نظرية الواقعية البنيوية في الدراسات الأمنية – دراسة لحالة الغزو الامريكي للعراق في 2003

اعداد : هبه نوفل الاعرجي – جامعة  المصطفى – العلوم السياسية/العلاقات الدولية – العراق

 

المـقــدمـــة:

سيظل العراق ولعقود قادمة مركز شدٍّ وجذبَّ دوليين للعديد من الأعتبارات والأسباب المتنوعة، منها السياسية والأقتصادي والجيواستراتيجية، ومنها الحضارية والثقافية. أذ شهد التاريخ السياسي للعراق الكثير من المتغيرات كانت نتيجة تداخل وتشابك المصالح الإقليمية والدولية في منطقة تعتبر من اشدِّ المناطق حساسية في العالم. ومن هذه الزاويا بالتحديد العامل الاقتصادي واخص به وجود النفط في العراق سعت الولايات المتحدة الأمريكيةالى تفعيل وتركيز مكوناتها السياسية والأقتصادية بأتجاه العراق بالتحديد سعيا لتسويق ما تعتبره أساسا لحضورها الدولي وأستمراريته.
إن أختيار العراق هدفاً، المقصود منه التطبيق الأمثل لقدرة النظام العالمي للتعامل مع الدولة المناوئة، ولا سيما تلك التي تقع في مراكز الثقل من العالم، أذ أنَّ العراق يشكل منطقة إستراتيجية مفصلية هامة تربط ما بين دول الخليج العربي وتركيا، وهو الأقرب إلى دول آسيا الوسطى، ويمثل الحدود البرية مع كل من إيران وسوريا, وهذا يعني أحتلال العراق يكمل حلقة السيطرة على الشرق الأقصى والأوسط، ويحد من أمتداد نفوذ كل من روسيا الأتحادية والصين، كما يحد من أنتشار المصالح الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط. إضافة إلى أنَّ موارد العراق، ويأتي في مقدمتها النفط الذي يمثل أكثر من 12% من حجم النفط العالمي، أذ يحتل نفط العراق المركز الثاني من حيث الأحتياطي العالمي بعد السعودية, والمخزون الحقيقي أعلى بكثير من الأرقام المتداولة، مع جودته العالية, وأحتمالات الأكتشاف الجديدة هائلة، مع قلة التكلفة الإنتاجية. والمحصلة النهائية تؤكد أنَّ السيطرة على العراق تعني التحكم فيما يقارب نحو ربع إجمالي أحتياطي النفط العالمي، ثمَّ أنَّ العراق بموقعه الأستراتيجي يجعل من يسيطر عليه، يسيطر على ثلثي الأحتياطي العالمي للنفط الذي يتركز في الخليج العربي. ولعلَّ ذلك يضمن للولايات المتحدة تحقيق أكثر من هدف جزئي في سياق أهدفها الأساسية التي تتركز في :
1. السيطرة على نفط العراق تقلل من أعتماد الولايات المتحدة الأمريكيةعلى النفط الخليجي.

  1. السيطرة على ثروة نفطية بهذا الكم تساعد على التحكّم في أسعار النفط والتصدير والأنتاج.
  2. التأثير بقوة في المصالح الاقتصادية للقوى الطامحة في لعب دور في النظام الدولي، عبر التحكّم في إمداداتها من النفط الخليجي. فالسيطرة على العراق تمثل الحلقة الأخطر في مخطط الهيمنة على مصادر الطاقة العالمية، عبر التأثير في الاقتصاد العالمي لعقود عديدة قادمة. ولهذا أولت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأبن، أهتماما لافتاً لملف القضية العراقية، وطرحت برنامج العقوبات الذكية بهدف تضييق الخناق عليه وأستنزاف قدراته وإمكاناته الأقتصادية. ففي مارس/ أبريل 2003م، قامت الولايات المتحدة وبالتعاون مع بريطانيا بغزو العراق بهدف فرض هيمنتها على دول المنطقة والسيطرة على مصادر النفط. نظراً للأهمية المتعددة الوجوه التي يحضى بها العراق الجيوستراتيجية والاقتصادية والسياسية تاتي مدخلاتها الاهتمام الامريكي بالعراق فالسيطرة عليه تعني السيطرة على مفصل جغرافي حيوي في المنطقة وما حولها والسيطرة على ثرواته لاسيما النفط تعني التحكم في متغير استراتيجي اقتصادي مؤثر في ترتيب هيكلية النظام الدولي بالاضافة الى الحاجة الاقتصادية الذاتية له كما أنَّ احتواء العراق تعني احتواء دوره السياسية الفاعل في المنطقة

أهمية البحث :

أن أهمية البحث تكمن في دور النفط في صياغة الأستراتيجية الأمريكيةتجاه العراق, وكيف أصبح النفط مسوغ أساسِ لغزوا العراق وأحتلالهُ, وما آلت اليه هذه الحرب في تغير النظام العراقي وتدمير البنى التحتية وتأثيرات هذه الحرب على منطقة الشرق الأوسط وتحقيق أهداف وغايات الولايات المتحدة الأمريكيةفي دعم أستراتيجيتها تجاه هذه المنطقة.
مشكلة البحث

تكمن مشكلة البحث في كون أنَّ الغزو الأمريكي للعراق، قد سهّل من عملية تحقيق أهداف كانت تسعى إليها الولايات المتحدة الى تحقيقها عن طريق موقع العراق الجيوستراتيجي من أجل الهيمنة والأستحواذ على نفط الخليج العربي والسيطرة الفعلية على منطقة الشرق الأوسط والتحكم عن قرب بأيران وسوريا لخدمة الحليف الأستراتيجي, إلا وهو (أسرائيل)

فرضية البحث :

يفترض البحث وجود نظرية مفادها : من يحتاج الى من؟ هل العراق كان بحاجة الى الحرب من أجل التخلص من النظام السابق وتحرير الشعب العراقي؟ أم أنَّ الولايات المتحدة الأمريكيةكانت محتاجة الى هذه الحرب لتحقيق أهداف وغايات ومساعي كانت تطمح الى تحقيقها عن طريق الحرب؟

هدف البحث

يهدف البحث الى معرفة مدى تاثير الحرب على العراق في وصول الولايات المتحدة الأمريكيةالى القمة في تحقيق اهدافها من خلال سيطرتها على العراق الذي يتمتع بالنفط كثروة هائلة وموقعه الجغرافي المتميز الذي يتيح للولايات المتحدة الأمريكيةأنَّ تحكم السيطرة على منطقة الشرق الأوسط من نواحي عدة وخصوصا بشان موضوع السلاح النووي الأيراني ودعم دور (أسرائيل) في المنطقة وتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير

اشكالية البحث

تتحدد المشكلة البحثية في هذه الدراسة من خلال تحليل الاستراتيجية الامريكية في المنطقة العربية وذلك بالتركيز علي حالتين هما التدخل الامريكي في العراق 3003 وموقفها تجاه ثورات الربيع العربي لبيان أهدافها وأدواتها ونتائج هذه السياسة في كل حالة منهما .

فرضية البحث

تنطلق البحث من فرضية مفادها من حقيقة اساسية وهو التطرق لمفاهيم وهي (مفهوم الاستراتيجية- مفهوم الثورة )وعلي الرغم من أن الغزو الامريكي للعراق مر عليه فتره ليست بالقصيره الا ان موضوع ثورات الربيع العربي والموقف الامريكي منها يعد موضوع حديث نسبيا والدراسات حول هذا الموضوع نادرة الي حد ما . 

المبحث الاول – تعريف النظرية البنيوية

الواقعية هي مدرسة نظرية في العلاقات الدولية، والواقعية كما وصفها جوناثان هاسلام، أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في جامعة كامبردج، “هي مجموعة من الأفكار التي تدور حول المقترحات المركزية الأربعة السياسة الجماعية، الأنانية، الفوضي والقوة السياسية” ، نظريات الواقعية السياسية نشأت من خلال أعمال توماس هوبز ونيكولو ميكافيلي، كنهج للعلاقات الدولية ،وقد كان التآصيل الحقيقي للنظرية من خلال هانز مورجانثو في كتابه السياسة بين الأمم حيث أرسى فيه أهم مقولات ومفاهيم الواقعية .[1][2][3]

    • نظرية الواقعية أو النظرية الواقعية هي إحدى النظريات السياسية التي تعني بتحليل السياسات الدولية أو السياسات الخارجية للدول
    • تعد الواقعية السياسية Political Realism أو الواقعية في السياسة الدولية – بمثابة رد فعل على تيار المثالية Idealism
  • كانت المثالية قد برزت بشكل ملحوظ كأحد الاتجاهات الفكرية لتحليل السياسات الدولية عقب الحرب العالمية الأولى (الفترة التي شهدت قيام عصبة الأمم) في بلورة المفاهيم الجديدة التي روج إليها المثاليون كمعايير لمدى توافق السياسات الخارجية للدول مع الأخلاق والسلوك المثالي المفترض أن ينتهجوه بما يتضمنه من أدوات لحل المنازعات والحد من الصراعات مثل الوساطة والمفاوضات والتحكيم والقضاء الدولي.
  • وبرغم قدم الأصول الفكرية للواقعية السياسية كما أوضحنا سابقاً، إلا أن نشأة المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية نشأة حديث نسبياً، حيث ترجع للفترة .

_____________

  1. فكرت نامق عبد الفتاح ، ” سياسة العراق الخارجية في المنطقة العربية 1953-1958 ” ، (بغداد :دار الرشيد للنشر ، 1981 ) ، ص82 .
  2. محمد رشيد الفيل ، ” الاهمية الاستراجية للخليج العربي ” ، ( الكويت : رابطة الاجتماعيين ، بلا)،ص19.

ففي هذه المرحلة تحول الاهتمام في دراسة العلاقات الدولية من إطارها القانوني إلى إطارها الواقعي بما تحمله من أبعاد متشابكة وما تعكسه من مصالح متناقضة وما تراعيه من موازين قوى.

