ما بين التصعيد والتهدئة: تطور التكتيكات القتالية لجماعة الحوثي في البحر الأحمر

تمكنت جماعة أنصار الله المعروفة باسم جماعة (الحوثي) في اليمن من جذب الانتباه الدولي والإقليمي وإعادة تقييمها كخطر ومهدد عالي المستوى للأمن الإقليمي والاقتصاد الدولي، إثر ما نفذته الحوثي من هجمات وضربات ضد السفن المارة عبر البحر الأحمر، بدءًا باستهداف السفن الإسرائيلية ثم اتساع دائرة الاستهداف لتشمل سفنًا بريطانية وأمريكية وأوروبية وآسيوية، وذلك ارتباطًا بملف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واستمرار الدعم الغربي لإسرائيل، وذلك وفقًا لتصريحات صادرة عن جماعة الحوثي، وارتباطًا بالظرف الإقليمي الحرج ذي الصدى الدولي الواسع المتعلق بالحرب الإسرائيلية على غزة.

ولقد كان من اللافت منذ بدء التصعيد الحوثي ضد السفن المارة عبر البحر الأحمر وتهديد حركة التجارة الدولية في أحد أهم ممرات الملاحة الدولية على مستوى العالم، تطور التكتيكات القتالية لجماعة الحوثي، ومرور التصعيد الحوثي بحالتي من الصعود والتراجع، وهو ما يدفع للتساؤل التالي؛ هل تطورت التكتيكات القتالية لجماعة الحوثي منذ بدء التصعيد في البحر الأحمر؟، وهو ما تسعى الدراسة للإجابة عليه عبر تناول القدرات العسكرية لجماعة الحوثي التي تُعد مؤشرًا في حد ذاتها حول قدرة الجماعة على تطور تكتيكاتها القتالية في البحر الأحمر، وحدود التصعيد، بالإضافة إلى مناقشة مراحل تطور التكتيكات القتالية لجماعة الحوثي في البحر الأحمر، وما تسعى الجماعة لتحقيقه من مكاسب، وذلك على النحو التالي:

كسبيل لفهم مدى تطور التكتيكات القتالية لجماعة الحوثي، من المهم بمكان تناول القدرات العسكرية لجماعة الحوثي ومدى تطورها، في خضم ما تحصل عليه من دعم إيراني، باعتبارها أحد وكلاء طهران الإقليميين، إلى جانب تناول مناطق تمركز جماعة الحوثي في اليمن، وعلى طول ساحل البحر الأحمر، ومرتكزاتها العسكرية التي تُعد نقطة انطلاق رئيسية لتوجيه ضرباتها تجاه السفن المارة عبر البحر الأحمر سواء المنتشرة على طول الأراضي اليمنية، أو في الجزر الواسعة المنتشرة في البحر الأحمر وعلى مقربة من السواحل اليمنية.

فأما بالنسبة لمناطق سيطرة جماعة الحوثي في اليمن، ومناطق تمركزها العسكري، فتُسيطر جماعة الحوثي على صنعاء وأمانة العاصمة وعمران وذمار والبيضاء (وسط) وإب (جنوب غرب) وريمة والمحويت (شمال غرب) وعمران (شمال). بينما تسيطر على معظم مساحات محافظة صعدة وحجة (شمال غرب)، والجوف (شمال شرق). كما تُسيطر الجماعة على أغلب مساحات محافظة الحديدة التي تشمل معظم الساحل اليمني المطل على البحر الأحمر، وتضم موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، والتي يمر من خلالها حوالي 70% من واردات البلاد والمساعدات الخارجية، ليبلغ إجمالي حجم الأراضي اليمنية الخاضعة للسيطرة الحوثية نحو 22,8% من إجمالي مساحة الأراضي اليمنية حتى ديسمبر 2023.

ولكون الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا تُسيطر على أجزاء من محافظة تعز المطلة على مضيق باب المندب، فضلًا عن وقوع الساحل اليمني الممتد لخليج عدن تحت سيطرتها، يتعين على القوات البحرية الحوثية من أجل استعراض قوتها وفرض نفوذها جنوبًا إما المجازفة بالإبحار عبر المضيق الخاضع للمراقبة والذي يضم تمركزات عسكرية أجنبية، أو استخدام السفن الإيرانية المتمركزة في البحر الأحمر وخليج عدن باعتبارها الداعم والممول الرئيسي للجماعة.

فخلال السنوات القليلة الماضية، عززت طهران من تمركزاتها العسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن، بدعوى مكافحة القرصنة، كسبيل لتعزيز قدراتها الاستخباراتية؛ حيث تتمركز الفرقاطة “ألبرز” حاليًا في البحر الأحمر والفرقاطة “جمران” في خليج عدن، إلى جانب سفينة “بهشد” التي تستخدم كقاعدة تجسس وتعمل منذ عام 2021 قبالة أرخبيل دهلك الإريتري، بعدما تعرضت سفينة “سافيز” لضربات مباشرة خلال تمركزها في شمال مضيق باب المندب في أبريل 2021.

وفي نوفمبر 2023، أبلغت المخابرات الأمريكية حلفاءها في الخليج العربي أن طهران أرسلت ثلاث سفن تجارية إلى البحر الأحمر. الأولى: ناقلة بضائع تم تحويلها لسفينة استطلاع، والثانية: سفينة دعم، والثالثة: سفينة حاويات، تقوم جميعها بتوفير الدعم اللوجستي للحوثيين وتزويدهم بالمعلومات الاستخباراتية التي يحتاجونها حول أهداف إسرائيلية أو أمريكية في البحر الأحمر، وذلك بناءً على طلب الحوثيين خلال لقاء جمع بينهم وبين مسئولين إيرانيين وقادة من الحرس الثوري في نوفمبر2023. وهو ما يُفسر قدرة الحوثيين على تمييز السفن الإسرائيلية المارة عبر البحر الأحمر ضمن مئات السفن، واستهدافها في ظل ما تمتلكه السفن البحرية الإيرانية من أجهزة ملاحية متطورة. ويُمكن تناول القدرات التسليحية لجماعة الحوثي على النحو التالي:

