ليست المرة الأولى.. دخول السياسة على خط الرياضة في أولمبياد بكين الشتوية

 فردوس عبد الباقي

 

مع اقتراب انطلاق أولمبياد بكين الشتوية في الفترة بين 4 حتى 22 فبراير 2022، يحاط الحدث بمجموعة من العراقيل التي تأتي تبعًا للتراجع الذي تشهده العلاقات الصينية الأمريكية في السنوات الأخيرة، منها الحملة التي تقودها الولايات المتحدة بالمقاطعة، والاحتجاجات التي يتم تنظيمها تنديدًا بانتهاكات صينية لحقوق الإنسان وتناقض هذا مع استضافة بكين للأولمبياد.

رغم المساعي إلى تحييد الألعاب الأولمبية الحديثة عن السياسة، فإن ما يحدث لا يعبر عن المرة الأولى للتداخل بين السياسة والرياضة، فقد روّج النازيون لفكرهم العنصري في ألعاب برلين عام 1936، وتم احتجاز رياضيين إسرائيليين كرهائن وقتلهم في ميونيخ عام 1972. ومن جانب آخر، عملت السياسة على الحفاظ على بعض أهدافها، مثل الإبقاء على حظر جنوب أفريقيا لمدة 25 عامًا بسبب سياسات الفصل العنصري. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تم تقديم مظلة لمجموعة الدول المستقلة كي تستطيع التنافس.

وفي الدورتين الأخيرتين عامي 2016 و2020، تم تشكيل فريق من اللاجئين، وارتدى الفائزان الصينيان بذهبية ركوب الدراجات في أولمبياد طوكيو 2020 شارات الزعيم الصيني “ماو تسي تونج” خلال حفل توزيع الميداليات.

يسعى التقرير إلى استكشاف إلى أي مدى يمكن أن تتأثر الصين؟ وما الذي تقوم به الصين لعقد هذا الحدث؟ وإلى أي مدى يتماشى مع المواثيق الرياضية؟ وكيف سيؤثر على العلاقات الصينية الأمريكية؟

حملة مقاطعة أمريكية

دعا مشرّعون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري الأمريكيين إلى مقاطعة أولمبياد بكين الشتوية؛ كوسيلة للاعتراض على انتهاكات حقوق الإنسان في الصين بسبب سياساتها في شينجيانج، وحجزها للإيجور في معسكرات الاعتقال، وقمع هونج كونج في أعقاب الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في عام 2019.

لذا شنّت الولايات المتحدة حملة مقاطعة دبلوماسية للأولمبياد الشتوية في بكين بما يعني عدم إرسال وفد رسمي. المقاطعة الدبلوماسية لا تفرض على الرياضيين عدم المشاركة؛ إذ تركت الحكومة الأمريكية لهم حرية الاختيار بالمشاركة مع التأكيد على حصولهم على الدعم الحكومي الكامل دون حضور رسمي مباشر في بكين على اعتبار أن المقاطعة الكاملة تعني معاقبة الرياضيين الذين استعدوا للمشاركة في هذا الحدث.

وسبق أن قادت الولايات المتحدة حملات مقاطعة للألعاب الأولمبية، أولها مقاطعة عن المشاركة في برلين 1936 بسبب اضطهاد النظام النازي لليهود، لكن الأمر لم ينجح بشكل كامل. والمرة الثانية مقاطعة لموسكو عام 1980 احتجاجًا على التدخل السوفيتي في أفغانستان، والضغط لتغيير نظام البلد المضيف وتصويره بأنه منبوذ على المسرح العالمي.