  • وقد اعتمدت نظرية الواقعية على مفاهيم خاصة لفهم تعقيدات السياسة الدولية وتفسير السلوك الخارجي للدول، لعل أبرزها (الدولة، القوة، المصلحة، العقلانية، الفوضى الدولية، التقليل من دور المنظمات الدولية الاعتماد على الذات، هاجس الأمن والبقاء) وباتت تلك المفاهيم بمثابة مفاتيح اعتمدتها كل المقاربات الواقعية.
  • وقد مر تيار الواقعية في العلاقات الدولية بعدة تطورات وشهد كثير من المراجعات تبلور عنها عدة اتجاهات، بدايةً مما عرف بالواقعية التقليدية Classical Realism والتي عدلت لاحقاً بنهاية العقد السابع للقرن العشرين نتيجة للتحولات التي شهدتها بنية البيئة الدولية، فأضيفت إليها أطروحات جديدة في إطار ما عرف بالواقعية البنيوية Structural Realism. وفي ثمانينات القرن العشرين شهدت الواقعية تطوراً أخر في إطار ما عرف بالواقعية البنيوية الجديدة Neo- Structural Realism التي كشفت بدورها عن اتجاهين (هجومي Defensive Realism ودفاعي Offensive Realism) كما شهدت تلك الفترة اتجاهاً أخر وصف بالواقعية الكلاسيكية الجديدة .Neo-Classical Realismوقد حاولت الواقعية على اختلاف مسمياتها وأطروحاتها تقديم تفسيرات مقبولة لما تشهده العلاقات الدولية.

_____________

  • عبد علي المعموري ود.مالك دحام الجميلي, النفط والاحتلال في العراق, مركز حمورابي للبحوث والدراسات الأستراتيجية, الطبعة الأولى, 2011م, ص67.
  • نفس المنصدر ، ص87

الواقعية الجديدة (أو الواقعية البنيوية) هي نظرية في العلاقات الدولية تقول أن السلطة هي العامل الأكثر أهمية في العلاقات الدولية. ذكر ذلك مبدئياً كينيث والتز عام 1979 في كتابه نظرية السياسة الدولية.[1] تعتبر الواقعية الجديدة والتحريرية الجديدة أكثر النهج المعاصرة تأثيراً في العلاقات الدولية وهيمنت وجهات النظر الاثنتين هذه على نظرية العلاقات الدولية في العقود الثلاثة الماضية.[2] خرجت الواقعية الجديدة للنور من منهج أمريكا الشمالية في العلوم السياسية وأعادت صياغة تقاليد الواقعية الكلاسيكية لكلاً من إدوارد هاليت كار وهانز مورغنثاو وراينهولد نيبور. وكما هو الحال مع جميع النظريات فإن هناك العديد من الأشياء التي فشلت الواقعية الجديدة في توضيحها. في الحقيقة معظم أنواع سلوك الدولة وتقاعل الدولة لا يمكن أن تُعلل بشكل مفيد بواسطة نظرية والتز غير المكتملة.[3] الواقعية الجديدة تُقسم إلى واقعية جديدة دفاعية وواقعية جديدة هجومية .

الواقعية الجديدة هي انحراف إيديولوجي لما كتبه مورجينثاو عن الواقعية الكلاسيكية. شرحت الواقعية الكلاسيكية في الأصل مكائد السياسات الدولية بوصفها مرتكزة على الطبيعة البشرية، وبالتالي فإنها خاضعة لغرور وعواطف زعماء العالم.[4] يعتبر مفكرو الواقعية الجديدة بدلًا من ذلك أن القيود الهيكلية -وليس الاستراتيجية أو الأنانية أو الدوافع- هي ما سيحدد السلوك في العلاقات الدولية. ميّز جون ميرشيمر فروقات هامة بين نسخته من الواقعية الجديدة الهجومية ونسخة مورجينثاو في كتابه الذي حمل عنوان «مأساة سياسات القوى العظمى».

النظرية

تنص الواقعية الجديدة على أن طبيعة الهيكل الدولي تُحدد من خلال مبدئه الأساسي، وهو الفوضى،

________________

  1. شاهر أسماعيل الشاهر, أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بعد احداث 11-أيلول-2001م, منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب – وزارة الثقافة, دمشق, 2009م, ص 106-107.
  2. د.عبد علي المعموري ود.مالك دحام الجميلي, النفط والاحتلال في العراق, مركز حمورابي للبحوث والدراسات الأستراتيجية, الطبعة الأولى, 2011م, ص67.

ومن خلال توزيع القدرات (التي تقاس بعدد القوى العظمى داخل النظام الدولي). يعتبر المبدأ الأساسي الفوضوي للهيكلية الدولية لا مركزيًا، ما يعني أنه لا توجد سلطة مركزية رسمية وكل الدول المستقلة متساوية رسميًا في هذا النظام. تعمل هذه الدول وفقًا لمنطق الأنانية، ما يعني أن الدول تبحث عن مصلحتها الخاصة ولن تجعل هذه المصلحة خاضعة لمصالح الدول الأخرى.[5]

يُفترض أن ترغب الدول كحد أدنى بضمان بقائها إذ يُعد ذلك شرطًا أساسيًا لتحقيق الأهداف الأخرى. هذه القوة المحفزة للبقاء هي العامل الرئيسي الذي يؤثر على سلوكها ويضمن بدوره أن تطور الدول قدراتها العسكرية والهجومية من أجل التدخل الأجنبي وهو بمثابة وسيلة لزيادة قوتها النسبية. بسبب عدم قدرة الدول على الثقة بالنوايا المستقبلية للدول الأخرى، يوجد ضعف بالثقة بين هذه الدول يتطلب منها أن تكون مستعدة لمواجهة الخسائر النسبية للسلطة التي من الممكن أن تجعل الدول الأخرى تهدد بقاءها. يسمى هذا الافتقار إلى الثقة القائم على الشك بمعضلة الأمن.[5]

تعتبر الدول متشابهة من ناحية الاحتياجات ولكن ليس من ناحية قدرتها على تحقيقها. يحدد وضع الدول من ناحية إمكاناتها توزيع القدرات. يحدّ التوزيع الهيكلي للقدرات من التعاون بين الدول بسبب المخاوف من المكاسب النسبية التي تحققها الدول الأخرى، واحتمالية الاعتمادية على الدول الأخرى. تقيد رغبة كل دولة وقدرتها النسبية على تعظيم القوة النسبية بعضها بعضًا مُسببةً «توازن قوى» وهو ما يعطي العلاقات الدولية شكلها. إلى جانب أنه يؤدي إلى «معضلة الأمن» التي تواجهها جميع الدول. توجد طريقتان توازن الدول القوة من خلالهما هما: التوازن الداخلي والتوازن الخارجي. يحدث التوازن الداخلي عندما تطور الدول قدراتها من خلال زيادة نموها الاقتصادي و/ أو زيادة إنفاقها العسكري. يحدث التوازن الخارجي عندما تدخل الدول في تحالفات لتختبر قوة الدول والتحالفات الأقوى منها.[6]

______________

  1. فكرت نامق عبد الفتاح ، ” سياسة العراق الخارجية في المنطقة العربية 1953-1958 ” ، (بغداد :دار الرشيد للنشر ، 1981 ) ، ص82 .
  2. محمد رشيد الفيل ، ” الاهمية الاستراجية للخليج العربي ” ، ( الكويت : رابطة الاجتماعيين ، بلا)،ص19.

يؤكد الواقعيون الجدد على أنه يوجد بشكل أساسي ثلاثة أنظمة محتملة تتبع للتغيرات في توزيع القدرات، وتُحدد من خلال عدد القوى العظمى داخل النظام الدولي. يحوي النظام أحادي القطب قوة عظمى وحيدة، ويحوي النظام ثنائي القطب قوتين عظمتين، ويحتوي النظام متعدد الأقطاب على أكثر من قوتين عظمتين. يرى الواقعيون الجدد أن النظام ثنائي القطب أكثر استقرارًا (أقل عرضة لحرب القوى العظمى والتغيير المنهجي) من النظام متعدد الأقطاب لأن التوازن يمكن أن يتحقق فقط من خلال تحقيق التوازن الداخلي إذ لا توجد أيّ قوى عظمى إضافية كي تُشكَّل تحالفات.[7] توجد احتمالية أقل لحدوث تقديرات خاطئة بسبب وجود توازن داخلي فقط في النظام ثنائي الأقطاب -بدلًا من التوازن الخارجي- وبالتالي توجد احتمالية أقل لحرب القوى العظمى.[8] وهذا هو المفهوم النظري والمبسط.[9]

الواقعية الدفاعية.

أصبحت الواقعية البنيوية منقسمة إلى قسمين، واقعية هجومية وواقعية دفاعية، وذلك بعد نشر كتاب ميرشايمر الذي حمل عنوان «مأساة سياسات القوى العظمى» في عام 2001. تسمى صياغة والتز الأصلية للواقعية الجديدة أحيانًا بالواقعية الدفاعية، بينما يشار لتعديل ميرشيمر للنظرية بالواقعية الهجومية. يتفق كلا القسمين على أن بنيوية النظام هي ما يسبب تنافس الدول، لكن الواقعية الدفاعية تفترض أن معظم الدول تركز على الحفاظ على أمنها (أي تتخذ الدول الإجراءات الأمنية القصوى)، بينما تفترض الواقعية الهجومية أن جميع الدول تسعى للحصول على أكبر قدر ممكن من القوة (أي تتخذ الدول الإجراءات التي تعظّم قوتها).[10]

الواقعية الهجومية

تتباين الواقعية الهجومية التي طورها ميرشيمر من خلال كمية القوة التي ترغب بها الدول. يقترح ميرشيمر أن الدول تزيد قوتها النسبية في النهاية إلى الحد الأقصى بهدف الهيمنة الإقليمية.[10]

__________

  • المصدر السابق، ص77

بينما يتفق الواقعيون الجدد على أن بنية العلاقات الدولية هي الحافز الأساسي في السعي إلى الأمن، يوجد عدم اتفاق بين الباحثين من الواقعيين الجدد فيما إذا كانت الدول تهدف فقط إلى البقاء أم أنها تريد تعظيم قوتها النسبية. تمثل الأولى أفكار كينيث والتز، بينما تمثل الأخيرة أفكار جون ميرشمير والواقعية الهجومية. تتحدث النقاشات الأخرى عن مدى توازن الدول في مواجهة القوة (في نظرية والتز الأصلية عن الواقعية الجديدة أو الواقعية الكلاسيكية)، في مقابل مدى توازنها في مواجهة التهديدات (مثلما هو موضح في كتاب ستيفن والتز الذي يحمل عنوان «أصول التحالفات (1987)»، أو توازنها في مواجهة المصالح المتنافسة (مثلما هو موضح كتاب راندال شفيلير الذي يحمل عنوان «اختلالات التوازن القاتلة (1989.