فعقب مقتل جماعة الحوثي الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في العام 2017، ورثت الجماعة ترسانة التسليح العسكرية للجيش اليمني، بما في ذلك مستودعات الصواريخ، لكنها لم تتمكن في البداية من التعامل مع مخزون الجيش اليمني من الصواريخ، ومن ثَمّ لجأت إلى عاملَيْن رئيسيَيْن؛ أولهما: استقطاب قيادات عسكرية متخصصة في الصواريخ، خاصة من الألوية الصاروخية في الحرس الجمهوري التي كانت تتبع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ومن بينهم اللواء محمد ناصر العاطفي الذي بات وزيرًا للدفاع في حكومة الحوثي في العام 2018، وكان قبل سنوات قائدًا لبطارية صواريخ أرض-أرض، ثم أصبح رئيس أركان كتيبة صواريخ أرض-أرض (توشكا)، ثم رئيس أركان الفرقة السادسة، تبعها رئاسة لواء صواريخ سكود (R-17)، ثم تعيينه رئيسًا لأركان لواء صواريخ سكود السادس وتمت ترقيته إلى قائد اللواء الصاروخي السادس ثم قائد لمجموعة ألوية الصواريخ. ومن ثَمّ، عملت الجماعة على توظيف واستقطاب القيادات العسكرية ذوي الخبرة لمعرفة مستودعات الصواريخ في البلاد ومواقعها ونوع الوقود.

أما بالنسبة للعامل الثاني: فيتمثل فيما تتلقاه الجماعة من دعم إيراني تمثل في استقدام خبراء إيرانيين من حزب الله، لديهم الخبرة الكافية في التعامل مع الصواريخ وتفكيكها وتجميعها وتطويرها، كما قدموا للجماعة صواريخ إيرانية مطورة من أنواع صينية وروسية عبر التهريب أو التسليم الجوي عقب سيطرة الحوثي على العاصمة صنعاء في العام 2014.

ولقد شهدت الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر استخدام الحوثيين لصواريخ كروز مضادة للسفن يتراوح مداها ما بين (80 – 300) كيلو مترًا، من بينها صواريخ صياد وسجيل. وصواريخ باليستية، أبرزها صاروخ “طوفان” الذي يمتد مداه من (1350) كيلو مترًا إلى نحو (1900) كيلو مترًا، وصواريخ باليستية “قدس2” و”قدس 3″، و”قدس 4″، يمتد مداها من (1350) كيلو مترًا إلى نحو (2000) كيلو مترًا. لكنها تحتاج معلومات استخباراتية مُحدّثة عن الأهداف عادة ما توفرها طائرات غير مأهولة أو القوارب غير المأهولة أو قوات طهران الداعم الرئيسي لجماعة الحوثي. ويمتلك الجيش اليمني ترسانة متنوعة من الصواريخ، معظمها روسية الصنع، تمكنت جماعة الحوثي من السيطرة عليها، أبرز أنواعها التالي: 

  • صواريخ أرض-أرض: صواريخ سكود B وC وD الروسية، وصواريخ توتشكا وفروغ 7 بالإضافة إلى صواريخ هواسونغ 5 وهواسونغ 6 الكورية.
  • صواريخ أرض جو: الصواريخ الروسية وأهمها المنظومة الصاروخية سام-2، سام-3، سام-6، سام-7، والمنظومة الصاروخية إس-300.
  • صواريخ جو-أرض: يتم تركيب الصواريخ الروسية على طائرات ميغ الروسية التي كانت ضمن ترسانة القوات الجوية اليمنية، وهي من نوع آر-77، آر-27، آر-73.
  • الصواريخ البحرية: وأشهرها الصاروخ الصيني C-802. وبعد الحرب، حصل الحوثيون على صواريخ إيرانية من طراز C-102.

كما حصل الحوثيون على أنواع عديدة من الصواريخ الإيرانية عبر عدة طرق؛ أولها: عبر التهريب خلال الحروب الست التي دارت بين الجيش اليمني وجماعة الحوثي في فترة سابقة، بينما جاءت ثاني طرق الإمداد الإيراني لجماعة الحوثي من الصواريخ عقب الانقلاب الحوثي في العام 2014 وقبل انطلاق عملية عاصفة الحزم في مارس 2015، حيث قامت طائرات الشحن الجوية الإيرانية ببناء جسر جوي لنقل الصواريخ الإيرانية للحوثيين، أبرزها صاروخ “قيام 1” الإيراني. أما بالنسبة لثالث طرق التهريب: فقد لجأت جماعة الحوثي خلال الفترة (مارس 2015- 2022) مع بداية وقف إطلاق النار، إلى تفكيك الصواريخ إلى أجزاء وتهريبها إلى اليمن ثم إعادة تجميعها وإعدادها للإطلاق على يد خبراء إيرانيين داخل اليمن، هذا بالإضافة إلى الصواريخ الإيرانية التي دخلت عبر ميناء الحديدة بعد توقف أو عرقلة آلية التفتيش. 

كما ضمت ترسانة الصواريخ الحوثية صواريخ صينية حصلت عليها عن طريق التهريب خلال الحروب الستة التي خاضتها الجماعة ضد الجيش اليمني في صعدة وأجزاء من محافظتي الجوف وعمران، عكفت فيما بعد طهران على تحديثها، أبرزها:

