مفهوم التحضر

يندرج هذا المفهوم في علم الاجتماع الحضري
 لقد جذبت ظاهرة التحضر اهتمام العلماء في العديد من الميادين، نظرا لكونها ظاهرة حديثة نسبيا، إذ ما قورنت بالظواهر و النظم الإجتماعية الأخرى كاللغة والدين …إلخ، فقد نمت ظاهرة التحضر بصورة سريعة في المجتمع الإنساني، و هي ما تزال مستمرة حتى وقتنا الحالي.

تعريف جيرالد بريز للتحضر

فقد عرف جيرالد بريز التحضر على أنه: عملية تغيير كمي وكيفي معا، تؤدي إلى تحولات كثيرة في خصائص وسمات ووظائف المجتمعات المحلية (المدن، البلدان) كما يرى أن فهم تلك العملية يستدعي ضرورة عقد المقارنات المختلفة في الدول أو بين المراكز  الحضرية المختلفة في البلد الواحد .1

إن تعريف بريز للتحضر تميز بالعمومية وعدم التحديد وذلك عند محاولته تبيان طبيعة عملية التحضر ، لكنه في هذا التعريف استطاع أن يظهر المنهج المناسب لدراسة التحضر.


ومن ناحية أخرى، فقد عرف التحضر على أنه: العملية التي تتم بها زيادة سكان المدن عن طريق تغير الحياة في الريف، وذلك من حياة ريفية إلى حياة حضرية أو عن طريق هجرة القرويين للمدن الموجودة بها ، تلك التغيرات التي تحدث على طبائع و عادات وطرق معيشة سكان الريف حتى يتكيفوا مع المعيشة في المدن .2


وعرف التحضر أيضا بأنه: عملية معقدة وهو تركز جغرافي للسكان والأنشطة غير الزراعية في بيئة حضرية مختلفة، من حيث الشكل والحجم أو نتيجة تفاعل العديد من العوامل الإقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الأساسية على بيئة تصنف حضر، مما يؤدي إلى انتشار قيم وسلوك و نظم ومؤسسات حضرية .3

 ومنه فإن معظم هذه التعاريف، تتفق على أن التحضر عبارة عن عملية خاصة بسكان المدينة أو بسكان الريف الذين هاجرو إلى المدينة وبذلك تتغير سلوكهم وقيمهم وحتى مظهرهم. أما بالنسبة للتعريف الماركسي للتحضر، فيرى أن التحضر في الدول النامية مر بثلاثة مراحل:

1 – كان فائض الإنتاج في الفترة الاستعمارية ينتقل عن طريق شركات أجنبية و يتم بيعه في الدول الأم، وكانت هناك سياسات معادية للصناعات المحلية وتفضيلها للصناعات الإستعمارية .

2 – في فترة الإستقلال السياسي، عادة ما يخضع فائض الإنتاج لميزان تجاري غير متكافئ، يتم من خلاله أخذ الفائض وسيطرت الشركات الأجنبية على الأسعار والصادرات والواردات .

3 – في هذه المرحلة تتم السيطرة الإقتصادية من قبل الشركات المتعددة الجنسيات على نطاق واسع في كلا القطاعين الصناعي والزراعي لذا بقيت مشكلات أغلب الدول النامية متمثلة في تخلفها الاقتصادي رغم نيلها للإستقلالها السياسي وكذلك بالنسبة لقطاعها الحضري؛ فمن المنظور الماركسي، هي عبارة عن العلاقة بين الطبقات وسياساتهم الطبقية في الوسط الحضري.


ومنه فالماركسية تنظر إلى التحضر على أنه المغالاة في التركيز على العوامل الإقتصادية التي تراها الماركسية مسيطرة على كل جوانب الحياة، و بذلك فقد استهان بدور سكان المدن في التعبير عن اهتماماتهم .4

ويشير مفهوم التحضر أيضا، إلى عملية من عمليات التغير يتم بواسطتها انتقال أهل الريف والبادية إلى المدن، أو تحول المناطق الريفية أو البدوية ذاتها إلى مناطق حضرية، وعادة ما تؤثر هذه العملية تأثيرا كبيرا في التركيب الإجتماعي والاقتصادي والمهني للسكان .5

ويستعمل مصطلح التحضر في الدول الاشتراكية بمعنى تحرير Libération ، ومن ثم فإن لدى هذه الدول برامج محددة وواعية ترمي إلى وضع هذه العملية بشكل منظم يساعد على ضبطها و التقليل قدر ما أمكن من المشكلات التي تصاحبها في العادة.6


وبناء على ما سبق فإن التحضر يمكن أن يوصف بأنه العملية التي تصبح بها الحضرية أسلوبا مميزا للحياة وهذه العملية تتأثر ببعض المؤثرات الجديدة بالنسبة للشخص المتبني للنمط المعيشي الجديد.