في مدارس فكرية أخرى.

استنتج الواقعيون الجدد أنه بسبب أن الحرب هي أحد تأثيرات البنية الفوضوية للنظام الدولي، فمن المرجح أنها ستستمر في المستقبل. في الواقع، يناقش الواقعيون الجدد غالبًا أن المبدأ الأساسي للنظام الدولي لم يتغير بشكل أساسي كثيرًا منذ زمن ثوسيديديس حتى بداية الحرب النووية. يرى خبراء آخرون أن الرأي الذي مفاده أن السلام الدائم لا يمكن أن يتحقق هو وجهة نظر تشاؤمية جدًا في العلاقات الدولية. أحد التحديات الرئيسية لنظرية الواقعيين الجدد هي نظرية السلام الديمقراطي والأبحاث الداعمة لها، مثل كتاب «نيفر أت وور». يجيب الواقعيون الجدد على هذا التحدي من خلال الجدال بأن واضعي نظرية السلام الديمقراطي يميلون إلى اختيار تعريف الديمقراطية بشكل يحقق النتائج الملموسة المرغوبة. على سبيل المثال، لا تعتبر ألمانيا في عهد القيصر فيلهلم الثاني، وجمهورية الدومينيكان في عهد خوان بوش، وتشيلي في عهد سيلفادور أليندي

_______________

  1. شاهر أسماعيل الشاهر, أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بعد احداث 11-أيلول-2001م, منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب – وزارة الثقافة, دمشق, 2009م, ص 106-107.
  2. د.عبد علي المعموري ود.مالك دحام الجميلي, النفط والاحتلال في العراق, مركز حمورابي للبحوث والدراسات الأستراتيجية, الطبعة الأولى, 2011م, ص67.

«ديمقراطية بشكل صحيح» ولا تعد الصراعات حروبًا وفقًا لهؤلاء المنظرين. وعلاوة على ذلك، يزعم هؤلاء أن العديد من الحروب بين الدول الديمقراطية لم يجرِ تجنبها إلا لأسباب مغايرة لتلك التي تغطيها نظرية السلام الديمقراطية. علاوة على ذلك، يزعمون أنه جرى تجنب العديد من الحروب بين الدول الديمقراطية من خلال أسباب مختلفة عمّا تنص عليه نظرية السلام الدائم. [12]

يرى المؤيدون لنظرية السلام الديمقراطية أن انتشار الديمقراطية يساعد في تخفيف تأثيرات الفوضى. مع وجود ديمقراطية كافية في العالم، يعتقد بروس روسيت أنه «من الممكن جزئيًا استبدال المبادئ الواقعية (الفوضى، ومعضلة الأمن للدول) التي سيطرت على ممارستها منذ القرن السابع عشر على الأقل. يعتقد جون مولر أن ظروفًا أخرى وليس نشر الديمقراطية هو ما يحقق السلام والديمقراطية (القوة مثلًا). يشير كينيث والتز، متفقًا مع نقاش مولر، إلى أن «بعض الدول الديمقراطية الكبرى -بريطانيا في القرن التاسع عشر والولايات المتحدة في القرن العشرين- كانت من بين أقوى الدول في عصورها».[13][14][15]

أحد أبرز المدارس المتنافسة مع أفكار الواقعيين الجدد -بصرف النظر عن الليبرالية الجديدة- هي المدرسة البنائية التي يلاحَظ غالبًا أنها لا تتفق مع تركيز الواقعيين الجدد على القوة وتؤكد بدلًا من ذلك على التركيز على الأفكار والهوية باعتبارها نقطة توضيحية لمجريات العلاقات الدولية. في الآونة الأخيرة، دمجت مدرسة فكرية تدعى المدرسة الإنجليزية بين تقاليد الواقعية الجديدة والأسلوب البنائي في تحليل الأعراف الاجتماعية لتوفير مجال تحليل متزايد للعلاقات الدولية.

____________

  1. حامد ربيع, العراق ولعبة الامم حول تطور الوظيفة الدولية للعراق خلال الاعوام القادمة, منشورات الجمعية العراقية للعلوم السياسية, بغداد, كانون الثاني-1987م, ص40-41

المبحث الثاني – تطبيق النظرية البنيوية في العراق

يعد الموقع من أهم المقومات الجيو- أستراتيجية التي يعتمد عليها في تقويم قوة الدولة بسبب تأثيره الواضح على وضع الدولة الحالي ومستقبلها، رغم الأتجاه العام الذي يدعو إلى تقليل هذه الأهمية بسبب عوامل عديدة منها، التطور التقني الذي يكتنف عالم اليوم لأن الموقع الجغرافي ليس مجرد أرض تقل أهميتها بالتطور الحاصل في ميدان الأسلحة وقدرتها التدميرية بل يتكون من مجموعة عناصر ذات إبعاد إقليمية ودولية ويعد الموقع مورداً من موارد الثروة القومية وفي بعض الأحيان يكون رأس المال الوحيد للدولة.(1)

وترجع أهمية العراق لموقعه المميز وقدراته المادية والمعنوية, أذ أنَّ أهمية العراق الأستراتيجية تكمن في النفط والموقع الجيوبوليتكي والتكوين السكاني والعمق التاريخي, هذه العوامل تمنح العراق قيمة أستراتيجية كبرى, أذ حظي العراق بموقع جغرافي ذي أهمية أستراتيجية بالغة فهو يقع في القسم الجنوبي من قارة اسيا والقسم الشمالي الشرقي من الوطن العربي, فقد شكل هذا الموقع جسراً أرضياً يربط الخليج العربي بالبحر المتوسط عبر سوريا التي تعد مدخلاً للشرق الأوسط من جهة وبالبحر الأحمر عبر الأردن من جهة ثانية (2)

___________________

  • خطاب صكار العاني جغرافية العراق ارضا وسكانا وموارد اقتصادية الكتبة الوطنية بغداد 1990 ص9.
  • حسين ندا حسين الاهمية الاستراتيجية والنظام القانوني للطريق الملاحي البحري في الخليج العربي, دار الرشيد للنشر, بغداد, 1980م, ص 47.

وللعراق أطلالة بحرية على الخليج العربي يبلغ طولها ( 55,56كم ) من رأس البيشة إلى أم قصر، فإذا ما أخذنا بنظر الأعتبار هذه الإطلالة البحرية الضيقة والطبيعية الخاصة لمنافذ الخليج العربي، وخصوصاً مضيق هرمز الذي يتصف بالضيق مع إشراف إيران الشرقي عليه, يتبين لنا أنَّ العراق يعاني من ضيق المنافذ البحرية من خلال هذا الموقع، وعلى الرغم من ذلك فقد أستفاد العراق من هذا المنفذ في توسيع تبادله التجاري، وعلى الرغم من ضيق الإطلالة العراقية على الخليج العربي إلا أنها تكتسب أهمية من الناحية السوقية._(1)

أذ أنَّ أطلالته على الخليج العربي أعطته أهمية أستراتيجية وهذه الأهمية نابعة أساساً من الأهمية الأستراتيجية للخليج ذاته, أذ يتمتع الخليج العربي بمركز أستراتيجي مهم ودور أقتصادي متميز أضفى على الطريق الملاحي فيه أهمية خاصة, فالسيطرة على هذا الطريق تعني السيطرة على حركة الأساطيل العسكرية والتجارية ومن ثم السيطرة على الخليج, كما أنَّ وقف الملاحة فيه يعني من الناحية العملية وقف أمدادات النفط الى العالم وهذا يؤثر في اقتصاد الكثير من دول العالم بما فيها الدول الكبرى, ومن هنا يأتي أهتمام الدول بهذا الطريق الملاحي الأستراتيجي وضرورة المحافظة عليه (2)

أما في ما يخص الأهمية الأستراتيجية للعراق في المدرك الأستراتيجي الأمريكي, فنراها قد تزايدت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لكونه يتوسط القوس الممتد من وسط وشبه الجزيرة الأناضول حتى بحر العرب جنوب شبه الجزيرة العربية التي أرتكزت عليه الأستراتيجية الأمريكية لتربط بين منطقة الدفاع الأطلسي والتواجد في القرن الأفريقي من جهة, فضلا عن وقوعه في منطقة الأمتداد الجغرافي البري من منطقة القوقاز حتى مشارق المحيط الهندي,

________________

  • شاهر أسماعيل الشاهر, أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بعد احداث 11-أيلول-2001م, منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب – وزارة الثقافة, دمشق, 2009م, ص 106-107.
  • د.عبد علي المعموري ود.مالك دحام الجميلي, النفط والاحتلال في العراق, مركز حمورابي للبحوث والدراسات الأستراتيجية, الطبعة الأولى, 2011م, ص67.

