قراءة في مؤشر الإرهاب العالمي 2023 (4).. ملامح النشاط الإرهابي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (2012-2022)

منى قشطة

 

أصدر معهد الاقتصاد والسلام الدولي النسخة العاشرة من مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023، وهو تقرير سنوي يقدم ملخصًا شاملًا للاتجاهات والأنماط العالمية الرئيسة لظاهرة الإرهاب، ويحلل عدد من الجوانب الحيوية المرتبطة بها مثل الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تحدث فيها، وكيف يتغير الإرهاب بمرور الوقت، والدوافع الجيوسياسية والأهداف الأيديولوجية للجماعات الإرهابية والاستراتيجيات التي يستخدمها الإرهابيون. وقد تناولنا خلال الجزء الأول من هذه السلسلة نظرة شاملة على حصيلة العمليات الإرهابية خلال العام المنصرم، والجماعات الإرهابية الأكثر فتكًا. بينما ناقش الجزء الثاني قائمة الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب عالميًا وفقًا لما ورد بالمؤشر. في حين ناقش الجزء الثالث اتجاهات النشاط الإرهابي في مناطق العالم المختلفة خلال عام 2022. فيما يناقش هذا الجزء ملامح النشاط الإرهابي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال السنوات العشر الأخيرة (2012-2022).

الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

رصد التقرير أبرز الملامح والتغيرات في طبيعة النشاط الإرهابي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال الفترة (2012-2022)، وذلك على النحو التالي:

• انخفاض تأثير الإرهاب في المنطقة: انخفض تأثير الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل كبير خلال العقد الماضي. ففي حين بلغت الوفيات الناجمة عن الإرهاب ذروتها في المنطقة عام 2016، حيث كانت المنطقة مسؤولة عن 57% من إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب على مستوى العالم، انخفض هذا الرقم بنسبة 12% بحلول عام 2022. وهو ما يوضحه الشكل التالي:

وقد تحسنت درجة مؤشر الإرهاب العالمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العقد الماضي بنسبة 24%. ومع ذلك، تميز العقد بتقلبات كبيرة، حيث بلغ الإرهاب ذروته مع صعود تنظيم داعش وانخفض مع تراجع التنظيم. ويوضح الشكل التالي أن الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال هذه الفترة قد تركز في العديد من البلدان؛ فبين عامي 2012 و2022، كانت سوريا والعراق أكثر البلدان تأثرًا بالإرهاب في المنطقة.

• استمرار تهديد تنظيم داعش رغم هزيمته المكانية: على الرغم من تراجع نشاط تنظيم داعش بشكل كبير في السنوات الأربع الماضية بعد هزيمته العسكرية في سوريا والعراق، إلا أن التنظيم لا يزال يمثل تهديدًا محسوسًا لأمن المنطقة. ففي عام 2022، نفّذ داعش 42% من الحوادث الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونفذ إرهابيون آخرون 21%، والميليشيات الشيعية 17%، ونفذت جماعات أخرى 20%. ومنذ خسارة تنظيم داعش لمعاقله الجغرافية في سوريا والعراق، تحول التنظيم إلى التكتيكات السرية، والعمل من خلال شبكات سرية مع الحفاظ على وجود عناصر له في المناطق الريفية، وكذلك ظلّت مفارز التنظيم نشطة في مناطق أخرى خارج العراق وسوريا.

• تغير التكتيكات والأسلحة المستخدمة: بعد الهزيمة العسكرية لتنظيم داعش في العراق وسوريا، انخفض عدد التفجيرات الانتحارية بشكل مطرد، ففي عام 2022، سجلت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 6 تفجيرات انتحارية فقط أسفرت عن مقتل 8 أشخاص، بعد أن بلغت الوفيات الناجمة عن التفجيرات الانتحارية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا ذروتها في عام 2016 لتسجل 1947 حالة وفاة.