مظاهر التحضر

وللتحضر مظهران:

 أولهما الانتقال من حياة الريف إلى حياة المدينة، أي الحياة الحضرية وتتغير طبقا لذلك المهنة ومستوى المعيشة.
 وثانيها هو تبني الشخص القادم إلى المدينة أسلوب الحياة الحضرية 7

ومما سبق نلاحظ وجود اختلاف وتباين كبير في إعطاء تعريف لمفهوم التحضر، و هذا راجع لاختلاف الدراسات والموضوعات التي تناولته، لكن مع هذا فهذه التعاريف ألقت أضواء مختلفة على عملية التحضر تساعد على فهم هذه الظاهرة وإعطاء تعريف إجرائي لها:

التعريف  فالتحضر هو عملية تغيير اجتماعي يحدث عندما يترك الأفراد القرية مكان للإقامة والزراعة كمهنة، فيحدث عن ذلك تغيير في أسلوب حياتهم ومعيشتهم، فيكتسبون طرق جديدة ملائمة للحياة الحضرية.

كما ارتبط مفهوم التحضر بمفهوم آخر وهو: الحضرية 

مفهوم الحضرية

✓ تعتبر الحضرية نمط من أنماط السلوك، ونحن نعلم أن كل سلوك هو هادف ومنضبط وبذلك تصبح أنماط السلوك الحضرية، ضوابطها وأهدافها مستمدة مما يسود في البناء الحضري من معايير ونظم.8

✓  ومن ناحية أخرى تعرف الحضرية على أنها: الطابع المميز للمجتمع المحلي الحضري والأسلوب الخاص الذي تتسم به طريقة الحياة في المجتمع الحضري والذي يعد من أساسيات الخصائص المميزة للمدينة ، كما يعرفها لويس ويرث بأنها طريقة للحياة ، فتصبح بذلك الحضرية طريقة عيش سكان المدن خاصة .9


والحضرية وإن كانت تحمل في طياتها الإشارة إلى انبثاقها من المدينة، إلا أنها في الواقع مجرد طريقة في السلوك فحسب، أي سلوك له طريقته الخاصة وسماته التي تميزه عن غيره وهي ليست تعبيرا مقصودا على الحياة في المدن، فقد نجد إنسانا متحضرا وسلوكه الكلي حضري في الريف، و نجد آخر يعيش في أكثر المدن تحضرا وهو مع ذلك لا يزال قرويا في تفكيره وطريقة معيشته، بل و في سلوكه، فالمسألة إذن مسألة سلوك وليس مسألة مظهر .10

وأخيرا فإن التحضر هو عبارة عن العملية التي تصبح بها الحضرية أسلوبا مميزا للحياة وقد تتأثر ببعض المؤثرات الجديدة بالنسبة للشخص المتبني للنمط المعيشي الجديد.

  • المراجع:
  • 1 – عبد الرؤوف الضبع : علم الإجتماع الحضري – قضایا و إشكالیات-دار الوفاء للنشر،ط1 2003 ،ص13 .
  • 2 – قباري اسماعیل : علم الإجتماع الحضري و مشكلات التھجیر و التغیر و التنمیة ، منشأة المعارف 1985 ص 83 .
  • 3 – أ.د عبد العزیز بوودن : التحضر في الجزائر،الباحث الإجتماعي 2004 ،ع05- ص 1
  • 4 – أ.د.رابح كعباش : التنمیة و التحضر في الدول النامیة –فعالیات الملتقى الوطني حول أزمة المدینة الجزائریة 2003 ص234-235 .
  • 5 – لوجلي صالح الزوي : علم الإجتماع الحضري-منشورات جامعة قازیونس-بنغازي 2002 ص 30 .
  • 6 – عبد الرؤوف الضبع : مرجع سابق ص 16 .
  • 7 – لوجلي صالح الزوي : مرجع سابق ص 30.
  • 8 – مصطفى الخشاب:علم الإجتماع الحضري –القاھرة –المكتبة الأنجلو مصریة 1968 ص 27
  • 9 – فادیة عمر الجولاتي :علم الإجتماع الحضري ، مؤسسة شباب الجامعة ،الإسكندریة 1993 ص 12 10
  • 10 – محمد عاطف غیث : علم الإجتماع الحضري ، دار النھضة العربیة ، الإسكندریة ، عدم ذكر السنة،ص 96 .

 

رابط المصدر:

 

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M