  • الصواريخ الباليستية قصيرة المدى من نوع M-302 وهو صاروخ صيني من عائلة WS طورته سوريا والذي أطلق عليه الحوثيون صواريخ بدر.
  • صاروخ قيام-1 الإيراني (بركان-2ح) وصواريخ قيام-2 (ذو الفقار/بركان-3) وهي نسخ مطورة من صواريخ سكود.
  • صاروخ سومار البحري الإيراني (قدس-1) هو نسخة مطورة من صاروخ سومار الروسي.
  • صواريخ دقيقة جدًا: من المعروف أن الصواريخ المجنحة (أرض-بحرية) دقيقة جدًا، فهي تستطيع الإفلات من الرادار لأنها تطير على ارتفاعات منخفضة وتستطيع المناورة لتفادي العوائق وأنظمة الدفاع الجوي.
  • ولم تكن صواريخ الحوثي تمتلك هذا النمط من الصواريخ، رغم أن لديه صواريخ تحمل الاسم نفسه (الصواريخ المجنحة)، أبرزها صاروخ قدس 1 الذي فشل في إصابة السفينة (نيسوس) التي كانت راسية في ميناء الضبة النفطي قرب المكلا لتحميل النفط الخام بتاريخ 21 أكتوبر 2022.
  • الصواريخ الدقيقة (3- 20 متر): وهو صاروخ باليستي قصير المدى (أرض-أرض)، تم تجهيزه بأجهزة كشف كهروضوئية، ونظام ملاحة بالقصور الذاتي، وأنظمة ملاحة عبر الأقمار الصناعية (GPS)، بالإضافة إلى تركيب أربع زعانف متحركة في مقدمة الصاروخ، بالإضافة إلى استخدام الطائرات غير المأهولة التي تقترب من الهدف المحتمل لتحديد موقعه وتصويره لتزويد الصواريخ بالصور والمواقع بدقة كبيرة.
  • ومن أهم هذه الصواريخ صاروخ بدر-1بي ونكال. وبهذا النوع من الصواريخ، هاجم الحوثيون منشآت ومعسكرات حيوية في مأرب وتعز والمخا، ولم يستخدم لاستهداف مدن جنوب السعودية بسبب قصر مداه.
  • صواريخ غير دقيقة: تبلغ نسبة دقتها في إصابة الهدف (500-2000 متر) وهي صواريخ باليستية متوسطة المدى (أرض-أرض). وأهم هذه الصواريخ هي بركان-1، وبركان-2، وبركان-3 (ذو الفقار)، وقيام-1 .
  • زيادة المدى بإضافة خزان وقود وتقليل وزن الرأس الحربي: وقد تم ذلك على صواريخ سكود B وC الروسية الموجودة في ترسانة الجيش اليمني والتي تسمى (بركان-1 وبركان-2). وقد تم ذلك أيضًا على الصواريخ الكورية Hwasong-5 وHwasong-6.
  • زيادة مدى بعض الصواريخ الروسية وتغيير وظيفتها من حيث الاستخدام: وقد تم ذلك على صواريخ سام-2 وسام-3 والتي تسمى (قاهر وقاهر-2) حيث تم استخدامها ضد الأهداف السطحية بدلًا من الجوية.
  • إضافة نظام توجيه لبعض الصواريخ غير الموجهة لتحسين دقتها في إصابة الأهداف: تم ذلك على الصواريخ الصينية من عائلة WS، حيث أصبحت نسبة الخطأ في إصابة الهدف (3) أمتار بدلًا من (40) مترًا.

وفي مارس 2024، أعلنت جماعة الحوثي عن تجربتهم صاروخ فرط صوتي تبلغ سرعته 8 ماخ (نحو 10 آلاف كلم في الساعة) يعمل بالوقود الصلب، وهو ما يعني إمكانية استهداف إسرائيل التي تبعد أكثر من 2000 ميل عن اليمن، خلال 10 دقائق فقط، مهددين بجاهزية استخدامه في الهجمات ضد السفن المرتبطة بإسرائيل. وتُشكل الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت تحديًا كبيرًا لأنظمة الدفاع الجوي لأنها تستطيع الإفلات من الرادارات مع تحليقها على أطوال موجية قصيرة وتحولها نحو مستويات أقل من موجات الرادار، بالإضافة إلى عدم القدرة على التنبؤ بمسارها. لذلك، لا توجد حاليًا أنظمة دفاع جوي يُمكنها اعتراض هذه الصواريخ، نظرًا لأن أنظمة الدفاع العاملة حاليًا تهدف إلى اكتشاف الصواريخ الباليستية ضعيفة القدرة على المناورة والتي تطير بسرعات منخفضة.

ويُشكك الغرب بالأساس حول امتلاك طهران-الداعم الرئيسي للحوثي- هذا النمط من الصواريخ، وتمكنها من دخول سباق تسلح عالمي حول الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وهو ما يعني التشكيك في امتلاك جماعة الحوثي هذا النمط من الصواريخ، وذلك منذ إعلان إيران في 6 يونيو 2023، عن امتلاكها صاروخًا تفوق سرعته سرعة الصوت أُطلق عليه اسم “فتح”، ثم إعلان الجماعة في 19 نوفمبر 2023 عن إطلاق النسخة الثانية منه تحت اسم “فتح 2″، ورؤية الغرب بأن إعلان طهران وفيما بعد جماعة الحوثي عن امتلاك هذا النمط من الصواريخ يُعد جزءًا من الدعاية والحرب الإعلامية الإيرانية والحوثية ضد الغرب واستعراض قدراتها العسكرية وتهديدها أمن إسرائيل.

ولقد أوضح مصدر مقرب من جماعة الحوثيين أن الأخيرة قامت بتطوير صواريخها وطائراتها غير المأهولة لزيادة قوتها، وذلك بعد تجارب استمرت 3 أشهر، وفقًا لما نقلته وكالة “نوفوستي” الروسية، بينما أوضح تقرير فريق الخبراء المعني باليمن الصادر في نوفمبر 2023، أن جماعة الحوثي تعزز من قدراتها العسكرية البحرية والبرية بشكل كبير، بما في ذلك تحت الماء، إلى جانب تعزيز ترسانة القذائف والطائرات غير المأهولة.

أما بالنسبة لمستودعات الصواريخ ومراكز الإطلاق، فلقد اعتاد الجيش اليمني على تخزين الصواريخ في معسكرات السواد والحفة والنهدين 48 والسماء، لكن عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، تم نقل معظم الصواريخ إلى صعدة ومن ثَمّ توزيعها على عدة مراكز إطلاق ظهرت مؤخرًا مع إعلان الحوثيين توجيه ضربات إلى إسرائيل.

وتُعد مناطق الحديدة وحجة وصعدة والجوف وذمار وتعز والبيضاء وصنعاء من أهم مراكز إطلاق الصواريخ، بينما وردت معلومات بأن الحوثيين لجأوا إلى تخزين الصواريخ في مناطق تغطيها الأشجار وداخل الجبال وفي مستودعات بين التلال وعلى جزر وسواحل نائية. ولقد كشفت إحدى الصور التي نشرتها وكالة فرانس برس عام 2016 عن تجربة إيران في تخزين الصواريخ في صوامع تحت الأرض، وهي التجربة التي أعاد الحوثيون استنساخها في اليمن، مما سهل من الاحتفاظ بالصواريخ وإطلاقها من مواقع مختلفة دون أن يتم اكتشافها. ويُمكن توضيح التجربة الحوثية لتخزين الصواريخ في الصور التالية:

علاوة على ذلك، أوضح تقرير صادر عن وكالة “شيبا انتلجنس ” ShebaIntelligence في يناير 2024، أن جماعة الحوثي تمتلك مراكز إطلاق صواريخ نشطة مطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، بها مستودعات صواريخ مؤقتة ضمن جغرافية معقدة، وأن لديها مخازن وممرات تكتيكية يمكن للجماعة من خلالها نقل الصواريخ من المستودعات الاستراتيجية في إب وذمار وصنعاء وعمران وصعدة والبيضاء إلى مراكز الإطلاق. كما أوضح التقرير بأن الجماعة قامت بتفعيل مراكز إطلاق صواريخ جديدة، بينما لا يزال من غير المعروف ما الأهداف المرجوة من تفعيلها وهل تقتصر الأهداف على استهداف السفن في البحر الأحمر أم أن الأهداف تتجاوز هذا الحد؟.

