نسخة طالبانية جديدة… دوافع وتداعيات نشأة “تحريك طالبان طاجيكستان”

منى قشطة

 

أنتجت الامتدادات الجغرافية بروافدها الاجتماعية والعرقية واللغوية والمذهبية والدينية والثقافية بين أفغانستان ودول الجوار جملة من الارتدادات على الأوضاع السياسية والأمنية، سواء على الجغرافيا الأفغانية أو على جغرافيا دول الجوار الإقليمي. ويمكن نمذجة نشأة حركة “تحريك طالبان طاجيكستان” كأحد الأمثلة على تلك الارتدادات المرتبطة بصعود حركة طالبان للحكم في أفغانستان مرة ثانية في أغسطس 2021.

فقد أعلن مقاتلو طالبان الطاجيك في أفغانستان في يوليو 2022 تأسيس “تحريك طالبان طاجيكستان” Tehriki Taliban Tajikistan(TTT)؛ بهدف الكفاح المسلح ضد الحكومة الطاجيكية بقيادة “مهدي أرسلان” وهو طاجيكي متشدد وزعيم جماعة أنصار الله المحظورة في طاجيكستان، وقد عينته طالبان مؤخرًا حاكمًا لخمس مناطق حدودية (كوف أب، كوهان، مايماي، نوساي، شكاي) في ولاية بدخشان على الحدود مع طاجيكستان، ولدية ما يزيد على 250 شخصًا يعملون تحت إمرته، وكان هؤلاء أعضاء سابقين في جماعة أنصار الله الطاجيكية الذين دعمتهم وساعدتهم حركة طالبان الأفغانية بعد توليها السلطة في أفغانستان، وقاموا بتأسيس نسخة طالبانية طاجيكية جديدة. وفي هذا الصدد، يناقش هذا الموضوع السياقات المحفزة لنشأة “تحريك طالبان طاجيكستان”، وتداعيات ذلك على الوضع الأمني في دول الجوار الأفغاني.

سياق مُحفز

تأتي نشأة “تحريك طالبان طاجيكستان” في سياق توتر العلاقات بين حكومة طالبان الجديدة والحكومة الطاجيكية؛ فبخلاف باقي دول الجوار، تبنت طاجيكستان لهجة أكثر حدة تجاه حركة طالبان بعد سيطرتها على الحكم في أغسطس 2021، فأدان رئيس طاجيكستان “إمام علي رحمون” نظام طالبان في كابول لفشله في تشكيل حكومة شاملة ولانتهاكه حقوق الإنسان في وادي بنجشير، وردت طالبان بتحذير طاجيكستان من التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان.

وقامت دوشانبي بتوفير ملاذات آمنة، وقدمت الدعم المادي والمعنوي للعديد من شخصيات المقاومة الأفغانية البارزة على رأسهم “أحمد مسعود” زعيم جبهة المقاومة الوطنية الذي تشير المعلومات إلى أنه يقيم حاليًا في طاجيكستان. ناهيك عن قيام دوشانبي بإجراء تدريبات عسكرية بالقرب من حدودها التي يبلغ طولها 1300 كيلومتر مع أفغانستان، إلى جانب قوات من أعضاء منظمة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا. وفي المقابل، نشرت طالبان ما يقدر بنحو 4000 مقاتل على طول حدودها مع آسيا الوسطى، ونشرت كذلك كتائب من المفجرين الانتحاريين المعروفين باسم عسكر المنصوري في مقاطعتي بدخشان وتخار بشمال شرق أفغانستان، مما زاد من القلق في طاجيكستان. وتعد المقاطعتان موطنان لمئات المسلحين من طاجيكستان وأوزبكستان ودول أخرى قاتلوا إلى جانب طالبان لسنوات عديدة. ويمكن إيعاز توتر العلاقات بين دوشانبي وكابول لمجموعة من الأسباب أهمها التالي: 

• أولًا: مخاوف طاجيكستان من انتقال التهديدات الأمنية إليها عبر حدودها الممتدة مع أفغانستان، والتي تتمثل في تدفق المخدرات غير المشروعة واللاجئين إلى البلاد، حيث تنتقل كميات كبيرة من الأفيون والهيروين من أفغانستان إلى أوروبا عبر طاجيكستان التي تشهد معدلات عالية من تعاطي المخدرات، إلى جانب تخوفها من تسلل المسلحين والعناصر الإرهابية عبر حدودها؛ فلسنوات عديدة قامت طالبان بإيواء ودمج أعضاء من جماعة أنصار الله في صفوفها، وهي جماعة طاجيكية متشددة تهدف إلى استبدال الحكومة في دوشانبي  وتأسيس نظام إسلامي على غرار نظام حكم طالبان.

