افتتاح سفارة أذربيجان في إسرائيل وانعكاساته على تنامي المخاوف الإيرانية

نرمين سعيد

 

بعد مرور 30 عامًا على إقامة أذربيجان لعلاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، قررت باكو افتتاح سفارتها في تل أبيب بمشاركة وزيري خارجية البلدين، مما يطلق حقبة جديدة من العلاقات في خطوة وصفت من الجانب الإسرائيلي بالتاريخية، لأنها صححت ما يمكن وصفه بالاختلال في العلاقات بالنظر إلى أن تل أبيب افتتحت سفارتها في باكو منذ عام 1993. ولذلك فإن التوقيت الذي اختارته أذربيجان لافتتاح سفارتها في إسرائيل يحمل عدة أوجه من زوايا مختلفة، خصوصًا أن طبيعة العلاقات بين البلدين تحمل طابعًا خاصًا من التقارب، تنعكس في صمود هذه العلاقة أمام العديد من التغيرات، في الوقت الذي تأثرت فيه العلاقات على سبيل المثال بين أذربيجان وحليفتها تركيا.

ومن ناحية التوقيت، فإن افتتاح السفارة يأتي بعد انتهاء حرب ناغورنو كارباخ في 2020 وتوقيع اتفاقات إبراهام بين إسرائيل وعدد من الدول، فضلًا عن تصاعد وتعدد التوترات بين باكو وطهران مع التركيز في هذا السياق، على أن باكو وإن كانت تهتم كثيرًا لعلاقاتها مع إسرائيل إلا أنها في نفس التوقيت لا تريد خسارة علاقاتها مع العالم الإسلامي الذي لا تعتبر طهران الممثلة الوحيدة له، ومن هنا فإن باكو أقدمت أيضًا على افتتاح سفارة لها في رام الله لموازنة كفة الأمور. وبالعودة إلى مسألة توقيت القرار يمكن التفصيل لها على النحو التالي: 

حرب ناغورنو كاراباخ: خرجت باكو من الحرب منتصرة حيث تمكنت من تحرير سبع مقاطعات متاخمة لناغورنو كاراباخ كانت تحت السيطرة الأرمينية منذ الحرب الأولى، بالإضافة إلى سيطرتها على أجزاء من الإقليم، وكان لهذا الانتصار ارتدادات مهمة انعكست على تناقص الرغبة لدى السلطة في أذربيجان للحصول على دعم سياسي أو مذهبي من دول إسلامية، ومن ثم أصبحت أكثر قدرة وإقدامًا على تطوير علاقاتها مع إسرائيل الذي يعد افتتاح السفارة جزءًا منه.

-اتفاقات إبراهام: مثل تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول طاقة دفع أيضًا لباكو، التي استشعرت أن تل أبيب لم تعد منبوذة على المستوى السياسي ومرة أخرى، فإن وجود علاقات دبلوماسية بين إسرائيل ودول إسلامية، شجع باكو على الإقدام على فتح سفارتها وعيًا منها أن الخطوة لن تكون مستهجنة، قياسًا على التوقيت الذي تم فيه الإعلان.

تصاعد الخلافات بين باكو وطهران: تسيطر حالة من التوترات المتزايدة والمتشعبة على العلاقات بين البلدين، ويمكن تفسير هذه الخلافات عن طريق ردها إلى أصلها على النحو التالي:

  • أزمة ديموغرافية: ترجع إلى وجود نسبة كبيرة من الأذريين يسكنون في إيران في نسبة تتراوح بين 15 إلى 20%، وهو ما يشكل هاجس لدى إيران من التطلعات الانفصالية بين الأقلية الأذرية، وردًا على ذلك تدعم إيران سرًا منظمة “كتائب الحسينيين” التي تعارض النظام الحالي في باكو، على الرغم من أنها تحرص على الحفاظ على علاقات وثيقة مع النظام أيضًا.
  • حرب 2020: على الرغم من ادعاء طهران للحياد في حرب ناغورنو كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا، إلا أنها لم تتوانى عن دعم الأخيرة علنًا حتى أنها افتتحت قنصليتها في مدينة كابان الأرمينية، وهي الخطوة التي يفهم منها أنها نوع من التضييق على أذربيجان التي تريد التوصل مع أرمينيا إلى اتفاق بخصوص هذه المنطقة.
  • العلاقات مع إسرائيل: تمتلك باكو وطهران حدودًا برية مشتركة، تجعل من التقارب بين أذربيجان وإسرائيل عامل يؤرق طهران كلما زادت هذه العلاقات قربًا، فمبدئيًا يمكن لتل أبيب أن تستغل أراضي أذربيجان في تعزيز وجودها الاستخباراتي والأمني على الحدود الإيرانية، وقد أشار تقرير منشور في صحيفة هآرتس أنه في السنوات السبع الماضية، حلقت ما لا يقل عن 92 طائرة شحن تابعة لجمهورية أذربيجان من قاعدة القوات الجوية الإسرائيلية (عوودا) إلى باكو، وحملت معدات عسكرية لباكو، وكذلك أشار التقرير الإسرائيلي إلى تعهد باكو لإسرائيل باستخدام مطارات جمهورية أذربيجان، في حال شن هجوم إسرائيلي محتمل ضد منشآت إيران النووية، حيث هددت إسرائيل مرارًا بأنها لن تظل مكتوفة اليدين مع اقتراب إيران من صنع قنبلة نووية، في إشارة إلى إمكانية شن هجوم على مواقع نووية إيرانية، في ظل جمود مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي مع القوى الغربية، واكتشاف يورانيوم عالي التخصيب في طهران. علاوة على أنه مقابل إرسال أسلحة من إسرائيل إلى أذربيجان، سمحت باكو للموساد بتركيب أجهزة تنصت وتتبع في ذلك البلد ومراقبة أنشطة إيران. وهو ما لن تقف إيران أمامه مكتوفة الأيدي، وفي سياق إرسال رسالات التحذير لباكو، تجري طهران تدريبات عسكرية مستمرة على الحدود بين البلدين فضلاً عن اكتشاف شبكة تجسس إيرانية في أذربيجان في نوفمبر الماضي.
  •  السيطرة على خط أنابيب باكو: إذا قدر لخط باكو أن يكون موردًا لتصدير الطاقة للكتلة الغربية، فإن علاقات باكو الوطيدة مع إسرائيل تعني أن تل أبيب ستكون متحكمة بشكل كبير في سياسات استخدام الخط وتوجيه مصدر مهم لنقل الطاقة، وهو ما يثير بالطبع حفيظة طهران خصوصًا أن المشاركين في مؤتمر الطاقة العالمي المنعقد بجامعة حيفا عام 2006،اقترحوا إمكانية نقل نفط هذا الأنبوب إلى شرق آسيا من “جيهان التركية” عبر خط أنابيب “إيلات-أشكلون” الإسرائيلي، وبذلك يصبح من الممكن تسويق النفط والغاز الأذري إلى الأسواق العالمية، بسعر وتكلفة أقل ومردود أعلى. ويضاف إلى ما تقدم إنه في خلال ما مضى من عقود تم تطوير الاقتصاد الأذربيجاني والبنية التحتية للطاقة على نطاق واسع، مما جعلها الدولة المهيمنة في دول جنوب القوقاز الثلاث، وهو تطور لا يروق لإيران.
  • تشكيل محور مع إسرائيل وتركيا: لا شك في أن باكو استطاعت تحقيق النصر في ناغورنو كاراباخ بمساعدة تل أبيب وأنقرة، وقد حاول الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف التوسط بين تل أبيب وأنقرة لتطبيع العلاقات بعد الأزمة بينهما عام 2018، وعلى هذا الأساس تعتبر طهران أن التقارب بين الدول الثلاث يشكل محورًا مضادًا لها لأن إسرائيل قاسم مشترك به.
  • الصراعات الجيوسياسية: تشكل تركيا – أذربيجان وباكستان تجمعًا جيوسياسيًا يقلق طهران، خصوصًا بعد توقيع الأطراف على شراكة استراتيجية تخلق مستوى جديد من التعاون على مختلف المستويات، وتظهر مجموعة جيوسياسية تضم إيران وروسيا وأرمينيا في الجهة المقابلة، إلا أنها ليست على نفس القدر من التوافق بسبب كثرة الملفات الخلافية بين موسكو وطهران.