نقلا عن shebaintelligence

تتمركز مخازن الصواريخ الاستراتيجية على السلسلة الجبلية الوسطى الممتدة من صعدة إلى عمران وصنعاء وذمار وإب، بينما تتمركز مخازن الصواريخ التكتيكية في المحافظات الخلفية للساحل مثل حجة والمحويت وريمة، في حين تضم المناطق الساحلية في حجة والحديدة والمرتفعات في تعز وصعدة وصحراء الجوف مراكز إطلاق الصواريخ. أما بالنسبة لمراكز إطلاق الصواريخ الجديدة، فهي كالتالي:

لا يزال يقع مركز الإطلاق الأول للسفن على طول ساحل البحر الأحمر وجزره، وخاصة موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى واللحية وجزيرة كمران، في محافظتي الحديدة وحجة، كما إنها تضم مخزنًا مؤقتًا للصواريخ في بعض المناطق مثل عبس والشعفار في حجة والقناوص والزيدية والدهي وباجل والدريهمي في الحديد، كما يُعد مركز إطلاق الصواريخ نقطة الانطلاق الرئيسية للصواريخ التي استهدفت تل أبيب.

ولقد استعد الحوثيون في الآونة الأخيرة لبناء مستودعات صواريخ احتياطية في المحافظات الجبلية المتاخمة لساحل البحر الأحمر، مثل حجة وريمة والمحويت وصعدة. ويتم نقل الصواريخ من مستودعاتها الاستراتيجية إلى مراكز الإطلاق.

يمتلك الحوثيون مركز الإطلاق الثاني للصواريخ في جنوب البحر الأحمر، وتحديدًا في جبال منطقة العماكي والمطار القديم في محافظة تعز، ويُطل على المخا وباب المندب وجزيرة ميون بمسافة جوية لا تزيد عن 130 كلم. وتُعد التمركزات العسكرية في محافظتي إب وذمار مستودعات استراتيجية وتكتيكية، يمكنها ضمان وصول الصواريخ إلى مركز الإطلاق في الوقت المناسب.

وتُعد مرتفعات مكيراس بمحافظة البيضاء من أهم مراكز إطلاق الصواريخ حيث تطل على خليج عدن بمسافة جوية تصل إلى 70 كيلو مترًا تقريبًا. ويمكن لهذا المركز أن يُهدد الممرات الملاحية في خليج عدن. وتُعد المعسكرات الموجودة في مدينة رداع عاصمة البيضاء مستودعًا تكتيكيًا واستراتيجيًا للصواريخ الباليستية والبحرية.

تم تفعيل مراكز إطلاق الصواريخ في مدينة الحزم عاصمة منطقة الجوف الواقعة على الحدود مع السعودية. ومن مركز الجوف، أصابت صواريخ الحوثي مدينة مأرب ومنشآت سعودية وإماراتية. كما حاولوا استهداف ميناء إيلات الإسرائيلي رغم طول المسافة التي تتجاوز الألف كيلو مترًا. والجوف مركز إطلاق صواريخ ومخزن صواريخ تكتيكية.

ومن الجدير بالذكر، أوضح مراقبون أن الجماعة تمتلك 7 قواعد بحرية و30 موقع مراقبة على طول الساحل اليمني مزودة برادار وموجهات كهروضوئية لتحسين السيطرة على إطلاق الصواريخ، يُعد خط دفاع ساحلي ضخم، يتوافر لديه استخدام نظام AIS الذي يسمح بتتبع الشحن التجاري بشكل علني وتحديد السفن، إلى جانب ما يتلقاه من دعم استخباراتي من طهران. كما سبق وأن عرضت جماعة الحوثي في سبتمبر 2023 نحو 32 نموذجًا لصواريخ متنوعة، منها 8 صواريخ زعمت الجماعة أنها إصدارات جديدة، لكن ليس كل الصواريخ التي يمتلكونها تحمل علامات لأنها لم تستخدم قط، وهو ما يُشير ميل الجماعة للاستعراض والدعاية الحربية بترسانة صواريخها وأنماطها المتنوعة، سواء قصيرة أو متوسطة أو طويلة المدة، إلى جانب صواريخ الدفاع الجوي.

تضم ترسانة التسليح الحوثي طائرات غير مأهولة (الدرونز) ذات مهام استطلاعية وهجومية، يتوفر لديها نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وتتوجه بشكل مستقل ومباشر نحو أهدافها على طول نقاط الطريق المبرمجة مسبقًا. ويأتي من أبرزها درون “قاصف-1” وهي مزودة برأس حربي في مقدمتها، والطائرة الموجهة عن بعد “راصد”، وتحمل في الأصل اسم” Skywalker X-8″، ويستخدمها الحوثيون في مهام المراقبة والاستطلاع، وطائرة الاستطلاع المسيرة “رقيب” وكذلك “هدهد-1″، و“صمّاد” التي صممت في الأساس لمهام الاستطلاع، لكن الحوثيين استخدموها مفخخة في عدة هجمات.

كما تمتلك الجماعة درون “صماد 3” الانتحارية، ويمتد مداها من (1200) إلى (1500) كيلو مترًا ويُمكن تجهيزه بنحو 18 كيلو غرامًا من المتفجرات، إلى جانب درون “وعيد” المشابهة لدرون “شاهد 136” الإيرانية، ويصل مداها إلى نحو (2500) كيلو مترًا.

تمتلك جماعة الحوثي قوارب غير مأهولة تحمل متفجرات ذي أحجام صغيرة، تُمثل تحديًا لقوات المراقبة المنتشرة في البحر الأحمر، لا سيما عند باب المندب، وتُستخدم في تنفيذ عمليات إنزال عناصر بمروحيات أو قوارب، إذ يصعد العناصر على ظهر السفينة المستهدفة ويسيطرون عليها ومن ثَمّ، تشكل القوارب غير المأهولة تهديدًا كبيرًا للملاحة البحرية نظرًا لصعوبة كشف هذه الزوارق وتحديد مساراتها.