أي أنه يتحكم في الارض التي تفصل الخليج العربي عن الأقليم الروسي من جهة اخرى, أضافة الى أنه يتمتع بموقع جغرافي أستراتيجي يقع على حدود مع أيران وتركيا وسوريا والأردن والسعودية والكويت أن الموقع الجغرافي المميز للعراق أعطاه أهمية أستراتيجية كبيرة ولهذا تزايد الأهتمام الأمريكي للعراق نظراً لأهميته الأستراتيجية المؤثرة على صعيدين الأقليمي والدولي على حد سواء, وتتضح هذه الأهمية من النواحي الآتية :- )4)

  1. 1. وقوع العراق على رأس الخليج العربي وعلى الطريق الأقصر الذي يربط البحر المتوسط بالمحيط الهندي.
  2. 2. يشكل الخليج العربي ووادي الفرات طريقاً سوقياً مهماً بامتداده إلى مواني البحر المتوسط.
  3. 3. يقع العراق على أقصر الطرق الجوية التي تربط بين غرب أوروبا وجنوبها من جهه وجنوب شرق أسيا واستراليا من جهه اخرى.
  4. 4. تعد بغداد مركزاً مهماً لملتقى الطرق البرية في الشرق الأوسط.
  5. 5. أنه دخل كمنطقة استراتيجية للولايات المتحدة الامريكيه لتامين أمدادات النفط لها ولحلفائها الاوربيين، فضلاًعن انه أصبح بمثابة منطقة وثوب ستستخدمها القوات الامريكيه للتحرك نحو وسط وشرق أسيا، بعد أنَّ بدأت تباشر عمليات تامين مصالحها بنفسها دون الاعتماد على حليف كما كانت تفعل في السابق بمناصرتها إسرائيل على مدى أكثر من نصف قرن منذ عام 1948م.
  6. 6. أنه يقع على منطقة الفصل بين الحضارات المختلفة العربية والفارسية والتركية والكردية ومن ثم فان قرب الولايات المتحدة من هذه الحضارات ومحاولة تحريك القوميات التي تنتمي لهذه الحضارات بما يخدم مصالحها جعلها ترجح أنَّ تكون قريبة من هذه المنطقة وتباشر هذه المصالح بنفسها دون الاعتماد على غيرها.

_______________

  • حامد ربيع, العراق ولعبة الامم حول تطور الوظيفة الدولية للعراق خلال الاعوام القادمة, منشورات الجمعية العراقية للعلوم السياسية, بغداد, كانون الثاني-1987م, ص40-41

وعلاوة على ذلك يمثل العراق الجهـة الشرقية لمشروع أسرائيل الكبرى المزعوم “من النيل الى الفرات” سواء كانت هـذه المساحة مطلوبة على نحو الأنتشار المباشر أو السيطرة العملية، وكونه يمثل عمـقاً استراتيجياً لدول جوار اسرائيل وكونه وسوريا وايران يمثلون قوس الفصل بين جناحي أنتشار قوات حلف الناتو, يمثل العراق أفضل موقع تستطيع القوات الأمريكيةأنَّ تنطلق منه الى أهـدافهـا دون أنَّ تقدم أية تنازلات فيما أذا أرادت من دول آخرى تقديم تسهيلات لوجستية لـهـا في حركتهـا. أنَّ موقع العراق مطلوب بشدة في مشروع الشرق الأوسط الكبير الممتد الى الهند كونه الفاعل الافضل على الشركاء في المنطقة كأسرائيل وتركيا.(1)

أكملت الولايات المتحدة بأحتلالها لموقع العراق الجغرافي الجدار الذي رسمته لمصالحها الذي يبدأ من منطقة الخليج العربي الغنية بالنفط وصولا الى تركيا و شمال أوروبا حيث قسمت بهذا الجدار العالم الى قسمين قسم يؤثر بشكل خطير في مستقبلهـا السياسي وهيمنتها على العالم وجعلته تحت سيطرتهـا بشكل أو بأخر والعراق جزء منه, وقسم آخر تتدخل فيه حسب مقتضيات مصلحتـهـا السياسية. أنَّ أهمية موقع العراق الجغرافي تصل الى مدى من يسيطر على هـذه الأرض تسهل عليه السيطرة على منطقة الجزيرة العربية ومن تكن له السيطرة على الجزيرة العربية يسيطر على منطقة الشرق الأوسط ومن ثم على العالم(2).

______________

  • حمد ثابت، النزعة الإمبراطورية الأمريكية وإعادة هيكلة الوطن العربي، شؤون عربية، العدد 123، 2005م، ص62.
  • شاهر أسماعيل الشاهر, أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بعد احداث 11-أيلول-2001م, منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب – وزارة الثقافة, دمشق, 2009م, ص 106-107.

2-مكانة النفط العراقي في السياسة الأمريكية

يمثل النفط احد المدركات الاساسية لحركة الاستراتيجية الأمريكيةفي التوجه ازاء العراق فالولايات المتحدة لديها المشروع الامبراطوري الذي يضمن لها الدور القيادي والمهيمن على المسرح الدولي وهي في سبيل تحقيق ذلك تدرك المنافسة العالمية من قبل دول اخرى تستند الى دائرة من عناصر القوة التي تمتلكها الادارة الأمريكية وهذه القوى تسعى الى الوصول الى مستواها أو التفوق عليها في الدى المتطور.(1)

وعلى الرغم من كل محاولات إدارة جورج بوش الأبن في التقليل من الأعتماد على النفط العربي وبخاصة الخليجي ، لكن الهدف تحوَّل من السعي لتقليل الأعتماد على النفط العربي، إلى أستهداف السيطرة على منابعه للتحكّم في تدفقه وتقدير وأسعاره. أذ أنَّ الأستغناء عن النفط العربي بشكل عام، والخليجي بشكل خاص، والعراقي بدرجة أخص، أمر مستحيل. أذ أنَّ معظم الأحتياجات ولمدى زمني غير قليل سوف تكون من منطقة الخليج العربي ولأكثر من سبب، فاكتشاف النفط وإنتاجه هناك أقل تكلفة من أي منطقة أخرى في العالم، ثمَّ أنَّ جودته عالية، ولا بديل مناسب، وقد جربت واشنطن الأستغناء تدريجيا عن وارداتها النفطية من الخليج، لكنها فشلت، وأدرك أركان الإدارات المتعاقبة قبل وصول جورج بوش الأبن، أنَّ الأعتماد على النفط الخليجي حقيقة لا يمكن تجاوزها. أمَّا البديل فيتمثل في السيطرة، والهيمنة على مصادر الطاقة يبدأ من الخليج، والحلقة الأخطر في ذلك المخطط تبدأ من العراق.(2)

____________

  • خليل العناني، دور النفط في الأزمة العراقية- الأمريكية، السياسة الدولية، العدد151، 2003م, ص39.
  • أحمد السيد النجار, المكاسب الاقتصادية الأمريكية المحتملة من وراء ضرب العراق، الأهرام، 18أكتوبر 2002، ص4.

وعليه وبسبب المنافسة بين الدول ويعد النفط احد العناصر المجسدة لمفهوم القوة في عالمنا المعاصر فان سيطرتها على النفط العراقي سيعطيها المجال الاوسع لتحديد كميات الانتاج وكميات التوريد واسعار النفط وبالتالي اكمال حلقة السيطرة على نفط الخليج العربي والذي بدوره سيجعل تطور الدول الاخرى ونموها الاقتصادي خاضعين بشكل غير مباشر للاشراف الامريكي.

هذه التحديات ادركتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ فترة طويلة, ولكي تضمن أستمرار تحكمها بالاسواق النفطية, صاغت الأستراتيجيات التي تستطيع سد احتياجاتها, فكان احتلال العراق والهيمنة على النفط السعودي والكويتي والأماراتي وقربها من ايران هي الركيزة الاساس في استراتيجيتها التي تضمن لها هيبة البقاء والسيطرة على العالم.

لذلك تركز أستراتيجية الولايات المتحدة على المتغير النفطي وتعارض اي خفض في حجم الانتاج النفطي, لأن هذا الخفض يؤثر على دينامية الاقتصاد الامريكي ويؤدي الى زيادة الأسعار التي من شأنها أنَّ تقود الى ركود الأقتصاد العالمي وهذا الركود يؤثر سلباً على الأستراتيجية النفطية للولايات المتحدة الأمريكية(1)

العراق كما هو معروف ثاني أحتياطي نفطي في العالم بعد المملكة العربية السعودية أذ يقدر بحوالي 115 مليار برميل من النفط وفق تقارير منظمة أوبك وهو ما يكفي 148 عاما على مستوى الأنتاج الحالي 2,48 مليون برميل وهو ما يمثل نسبة 10,7% من الاحتياطات العالمية كما هو معروف طبقا لأحصاءات منظمة أوبك, كما تتوزع الأحتياطات النفطية في العراق على اثنتي عشر مجافظة عراقية, تحتل البصرة نسبة 60% من هذه الاحتياطات وحوالي 10% في كركوك أما الباقي فتتوزع على بغداد, والعمارة, والناصرية, وصلاح الدين, وأربيل, والموصل, وواسط, وديالى, وكربلاء, والنجف (2)

______________

  • فكرت نامق عبد الفتاح ، ” سياسة العراق الخارجية في المنطقة العربية 1953-1958 ” ، (بغداد :دار الرشيد للنشر ، 1981 ) ، ص82 .
  • محمد رشيد الفيل ، ” الاهمية الاستراجية للخليج العربي ” ، ( الكويت : رابطة الاجتماعيين ، بلا)،ص19.

كما يرى بعض المختصين في شؤون النفط أنَّ أحتياطي النفط العراقي يتجاوز هذه الارقام بكثير, أذ ربما يتجاوز أحتياطي السعودية, وتشير نتائج الحفريات العميقة التي أجريت بصفة خاصة في منطقة الصحراء الغربية الى أنَّ المخزون النفطي الحقيقي للعراق أعلى بكثير من الأرقام المتداولة. أذ من المحتمل أنَّ تصل الى حوالي 250 مليار برميل نفط في العراق.(1)

و أنَّ أهم ما يميز الحقول النفطية العراقية أنها تكون متعددة المكامن في الحقل الواحد فهي تقع على اليابسة وغير عميقة ومعظمها كبير جدا ولا يحتوي على تركيبات جيولوجية معقدة وتعد كلفة الاستكشافات والتطوير منخفضة جدا في العراق, اذ أنَّ تكلفة استخراج برميل النفط في العراق تتراوح بين (2-5) دولارات , أضافة الى غزارة انتاج النفط في العراق وخصوصا في المنطقة الجنوبية ويعود ذلك الى الأسباب الاتية

1-     السمك العالي للمكامن النفطية ذات المسامية و النفاذية الجيدة.

2-     و جود الصخور المصدرية المولدة لليهدروكاربونات.

3-     وجود حوض جيوسنكلايني كبير ساعد على ترسيب العمود الطباقي و بسمك كبير والذي حافظ على المواد اليهدروكاربونية المتولدة من الفقدان.