وقد تأسست الجماعة في عام 2010 على يد “عمرو الدين طباروف” الذي كان قائدًا ميدانيًا للقوات المناهضة للحكومة خلال الحرب الأهلية في طاجيكستان (1992-1997)، وقتل على يد القوات الحكومية الأفغانية عام 2015. ومنذ نشأتها، كان لجماعة أنصار الله روابط مع جماعات مسلحة أخرى في باكستان وأفغانستان وعلى رأسها تنظيم القاعدة وحركة طالبان. وبعد ظهور تنظيم داعش، انضم عدد من عناصرها إلى التنظيم وانتقلوا للقتال في صفوفه بسوريا والعراق، في حين ظل عدد آخر من عناصرها على صلة وثيقة بطالبان، ومع شروع الأخيرة في تحقيق انتصارات في أفغانستان مع نهاية عام 2020، قاتل عناصر أنصار الله في صفوفها، وبعد وصول الحركة للحكم استقر أعضاء الجماعة في مناطق عديدة في ولاية بدخشان شمال شرق أفغانستان، وتصفهم التقارير بأنهم يقومون بدور “حرس حدود” طالبان في هذه المنطقة المتاخمة للحدود الأفغانية مع طاجيكستان.

• ثانيًا: بحكم كونها الموطن الرئيس للطاجيك، ولديها امتدادات عرقية وثقافية مع أفغانستان، تتجسد في وجود العرقية الطاجيكية التي تمثل ثاني أكبر عرقية في أفغانستان بعد عرقية البشتون؛ اهتمت دوشانبي بدعم الطاجيك الأفغان لضمان مشاركتهم بشكل أكبر في الحكومة التي تقودها طالبان، ولضمان عدم استهدافهم وتعرضهم للتعذيب من قبل الحركة، خصوصًا بعد توجيه العديد من الاتهامات للحركة لقيامها بارتكاب انتهاكات وجرائم حرب ضد الطاجيك المنضمين لجبهة المقاومة الشمالية، ومن ذلك، انتشار بعض المقاطع المصورة خلال شهر سبتمبر الماضي عن عمليات إعدام وجرائم ارتكبتها حركة طالبان بحق مجموعة من الأسرى التابعين للمقاومة في وادي بانشير.

وفي سياق آخر يتعلق بالداخل الطاجيكي، ترى تحليلات أن حكومة “إمام رحمون” ربما استخدمت ورقة القومية العرقية ولعب دور المدافع عن عموم الطاجيك لكسب دعم الشعب الطاجيكي، ومن ناحية أخرى، يمكن أن يكون هذا الجهد أيضًا خطوة استراتيجية لجذب المساعدات الدولية لطاجيكستان التي تضرر اقتصادها بشدة من جائحة كورونا.

ثالثًا: الخلاف بين طالبان وحكومة دوشانبي حول استعادة الطائرات الأفغانية الموجودة في طاجيكستان وأوزباكستان؛ ففي غير مره خلال العام الجاري صرح “الملا محمد يعقوب” نجل مؤسس طالبان “الملا عمر” ووزير الدفاع في حكومة طالبان الحالية بأن طالبان تريد الطائرات الحربية والمروحيات في طاجيكستان وأوزبكستان التي هربت من القوات الحكومية الأفغانية إلى هذين البلدين، فيما كانت طالبان تتحرك باتجاه كابول للسيطرة عليها”. وقد أظهرت المعلومات أن نحو 46 طائرة أفغانية على الأقل اندفعت إلى أوزبكستان في منتصف أغسطس 2021 عبر الحدود مع سقوط كابول، في حين هبطت 18 طائرة إضافية في طاجيكستان. وتتجدد مطالب طالبان بين الحين والآخر لاستعادة تلك الطائرات.

تداعيات خطرة

تنطوي نشأة “تحريك طالبان طاجيكستان” على جملة من التداعيات سواء بالنسبة لحكم حركة طالبان، أو الوضع الأمني في دول آسيا الوسطى، وذلك على النحو التالي:

• زعزعة ثقة دول الجوار الإقليمي في حكومة طالبان: فالتعاون الواضح بين طالبان وجماعة أنصار الله وسماحها بتشكيل “تحريك طالبان طاجيكستان” يناقض سرديات الحركة المتكررة الواردة على لسان مسؤوليها بأن نظامها في أفغانستان لا يوفر ملاذًا آمنًا للمقاتلين الأجانب، ولا يسمح بـأن تكون الجغرافيا الأفغانية بمثابة نقطة انطلاق للعديد من التهديدات الإرهابية إلى دول الجوار. ويتبدى نقض طالبان لتعهداتها بضمان أمن الحدود أيضًا في إيوائها للعديد من الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة، إلى جانب عناصر من حركة طالبان باكستان، وحركة تركستان الشرقية، وجماعة الجهاد الإسلامي، والحركة الإسلامية الأوزبكية، وجماعة عسكر الإسلام، وعسكر طيبة، وكتيبة الإمام البخاري، وغيرها من الجماعات التي تشير التقارير إلى أنها متحالفة بشكل وثيق مع طالبان، وساعدتها في السيطرة على البلاد من أجل إنشاء إمارة أفغانستان الإسلامية.

وعليه، ينبئ إنشاء “تحريك طالبان طاجيكستان” بأنه من الصعوبة بمكان الاعتماد على طالبان لضمان الأمن والاستقرار في أفغانستان ومنع انتقال التهديدات الإرهابية عبر حدودها، وهو ما قد يؤثر سلبًا على جهود الحركة لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي ونيل الشرعية الدولية الغائبة عنها حتى الآن.