ومع تعدد الأسلحة المستخدمة من قبل جماعة الحوثي في التصعيد في البحر الأحمر، بات هناك مجموعة من الأسلحة الحوثية غير المستخدمة حتى الآن في التصعيد، أبرزها؛ ألغام صدف إيرانية الصنع، التي على الرغم من كونها ليست متطورة نسبيًا ومن السهل زرعها في البحر الأحمر، إلا أنه في حال استخدامها سيكون لها تأثير ضخم على حركة الشحن.

خطوة استباقية خطيرة.. المليشيات تفاجئ الجميع ومعلومات ”استخباراتية” تكشف  ماذا تفعل في جزر وسواحل اليمن _أخبار المشهد اليمني

أما بالنسبة لتمركزات الحوثي العسكرية في الجزر اليمنية الواقعة في الممر الدولي المهم، وقبالة سواحل اليمن، فذكرت وكالة شيبا المختصة بالمعلومات الاستخبارية من المصادر المفتوحة، في تقرير لها في ديسمبر 2023، أنها حصلت على معلومات استخباراتية تؤكد قيام جماعة الحوثي بإنشاء قواعد عسكرية بحرية في الجزر اليمنية الواقعة في البحر الأحمر، وأنهم تمكنوا من تثبيت وجود عسكري دائم في جزيرتي كمران وأنتوفاش الاستراتيجيتين، ويديرون زوارق في المنطقة الشرقية للممر الدولي المياه الدولية.

ولقد أوضحت وكالة شيبا الاستخباراتية” ” ShebaIntelligence أن العمل في جزيرة كمران قد بدأ منذ منتصف العام 2023، إلا أن إجراءات الجماعة لتثبيت وجودها العسكري في الجزيرة قد تسارعت مع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023؛ حيث تم نقل وتركيب المعدات، بما في ذلك أجهزة المراقبة وجهازي رادار على الأقل في مكانين في جزيرة كمران. كما تم نقل الزوارق القتالية والزوارق المتفجرة غير المأهولة وقوات ومتخصصين إلى الجزيرة بين يونيو وأغسطس. كما يُعتقد أنه تم أيضًا نقل طائرات غير مأهولة مع منصات إطلاق إلى القاعدة الجديدة. ولقد أوضحت مصادر إلى الوكالة أن جماعة الحوثي تستخدم غابات المنجروف في الجانب الشرقي من جزيرة كمران كغطاء ممتاز يمنع رصدهم بالطائرات غير المأهولة والأقمار الصناعية. وقال مصدران في جزيرة كمران لوكالة شيبا: إن الحوثيين يقومون بدوريات مستمرة شرق الجزيرة، ويمنعون الصيادين من الاقتراب من مناطق معينة، وأنه تم سماع إطلاق نار وانفجارات من الجانب الشرقي للجزيرة عدة مرات خلال شهري أكتوبر ونوفمبر، يبدو أنها تدريبات عسكرية للجماعة.

وحصلت الوكالة على معلومات سابقة تفيد بأن جزيرة كمران تحولت إلى منصة لإطلاق الصواريخ، كما كشفت الوكالة في تقرير سابق لها صادر في سبتمبر 2023 أن الحوثيين يتدربون “في منطقة اللحية لمهاجمة السفن”. أما بالنسبة للتمركزات العسكرية الحوثية في جزيرة أنتوفاش، فأوضحت وكالة شيبا أن الحوثيين أقاموا وجودًا عليها في نوفمبر 2023، وأن الجماعة نقلت المعدات من كمران إلى أنتوفاش عقب هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر.

على الرغم من أن التصعيد الحوثي في البحر الأحمر لم يكن الأول، وأن الجماعة تمتلك خبرة قتالية جيدة لتنفيذ هذا النمط من الهجمات في منطقة ذات أهمية جيوستراتيجية بالغة مثل ممر البحر الأحمر، إلا أن لجوء جماعة الحوثي لتوجيه ضرباتها للسفن المارة عبر البحر الأحمر يُعد في حد ذاته تكتيكًا جديدًا للجماعة عقب إخفاقها في توجيه ضربات ناجحة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك ميناء إيلات الإسرائيلي منذ 10 أكتوبر2023؛ حيث هددت جماعة الحوثي بإطلاق صواريخ وطائرات غير مأهولة على إسرائيل بالتنسيق مع محور المقاومة المدعوم من قبل إيران، إذا تدخلت الولايات المتحدة في الحرب دعمًا لتل أبيب.

وعقب نحو 9 أيام من التصعيد الإسرائيلي في غزة، أطلقت جماعة الحوثيين وابلًا من الطائرات غير المأهولة وصواريخ كروز أحادية الاتجاه على إسرائيل، استهدف غالبيتها ميناء إيلات الواقع على بُعد أكثر من 1800 كيلو مترًا من قاعدة الصواريخ الحوثية المتمركزة بالقرب من صنعاء، وعلى بُعد حوالي 1600 كيلو مترًا من أقرب منطقة يسيطرون عليها في اليمن، لكن تمكنت منظومة الدفاع الإسرائيلية من اعتراضها. وفي 31 أكتوبر، صعدت جماعة الحوثي من عملياتها بإطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى نجحت إسرائيل باعتراضه بنظام الدفاع “آرو-2″، بالتوازي مع إطلاقها وابلًا من الصواريخ والطائرات غير المأهولة على مدينة إيلات كالتي أعلنت عنها الجماعة في 1 و6 و9 و14 نوفمبر.

