مقتل “القرشي” والتداعيات المحتملة على تنظيم داعش

 محمد فوزي

 

أعلن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” ووزارة الدفاع الأمريكية أن قوات أمريكية خاصة نفذت عملية نوعية على قرية “أطمة” في شمال غرب سوريا قرب الحدود التركية في نطاق محافظة إدلب، وأدت إلى اغتيال زعيم تنظيم داعش أبو إبراهيم الهاشمي القرشي الذي تولى قيادة التنظيم بعد أبو بكر البغدادي. ومن المتوقع أن تحظى هذه العملية بأهمية بالغة في ضوء “طبيعة المُستهدف” والنتائج التي حققتها، فضلًا عن التداعيات المحتملة للعملية على هيكل تنظيم داعش الإرهابي، ونشاطه العملياتي في الإقليم بشكل عام.

صعود ونهاية “القرشي”

تولى أمير محمد سعيد عبد الرحمن محمد المولى المكني بـ “أبي إبراهيم الهاشمي القرشي” زعامة تنظيم داعش خلفًا للزعيم السابق للتنظيم “أبي بكر البغدادي”، الذي قُتل كذلك بغارة أمريكية في إدلب عام 2019. وكان “القرشي” المنحدر من أصول تركمانية عراقية، معروفًا بتنظيراته وأسلوبه الوحشي، حتى على مستوى التنظيم داخليًا، إذ أمر بقتل وخفض رتب وسجن العديد من أعضاء داعش بتهمة العصيان أو الفشل الأيديولوجي، فضلًا عن أن العديد من التقارير أشارت إلى أنه كان المسؤول الرئيسي عما قام به تنظيم داعش الإرهابي عام 2014 من ذبح وتعذيب للإيزيديين.

وانضم “القرشي” إلى تنظيم القاعدة في العراق في مارس 2007، حيث عمل كمدرس “شرعي” وقاض ونائب والي (محافظ) الموصل في تنظيم القاعدة في العراق، وانضم إلى تنظيم داعش فور الإعلان عن نفسه، وتنقل في المناصب داخل التنظيم، حيث عمل “قاضيًا شرعيًا” لداعش في العراق، ثم “قاضيًا شرعيًا” عامًا لـ “الخلافة” المزعومة، وفي النهاية تولى منصب نائب أمير التنظيم في أغسطس 2017.

وخلال هذه الفترة أشرف “القرشي” على العمليات اليومية للتنظيم، وحافظ على اتصال وثيق مع كبار قادة داعش الآخرين، وهي الاعتبارات التي أكسبته ثقلًا ووزنًا نوعيًا كبيرًا داخل التنظيم، مما أدى إلى وصوله إلى أعلى السلم الهرمي في التنظيم عقب اغتيال البغدادي. لكن “القرشي” وصل إلى نهاية المطاف مع العملية التي نفذتها وزارة الدفاع الأمريكية، صباح يوم 3 فبراير الحالي، حيث آثر “القرشي” تفجير نفسه بالتزامن مع الغارات التي شنتها قوات الكوماندوز الأمريكية، وهو تكتيك تلجأ إليه بعض قيادات التنظيمات الإرهابية حال تعرضهم لهجمات مباغتة، لتحقيق بعض الأهداف، منها منع عملية القبض عليهم وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى الضغط عليهم لمعرفة بعض خبايا التنظيم وخططه.

ويبدو أن قادة التنظيم يُدركون اتباع القوى المنخرطة في مكافحة الإرهاب لهذا النهج، وهو ما أكده المتحدث الرسمي باسم جهاز مكافحة الإرهاب العراقي صباح النعمان في ديسمبر الماضي، عندما أشار إلى أن العمليات التي نفذها الجهاز في ديسمبر 2021، ضد فلول التنظيم في العراق مما أدى إلى اعتقال أكثر من 250 عنصر، قد ساعدت الجهاز الأمني العراقي على الحصول على معلومات مهمة حول خطط التنظيم، وهي المعلومات التي حولها جهاز الأمن العراقي إلى خطة معلوماتية، وعمليات استباقية ضد التنظيم.

