كيف سيواجه الرئيس الإيراني المنتخب الملفات الخارجية؟

د. أسعد كاظم شبيب

 

جرت يوم الثامن عشر من شهر حزيران الجاري، انتخاب رئيسا للجمهورية ليخلف الرئيس حسن روحاني لرئاسة الجمهورية الإسلامية في إيران بعد أن انتهت ولايته الثانية، ومنصب الرئيس هو ثاني أعلى سلطة تنفيذية بعد الولي الفقيه المرشد الأعلى للنظام السياسي في إيران.

تنافس في الانتخابات الرئاسية سبعة مرشحين، تختلف نسبيا مواقعهم واتجاهاتهم ومواقفهم من السياسة الخارجية لإيران وتعاملاتهم مع الملفات الشائكة إقليميا ودوليا، وكان من بين المرشحين لسدة الرئاسة ما يلي: السيد علي رضا زاكاني وهو رئيس مركز البحوث في مجلس الشورى الإسلامي، ومشرّع سابق بين العامين 2004 و2016، وهو طبيب حاصل على شهادة في الطبّ النووي، شغل منصب رئيس منظمة الباسيج الطلابية، وأسَّس جمعية رواد الثورة الإسلامية، وشغل منصب أمينها العام لثلاث فترات، وشغل عضوية مجلس الشورى أيضا، حيث شغل منصب رئيس اللجنة البرلمانية للاتفاق النووي. كان منتقداً لإدارة روحاني في ما يتعلق بالمفاوضات مع مجموعة 5+1. وعلى الرغم من دوره القيادي في البرلمان، تم استبعاده من الترشح للرئاسة في انتخابات العامين 2013 و2017.

المرشح الآخر أمير حسين قاضي زاده هاشمي هو النائب الأول لرئيس البرلمان الإيراني، طبيب مختص بالأنف والأذن والحنجرة، وكان رئيس جامعة سمنان للعلوم الطبية خلال سنوات، أحد أوائل أعضاء حزب جبهة الاستقرار، والمتحدث باسمه خلال العامين 1992 و1993، وكان عضواً في البرلمان الإيراني منذ العام 2008،، كان أحد الدّاعين إلى الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، في حال تمت إحالة قضية إيران إلى مجلس الأمن الدولي، وكان أحد أكبر الداعمين للقانون الذي أدّى تدريجياً إلى تصعيد برنامج إيران النووي، رداً على الانسحاب الأميركي من الاتفاقية النووية.

ويشكل اللواء محسن رضائي أحد أبرز أعمدة التيار المحافظ في إيران إلى جانب رئيسي ويوصف بأنه رجل سياسي واقتصادي وقائد عسكري إيراني سابق. قاد حرس الثورة الإسلامية لعدة سنوات، ثم عينه المرشد الأعلى علي خامنئي، أمينا عاما لمجمع تشخيص مصلحة النظام عام 2007. ترشح للانتخابات الرئاسية عام 2009، وهي الانتخابات التي فاز فيها محمود أحمدي نجاد، وحصل فيها على 1.7 بالمائة من الأصوات. ثم ترشح أيضا في الانتخابات الرئاسية 2013 وحصل على المرتبة الرابعة بعد رتبة حسن روحاني ومحمد باقر قاليباف وسعيد جليلي.

أما المرشح محسن مهر علي زاده، سياسي إصلاحي. امتدّت مناصبه السابقة إلى الفترات الرئاسية لكلّ من رفسنجاني وخاتمي وروحاني.

أما المرشح عبد الناصر همتي، فيعد ابرز وجه ينتمي إلى التيار الإصلاحي كان همتي شغل مؤخراً محافظاً للبنك المركزي الإيراني، بعد أن عيَّنته إدارة روحاني في العام 2018 خلفاً لولي الله سيف، الذي وجّهت إليه لاحقاً لائحة اتهام بسبب سوء الإدارة، قبل أن يُقال همتي من منصبه عقب ترشّحه للرئاسة.