ومع تكرار الفشل الحوثي من اختراق منظومة الدفاع الإسرائيلية، اتجهت جماعة الحوثي إلى البحث عن آلية ضغط أُخرى على تل أبيب وواشنطن والدول الغربية عبر هدف سهل ذي صدى واسع على المستوى الدولي فكان استهداف السفن في البحر الأحمر، وتهديد حركة التجارة الدولية هو الهدف الرئيسي للجماعة، الذي سجل خلاله التصعيد الحوثي في البحر الأحمر تطورًا في التكتيكات القتالية، ومروره حتى الآن بمرحلتين؛ وهو ما يُمكن توضيحه على النحو التالي:

Houthimap-redsea-aden

بدأت المرحلة الأولى من التصعيد الحوثي في البحر الأحمر مع تصريح زعيم جماعة الحوثي “عبد الملك الحوثي” في 16 نوفمبر 2023، قائلًا: “إن عيون الجماعة “مفتوحة لرصد أي سفن تعود ملكيتها أو تُشغلها شركات إسرائيلية” تمر في البحر الأحمر. وبالفعل وفي 19 نوفمبر 2023، هبط مجموعة من الحوثيين عبر طائرة هليكوبتر، على متن حاملة المركبات “جالاكسي ليدر” المملوكة للملياردير الإسرائيلي أبراهام أونغر وتُديرها اليابان، واختطفتها وقادتها إلى قبالة الساحل اليمني، تبعها استهداف الجماعة لسفينة حاويات “سي إم أي” “سي جي إم” “سايمي (CMA CGM Symi) المرتبطة بإسرائيل، في المحيط الهندي باستخدام طائرة غير مأهولة هجومية أحادية الاتجاه، ثم وسعت الجماعة الأهداف لتشمل كل السفن المتجهة إلى إسرائيل، مع إطلاق تحذيرات من غلق باب المندب والمياه المحيطة به أمام السفن المرتبطة بإسرائيل وأي سفن حربية تحميها بشكل مباشر أو غير مباشر.

وأفادت بعض التقارير أنه خلال الفترة (10- 14) ديسمبر2023، استهدف الحوثي فرقاطة فرنسية وسفن شحن تجارية تحمل أعلام النرويج وجزر مارشال وهونغ كونغ، كما أن هجوم 11 ديسمبر يُعد أحد الهجمات النادرة التي أصابت هدفها عقب استهداف ناقلة ستريندا التي ترفع العلم النرويجي، مما أشعل النار في هيكلها، وتدخلت المدمرة الأمريكية لإنقاذها وإنقاذ طاقمها؛ فخلال الفترة (19 نوفمبر- 31 ديسمبر) بلغ عدد السفن المستهدفة نحو 11 سفينة، كانت إما سفن إسرائيلية أو متجهة إلى أي من موانئها، وفقًا لإحصاءات موقع “يمن إيكو”.

ومع تكثيف التمركزات العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر إثر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، باتت الأصول العسكرية الأمريكية محل استهداف من قبل جماعة الحوثي؛ ففي 9 نوفمبر، أسقطت الجماعة طائرة غير مأهولة أمريكية من طراز MQ-9 في منطقة البحر الأحمر. وفي 26 نوفمبر، أحبطت المدمرة “يو إس إس ميسون” الأمريكية محاولةً للاستيلاء على ناقلة المواد الكيماوية “سنترال بارك” التي يملكها إسرائيليون في خليج عدن، أطلق على إثرها الحوثيون صاروخين باليستيين على المدمرة ميسون، لكنهما لم يسفرا عن أي ضرر للسفينة، تبعها استهداف ناقلة بضائع مملوكة للمملكة المتحدة ” يونيتي إكسبلورر” في 4 ديسمبر، لم تسفر عن أي أضرار للسفينة.

من جهة أُخرى، بدأت قوات الحوثي في ارتجال مناورات بحرية ودمج التكنولوجيا الجيومكانية والقدرات الاستخباراتية، لرصد وتحديد السفن التي سيتم مهاجمتها واستهدافها. ومنذ 12 نوفمبر، تقوم قوات الحوثيين بتدريب جنودها في فرق هجوم بحرية برمائية، مع تدريبات تشمل إطلاق صواريخ وهمية تستهدف سفنًا بحرية وهمية وعمل محاكاة للغارات على السفن. كما التقى ضباط البحرية الحوثية مرتين على الأقل خلال شهر نوفمبر 2023 في غرفة عمليات مشتركة في ميناء الحديدة لتحديث استراتيجيات دوريات الاستكشاف البحرية.

وفي 27 نوفمبر، اتفق القادة على أن تتكون الدوريات الاستكشافية من ثلاث مجموعات، تتكون كل مجموعة من زورقين سريعين وزورق اتصالات وطائرة بدون طيار. وقد تم تجهيز قوارب الاتصالات بجهاز اتصال دولي (AIS)، بما يُمكّن الدوريات البحرية من التواصل بالسفن ومخاطبتها، فيما تقوم الطائرات المُسيَّرة بجمع إحداثيات وصور السفن ونقلها إلى المراكز البرية للعمليات. وفي اجتماع آخر يوم 4 ديسمبر، تم الاتفاق على إضافة زورقين إلى تشكيلات الدوريات البحرية، المسئولة عن زرع الألغام البحرية في حال رفضت السفن المستهدفة التجاوب والتعاون، أو في حال واجهت الدوريات سفنًا حربية مُعادية. كما أكد قادة عسكريون حوثيون أن فرق المخابرات قد كُلّفت بتتبع إحداثيات السفن ونقلها إلى “كتائب الصواريخ” البرية –وهي عملية يُرجح سهولتها بسبب وجود عشرات من أجهزة التقوية التي قام الحوثيون بتركيبها على أبراج الإنترنت (4G) في سواحل الحديدة– بحسب مصادر في الحديدة وغرفة القيادة والسيطرة البحرية التي يديرها الحوثيون؛ حيث تعمل أجهزة التقوية على توسيع نطاق قدرات تتبع السفن البحرية بمسافة قدرها حوالي 20 ميلًا بحريًا، بينما أفادت مصادر حوثية بأن سفن استخبارات إيرانية مشتبهًا بها رست في جنوب وشمال البحر الأحمر في 3 و5 ديسمبر على التوالي.

كما من اللافت تنفيذ جماعة الحوثي في ديسمبر 2023، هجمات مزدوجة على السفن المارة عبر البحر الأحمر، تتمثل في تنفيذ ضربات عبر صواريخ أو درونز، بالتوازي مع تنفيذ عمليات قرصنة في محاولة للسيطرة على السفن، تبعها استخدام الجماعة الزوارق غير المأهولة Vehicles Unmanned Underwater في تنفيذ عملياتها في فبراير 2024.