تحاول الولايات المتحدة كسب المقارنة مع الصين كدولة محبة للحرية، وشيطنة الصين من جانب آخر. لكن تكمن رؤية مختلفة لدى الشركات الأمريكية التي أحجم أغلبها عن المشاركة في هذا التسييس، فقد أشارت تقارير إلى عدم المجازفة باتفاقياتهم التجارية مع الصين كأحد أكبر أسواقهم. على سبيل المثال؛ رفضت شبكة إن بي سي تكرار ما فعلته بمقاطعة أولمبياد موسكو 1980 خاصةً في ظل ارتفاع معدل مبيعات الإعلانات لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين. وهناك من يرى أنه مع زيادة الحالات اليومية للإصابات في الولايات المتحدة بفيروس كورونا وسلالة أوميكرون، تعمل الصين على استغلال حدث الأولمبياد لعرض استراتيجيتها لمكافحة الوباء.

المقاطعة التي تتخذ حقوق الإنسان غطاءً لها تأتي في إطار المساعي الأمريكية لمحاصرة الصين وكبح طموحها، وتتبع ذلك ضغوط من الولايات المتحدة على حلفائها كي يحذوا حذوها، خاصةً بعد عدم حضور الرئيس الصيني “شي جين بينج” قمة قادة مجموعة العشرين وقمة المناخ.

جاء الرد الصيني منددًا بالموقف الأمريكي واعتباره تحيزًا أيديولوجيًا. وترصّدت بكين الولايات المتحدة على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية لوسائل الإعلام بأن الولايات المتحدة ستدفع ثمن تلك الخطوة. وسبق أن أكدت بكين على أن الأولمبياد ليست مسرحًا للمواقف السياسية، وتم اعتبار المقاطعة تحريفًا كبيرًا لروح الأولمبياد واستفزازًا سياسيًا.

فرض قيود على الإعلام الرياضي وحرية التعبير

وضعت الصين قيودًا على وسائل الإعلام الحاضرة لبث الأولمبياد، واعتبرت تقارير أن ذلك يأتي تخوفًا من أن يعمل المراسلون الأجانب على استكشاف جوانب أخرى من الحياة في الصين مثلما فعلوا في اليابان خلال أولمبياد طوكيو، بما يمكنهم من تصدير صورة سلبية عن الصين.

اشتملت القيود الرياضيين أيضًا، حيث تم التحذير من مواجهة عقوبات في حالة القيام بما يخالف القانون الصيني؛ إذ حذر نائب المدير العام للعلاقات الدولية للجنة المنظمة في بكين من أن الرياضيين الأجانب قد يواجهون عقوبة بسبب التعبير الذي ينتهك القانون الصيني في دورة الألعاب الشتوية لعام 2022، وأن “أي تعبير يتماشى مع الروح الأولمبية أنا متأكد من أنه سيتم حمايته”، وأن ما يخالف القوانين واللوائح الصينية يخضع للعقوبة أيضًا.

وظهرت تسريبات تخص الأمن السيبراني بأن التطبيق الإلكتروني الخاص بتتبع صحة الحضور في الأولمبياد به عيوب أمنية تجعل البيانات الشخصية لمستخدميه في خطر؛ إذ يحتوي على شفرة بالكلمات الرئيسية السياسية وميزة تسمح للمستخدمين بالإبلاغ عن وجود محتوى سياسي.

رغم هذه القيود التي تبدو أكثر صرامة، إلا أنها تتماشى بشكل ما مع القواعد التي وضعتها اللجنة الأولمبية الدولية ضد الاحتجاج السياسي في الألعاب؛ إذ تحظر المادة 50 من ميثاق اللجنة الأولمبية الدولية “التظاهر أو الدعاية السياسية أو الدينية أو العرقية” في الملاعب الأولمبية، لذا تطالب الصين كلًا من الحكومات والشركات ووسائل الإعلام بالالتزام الكامل بموقفها بشأن عدد من القضايا، لذا فإن خروج المراسلين الرياضيين عن النص المقبول سيؤدي إلى ملاحقتهم.

حقوق الإنسان في الميثاق الأولمبي

تدعم اللجنة الأولمبية الدولية حقوق الإنسان في نطاق اختصاصها، بما يشمل حقوق الصحفيين في تغطية الألعاب الأولمبية، لكن أدرجت اللجنة متطلبات حقوق الإنسان قبل عدة سنوات في عقد المدينة المضيفة لأولمبياد باريس 2024، كأول دورة تحتوي على تلك المعايير التي أكدت عليها جماعات حقوق الإنسان باستمرار.