كذلك يرى قادة وعناصر التنظيم أن التفجير هو سلوك يمكن أن يؤدي إلى قتل بعض عناصر المجموعة التي تشن الهجوم، فضلًا عن اعتبار نفسي ومعنوي بالنسبة للتنظيم يتمثل في الترويج لرواية أن هذه القوات المُهاجمة لم تقتل هذا القيادي، وإنما هو من قام بتفجير نفسه؛ منعًا لضرب الروح المعنوية لعناصر وقواعد التنظيم.

دلالات عملية اغتيال “القرشي”

حملت عملية اغتيال القرشي في طياتها بعض الدلالات المهمة، والتي يمكن إيضاحها على النحو التالي:

  1. تؤكد عملية مقتل “القرشي”، تنامي اعتماد مقاربات مكافحة الإرهاب سواءً الإقليمية أو الدولية في المنطقة، على الاستراتيجية المعروفة بـ “قطع الرؤوس”، وهي الاستراتيجية التي تقوم بشكل رئيس على توجيه ضربات أمنية نوعية تستهدف قادة التنظيمات الإرهابية وعناصر الصف الأول فيها، وهي الاستراتيجية التي تُكسب مقاربات مكافحة الإرهاب بعض الفاعلية وتحقق أهدافًا نوعية، خصوصًا لما يترتب عليها من تداعيات على المستوى الداخلي والهيكلي للتنظيمات من إرباك وتعقيد للمشهد الداخلي خصوصًا في ظل تزايد احتمالات الصراعات الداخلية بين المرشحين المحتملين لقيادة التنظيمات على مواقع الزعامة.

ذلك فضلًا عن المكاسب الإعلامية المترتبة على هذه العمليات، مع الإشارة إلى أن هذه الاستراتيجية تمثل خيارًا مناسبًا بالنسبة للقوى الدولية المنخرطة في جهود مكافحة الإرهاب كالولايات المتحدة، في ظل التوجه نحو الانسحاب العسكري الجزئي والكامل من المنطقة.

2- جاءت عملية اغتيال “القرشي” بعد أيام من انتهاء عملية سجن غويران، التي شنها تنظيم داعش الإرهابي في شمال شرق سوريا، وهي المنطقة الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية، المدعومة أمريكيًا، وبالتالي فالعملية تمثل انتصارًا للولايات المتحدة الأمريكية وحليفها “قوات سوريا الديمقراطية”، فضلًا عن أنها قد تمثل عاملًا محفزًا لقوات سوريا الديمقراطية من أجل تصعيد عملياتها الأمنية في سوريا، ضد فلول داعش ومقاتلي السابقين، مستفيدةً من مقتل القرشي وما سيسببه من إرباك للتنظيم.

3- تعكس عملية اغتيال “القرشي” محورية المعلومات الاستخباراتية في استهداف قيادات التنظيمات الإرهابية؛ إذ إن قوات مكافحة الإرهاب باتت تقلل من اعتمادها على القوات النظامية والمواجهات الموسعة مع التيارات الإرهابية، وتزيد في المقابل من اعتمادها على العمليات النوعية التي يكون الأساس فيها هو المعلومات الاستخباراتية.

وقد أكدت عملية اغتيال القرشي هذه الفرضية، حيث أعلن اللواء “يحيى رسول” المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أن “عملية قتل الارهابي أمير محمد سعيد  والمكنى بأبي عبدالله قرداش نُفذت بعد أن زود جهاز المخابرات الوطني العراقي التحالف الدولي بمعلومات دقيقة، قادت إلى الوصول الى مكانه وقتله”.

4- الضربة العسكرية الأمريكية التي دفعت باتجاه موت القرشي تمثل محاولة من الولايات المتحدة لتقليل الانتقادات الموجهة إليها إثر انسحابها من المنطقة، في ضوء تحرك بعض القوى الإقليمية، وبعض الفاعلين المسلحين دون الدول مثل تنظيم داعش لاستغلال هذا الانسحاب من أجل إعادة التموضع، وممارسة النشاط الإرهابي، فضلًا عن أن “بايدن” سيحاول توظيف هذه العملية وتحويلها إلى انتصار شخصي له، في إطار جهوده لمكافحة الإرهاب.