ومع استمرار التصعيد والمجازر الإسرائيلية في قطاع غزة وتأكيد الحكومة الإسرائيلية عزمها على تنفيذ عملية عسكرية في رفح، أعلن “عبد الملك الحوثي” زعيم جماعة الحوثيين في اليمن في فبراير 2024، أن العمليات البحرية التي يُنفذها الحوثيون في البحر الأحمر تطورت “كمًا ونوعًا وتم تفعيل الصواريخ والطائرات المُسيّرة والقوارب العسكرية، وتم إدخال سلاح الغواصات في العمليات في البحر وهو مقلق للعدو”؛ حيث يُمثل هذا السلاح تهديدًا خطيرًا لكونه يُعطل أنظمة دفاع السفن وتنفيذ هجوم متعدد الجوانب يسمى هجوم السرب. ولقد سبق وأن أشار الجيش الأمريكي قبل أيام من تصريح الحوثي بأن الحوثيين استخدموا مُسيّرات تحت سطح البحر، تبعها تنفيذ وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” تنفيذ ضربات دفاعية على خمسة أهداف في مناطق عسكرية حوثية في اليمن.

وفي تحدٍ للقوى الغربية مع استعراض القدرات الاستخباراتية للجماعة، أعلن الحوثي أن جماعته حققت “إنجازًا معلوماتيًا” فاجأ أعداءهم بالحصول على معلومات حول هوية مالكي السفن وتبعيتها ووجهتها، متحديًا الولايات المتحدة أن تثبت أن السفن المستهدفة ليست بالتصنيف المعلن عنه وأنها لا تتبع الأمريكيين أو البريطانيين أو الإسرائيليين.

ويُعد من أحد المكاسب العسكرية التي حققتها الجماعة إثر ضرباتها المتكررة للسفن والمدمرات الأمريكية في البحر الأحمر، هو كشف جماعة الحوثي عن ثغرة دفاعية لدى القطع البحرية الأمريكية والغربية في البحر الأحمر، وهي أنه عند لحظة إطلاق السفن الحربية للصواريخ تتعطل الوسائل الدفاعية الذاتية على متن هذه القطع وهو ما يجعلها هدفًا سهلًا أمام الضربات الحوثية، خاصة مع تهديد الحوثيين بأن لديهم صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، وذلك على الرغم من أن تعطل وسائل الدفاع الذاتية في السفن الحربية يأتي في ظل ما توفره باقي السفن الحربية والزوارق المتمركزة في البحر لأحمر من تأمين وحماية.

ولم يقف التصعيد الحوثي عند هذا الحد، بل أعلنت جماعة الحوثيين في 15 مارس، أنها ستوسع عملياتها العسكرية البحرية لتشمل السفن المارة عبر المحيط الهندي والمتجهة نحو رأس الرجاء الصالح في الجزء الجنوبي من قارة أفريقيا، وفق ما أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة التابعة للحوثيين ” يحيى سريع”، مع إعلان الأخير عن استهداف قوات الحوثيين نحو 3 سفن إسرائيلية وأميركية في المحيط الهندي، محذرًا السفن المرتبطة بإسرائيل من المرور عبر ممر رأس الرجاء الصالح، وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تضييق الحصار على تل أبيب، بعد نجاحها في محاصرة ميناء إيلات بخليج العقبة في البحر الأحمر، كما من المتوقع أن يُسفر استهداف السفن المارة عبر المحيط الهندي عن ارتفاع متزايد لأسعار التأمين على الشحنات، وبشكل مطرد ارتفاع تكلفة الشحن بشكل عام.

ومنذ بدء التصعيد في البحر الأحمر حتى أبريل 2024، بلغ عدد إجمالي الضربات الحوثية نحو 90 سفينة، بينما أسفرت الضربات الأمريكية والبريطانية لمواقع عسكرية حوثية عن مقتل 37 عنصرًا وإصابة 30 آخرين في 424 غارة جوية شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على مناطق سيطرة مليشياته شمال اليمن خلال نحو 3 أشهر.

خلال الأيام القليلة الماضية وتحديدًا منذ أواخر شهر مارس 2024، بدأت ثاني مراحل السياسة الحوثية من التصعيد في البحر الأحمر، بعدما سجلت الضربات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن تراجعًا واضحًا، وهو ما تم رصده من خلال مؤشرين؛ أولهما: توقف بيانات المتحدث باسم جماعة الحوثي يحيى سريع لأكثر من أسبوع منذ استهداف ناقلة الغاز في البحر الأحمر في 19 مارس، إلى أن خرج سريع ببيان في 26 مارس أعلن فيه عن تبني 4 هجمات حوثية ضد سفن تجارية، وهجوم خامس ضد مدمرتين أمريكيتين خلال 72 ساعة، على الرغم مما أُثير من شكوك بشأن تنفيذ هذه الهجمات؛ حيث لم ترصد هيئة التجارة البحرية البريطانية، وكذلك شركة أمبري البريطانية للأمن البحري والقيادة المركزية الأمريكية أي من هذه الهجمات الأربع، في حين رصدت التقارير هجومًا واحدًا حوثيًا على سفينة صينية زعمت الجماعة أنها بريطانية.

بينما تُمثل ثاني المؤشرات في تبني جماعة الحوثي تنفيذ نحو 6 هجمات ضد السفن التجارية والقطع البحرية الأمريكية المتمركزة في هذا الممر خلال النصف الأخير من شهر مارس، مقارنة بـ9 هجمات خلال النصف الأول من شهر مارس. بل إنه من إجمالي نحو 90 سفينة تم استهدافها من قبل جماعة الحوثي حتى أبريل 2024، فإن هناك نحو 86 سفينة أمريكية وبريطانية وإسرائيلية تم استهدافها حتى منتصف مارس، أي أن عدد الضربات قد زاد بـ4 هجمات فقط على مدار أسبوعين.

ولقد بررت جماعة الحوثي تراجع معدل الضربات للسفن في البحر الأحمر إلى تراجع حركة السفن المارة عبر البحر الأحمر، وأن حركة السفن باتت أشبه بحركة تهريب، بينما أرجع بعضهم تراجع الضربات الحوثية في البحر الأحمر إلى الضربات الأمريكية والبريطانية على مدار نحو 3 أشهر منذ يناير 2024 ضد مواقع وتمركزات عسكرية حوثية في اليمن، وذلك في خضم ما تنفذه سفن المراقبة من عمليات لإحباط محاولات بحرية لتهريب السلاح من طهران لجماعة الحوثي، وبالتالي إخفاق أي محاولات لمدّ الجماعة بالسلاح وتعويض ما تكبدته الجماعة من خسائر عسكرية إثر الضربات الغربية، والتي من المرجح أنها لعبت دورًا في تقويض القدرات الحوثية على تنفيذ ضرباتها بمعدل استهدافاتها نفسه خلال الأشهر الماضية.

