قمة “ماكرون- بوتين”.. جهود أوروبية لخفض التصعيد

داليا يسري

 

يعقد الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، اليوم الاثنين 7 فبراير، اجتماعًا مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”؛ بهدف مناقشة الضمانات الأمنية والأوضاع المتطورة مع أوكرانيا، في مساعٍ للتخفيف من حدة الأزمة. ويأتي هذا اللقاء بعد سلسلة من الاتصالات المكثفة تم اجراؤها بين الطرفين. ومن المقرر أن يُسافر “ماكرون” في اليوم التالي، الثلاثاء 8 فبراير، إلى كييف لعقد لقاء آخر مع الرئيس الأوكراني، “فولوديمير زيلينسكي”.

ومن جهته، أعلن المتحدث الرسمي باسم الكرملين، “ديميتري بيسكوف”، اليوم 7 فبراير، استعداد بوتين لمواصلة بحث المسائل التي تم التطرق إليها خلال الاتصالات الهاتفية الأخيرة، بالإضافة إلى توضيح طبيعة قلق موسكو ومواقفها مما ورد في ردود فعل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على مقترحاتها بخصوص الضمانات الأمنية التي رأت موسكو أنها ردود فعل توصف بـ “التجاهل”، للمطالب الروسية الأساسية التي لا حياد عنها.

في غضون ذلك، من المقرر أن يعقد المستشار الألماني، “أولاف شولتس”، اليوم الاثنين، لقاءً مع “بايدن”، في واشنطن لمحاولة الخروج من الأزمة وخفض التصعيد، في ظل شحن مكثف للقوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا. وسيزور كييف الاثنين كل من وزيرة الدفاع الألمانية أنالينا بربوك ووزراء الخارجية التشيكي “يان ليبافسكي”، والسلوفاكي “إيفان كوركوك”، والنمساوي “ألكسندر شالنبرغ”.

خفض التوتر.. مساعي أوروبية بمبادرة فرنسية

أعلن قصر الإليزيه، الجمعة 4 فبراير، أن لقاءات الرئيس الفرنسي المنتظرة مع أطراف الأزمة، سبقها العديد من الاتصالات الهاتفية مع كليهما من جانب، ومع الرئيس الأمريكي، “جو بايدن” في مكالمة دامت لمدة 40 دقيقة، من جانب آخر. وكذا، أجرى “ماكرون”، خلال عطلة نهاية الأسبوع، محادثات مع رئيس الوزراء البريطاني، “بوريس جونسون”، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي، “ينس ستولتنبرج”، وزعماء دول البلطيق الثلاثة، “الرئيس الليتواني، “جيتانا نوسيدا”، ورئيسي وزراء لاتفيا، “كريسيانيس كارينز”، وإستونيا، “كاجا كالاس”. علاوة على ذلك، ذكرت الرئاسة الفرنسية أن “ماكرون” ومستشاريه عقدوا مشاورات مع عدد من نظرائهم الأوروبيين خلال الأيام الماضية.

ومن جانبه، كان الكرملين قد أعلن أن “بوتين” و”ماكرون” قد بحثا بصورة خاصة الضمانات الأمنية التي تطالب بها موسكو خلال مكالمتهما الهاتفية الثالثة الأسبوع الماضي. في حوار وصفه الكرملين بأنه بنّاء. بينما أعلنت الرئاسة الفرنسية في وقت سابق أن “ماكرون” و”بوتين” عازمان على “المضي إلى جوهر الأمور” خلال اجتماعهما، من خلال درس إجراءات “خفض التصعيد” في الأزمة على حدود أوكرانيا.

العالم على صفيح ساخن أمام التوقعات بالغزو الروسي

لا يزال التصعيد الروسي الأمريكي مستمرًا، وسط توترات متزايدة لا تُبشر إلا بالمزيد من التصعيد. يأتي ذلك بالتزامن مع تحركات واشنطن وتأكيداتها المستمرة على أنها تمتلك أدلة فعلية تبرهن على نوايا موسكو بتزييف هجوم أوكراني عسكري ضد الروس يدفعهم بالمقابل إلى اجتياح أوكرانيا. بالإضافة إلى البدء الفعلي في إرسال قوات عسكرية أمريكية لتعزيز قوات الأطلسي في أوروبا الشرقية. وكانت الاستخبارات الأمريكية قد قدرت من قبل أن روسيا بات لديها فعليًا نحو 70%، من القوة اللازمة لتنفيذ عملية غزو واسع النطاق لأوكرانيا.

في غضون ذلك، حذر مسؤولون أمريكيون من أنه إذا قرر “بوتين”، غزو أوكرانيا، فسيكون بمقدور قواته تطويق العاصمة الأوكرانية كييف، والإطاحة بالرئيس الأوكراني في ظرف 48 ساعة. بينما تُشير الاستخبارات الأمريكية إلى أنه لم يتم تحديد بعد ما إذا كان “بوتين”، قد اتخذ قرار الانتقال إلى وضع الهجوم أم لا، وأنه يود الإبقاء على جميع الخيارات المتاحة، بدءًا من إمكانية الغزو الجزئي لإقليم “دونباس”، وصولاً إلى الغزو الكامل لأوكرانيا.