قبل أيام من انطلاق الأولمبياد، نُشر بيان عن تحالف يضم 243 منظمة لحقوق الإنسان ومنظمة غير حكومية يطالب بمقاطعة دبلوماسية للحدث بسبب الانتهاكات التي تمارسها الحكومة الصينية لحقوق الإنسان، على اعتبار أن هناك تناقضًا بين انعقاد الألعاب الأولمبية وارتكاب الحكومة المضيفة جرائم خطيرة في انتهاك للقانون الدولي. وكانت هيومن رايتس ووتش، وفرونت لاين ديفندرز ضمن الموقّعين على البيان.

جدير بالذكر أن بكين لم تكن مرجحة لدى اللجنة الأولمبية الدولية لاستضافة دورة الألعاب الشتوية 2022، نظرًا لأنها لا تتمتع بالمناطق الثلجية اللازمة لانعقاد بعض الأنشطة الرياضية –وهو ما دفع إلى استهلاك أكثر من 220 مليون لتر من المياه لإنتاج الثلج الصناعي بما يتعارض مع مبادئ الاستدامة التي تقام الأولمبياد وفقًا لها- لكن ما حدث هو انسحاب الأطراف الأوروبية المفضّلة مثل أوسلو وستوكهولم لأسباب مالية وسياسية، ولم يتبق سوى بكين وألماتي عاصمة كازاخستان القديمة.

بناءً على ما تقدم، يمكن القول إنه بعد نهاية الأولمبياد الشتوية لهذا العام، ستكون هذه هي المرة الأولى التي تستضيف فيها مدينة كلًا من الألعاب الصيفية والشتوية، وستعمل الصين على استغلال الأمر لإثبات جدارتها وإعلاء سمعتها للحصول على الشرعية الدولية، وكوسيلة للقوة الناعمة وإزالة الضرر الذي يلحق بسمعتها بسبب وباء كورونا وقضايا حقوق الإنسان.

من ناحية أخرى، فإنه لا يخفى تسارع نهوض الصين في العديد من الأبعاد أكثر من أي دولة أخرى على مدار العقدين الماضيين، وأنها باتت منافسًا قويًا للولايات المتحدة على قيادة النظام الدولي، ويرتبط هذا بشكل وثيق بهدف الصين بأن تصبح قوة رياضية عالمية بحلول عام 2035، وكانت بداية هذا الأمر في أولمبياد بكين عام 2008 التي أزاحت فيها الصين الولايات المتحدة عن قيادة جدول الميداليات.

لذا ستكون تلك الدورة بداية بارزة لترسيخ عدم الفصل بين الرياضة والسياسة، لأنها ستكون أحد مظاهر التنافس على الهيمنة الدولية. أكد ذات الفكرة “مارك دراير” مؤلف كتاب “القوة العظمى الرياضية: وجهة نظر من الداخل حول سعي الصين إلى أن تكون الأفضل”، وأن الطبقة الوسطى في الصين باتت تشهد دفعة قوية للاعتراف بقيمة الرياضة وأثرها عليهم.

من ناحية ثالثة، فإن المقاطعة الدبلوماسية لن تترك تأثيرًا كبيرًا على الصين طالما أن الرياضيين المشاركين لم ينخرطوا في المقاطعة، لكنه سيترك أثرًا تاريخيًا بأنه تمت مقاطعة أولمبياد بكين الشتوية دبلوماسيًا بسبب سجل حقوق الإنسان. ومن المتوقع أنه في ظل استمرار تدهور العلاقات بين البلدين، أن تقاطع الصين دبلوماسيًا أولمبياد لوس أنجلوس 2028، وسيأتي ردها عبر تأكيد ما وصلت له من تقدم بالمركز الثاني من حيث الميداليات الذهبية في أولمبياد طوكيو 2020 عبر الفوز بالمركز الأول في أولمبياد بكين المنتظرة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/67018/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M