5- يمثل مقتل “القرشي” ضربة كبيرة لتنظيم داعش الإرهابي، خصوصًا في ظل تحركات التنظيم العملياتية المتنامية في الآونة الأخيرة لإعادة التموضع والانتشار والنشاط، وتكثيف العمليات الإرهابية اعتمادًا على الخلايا والمجموعات الصغيرة والذئاب المنفردة، في إطار مساعيه لإعادة إحياء نفسه في مناطق النفوذ التقليدية.

6- المنطقة التي قُتل فيها القرشي تبعد حوالي 3 كيلومترات عن مخفر حدودي تركي، فضلًا عن أنها تقع في إطار إدلب والشمال السوري، وهي مناطق نفوذ وحضور تركي، وهو الأمر الذي يعكس مسؤولية تركية عن تحول هذه المناطق لحواضن دعم وإيواء لقادة التنظيمات الإرهابية.

التداعيات المحتملة لاغتيال “القرشي”

سوف تحمل عملية اغتيال “القرشي” العديد من الارتدادات والتداعيات المحتملة على تنظيم داعش على المستوى الداخلي، أو حتى على المستوى العملياتي، ويمكن تناول أبرز هذه الارتدادات على النحو التالي:

1- على الأرجح سيؤدي مقتل “القرشي” إلى زلزال داخل تنظيم داعش الإرهابي، أو على الأقل عملية ارتباك كبيرة، وذلك في ضوء الصراع على القيادة داخل التنظيم، وفي ضوء فقدان التنظيم في السنوات الأخيرة لمعظم قياداته الكاريزمية. لكن التنظيم سيحاول إخماد هذه الأزمة وتجاوزها في أسرع وقت ممكن؛ منعًا لتفاقمها وتوظيفها ضده سواءً من قبل القوى المنخرطة في عمليات مكافحة الإرهاب، أو التنظيمات الإرهابية المنافسة. وقد تكرر هذا السلوك عقب مقتل “البغدادي” حيث سارع التنظيم باختيار زعيم جديد له، وبالفعل تم اختيار “القرشي” في غضون أسبوع تقريبًا، حيث سعى التنظيم عبر هذا التحرك إلى الحفاظ على هيكل قيادي متماسك وإظهار الوحدة.

2- يمكن أن تؤدي عملية اغتيال القرشي إلى انشقاقات بين قواعد التنظيم، وذلك في ضوء شعور قواعد التنظيم بحالة من اليأس في ضوء الضربات المتكررة التي يتعرض لها داعش، وفي ضوء تنازع القيادات على تبوؤ السلم الهرمي للتنظيم، لكن التنظيم يلجأ عادةً إلى اغتيال أو حبس هذه القواعد.

3- يجد المتابع لجهود مكافحة الإرهاب أن التنظيمات الإرهابية تلجأ على الأرجح عقب اغتيال قادتها إلى التوسع في شن العمليات الإرهابية، والقيام بعمليات انتقامية بدلًا من العمليات العسكرية الموسعة التقليدية، في محاولة للرد على هذه الاغتيالات، وإيصال رسائل بتماسك التنظيم، وقدرته على ممارسة نشاطه العملياتي، على الرغم من اغتيال قادته، وهو اعتبار يُرجح قيام التنظيم في الأيام المقبلة لبعض العمليات الإرهابية الانتقامية، سواءً في سوريا أو العراق، خصوصًا ضد الولايات المتحدة والقوى المتحالفة معها على الأرض.

4- يشير أغلب المؤشرات إلى احتمال تولي “الحاج جمعة عواد” زعامة تنظيم داعش عقب مقتل القرشي، لمكانته التنظيمية الرفيعة؛ إذ يشغل “عواد” منصب رئيس مجلس الشورى العام للتنظيم، فضلًا عن مكانته المعنوية والكاريزمية بوصفه شقيق أبي بكر البغدادي الزعيم السابق للتنظيم.

وختامًا، يمكن القول إن عملية استهداف القرشي هي عملية نوعية بطبيعة الحال سوف تربك التنظيم، وقد تُحدث تراجعًا مؤقتًا له، لكنها لن تقضي عليه تمامًا، خصوصًا في ظل تأقلم التنظيم مع خسارة قادته، وتزايد اعتماده على أفرعه في أفريقيا وآسيا، في مقابل تراجع قوة الأفرع المركزية بالعراق وسوريا.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/67082/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M