وبينما أثارت التحركات الأمريكية غضب موسكو التي تُصر على عدم وجود أي نوايا لديها في غزو أوكرانيا، نجد أن الولايات المتحدة تظل متمسكة بتأكيداتها بأن الهدف من إرسال قواتها ليس لإشعال فتيل الحرب مع موسكو ولكن للدفاع عن دولة ضعيفة أمام ما ترى واشنطن أنه المعتدي الروسي.

الوساطة الفرنسية.. دلالات ومعانٍ

تُشير الجهود الأوروبية المُشار إليها، بوساطة فرنسية إلى رغبة أوروبية في الاضطلاع بدور ريادي في الأزمة التي عجزت الولايات المتحدة عن إضفاء أي طابع آخر عليها سوى المزيد من السخونة والتأجيج. بحيث تبدو تحركات الرئيس الفرنسي، خلال الآونة الأخيرة، أقرب إلى ما يمكن وصفه بأنه إعادة تأكيد للدور الأوروبي بزعامة فرنسية، بعد الدور المتضارب الذي لعبته ألمانيا في هذه الأزمة. خاصة في ظل عدم وجود دور أوروبي قوي خلال المحادثات الأمريكية الروسية الأولى التي انعقدت بين رئيسي البلدين بشأن الأوضاع على الحدود الأوكرانية.

وبوجه عام، تُبشر القمة المنتظرة بنوع من التفاؤل الحذر، الذي إن لم يكن يُشير إلى إمكانية خلق حل نهائي للأزمة بموافقة جميع الأطراف، إلا أن الجهود الأوروبية التي مورست قبل القمة توحي بوجود نية جادة لدى القارة العجوز لاتخاذ خطوات من شأنها أن تخفف من حدة الأوضاع. وفي هذا السياق، توجد عدة سيناريوهات محتملة من الممكن أن يخرج بها الزعيمان فيما بعد القمة.

  • سيناريو التعتيم واستمرار المشاورات: يذهب هذا السيناريو المرجح بقوة إلى أن يُنهي الرئيسان لقاءهما في سرية تامة، إذ يؤكد “بوتين” تمسك بلاده بالضمانات الأمنية الصارمة التي لا حياد لموسكو عنها، مقابل محاولات من “ماكرون” لتحييده أو لإقناعه بالتنازل عن جزء بسيط من هذه المطالب وسحب قواته من على الحدود الأوكرانية.  فيرفض “بوتين”، ويُحال الأمر إلى متابعة المشاورات السرية ما بين “ماكرون” و”زيلينسكي” من جهة، وما بين “ماكرون” ونظرائه الأوروبيين من جهة أخرى.

بمعنى آخر، في هذا السيناريو لن تقدم القمة أي جديد يجعلها تختلف عن مثيلتها (الأمريكية- الروسية) التي لم تفعل شيئًا سوى أن أدت إلى زيادة تعميق الخلاف الروسي الغربي، وتطويل فترة الأزمة التي لا تزال في حاجة إلى حلول دبلوماسية عاجلة.

  • سيناريو خفض التصعيد: محتمل أن يتفق الطرفان على حلول وسط، تقضي بأن يقوم “بوتين” بسحب جزئي لقواته، مقابل عودة القوات الأمريكية التي وصلت مؤخرًا إلى دول شرق أوروبا، ومقابل موافقة أوروبا على جزء من الضمانات المطلوبة من موسكو. لكن في هذه الحالة ستظل الأزمة قائمة ويُرجح أن تعاود الاندلاع مرة أخرى خلال وقت قريب. نظرًا إلى أن القمة لم تقدم حلولًا جذرية، ولكنها ستكون قدمت حلولًا مؤقتة، تُسكن الخلاف ولا تعكف على حله.
  • سيناريو موافقة أوروبا على الضمانات الروسية: يظل ذلك السيناريو مستبعدًا؛ نظرًا إلى التشبث الأوروبي بموقفه إزاء الدول التي تعدها موسكو في نطاقها الجغرافي من جهة، ونظرًا لخوف أوروبا من الموافقة والتنازل على هذه الضمانات فتعود موسكو لممارسة نفس أدوراها غير المحببة في أوروبا إزاء جيرانها مرة أخرى في وقت قريب، ولكن بشكل أعمق وأكثر قوة وتأثيرًا.

في كل الأحوال، لا غبار على أن حقيقة نوايا ماكرون الذي من الواضح أنه يرغب بصدق في إحراز اختراق حقيقي في الأزمة التي فشل في تحريكها “بايدن” و”شولتس” من قبل. لكن تظل نواياه وجهوده وحدها عاجزة، نظرًا لأن الأزمة أكبر من فرنسا.

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M