طبيعة العلاقات الأذرية- الإسرائيلية

-العلاقات الاقتصادية: تعد أبرز مكون للعلاقات بين البلدين، حيث تغطي باكو 40% من واردات تل أبيب من النفط وعلى الجهة الأخرى تقوم تل أبيب بتصدير المعدات العسكرية إلى أذربيجان، فضلاً عن التعاون الاستخباراتي بين الجانبين. لكن في الآونة الأخيرة، وبعد الحرب في أوكرانيا، أضيف تصدير الحبوب من أذربيجان إلى إسرائيل، وفي عام 2020، بلغ حجم التجارة البينية باستثناء النفط حوالي 200 مليون دولار.

-العلاقات العسكرية والأمنية: يرتبط البلدان بعلاقات وطيدة على هذا المستوى حيث تشتري أذربيجان بطاريات دفاع صاروخي من طراز “القبة الحديدية” الإسرائيلية، كما تردد أن أذربيجان تفكر في شراء نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي “حيتس-3”. كذلك وقعت أذربيجان عدة صفقات مع شركات صناعية عسكرية إسرائيلية بينها “سولتام” لإنتاج قذائف هاون، ومنصات لإطلاقها، وشركة “تاديران” لتزويدها بوسائل اتصال، وهيئة “رفائيل” للصناعات العسكرية ببيعها قذائف صاروخية، وتحسينها لقدرات صواريخ “كاتيوشا” من طراز “جراد” روسية الصنع، فضلاً عن راجمات ذخيرة وأجهزة اتصال ومدفعية لإطلاق قذائف صاروخية، وإضافة للتعاون العسكري فإنه من الواضح أن تل أبيب تهدف إلى تعزيز العلاقات الأمنية مع باكو فهي تعتبر قرب أذربيجان من إيران رصيدًا استراتيجيًا مهمًا في حال اختارت “إسرائيل” القيام بعمل عسكري ضد إيران، ولذلك فهي تتعاون معها بشكل مكثف على الصعيد الاستخباراتي وفي هذا السياق، كانت أذربيجان قد أعلنت عن إحباطها “مخطط تفجير” أعد له حزب الله لتفجير السفارة الإسرائيلية في باكو، وإلقائها القبض على 22 ضابطًا من الحرس الثوري الإيراني بتهم ارتكاب أعمال معادية ضد السفارات الأمريكية والإسرائيلية وعدد من الدول الغربية.

مما سبق، لا ينبغي النظر إلى التقارب بين أذربيجان وإسرائيل على أنه تقارب على المستوى السياسي، حيث بدا أن باكو تبتعد بعلاقاتها مع تل أبيب عن هذا السياق خصوصًا أنها تريد الحفاظ على علاقاتها مع العالم الإسلامي كما سبقت الإشارة، وعلى الناحية الأخرى فإن طهران ستتخذ الإجراءات الكافية لحماية أمنها القومي في ظل تنامي العلاقات بين باكو وتل أبيب، إلا أن أذربيجان قد تتخذ المناورات العسكرية الإيرانية على حدودها كذريعة للمضي قدمًا في علاقاتها مع إسرائيل إلى حد توقيع اتفاق شراكة أمنية أو عسكرية إذا بات أمنها مهددًا من الإجراءات الإيرانية، ومن ثم فإن مغالاة النظام في إيران في رد فعله قد يدفع للمزيد من التقارب بين باكو وتل أبيب.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76543/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M