على الجانب الآخر، يُمكن ربط تراجع الضربات الحوثية للسفن في البحر الأحمر بملف التسوية في اليمن، في محاولة من قبل الجماعة لإثبات مساعيها للتهدئة في البحر الأحمر، وذلك بعدما أطلقت جماعة الحوثي دعوات مفادها رغبة الجماعة في العودة إلى مسار السلام في اليمن، على الرغم من الاشتراطات الحوثية الثلاثة محل الخلاف الممثلة في إنهاء تام للحصار وتبادل الأسرى وتعويض الأضرار، مما يكشف زيف هذه الدعوات الحوثية التي تزامنت مع انخفاض معدل الضربات الحوثية في البحر الأحمر، والتي ربما تهدف لكسب الوقت لإعادة ترتيب أوراقها وتعزيز قدراتها العسكرية عقب ما تعرضت له الجماعة من ضربات أمريكية وبريطانية على مدار نحو 3 أشهر؛ حيث أعلنت جماعة الحوثي يوم 25 مارس، عن جاهزيتها لتوقيع خارطة السلام في اليمن، كما دعت التحالف العربي إلى اتخاذ خطوة مماثلة “لقطع الطريق أمام تجار الحروب”.

في حين ربط بعضهم بين التهدئة في البحر الأحمر، وما تفرضه الحكومة اليمنية الشرعية من ضغوط اقتصادية على جماعة الحوثي، عقب ما أطلقته الحكومة اليمينة من توجيهات للبنوك العاملة في مناطق الحوثي في 3 أبريل 2024 للانتقال إلى عدن خلال 60 يومًا، ردًا على إعلان جماعة الحوثي في أواخر مارس 2024 سك عملة نقدية معدنية من فئة 100 ريال يمني، زعمت أنها لمواجهة تلف الأوراق النقدية من الفئة ذاتها في مناطق سيطرتها، ولوحت بطباعة فئات أخرى، مما يؤدي إلى تعميق الانقسام المالي والتضييق على حركة الأموال والسلع والتحويلات، واتجاه الوضع في اليمن إلى مستوى جديد من الانقسام النقدي والمصرفي، وما لذلك من تداعيات على تعثر التسوية السياسية وإذكاء الصراع في اليمن.

على طول الفترة الممتدة منذ نوفمبر 2023 حتى الآن للتصعيد الحوثي في البحر الأحمر، وما شهدته من صعود وهبوط قد يكون تكتيكيًا ولمرحلة لحظية، سوف يعبقها استعادة الجماعة لنشاطها في البحر الأحمر وبقوة، تمكنت جماعة الحوثي من تحقيق مكسبين رئيسيين؛ أولهما: ترسيخ مكانة جماعة الحوثي في الإقليم وكذلك على المستوى الدولي كقوة فاعلة تتمتع بقدر من الاستقلالية عن داعمها الإقليمي (إيران)، وبالتالي تمكن الجماعة من فرض نفسها كرقم مهم لا يُمكن تجاوزه في أي مباحثات تسعى للتهدئة في المنطقة، إلى جانب تمكنها من توظيف ما أحدثته الجماعة من قلق وتدهور أمني في البحر الأحمر لفرض شروطها في أي تسوية سياسية في اليمن، وخلال أي مفاوضات محتملة في الفترة القادمة.

فمن الجدير بالذكر، أن جماعة الحوثي توصلت مؤخرًا إلى اتفاق مع الحكومتين الروسية والصينية لعدم استهداف سفن الشحن الروسية والصينية المارة عبر البحر الأحمر، وهو ما يعكس أحد المكاسب السياسية الرمزية في الساحة الدولية التي اكتسبتها الجماعة على وقع التصعيد في البحر الأحمر حتى الآن.

أما بالنسبة لثاني المكاسب الحوثية من التصعيد في البحر الأحمر فيتمثل في محاولة اكتساب الجماعة شرعية يمنية وعربية شعبية لضرباتها في البحر الأحمر، تُعيد النظر إلى الجماعة كممثل سياسي يمني شرعي عن الشعب اليمني؛ انطلاقًا من أن ضرباتها تأتي دعمًا وتأييدًا للشعب الفلسطيني ونصرًا لأهالي غزة في ظل ما ترتكبه تل أبيب من مجازر بحق الفلسطينيين، خاصة أن الجماعة قامت بتغطية إعلامية إيجابية لهجماتها في محطات التلفزيون الكبرى وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وروجت بشكل جيد للضربات الغربية على مواقع الحوثي في اليمن على أنه تدخل عسكري أجنبي، مما ساهم في إعادة رسم صورة الحوثي في أعين الفلسطينيين وبعض الداعمين للقضية الفلسطينية على المستوى الشعبي، لا سيما بعدما أن أدت ضرباتهم بالفعل إلى تعطيل حركة التجارة الدولية؛ حيث أكد استطلاعا رأي أجراهما المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في أواخر نوفمبر وأوائل ديسمبر 2023، أن سكان غزة والضفة الغربية صنفوا رد فعل اليمن على الحرب بين إسرائيل وحماس على أنه الموقف الأكثر إرضاءً بين الجهات الفاعلة الإقليمية الداعمة لفلسطين.

نهاية القول، لا تزال تمثل فترة التصعيد الحوثي في البحر الأحمر منذ نوفمبر 2023 حتى الآن، والتي مرت بمرحلتي صعود وهبوط تمكنت خلالها جماعة الحوثي من انتزاع بعض المكاسب السياسية، عند مستوى محدود من الأثر مما يدفع إلى القول إن الضربات لا تخرج حتى الآن عن كونها جرس إنذار بأن ارتفاع مستوى التصعيد خيار محتمل في حال استمرار التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، واستمرار الدعم العسكري الأمريكي والغربي لتل أبيب، بل تمكنت جماعة الحوثي من تحويل الضربات في البحر الأحمر -حتى وإن لم تسفر عن أضرار مادية بالغة- إلى ورقة ضغط مهمة في يد الحوثيين لتحقيق أهداف حوثية خاصة أو إيرانية بشكل عام، لا سيما في ظل حرص الجماعة على تطوير قدراتهم العسكرية بشكل مستمر. ناهيك عن أنه من المتوقع، أن يأتي تراجع معدل الضربات الحوثية في البحر الأحمر كتكتيك لفترة زمنية محددة، مع احتمالية استعادة الضربات الحوثية كثافتها خلال الفترة القادمة.

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M