العربى اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وأمنياً، وثالثها الضغط على إسرائيل بكل الوسائل لإجبارها على استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين استناداً إلى رؤية سلام عربية واقعية لابد من إرغام إسرائيل والمجتمع الدولى على قبولها.

نقلا عن جريدة الاهرام بتاريخ 23 نوفمبر 2022

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/30524/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M