4-     و وجود التركيب الجيولوجية الواسعة والمؤهلة لأستيعاب كميات ضخمة من البيهدروكاربونات.

5-     وجود المصائد النفطية التركيبية والطباقية المناسبة لتجمع و وقف هجرة النفط جحانبيا و عموديا.(2)

_______________

  • ابراهيم الشريف ، الشرق الاوسط ” ، ط1 ، (بغداد : منشورات وزارة الثقافة والارشاد ،1965، ص ص224- 225 . انظر ايضاً:
  • – مصطفى علوي ، “المكانة الاستراتيجية للعراق : القوة الشاملة للعراق في ضوء التطورات الراهنة” ، مجلة السياسة الدولية ، (القاهرة : مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام ) ع(135)، 2000 ، ص87 .

أن كل هذه المميزات التي يتحلى بها النفط العراقي من ضخافة في الاحتياط النفطي وسهولة في الأستخراج وقلة في التكلفة شكلت دافع قوي في أنَّ يحتل النفط العراقي مكانة مهمة في أستراتيجية الولايات المتحدة في خوض حربها ضد العراق, وهذا ما تجلى واضحا بعد خوضها للحرب, حيث تسارعت الشركات النفطية الخاضعة تحت الهيمنة الأمريكيةالى توقيع العقود مع العراق بشان موضوع استثمار النفط العراقي وأستغلاله لخدمة مصالحها ودعم أقتصادها.(1) وأن النفط هو أهم سلعة في العالم, فبدون النفط، ببساطة سيكون مجتمع اليوم الصناعي مستحيلاُ, فالبترول والغاز الطبيعي هما وقود محرك الرأسمالية الحديثة. أذ يُسهم البترول بشكل كبير في إجمالي الناتج المحلي، وفي إيرادات الدولة، وميزان المدفوعات، والصادرات الخارجية, كما يلعب البترول والغاز دورًا أساسيًا في إنشاء صناعات وخدمات أخرى مرتبطة بهما، لعل من أهمها الصناعات البتروكيماوية والكهرباء، وتحلية المياه والصناعات الثقيلة ذات الكثافة العالية في استهلاك الطاقة. فالنفط عماد الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي الولايات المتحدة ينام الناس ويصحون على أستهلاك البترول، حيث يبلغ نصيب المواطن الأمريكي من النفط عشرة أضعاف نظيره في أي بقعة من العالم، وحيث أنَّ سعر جالون البنزين يمثل لهم كل صباح اهتماماً يفوق أي أهتمام آخر بأحوال العالم. فالمواطن الأمريكي يختلف في أستهلاكه للطاقة عن غيره, فالمستهلك في اليابان يصرف نصف ما يصرفه الأمريكي في ذات القطاع وذات الحاجة وهذا يشرح الحاجة الأمريكيةالملحة للطاقة, كما أنَّ المستهلك الأمريكي لم يهتم للبدائل، فالسيارات تستهلك 14 مليون برميل يومياً وقود, وهذا رقم كبير جداً (2).

__________________

1- لونستين ، “حلف شمال الاطلنطي والدفاع عن الغرب ” ،ترجمة طلعت حسن ، ( القاهرة : مطبعة الرابطة  ،ج1 ، بلا) ، ص27  .  

(2) محمد السعيد ادريس ، ” النظام الاقليمي الخليجي ” ، ط1 ، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ، سلسلة اطروحة دكتوراه (34) ، شباط 2000 ) ، ص130 .

ولأهمية النفط في المدرك الأستراتيجي الأمريكي, لجأت الولايات المتحدة الأمريكيةالى تبني أستراتيجية نفطية مرتكزة على النقاط التالية :
1. أستمرار تدفق النفط رخيصاً إلى الأسواق العالمية، ويأتي ضمن هذا التوجه رفض أي تخفيض للإنتاج بهدف رفع الأسعار.
2. إضعاف منظمة أوابك ومنع قيام أي دور فعال للدول المنتجة.
3. تولي زمام القرار النفطي العالمي, وأستخدامه كأداة لفرض سيطرتها على العالم, ولتحقيق هذا الهدف، فإن ذلك يقتضي وضع النفط ضمن أولويات أمنها القومي, وبسبب أعتمادها على استيراد 60 % من احتياجاتها النفطية، فإنها يجب أنَّ تضع يدها مباشرة على منابع النفط الأساسية.
وعلى هذا الأساس فالأستراتيجية الأمريكيةربطت النفط بالمجال الأمني عبر تقوية الأقتصاد والتاكيد على تنع مصادره, اذ اعلن جورج بوش الابن عام 2002م (أن التنوع مهم ليس لامن الطاقة فحسب بل للامن القومي لان اعتمادنا على مصادر واحد للطاقة يجعلنا نتعرض الى انتكاسات وابتزاز). (1)ومن هنا رأى المفكر الامريكي هنري كسنجر مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأسبق, أنَّ خفض الأنتاج النفطي يعد تحديا للامن القومي الأمريكيوتشير تقديرات إدارة معلومات الطاقة المريكية الى أنَّ كل مليون برميل من النفط ينقطع عن السوق في اليوم, يؤدي ذلك الى أنخفاض في النتاج المحلي الأجمالي للولايات المتحدة الأمريكيةبنسبة تتراوح بين (0,3%-0,5%)(2)
_______________

  • احمد يوسف احمد ، ” العرب وتحديات النظام “الشرق اوسطي” مناقشة لبعض الابعاد السياسية ” ، مجلة المستقبل العربي ، (بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ) ، ع(179) ، 1994 ، ص54 .
  • جـيفري ريكورد ، ” قوة الانتشارالسريـع : التدخل الامريكي في الخليج “،(بيروت: مـركز دراسات الوحدة العربية ، 1983 )، ص3 .

3-الغزو والاحتلال منذ عام 2003

في الواقع ، لم تتضمن توجهات الادارة الامريكية ازاء العراق ، اي احتمالات لتسوية المشكلة القائمة بين الجانبين ، لكونها ظلت في اطار واحد هو تغيير النظام السياسي في العراق ، وادخال اصلاحات ديمقراطية ، سياسية ثقافية عليه بالمفهوم الامريكي ، التي شكلت بدورها حجج اساسية وراء القيام بعملية عسكرية ضده ، لانهاء مهمة كانت قد بدأت قبل  عشر سنيين ، خاصة مع وجود شخصيات مؤثرة ومتشددة في الادارة الامريكية امثال ( ريتشارد تشيني نائب الرئيس الامريكي ، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع ، وبوول وولفوفيتز نائب وزير الدفاع …) التي كانت تعتقد ان حملتها ضد الارهاب لابد ان يصاحبها تغيير في النظام السياسي العراقي . (1)

وحتى بعد صدور قرار مجلس الامن المرقم (1441) ، وعودة فرق التفتيش الى العراق ، استمرت الادارة الامريكية بالترويج للحرب من خلال المزيد من الحشود العسكرية في المنطقة ، فضلاً عن التصريحات المتشددة للادارة الامريكية ضد العراق نذكر منها تصريح نائب الرئيس الامريكي (ديك تشيني) في 27/أب عام 2002 امام مجلس المحاربيين القدماء في ناشفيل عندما اكد على ” ضرورة توجيه ضربة عسكرية للعراق في اسرع وقت ممكن لان الزمن ليس في صالحنا (…) فمخاطر عدم التدخل اكثر بكثير من مخاطر التدخل ” (2) .

_________________

  • مازن الرمضاني ، ” الدولتان العظميان والحرب العراقية – الايرانية ” (بغداد :منشورات الجمعية العراقية لعلوم السياسية ) ، ع(1) ، 1987 ، صص93-96 .                                    
  • فهد ابراهيم الدبيكل ، ” النزاع العراقي – الايراني وانعكاساته على السياسة الخارجية للبلدين ” ، (الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية ، 1985 )، ص ص123-125

أتاحت أحداث 11 أيلول / سبتمبر للمحافظين الجدد تحت إدارة جورج بوش الأبن، أنَّ تأخذ الولايات المتحدة الأمريكيةللسير في مسار جديد في النظام الدولي، وان القراءة الدقيقة لوثيقتي إستراتيجية الأمن القومي الأمريكيةالصادرتين في العامين 2002 و 2006 توضح العديد من الرؤى الإستراتيجية التي حاولت فرضها على العالم وأبرزها :(1)
1. اعتماد مبدأ “الحرب الوقائية” في التعامل مع الأخطار، بدلا من سياسة الردع النووي، والدفاع الذاتي (العراق نموذجآ), وتدويل “الحرب على الإرهاب” وجعلها في صلب الدبلوماسية الأمريكية، حيث تتحكم بمستوى العلاقات مع الدول الأخرى والمساعدات ودرجة التعاون الاقتصادي، إلى جانب المزج بين الحرب الوقائية والإرهاب (أفغانستان نموذجآ).