• زيادة التهديدات الحدودية لطاجيكستان: تُزيد نشأة “تحريك طالبان طاجيكستان” من المخاوف الأمنية الحدودية لدوشانبي، والتي تأججت منذ نجاح حركة طالبان في السيطرة على أفغانستان، وقيام العديد من المواطنين الأفغان بالانتقال عبر الحدود إلى طاجيكستان، الأمر الذي عدته الأخيرة تهديدًا لأمنها القومي، وهو ما دفع الرئيس الطاجيكي “إمام رحمون” إلى المطالبة أكثر من مرة بإنشاء “حزام أمني” حول أفغانستان لمنع التوسع المحتمل للجماعات الإرهابية في المنطقة. وبعبارة أخرى، يمكن القول إن نشأة نسخة طالبانية طاجيكية يضع حكومة دوشانبي بين مطرقة التهديدات الأمنية التي تواجهها عبر حدودها الجنوبية مع أفغانستان، وسندان تلك التوترات الناجمة عن المواجهات العنيفة التي تصاعدت حدتها مؤخرًا بينها وبين قيرغيزستان عبر حدودها الشمالية.

• انتقال عدوى طالبان لدول آسيا الوسطى: يُعد الاستقرار في شمال أفغانستان أمرًا حيويًا للحفاظ على الأمن القومي لجيرانها الشماليين. ومع عجز طالبان عن فرض سيطرتها الكاملة على تلك المناطق في ظل نشاط المقاومة الشمالية المسلحة من جهة وتنامي نشاط تنظيم “داعش-خراسان” من جهة أخرى، قد تزداد التهديدات الأمنية التي تواجهها حكومات دول آسيا الوسطى المرتبطة بحدود طويلة مع أفغانستان، ولعل ظهور “تحريك طالبان طاجيكستان” قد يكون محفزًا لاستنساخ حركة طالبان جديدة في المستقبل المنظور تقترن بأسماء تلك الدول، خصوصًا وأن دول الجوار الأفغاني لديها امتدادات عرقية ومذهبية مع أفغانستان.

• تصاعد فرص استقطاب تنظيم داعش لعناصر جديدة: ربما تدفع نشأة “تحريك طالبان طاجيكستان” الفرع الخراساني لتنظيم داعش لزيادة منافسته المحتدمة مع حركة طالبان للسيطرة على الساحة الجهادية في أفغانستان ومنها إلى دول الجوار، ومن ثم تحقيق طموحاته التوسعية في المنطقة. وقد يكون من المفيد في هذا السياق الإشارة إلى أن “داعش-خراسان” اتسعت تمركزاتة الجغرافية منذ عودة طالبان للحكم لتشمل كافة الولايات الأفغانية تقريبًا، وبدأ في التخطيط لاستهداف طاجيكستان عبر تنظيم حملة دعائية جهادية باللغة الطاجيكية، استهدفت استقطاب المزيد من العناصر خصوصًا الشباب غير الراضين عن أداء الحكومة في دوشانبي، وهو ما أكده العديد من التقارير التي أفادت بأن التنظيم يحاول العثور على مجندين جدد بين الأقليات العرقية القاطنة في شمال أفغانستان بالقرب من الحدود الطاجيكية، ويتحدث علانيًة عن الإطاحة بالحكومة في طاجيكستان.

فعلى سبيل المثال، أظهر فيديو أصدره التنظيم في يوليو 2021 بعنوان “سلسلة صانعي المعارك الملحمية، أحد عناصر داعش في طاجيكستان وهو يهدد بشكل مباشر الرئيس “إمام رحمون” الذي وصفة بـ”الطاغوتي”. فضلًا عن قيام التنظيم باستخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل (تليجرام) في إنشاء قنوات دعائية للتنظيم باللغة الطاجيكية، ناهيك عن قيام التنظيم في مايو 2022 بإطلاق صواريخ من منطقة خواجة غار في ولاية تخار الأفغانية على مقر لجيش طاجيكستان بالقرب من الحدود.

ختامًا، يُمكن القول إن نشأة “تحريك طالبان طاجيكستان” يعزز من الاتهامات الموجهة لطالبان بأنها تأوي في كنفها العديد من التنظيمات الإرهابية، وتسمح بأن تكون أراضي أفغانستان بؤرة تنتقل منها التهديدات الإرهابية إلى دول المنطقة، وهي الاتهامات التي تصاعدت حدتها بعد أن أكدت عملية مقتل زعيم تنظيم القاعدة “أيمن الظواهري” في مطلع أغسطس 2022 في حي بالعاصمة كابول على أن الحركة حريصة على توفير ملاذات للقاعدة وعناصرها، وربما تكون نشأة حركة طالبان جديدة ذات طابع طاجيكي إنذارًا باحتمالية تأسيس حركات أخرى مماثلة تستهدف دول الجوار الإقليمي.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/73361/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M