وأخيرا المرشح الذي استطاع أن يحصد ما نسبة 65% من الأصوات وهو السيد إبراهيم رئيسي وهو بموقع ديني متقدم يوصف بأنه آية الله، شغل لسنوات منصب أمين عام الروضة الرضوية حيث تم تعيينه من قبل خامنئي في 2016 على رأس المؤسسة الخيرية أستان قدس رضوي، وأصبح فيما رئيس السلطة القضائية ومسؤول هيئة مكافحة الفساد، وسبق لإبراهيم رئيسي أن ترشح في 2017 ضد حسن روحاني، لكنه لم يفز بالانتخابات واكتفى بالحصول على 38 بالمئة من الأصوات. لكن هذه المرة يبدو أنه امتلك حظوظا أكبر للوصول إلى سدة الحكم. حيث كانت وكالات استطلاع إيرانية في الفترة الممتدّة من 26 إلى 27 أيار/مايو، تشير إلى تصدّر المرشّح إبراهيم رئيسي، فيما يأتي المرشّح محسن رضائي في المرتبة الثانية، ويعد إبراهيم رئيسي من بين المقربين إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي باعتباره كان أحد طلابه في إحدى المدارس الدينية بمدينة مشهد حيث ينحدر.

وإذا ما أردنا تحليل مواقف هؤلاء المرشحين من ملفات إيران الخارجية نرى أبرزهم إبراهيم رئيسي الذي من المتوقع أن تكون له مواقف متشددة على فتح اقتصاد إيران للشركات الأجنبية، فهو معروف بدفاعه عن نمط اقتصادي مؤسساتي تسيره الدولة حسب المحلل الاقتصادي تييري كوفيل، حيث سيواصل رئيسي في الاستثمار في البنية التحتية لإيران، وفي مجالات أخرى، كالمياه والكهرباء والصحة، وهي مجالات تسيطر عليها المؤسسات الخيرية وكيانات تابعة للحرس الثوري الإيراني. ويعتقد باحثون أن الاستثمارات التي يقوم بها متعاملون شبه حكوميون من مؤسسات تجارية وخيرية تمثل أكثر من 50 بالمئة من الاقتصاد الإيراني. وغالبا ما يلف هذه الاستثمارات الغموض وانعدام الشفافية في التسيير.

وحول الاتفاق النووي الإيراني الذي هو حاليا موضوع المحادثات بين طهران والدول الغربية في فيينا، يتوقع ألا يعارض إبراهيم رئيسي القرارات التي سيتم اتخاذها حسب مطلعين، حيث أكد رئيسي “بأن القرار النهائي يعود دائما للقائد الأعلى للثورة الإسلامية الذي يقوم بتوجيه المحادثات كما يشاء”.

وبخصوص انفتاح المجتمع الإيراني على ثقافة الغرب، فهناك مخاوف من أن يعارض إبراهيم رئيسي تلك الخطوة، فهو معروف بفكره (المحافظ)، ومن بين الأدلة على ذلك منعه في 2016 لحفل فني من نوع البوب في مدينة مشهد الدينية بينما سمح بتنظيم نفس الحفل في مدن إيرانية كبرى أخرى.

ومن الجدير بالإشارة إلى أن رئيسي يعد من أبرز المرشح الأكثر مقبولية لدى التيار المحافظ وهو مدعوم من قبله وجاء ترشيحه برغبة منه وقد انسحب عدد من المرشحين لفسح المجال أمامه وآخرهم انسحاب المرشح سعيد جليلي وهو يعمل نائبا للخامنئي في إحدى المؤسسات التي تخص الأمن القومي الإيراني.

من جانب ثاني شن المرشح الإصلاحي عبد الناصر همتي هجوما على منافسيه من المحافظين المتشددين، محذرا من فرض عقوبات جديدة في حال انتخاب رئيس محافظ متشدد، إلى جانب تعقد مشهد المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول البرنامج النووي الإيراني.