  1. فرض الهيمنة الاقتصادية من خلال التحكّم بمسار الطاقة والنفط على المستوى الدولي (محاولة الهيمنة على فنزويلا، السيطرة المطلقة على نفط الخليج، تطويق منابع النفط في بحر قزوين، احتلال العراق والسعي للإمساك بنفطه عبر الاتفاقية الأمنية).
    3. إعادة النظر في تركيبة مجلس الأمن ونظام عمل الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الكبرى، بما يؤدي إلى منح الولايات المتحدة سلطة “حق النقض” الخاصة بها، دون باقي الدول الأربع الكبرى التي تتمتع بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن.
    4. إعادة النظر في الخارطة الجيو- سياسية في الشرق الأوسط، بما يتيح تفكيك بعض الدول المركزية في الشرق الأوسط وتمكين دول الأطراف من لعب دور مركزي بحماية أمريكية في مواجهة الدول الرئيسة في النظام الإقليمي العربي، وتساهم تلك الصراعات التي تمَّ نقلها من مستوى منخفض إلى مستوى عالٍ في شلِّ عمل مؤسسات النظام الإقليمي العربي وبخاصة جامعة الدول العربية والمنظمات المتفرعة عنها لصالح البديل الأمريكي.(2)

_______________

  • اسماعيل صبري مقلد ، ” الصراع الامريكي – السوفيتي حول الشرق الاوسط : الابعاد الاقليمية والدولية ” ، ( الكويت :منشورات ذات السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع  ، 1986 ), ص514 .
  • عماد يوسف ، اروى الصباغ ، ” مستقبل السياسات الدولية تجاه الشرق الاوسط ” ، ط1 ، (عمان : دار البشير للنشر والتوزيع ، 1996)، ص66 .
  1. 5. الهيمنة على العراق وجعله نقطة الانطلاق المركزية في التحرك الإستراتيجي الأمريكي في الشرق الأوسط, في مقابل توقّع حالة من عدم الاستقرار في منطقة الخليج خلال عملية تفكيك بعض الدول وإعادة تركيب أنظمة حكم جديدة ( كما يحدث في لبنان والعراق والسودان ودول الربيع العربي).
    تفكيك بعض مؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية، التي تتعارض مع الأجندة الأمريكيةلصالح دعم مؤسسات وهيئات تتوافق مع الرؤية الأمريكيةتحت غطاء الليبرالية (نموذج ما يحصل في مصر والأردن ودول الخليج).
    7. إعادة النظر في تركيبة الحلف الأطلسي ومبدأ الشراكة مع أوروبا، بما يضمن للولايات المتحدة دورا مميزا في الحالة الأوروبية، ويتيح لها استخدام العامل الاقتصادي الأوروبي في تخفيف العبء الواقع عليها في المساعدات الخارجية، وبخاصة مناطق النزاع(1).
    8. الربط بين الخطط العسكرية والمنافع الاقتصادية التي تعود في الغالب لصالح شركات لها صلة بالبيت الأبيض ووزارة الدفاع خصوصآ، ما ادى الى جعل الحروب التي تشنّها إدارة بوش لها صلة وثيقة بأطماع بعض الشركات الكبرى لجني المال، ولا شك أنَّ طريقة توزيع العقود النفطية في العراق تعزز تلك الشكوك.
    أعلنت الولايات المتحدة الأمريكيةعن تشكيل تحالف دولي لمكافحة الإرهاب، رافقه تأييد دولي لتشكيله ، وقد تجاوبت الدول العربية مع هذا التحالف بالرغم من حساسية العالم الإسلامي إزاء مهاجمة دولة إسلامية (أفغانستان)، كان الهدف من وراء ذلك هو أصابع الاتهام الأمريكي للعرب لاشتراك مواطنين من الدول العربية في أحداث 11 أيلول / سبتمبر/2001م، وبدأت الولايات المتحدة الأمريكيةفي تطبيق إستراتيجيتها لمحاربة الإرهاب ضمن تحالف دولي وتأييد عالمي بالهجوم على أفغانستان، لاتهامها بإيواء منظمات إرهابية وبخاصة تنظيم القاعدة.(2) لكن سرعان ما تبيَّن لدول العالم أنَّ الهجوم على أفغانستان لم يكن سوى المحطة

______________

  • فهد ابراهيم الدبيكل ، ” النزاع العراقي – الايراني وانعكاساته على السياسة الخارجية للبلدين ” ، (الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية ، 1985 )، ص ص123-125.
  • نفس المصدر.

الأولى في طريق طويل، ربما سبق التخطيط له منذ فترة، وكانت أحداث 11 أيلول / سبتمبر/2001م إشارة للبدء فيه, وكانت المحطة التالية هي العراق بخاصة والخليج بعامة.(1)حيث بدأت الولايات المتحدة في تصعيد الأزمة العراقية على المستوى الدولي، واتجهت للأمم المتحدة لتوفير الشرعية الدولية بما يخدم مخططاتها، كما أعادت الولايات المتحدة، صياغة إستراتيجيتها العسكرية فيما عُرف باسم “الهيمنة الأمريكية” والتي تتحدد في خلق مستوى عال من التوتر يصل إلى مستوى الأزمة، والتي تؤدِّي بدورها إلى الصراع العسكري أنَّ لم يستجب الطرف الآخر لمطالبها ، فعملت على إصدار القرار الدولي (1441)، من مجلس الأمن في 8/تشرين الثاني/2002م، كما قامت بالضغط على مفتشي الأمم المتحدة لإدانة العراق، والتحرّك داخل مجلس الأمن للتأكيد على أنَّ العراق لم ينفِّذ القرار (1441). وعندما فشلت في إصدار قرار جديد يتيح لها ضرب العراق، تجاوزت الشرعية الدولية، وبدأت في الحرب في عام 2003م.
الاسباب التي أستخدمتها الولايات المتحدة كحجة لغزو العراق :(1)
1- اﻻعاء بامتﻼك العراق ﻷسلحة دمار شامل وسعيه لتطوير أسلحة بيولوجية وبناء برنـامج لمثل هذه الحرب وبأن العراق على وشك أن يصنع أول قنبلة نووية.
2- اتهام العراق برعاية اﻹرهاب وبأنه يخطط لتزويد المنظمات اﻹرهابيـة وخاصـة تنظـيم “القاعدة” بأسلحة دمار شامل يمكن أن تستخدم في تهديد اﻷمن العالمي بشكل عام وأمن الوﻻيات المتحدة بشكل خاص.
3- تهديد العراق لجيرانه كالكويت وإيران وسورية وتركيا.
إن الحجج الأمريكية المعلنة لإضفاء الشرعية على غزوها العراق واحتلاله هي حجج غير صحيحة، فكون العراق حسب ما تدعي الولايات المتحدة يملك أسلحة دمار شامل(2)

_____________

  • سعد ناجي جواد، منعم االعمار ،” الخليج العربي في عالم متغير:دراسة في معضلة الامن الخارجي وترتيباته”، مجلة السياسة الدولية ، (القاهرة:مركزالدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام)ع(125) ، 1996، ص43.
  • 2- مراد ابراهيم الدسوقي ، ” امن الخليج بين التوجه العربي والتوجه الخارجي ” ،مجلة السياسة الدولية ، (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام) ، ع(105) ، 1991 ، ص91

هو دليل غير مؤكد لأن جميع بعثات التفتيش الدولية التابعة للأمم المتحدة وفي أثناء عملها الطويل على الأراضي العراقية لم تؤكد وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وهذا ما ثبت فعلاً عندما لم تتمكن القوات الأمريكية من جراء وجودها هناك بعد الغزو أنَّ تجد أي دليل يثبت ذلك. وما من شك في أن للحرب اﻷمريكية على العراق واحتلاله في ربيع عام 2003 عدة أهداف متشابكة ومتداخلة بعضها ببعض على الصعيد السياسي واﻻقتصادي والعسكري ومعظـم هـذه اﻷهداف تلتقي مع اﻷهداف  اﻹسرائيلية في السيطرة على مقدرات الشرق اﻷوسط.  وهي: (1)
اولاً : السيطرة على نفط العراق : لكون العراق يملك أكبر مخزون احتياطي للنفط بعد السـعودية إذ من كـل اﻻحتياطـات تتراوح احتياطاته النفطية ما يقرب من 200 مليار برميل، أي ما يعادل 12% من الأحتياطي العالمي، أي باختصار يشكل النفط والسيطرة عليه أهم مصدر للطاقة للوﻻيات المتحدة على مـدى عشـرات السنين القادمة، كما يتيح لها الهيمنة على العراق وإضعاف نفوذ اﻷوبيك (OPEC) والـتحكم بأسـعار النفط، فضلاً عن أن حلفاء أمريكا مثل روسيا وغيرها سيضطرون لمفاوضة الولايات المتحدة من أجل الحصول على النفط. كذلك الصين واليابان يكونان بحاجة لعقد صفقات مع الوﻻيات المتحدة لشراء النفط العراقي, وعندئذ ﻻ-;- تكون الوﻻيات المتحدة أقوى قوة عسكرية في العالم فحسب بل تسيطر على أهم موارد العالم وتتحكم بأسعار النفط وأسواقه.

ثانياً : قيام أمريكا بإعادة رسم خريطة الشرق اﻷوسط : لتتﻼ ئم مع مصالحها الخاصة وتكون فيهـا إسرائيل حجر الزاوية, ففي سنة 1983، قدم المستشرق والمؤرخ اﻷمريكي اليهودي برنارد لويس مشروعاً إلى الكونغرس اﻷمريكي وافق عليه الكونغرس باﻹجماع  يقضي بتقسيم منطقة الشرق اﻷوسط كلها إلى دويلات(2)

________________

  • عبد الخالق عبدالله ، ” النفط والنظام الاقليمي الخليجي ” ، مجلة المستقبل العربي ، (بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية) ، ع(181) آذار 1994 ص5 .
  • جمال مصطفى،” الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط 1979– 2000 ” ، (اطروحة دكتوراه/ منشورة ، جامعة بغداد/كلية العلوم السياسية ،2001) ،ص28 .

