مكافأة مالية سخية.. هل تطيح برأس تنظيم «ولاية خراسان»؟

خالد عكاشة

 

بعد ساعات من إعلان واشنطن نجاحها فى اغتيال قائد تنظيم «داعش» الإرهابى أبوإبراهيم القرشى الهاشمى، خرجت السلطات الأمنية لترصد مكافأة مالية بلغت قيمتها «١٠ ملايين دولار» لمن يُدلى بمعلومات تؤدى إلى الكشف عن هوية أو مكان زعيم الفرع الداعشى فى أفغانستان «ولاية خراسان» الملقب بـ«ثناء الله غفارى»، المفترض وجوده على الأراضى الأفغانية. وتمتد المكافأة السخية أيضًا لمن يقدم معلومات موثقة تساعد فى القبض على المسئولين عن الهجوم الانتحارى الشهير، الذى وقع فى مطار كابول أغسطس ٢٠٢١ وسقط على إثره ١٧٠ مدنيًا و١٣ جنديًا أمريكيًا.

تنظيم «ولاية خراسان» يمثل أحد الأفرع القوية لتنظيم «داعش»؛ حيث تأسس مبكرًا فى بداية عام ٢٠١٥ بعد أشهر قليلة من الإعلان التأسيسى العام الذى صدر عن تنظيم الدولة فى ٢٠١٤. واتخذ الإعلان عن انطلاق هذا الفرع طابعًا دعائيًا واسعًا فى حينه، عندما خرج المتحدث باسم التنظيم الأم «أبومحمد العدنانى» ليعلن فى شريط مصور عن إنشاء «ولاية خراسان»، ليتبع الدولة التى كان قد جرى تأسيسها فى العراق وسوريا، وجاء نص بيانه بالقول: «أبشر المجاهدين بامتداد الدولة الإسلامية إلى خراسان، فقد استكمل المجاهدون من جنود الخلافة الشروط، وحققوا المطالب لإعلان ولاية خراسان، فأعلنوا بيعتهم لأمير المؤمنين- حفظه الله- الخليفة إبراهيم، وقد قبلها». إثر ذلك عين «داعش» بقرار من البغدادى «حافظ سعيد خان» واليًا على ولاية خراسان، كما عين «أبوطلحة عبد الرءوف خادم» نائًبا له، وطلب من أنصاره أن يعملوا بمعيتهما وأن يعاونوهما، حيث شملت المناطق التى أطلق عليها «ولاية خراسان» كلًا من أفغانستان والجزء القبلى الحدودى من باكستان، فضلًا عن إيران وأوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان، وهى مساحة عمل هائلة فى آسيا الوسطى.

أول ما بدأه التنظيم الوليد فى أفغانستان؛ أنه استهدف واستفاد على نحو كبير من الانشقاقات التى وقعت داخل صفوف حركة «طالبان»، خاصة بعد ما أصاب صفوف الحركة على خلفية مقتل «حكيم الله محسود» أمير حركة «طالبان باكستان» فى هجوم لطائرة أمريكية من غير طيار نوفمبر ٢٠١٣، حيث بدأ صراع خلافة محسود بين ثلاثة أسماء قوية هم: «المولوى فضل الله» الزعيم الحالى لحركة طالبان باكستان، وسيد خان سجنا، و«حافظ سعيد خان»، وبعد حسم الصراع لصالح تنصيب المولوى فضل الله أميرًا على حركة طالبان باكستان، انشق «حافظ سعيد خان» عنها وبدأ قيادة مجموعته المسلحة بعيدًا عن الجسم العام لحركة طالبان باكستان، إلى جانب نجاحه فى ضم بعض المجموعات الأخرى التى انشقت عن طالبان، والعناصر الأخرى التى لم تجد لنفسها مكانًا بارزًا داخل الحركة. واعتبر تنظيم «ولاية خراسان» بعد نشأته الحكومات القائمة فى المنطقة أنظمة عميلة للصليبيين ومرتدة، وفق ما أسس له والى خراسان، حافظ سعيد خان، فور توليه القيادة، معتبرًا تنظيم القاعدة وحركة طالبان بشقيهما الأفغانى والباكستانى مرتكبين نواقض الإيمان، كما أن عناصرها والمنتمين لأفكارها- حسب زعمه- مرتكبون لخطيئة «الشرك الأكبر»، باعتبارهم موالين للكفار والمرتدين ويتحاكمون إلى الطاغوت بدل التحاكم إلى الله، وفى هذه السنوات المبكرة من عمر «ولاية خراسان» شنوا حملة إعلامية واسعة، قادها منظرو تنظيم «داعش» تحت عنوان «ضلالات حركة طالبان»، نجحت فى إحداث شروخ عميقة فى بنية الحركة داخل أفغانستان وباكستان لصالح الانضمام والاصطفاف داخل النسق الداعشى الأكثر تطرفًا، والأحرص على استخدام العنف الوحشى ضد خصومه تعبيرًا عن منهجه.