وأشار عبد الناصر همتي، إن من الممكن أن تجري إيران محادثات مع الولايات المتحدة إذا التزمت واشنطن (التعايش الإيجابي) مع طهران. قائلا انه “يجب أن نرى ما الذي ستفعله أميركا بشأن الاتفاق النووي… بعد ذلك نرى ما إذا كانت تريد مواصلة التدخل في المنطقة من خلال إسرائيل وعناصرها”. وأضاف همتي أن هناك سلسلة من القضايا التي تحتاج إلى بناء الثقة، وتابع “إذا شعرنا حقيقة بأن أميركا تمضي باتجاه تعايش إيجابي لدعم السلام العالمي والإقليمي، عندئذ لن تكون هناك مشكلة في إجراء محادثات”. وألقى باللائمة -خلال المناظرة – على غلاة المحافظين في إذكاء التوتر مع الغرب، وقال إنه أدى إلى تفاقم المصاعب الاقتصادية الإيرانية. من جانبه اتهم المرشح المحافظ محسن رضائي، وهو رئيس الحرس الثوري السابق، همتي في المناظرة الرئاسية الأخيرة “بالإذعان الكامل” للعقوبات الأميركية وهو ما يبين موقف المرشح رضائي المعارض من أي انفتاح غير مجدي لإيران.

ومما تقدم يبدو موقف المحافظين متشددا من مسألة تعاطي إيران مع ملفاتها ذات الأبعاد الإقليمية والدولية ومنها الملف النووي، لاسيما وان التيار المحافظ القى باللائمة على التيار الإصلاحي وعلى الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف على وجه الخصوص بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، وهذا ما هو واضح من مواقف وبرامج كلا من مرشحي التيار المحافظ الأبرز إبراهيم رئيسي، ومحسن رضائي، في حين يبدي المرشحون الإصلاحيون مرونة كبيرة في التعاطي مع الملفات الخارجية لاسيما الملف النووي وهو ما جاء برنامج واطروحات المرشح الإصلاحي عبد الناصر همتي.

عموما مهما كانت المواقف المتصلبة فان السياسات الخارجية عادة ما تحددها المصلحة القوية للولايات المتحدة وما تفرضه معطيات السياسات الاقتصادية وهو مرهون إلى حد كبير في ما تقدمه إدارة جو بايدن من تنازلات في المفاوضات الجارية في فيينا حول الاتفاق النووي، الذي تصر الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين على أن يشمل نفوذ إيران في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية وهو ما يرفضه أغلب المحافظين في إيران لكن المؤشرات التفاوضية الأخيرة مع أطراف إقليمية أخرى ومنها السعودية مؤشر إيجابي على أنه هناك رغبة من قبل كل الأطراف ومن ضمنها الولايات المتحدة وإيران وحتى خصومها الإقليميين كالسعودية بأن تحلل بعض المسائل الإقليمية الشائكة بما يحقق لهم ضمانات تعزز من الاستقرار السياسي والاقتصادي الداخلي، والحفاظ على مصالحها الإقليمية والدولية، وهذا ما هو واضح من أول خطاب لإبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني المنتخب من أن نهجه في السياسة الخارجية لن يكون مقيداً بالاتفاق النووي الذي تفاوض عليه روحاني، والذي شهد موافقة إيران على الحدّ من برنامجها النووي مقابل تخفيض العقوبات، وحول محادثات فيينا، قال رئيسي “لن نسمح بأن تكون المفاوضات من أجل المفاوضات. لا ينبغي إطالة أمد المفاوضات ولكن كل جلسة يجب أن تؤتي ثمارها”.

مضيفاً “أن التفاوض الموجه نحو النتائج مهم بالنسبة لنا ويجب أن يعطي نتائج للأمة الإيرانية”، فيما رفض إجراء “مفاوضات من أجل المفاوضات” في شأن الملف النووي، أو عقد لقاء مباشر مع الرئيس الأميركي جو بايدن، وهذا ما يؤكد على أن إيران تريد تسوية الملف النووي الإيراني بالعودة إلى اتفاق عام 2015 دون تقديم تنازلات أكثر، وأن أي تنازل يجب أن يخضع إلى تنازلات متبادلة خاصة على مستوى الأدوار الإقليمية.

 

.

رابط المصدر:

https://www.mcsr.net/news677

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M