بما فيها تركيـا وإيران وأفغانستان، وقد طرح جـورج بـوش اﻻ-;-بن هذا المشروع من جديد في آذار 2004 باسم الشرق اﻷوسط الكبير. وإن احتلال العراق ما هو إﻻالمفتاح الذي يفتح بوابة تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير.
ثالثاً : أستكمال بسط السيطرة العسكرية الأمريكية، والتي تمتد من آسيا الوسطى حتـى الخلـيج العربي وتهديد القوى الكبرى أو الناشئة مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية، وتهديـد دول أخـرى ﻻ تتماشى مع المشروع اﻷمريكي – الصهيوني في المنطقة كسورية ولبنان، والتلويح بورقـة الضـغط العسكرية اﻷمريكية عليها لتمرير مخططاتها في المنطقة العربية

رابعاً : الأستفادة من الحرب في إنعاش اﻻقتصاد اﻷمريكي الذي يعاني مـن الركـود والبطالـة وارتفاع نسب الفوائد، وللمحافظة على إنتاج مصانع اﻷ-;-سلحة وحماية الشركات الكبرى التي تعاني من الأنهيار، كما تغطي هذه الحرب على إخفاقات جهاز اﻷمن اﻷمريكي (1) الذي يعاني مـن مشكلات  الاتحاد السوفييتي السابق. إن مجمل هذه الأهداف السياسية والعسكرية والاقتصادية تصب في النهاية في إطار خدمة هدف أكبر وأكثر أهمية من المنظار الأستراتيجي الأمريكي، وهو تعزيز الهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية، وإضعاف دور الدول الأوروبية وروسيا واليابان والصين في الساحة الشرق أوسطية، وهو ما يضعف بالتالي من مكانتها الدولية. ويساعد ذلك بالضرورة على تمكين الولايات المتحدة من إدامة مكانتها كقوة عظمى وحيدة على الساحة الدولية لأطول فترة ممكنة مع محاولة إعاقة نمو أي قوى دولية أخرى منافسة وتطورها بكل الطرق الممكنة.(2)
_______________

  • مراد ابراهيم الدسوقي ، ” امن الخليج بين التوجه العربي والتوجه الخارجي ” ،مصدر سبق ذكره، ص91
  • جميل مطر ، ” استراتيجية اسرائيل الاقتصادية للشرق الاوسط ” ، ط1 ، (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، تموز 1995 ) ، ص199

4نتائج الاحتلال الأمريكي للعراق:

في إطار ما سبق، تظهر أهمية مناقشة تداعيات الغزو الأمريكي للعراق من جميع جوانبه، السياسية والاقتصادية، انعكاساته على الأوضاع في العراق، وذلك في ضوء الرؤية الاستراتيجية الأمريكية الواردة في نظرية بوش الأمنية، باعتبار أن عملية غزو العراق هي أهم تطبيقاتها وأدق اختباراتها.(1)

نتائج الغزو السياسية:

يتجلى الهدف الأمريكي السياسي من وراء غزو العراق بوضوح أكثر، وهو تسوية أرض المنطقة العربية وتمهيدها دون مقاومة أو ممانعة تعاند واشنطن في مرحلة ما بعد الحادي عشر من أيلول ٢٠٠١ وإيجاد “الشرق الأوسط الكبير”، هدفه تطبيع إسرائيل في المنطقة بعد فشل مشروع الشرق أوسطية بمعارضة قوية من سورية والعراق وإيران. وضرب العراق هو أو لا تعبير عن السخط وفراغ الصبر من عدم خضوع المنطقة كليًا للإرادة الأمريكية، وثانيًا حماية أمن إسرائيل ودعمها وتبرير سياساتها وتوفير التغطية الدبلوماسية لكل ما تقوم به هو الوجه الآخر للمصالح القومية الأمريكية  ولا شك في أن موقف العراق من القضية الفلسطينية كان داعمًا ومشرفًا، لذا كان الكيان الصهيون أكبر محرض على حرب العراق وباجتياح العراق واحتلال أرضه وإسقاط نظامه السياسي تكون أمريكا قد خطت خطوته الحاسمة نحو تفكيك الكيان العراقي (2)

______________

  • ديفيد ديوك: الصحوة – النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة، ترجمة إبراهيم الشهابي دار الفكر، . ط ١، دمشق ٢٠٠٢ ، ص ١٦٢
  • مصطفى بدر: الإعلام في الحرب على العراق في: النور، العدد ١٤٤ أيار ٢٠٠٣ ، ص ١٠٠

وحل الجيش والشرطة وإنهاء الدولة وإحداث فراغ سياسي فيه، وسماح قوات الاحتلال لعمليات السلب والنهب وإحراق الدوائر الحكومية والوزارات(ما عدا) وزارة النفط والمتاحف والمكتبات والجامعات تعني شيئًا واحدًا هو مصادرة الدولة وتحطيم الكيان السياسي للعراق واستنزافه ومنعه من النهوض بدوره القومي وتدمير كل هياكل الدولة (المؤسسات العلمية والثقافية). وتهدف الإدارة الأمريكية بمساعدة (الموساد) الإسرائيلي، الذي أقام قواعد له في العراق. أن تخلق حالة من التوجس والاحتقان بين فئات الشعب العراقي ودفعهم للاقتتال الداخلي وإشعال حرب طائفية بين العراقيين وتقسيمه إلى دويلات متنافرة ومتصارعة وغير قادرة على حماية نفسها وتعيش تحت الخطر المزعوم وهذا ما يجعلها دائمًا بحاجة لحماية أجنبية، ومن ثم يصبح الاحتلال الأجنبي في  العراق ضرورة ومطلبًا .( ٣٩ وبمناسبة مرور عام على الاحتلال أشارت تقديرات لمركز أبحاث مستقل إلى أن عدد المدنيين العراقيين الذين قضوا منذ الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق يتراوح بين / ٨٤٠٠ و ١٠٣٠٠ شخص ( (1)

على أن الأمر الذي يخفف تداعيات الغزو الأمريكي السياسية على العراق جاء من الوقفة الرائعة للشعب العراقي ومن قدرة النخب والناشطين على تمثيل القواسم المشتركة بين فئات الناس، في وعيهم بوطنهم ومصالحهم وعدم فقدان البوصلة في تحديد الأهداف ورفضهم الأمان للاحتلال ومطالبته بالرحيل، والقيام بأعمال المقاومة الشاملة ضد المحتلين في بغداد والفلوجة والرمادي وغيرهم.(2)

_____________

  • خالد الحروبتداعيات الغزو الأمريكي للعراق على خريطة القوى بالمنطقة فيشؤون عربية القاهرة العدد ٢٠٠٣ ،١١٣ ، ص ١٦

2-عبد الإله بلقزيزالمشروع الممتنعالتفتيت في الغزوة الكولونيالية للعراق فيالمستقبل العربي، )

العدد ٢٩١ أيار ٢٠٠٣ ، ص ٢٥

 

النتائج الاقتصادية للحرب:

تؤكد الحرب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة على العراق أن ثمة برنامجًا سياسيًا واقتصاديًا لدى اليمين المتطرف في الإدارة الأمريكية ولوبي الصناعة العسكرية، والشركات الاحتكارية الكبرى أرادوا تنفيذها، وبدأ باحتلال العراق والسيطرة على نفطه وتأمين منابعه وخطوط نقله وإمداداته. وكل ما يقال عن نشر ” الحرية والديمقراطية ” يفتقر إلى دليل حقيقي تظهره الممارسات اليومية لقوات الاحتلال الأمريكية في العراق، إذ استولت هذه القوات على جميع آبار النفط من أم قصر والفاو والبصرة جنوبًا حتى كركوك والموصل شمالا، وأمنت حراستها حراسة جيدة. كما سمحت بأعمال النهب والسرقة في كل الوزارات  والمنشآت الحكومية في العاصمة بغداد ما عدا وزارة النفط التي وضعت عليها حراسة مشددة منذ اليوم الأول للاحتلال، ودخل وزارة النفط العراقية في بغداد بحراسة  المدير السابق لشرطة نفط اكسون (Gray Vogler) الجنود الأمريكيين غراي فوغلر وصعد إلى الطابق الثالث وجلس على مكتب وزير النفط العراقي السابق عامر محمد رشيد، وأخذ يفتش وثائق وزارة النفط العراقية، وهو الآن المسؤول عن هذه الوزارة، وعلى عكس حرب الخليج الثانية عام ١٩٩١ بقيت منشآت النفط العراقية في حرب ٢٠٠٣ سليمة(1) وينوي الأمريكيون أن يوجهوا ضربة قوية لمنظمة أوبيك بأن يرفعوا سقف إنتاج النفط العراقي مستقب ً لا بعد الإصلاحات في منشآته إلى ٦ ملايين برميل نفط يوميًا، هذا الحلم قد راود السياسيين وأصحاب شركات النفط منذ أزمة النفط ١٩٧٣ في أعقاب حرب تشرين، بأن يكسروا تحكم أوبيك بالأسعار وأن يباع النفط في السوق الحرة وفق قانون(2) العرض والطلب، ولن تسمح الإدارة لأمريكية لمنظمة أوبيك باستبدال دولارها باليورو الأوروبي، وهي  لن تتوانى عن نسف هذه المنظمة من جذورها إذا اقتضى الموقف ذلك ومما لا شك فيه أن معظم ما تم تدميره في العراق لم يكن بسبب عسكري استراتيجي بل

____________

  • سكوت جونسون: الحلف غير المقدس، نيوزويك، الطبعة العربية العدد ١٥٧ ،حزيران ٢٠٠٣ . ص ١٧
  • نفس المصدر.

بهدف اقتصادي بحت وهو إعادة اعماره وتتسابق كبرى الشركات الأمريكية للحصول على عقود إعادة المرافق المهمة في العراق وإدارتها. وإن أرباحًا فلكية تحققت وذهبت إلى خزائن من يعرفون بأثرياء الحروب وفي مقدمتهم الرئيس جورج بوش شخصيًا إذ إنه كان مديرًا لشركة نفط سابقًا، وإلى شركات لوبي المجمع الصناعي العسكري وعلى رأسها شركات لوكهيد مارتن. ونائب الرئيس الأمريكي ديك ، تشيني كان رئيسًا لمجلس إدارة شركة هالبيرتون للخدمات النفطية من عام ١٩٩١ حتى عام ٢٠٠٠ في حين كانت مستشارة الأمن القومي كوندليزا رايس تشغل منصبًا إداريًا رفيعًا في شركة شيفرون النفطية لمدة ٩ سنوات، وإن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد شغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة جنرال انسترومنت وقبلها مجموعة شركات بكتل. وقد أناطت إدارة بوش بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مسؤولية إعمار العراق بعد احتلاله. وبدأت معركة العقود أو معارك البيزنس) وانكشف الأمر المستور عن حقيقته باحتكار مجموعتي هالبيرتون وبكتل لعملية إعادة الاعمار، فقد حصلت مجموعة هالبيرتون على عقود تصل إلى ٧ مليارات دولار خلال العامين الحالي والقادم، أبرزها عقود مبرمة