مثلت حواضن الفكر السلفى فى الداخل الأفغانى؛ أكثر المناطق تعرضًا لانتشار فكر تنظيم الدولة فيها ومن ثم فرعها «ولاية خراسان»، لذلك ثبت التنظيم الجديد أقدامه عبر وصول بعض مجموعاته المسلحة برفقة مقاتلين جدد انضموا إليه من دول آسيا الوسطى، بغية الاستقرار فى شمال أفغانستان لكنها لم تتمكن من السيطرة على هذه المناطق التى تبرز فيها جناح المعارضة الشمالية تاريخيًا، منذ تشكيلها على أيدى أحمد شاه مسعود ورفاقه الذين لم يرحبوا كثيرًا بالفرع الجديد لـ«داعش» فى مناطقهم. لهذا نجح «ولاية خراسان» بشكل أكبر فى المنطقة القبلية الباكستانية و«ولاية ننغرهار»، فضلًا عن بعض من مناطق «ولاية كونر»، حيث بدا أن انتشار الفكر السلفى فى شرق أفغانستان وفر حاضنة طبيعية ومثالية له كى يبدأ نشاطه المسلح، ضد الحكومة التى كانت قائمة حينئذ وحركة «طالبان» فى آن واحد. ولكليهما كان يحمل لهما التنظيم اتهامًا جاهزًا بالعمالة، الحكومة إلى التحالف الغربى بقيادة الولايات المتحدة، وطالبان لجهاز المخابرات الباكستانية الذى أسهم فى تأسيس الحركة قبلًا، وما زال يتعامل معه ويقوم بحمايته من أعداء كثر.

نفذ تنظيم «ولاية خراسان» وفق الإحصاءات شبه الرسمية فى عام ٢٠٢١؛ ما يتجاوز «٣٦٠ هجومًا إرهابيًا» فى أفغانستان وحدها، سقط فيها نحو «٢٢٠٠ ضحية» فى قفزة نوعية كبيرة عن عام واحد سبقه. ففى ٢٠٢٠ ذكرت ذات الإحصاءات أنه شن «٨٢ هجومًا إرهابيًا» تسبب فى سقوط «٨٣٠ ضحية»، وكما أشير سلفًا توزعت الهجمات ضد عناصر الحكومة وعناصر طالبان والأقل منهم ضد القوات الأمريكية قبل خروجها العام الماضى، وتعرضها لآخر العمليات الأخيرة للتنظيم بحقها الذى أسقط الجنود الذين وُضعوا لكشف الفاعلين، هذا الرقم الكبير من المكافأة المالية من أجل الوصول إلى الخلية التى نفذت الهجوم بشكل مباشر.

«ثناء الله غفارى» والمعروف أيضًا باسم شهاب المهاجر، هو الزعيم الحالى لتنظيم «ولاية خراسان»، وباعتباره المسئول عن كل عمليات التنظيم أعلن عن المكافأة الأمريكية السخية لمن يدلى بمعلومات تمكنهم من إلقاء القبض عليه. الخارجية الأمريكية التى تولت الإعلان وستقوم هى بسداد تلك المكافأة، ليس لديها الكثير من المعلومات عن هذا الزعيم سوى أنه تولى قيادة التنظيم اعتبارًا من يونيو ٢٠٢٠، وقد تمكنت وحدة الاستخبارات الأمريكية التى تواجدت صحبة القوات العسكرية قبل مغادرتها، من جمع بعض المعلومات الشحيحة عنه، على الأقل التأكد من أنه مكلف من قبل التنظيم الأم بالموافقة على كل عمليات تنظيم «داعش» فى أفغانستان، وتأمين التمويل اللازم لتنفيذها. وسبق أن أدرج اسم غفارى فى نوفمبر ٢٠٢٠ على القائمة السوداء الأمريكية للإرهابيين الأجانب، باعتباره قائدًا لتنظيم يمثل تهديدًا للمصالح الأمريكية ولأرواح حاملى الجنسية فى داخل أفغانستان والدول التى يشملها نطاق عمل التنظيم. فى طيات الأوراق الاستخبارية الأمريكية أيضًا أن اسمه «المهاجر» يوحى بأنه ينحدر من العالم العربى، دون تأكيد لذلك، لكن الأكثر اقترابًا أنه كان قياديًا ميدانيًا فى تنظيم «القاعدة»، أو عضوًا سابقًا فى «شبكة حقانى» القريبة من القاعدة. ويظل المؤكد الذى تصدقه الإحصاءات والوقائع على أرض الأحداث الأفغانية، أن وصوله إلى قيادة التنظيم، مثل قدرة أكبر للتنظيم على التهديد وعلى صناعة مسرح عمليات جديد يحتل فيه «ولاية خراسان» رقمًا صعبًا ومتقدمًا.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/18473/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M