ويوضح الشكل التالي التغيرات في أعداد الوفيات الناجمة عن الهجمات الإرهابية التي نُفذت على تكتيك التفجيرات الانتحارية خلال الفترة (2012-2022):

وكذلك تغيرت الأسلحة المستخدمة في الهجمات الإرهابية خلال العقد الماضي؛ ففي عام 2012، تم استخدام المتفجرات في تنفيذ 66% من جميع الهجمات؛ مع كون القنابل اليدوية وقذائف الهاون والصواريخ من بين أكثرها شيوعًا. في حين كانت الأسلحة النارية ثاني أكثر الأسلحة استخدامًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث استخدمت في تنفيذ 31% من جميع الهجمات، بينما استخدمت الأجهزة والقنابل الحارقة في 0.3% فقط من الهجمات. وظهر تواتر الأسلحة المستخدمة في الهجمات بعض التغييرات الطفيفة منذ عام 2018 فصاعدًا؛ إذ انخفض استخدام المتفجرات من 66% عام 2012 إلى 52% عام 2022، في حين زاد استخدام الأسلحة النارية من 31% إلى 43%. واستخدم الإرهابيون في العام الماضي المزيد من السكاكين والأدوات الهجومية الأخرى، حيث ارتفع استخدامها من 0.3% عام 2012 إلى 3% عام 2022. ويوضح الشكل التالي الاتجاهات في الأسلحة المُستخدمة في تنفيذ الهجمات الإرهابية خلال الفترة (2012-2022): 

• زيادة الهجمات الإرهابية التي تستهدف قوات الأمن: تغيّرت أهداف الهجمات الإرهابية خلال العقد الماضي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ ففي عام 2012، استهدفت 30% من جميع الهجمات المدنيين، لكن انخفض هذا العدد إلى 17% عام 2022. ومن ناحية أخرى، ارتفع عدد الهجمات التي تستهدف الجيش والشرطة من 45% عام 2012 إلى 64% عام 2022، وهو ما أرجعه التقرير إلى حالة الضعف العام التي تعيشها التنظيمات الإرهابية النشطة في المنطقة، وهو ما يجعلها في حالة إبقاء على أعداد من السكان إلى جانبهم بشكل استراتيجي. كما أن تركيز الهجمات على الأهداف الحكومية أو العسكرية يسمح بمزيد من الاستخدام الاستراتيجي للموارد المحدودة، ويحتمل أن يعزز من شرعية تلك الجماعات بين السكان المدنيين. ويوضح الشكل التالي طبيعة المستهدف من الهجمات الإرهابية خلال الفترة (2012-2022):

• تراجع مستوى السلام في المنطقة: لم يقترن تراجع الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ عام 2017 بنفس المستوى من التحسن في السلام، مع بقاء المنطقة الأقل سلامًا في العالم للعام السابع على التوالي وفقًا لمؤشر السلام العالمي (Global peace index). فوفقًا للتقرير كان مستوى السلام في المنطقة عام 2022 أقل مما كان عليه قبل عقد من الزمن، مسجلًا انخفاضًا بنسبة 5%؛ وذلك رغم وجود تحسن طفيف بنسبة 2% منذ عام 2017. وأشار التقرير إلى أن النزاعات التي طال أمدها في عدد من بلدان المنطقة أعاقت حدوث تحسن أقوى، كما أنها أعاقت القدرة على إرساء أسس السلام. وقد تدهورت خلال العقد الماضي كافة مؤشرات مجال الصراع المستمر لمؤشر السلام العالمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث عانت البلدان التي عانت من صراع طويل الأمد من خسائر غير مباشرة مثل الفعالية الحكومية المحدودة، وانخفاض المرونة الاقتصادية، وانخفاض الوصول إلى الخدمات العامة، مما يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على السلام في المستقبل. ويوضح الشكل التالي تدهور مستوى السلام في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا منذ عام 2012 رغم تحسن مستوى الإرهاب في المنطقة:

ووفقًا للتقرير، أظهرت شدة الصراع الداخلي في المنطقة تحسنًا هامشيًا بنسبة 1% خلال العام الماضي مقارنة بعام 2021. لكن على الرغم من هذا الاتجاه العام، لا تزال هناك مستويات عالية من الصراع في بعض أجزاء المنطقة لا سيما في ليبيا وسوريا واليمن وإيران.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76549/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M