مع شركات كيلوغ براون اندروت التي كان تشيني مديرها التنفيذي، وتصل قيمتها قبل اندلاع الحرب مع سلاح الهندسة بقيمة ٧٥٠ مليون دولار لإصلاح آبار النفط وتشغيلها، وأبرمت عقود مع وزارة الدفاع بنحو ٤٥٠ مليون دولار لتقديم خدمات إمداد الجيش وتموينه في أثناء الحرب. أما المجموعة الثانية هي شركات بكتل ومديرها الحالي جورج شولتز (وزير خارجية في عهد ريغان) وله علاقات وثيقة مع رامسفيلد حصلت على عقود لاعادة البناء والبنى التحتية وإنشاء محطات كهرباء ومياه وطرق بقيمة ٦٨٠ مليون دولار أما العقود الأخرى ستعطى للدول الحليفة كبريطانيا وإسرائيل وأسبانيا واستراليا، ثم الشركات من الجنسيات الأخرى على حسب مواقفها من الحرب ولا يقتصر الضرر الاقتصادي الذي حل بالعراق على النفط فقط وإنما على الديون هذه المشكلة كبيرة .(2)

  • حسن الرشيد ، العراق ودور الاستعمار : الغد الامريكي في بلاد الرافدين ، صحيفة البيان ، 2003 . http://www.albayan-magazine.com.
  • عبد الناصر ناصردوافع شركات الإدارة الأمريكية وراء احتلال العراق فيأبيض وأسود، ٢٠٠٣ ،ص ٢٠ –٦– العدد ١٦ ،٤٥

الخاتمة :

سيظل العراق ولعقود قادمة مركز شدٍّ وجذبَّ دوليين للعديد من الأعتبارات والأسباب المتنوعة، منها الأقتصادي ومنها الجيواستراتيجي، ومنها الحضاري والثقافي. أذ شهد التاريخ السياسي للعراق الكثير من المتغيرات كانت نتيجة تداخل وتشابك المصالح الإقليمية والدولية في منطقة تعتبر من اشدِّ المناطق حساسية في العالم. فمن الناحية الأقتصادية يشكل العراق ثاني أحتياطي في العالم من النفط، والذي يُنظر إليه على أنه حجر الأساس لمكونات الأقتصاد العراقي، ومن هذه الزاوية بالتحديد سعت الولايات المتحدة الأمريكية الى تفعيل وتركيز مكوناتها السياسية والأقتصادية بأتجاه العراق بالتحديد سعيا لتسويق ما تعتبره أساسا لحضورها الدولي وأستمراريته.
وإذا كان الأقتصاد يُعد عصب السياسة الدولية، فإن العامل الجيواستراتيجي للعراق، لا يقل أهمية عن أي عامل مؤثر في عمليات الجذب الدولي تجاهها. وهذا ما فعلته الإدارة الأمريكية من الناحية العملية عند تنفيذها لعملية أحتلال العراق، إذ هدفت أن يكون العراق المرتكز الرئيس لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يمتد من المغرب العربي إلى اليابان والفيليبين وأندونيسيا، على أن يكون الخليج العربي قلب وعصب هذا المشروع من خلال التحكّم بالرئة التي يتنفس منها العالم وهو النفط. أذ لم تعد خريطة النفط و الآبار والإمدادات وتأمين الطرق، مسألة تقع ضمن أهتمام شركات صناعة النفط ودوائر التجارة والمال والأقتصاد خارج الإدارة وداخلها، بل بات النفط محل أهتمام دوائر الدفاع والأمن القومي والمخابرات والشؤون الخارجية، هكذا أصبح النفط شأناً مرتبطآ بالنفوذ الدولي، وقيادة النظام العالمي، ولم يعد مجرد أمر يتعلق بضمان الرفاهية للشعب الأميركي فقط, أذ أدركت الإدارة الأمريكية أن لا مفر من حكم العالم إلا عبر بوابة الخليج وهذا ما فعلته بأحتلالها للعراق.
وعلى الرغم من كل محاولات إدارة جورج بوش الأبن في التقليل من الأعتماد على النفط العربي وبخاصة الخليجي ، لكن الهدف تحوَّل من السعي لتقليل الأعتماد على النفط العربي، إلى أستهداف السيطرة على منابعه للتحكّم في تدفقه وتقدير وأسعاره. أذ إن الأستغناء عن النفط العربي بشكل عام، والخليجي بشكل خاص، والعراقي بدرجة أخص، أمر مستحيل. أذ أنَّ معظم الأحتياجات ولمدى زمني غير قليل سوف تكون من منطقة الخليج العربي ولأكثر من سبب، فاكتشاف النفط وإنتاجه هناك أقل تكلفة من أي منطقة أخرى في العالم، ثمَّ أنَّ جودته عالية، ولا بديل مناسب، وقد جربت واشنطن الأستغناء تدريجيا عن وارداتها النفطية من الخليج، لكنها فشلت، وأدرك أركان الإدارات

الاستنتاجات

المتعاقبة قبل وصول جورج بوش الأبن، أنَّ الأعتماد على النفط الخليجي حقيقة لا يمكن تجاوزها. أمَّا البديل فيتمثل في السيطرة، والهيمنة على مصادر الطاقة يبدأ من الخليج، والحلقة الأخطر في ذلك المخطط تبدأ من العراق.
ولهذا أولت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأبن، أهتماما لافتاً لملف القضية العراقية، وطرحت برنامج العقوبات الذكية بهدف تضييق الخناق عليه وأستنزاف قدراته وإمكاناته الأقتصادية. ففي مارس/ أبريل 2003م، قامت الولايات المتحدة وبالتعاون مع بريطانيا بغزو العراق في مارس/ أبريل 2003 بهدف فرض هيمنتها على دول المنطقة والسيطرة على مصادر النفط. إن أختيار العراق هدفاً، المقصود منه التطبيق الأمثل لقدرة النظام العالمي للتعامل مع الدولة المناوئة، ولا سيما تلك التي تقع في مراكز الثقل من العالم، أذ أنَّ العراق يشكل منطقة إستراتيجية مفصلية هامة تربط ما بين دول الخليج العربي وتركيا، وهو الأقرب إلى دول آسيا الوسطى، ويمثل الحدود البرية مع كل من إيران وسوريا, وهذا يعني أحتلال العراق يكمل حلقة السيطرة على الشرق الأقصى والأوسط، ويحد من أمتداد نفوذ كل من روسيا الأتحادية والصين، كما يحد من أنتشار المصالح الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط.
إضافة إلى أن موارد العراق، ويأتي في مقدمتها النفط الذي يمثل أكثر من 12% من حجم النفط العالمي، أذ يحتل نفط العراق المركز الثاني من حيث الأحتياطي العالمي بعد السعودية, والمخزون الحقيقي أعلى بكثير من الأرقام المتداولة، مع جودته العالية, وأحتمالات الأكتشاف الجديدة هائلة، مع قلة التكلفة الإنتاجية. والمحصلة النهائية تؤكد أن السيطرة على العراق تعني التحكم فيما يقارب نحو ربع إجمالي أحتياطي النفط العالمي، ثمَّ أنَّ العراق بموقعه الأستراتيجي يجعل من يسيطر عليه، يسيطر على ثلثي الأحتياطي العالمي للنفط الذي يتركز في الخليج العربي. ولعلَّ ذلك يضمن للولايات المتحدة تحقيق أكثر من هدف جزئي في سياق أهدفها الأساسية التي تتركز في :
1. السيطرة على نفط العراق تقلل من أعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على النفط الخليجي.

  1. السيطرة على ثروة نفطية بهذا الكم تساعد على التحكّم في أسعار النفط والتصدير والأنتاج.

اهم النتائج التي توصلت اليها الدراسة:-

لتوجه الانفرادي كان الملمح الاساسي لكثير من تصرفات السياسة الخارجية الامريكية رغم اعتراض القوي الكبري والراي العام العالمي .

– ان الانظمة العربية دابت علي تهميش مجتمعاتها ولا تسطيع ان تواجه تحديات التعددية والمشاركة السياسية .

– بعد احتلال العراق وجدت ادارة بوش نفسها امام خيارين هما اما التركيز علي العراق واعادة تشكيل النظام السياسي فيه او تحويل العراق الي قاعدة لنشر النفوذ الامريكي .

– لم تقتصر خطط ادارة بوش علي اعادة هيكلة منطقة الشرق الاوسط علي الشق السياسي فحسب بل بل وضعت تصورات لكيفية ربط الاقتصاديات الشرق اوسطية بالاقتصاد الامريكي .

– ان تبني الاستراتيجية الاستباقية الجديدة ربما يحسم احد الجدالات التي تركز علي ما اذا كانت القوة تشكل السياسة ام ادراك المخاطر والتهديدات يعظم من استخدام القوة وفي حالة ادارة بوش يشير الواقع الي بروز عامل ادراك التهديد كمشكل اهم للسياسة الخارجية الامريكية .

ان ان تحقيق الديمقراطية في يقين المحافظين الجدد قد يتم باستخدام وسائل عسكرية كما حدث في العراق وافغانستان وقد يتم بوسائل اخري غير عسكرية ولكن في النهاية الحرية بالمفهوم الامريكي هي المستقبل لكل الدول في المنطقة اي كان الاسلوب .

– ان الشرق اوسطية والشرق الاوسط الجديد ثم الشرق اوسط الكبير جميعها مشروعات تركز علي اسرائيل كقاعدة لتطويع المنطقة العربية باكملها وفي هذا المشروع تحديدا كان الهدف تعزيز التفوق الاسرائيلي علي الدول العربية .

– ان مشروع الشرق الاوسط الكبير اريد الالتفاف به حول القضية الرئيسية بالمنطقة وهي قضية الصراع العربي الاسرائيلي

المصادر :

  • أميرة محمد راكان العجمي ، مفهوم الاصلاح كمحدد للسياسة الخارجية الامريكية تجاه الشرق الاوسط خلال ادارتي جورج دبليو بوش ، رسلة ماجستير ، القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية .
  • عبد علي المعموري ود.مالك دحام الجميلي, النفط والاحتلال في العراق, مركز حمورابي للبحوث والدراسات الأستراتيجية, الطبعة الأولى, 2011م, ص67.
  • نفس المنصدر ، ص87
  • أماني عصام محمد عبد الحميد ، الاستراتجية الامريكية واعادة هيكلة النظام العربي ، رسالة ماجستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعوم السياسية ، 2010
  • فكرت نامق عبد الفتاح ، ” سياسة العراق الخارجية في المنطقة العربية 1953-1958 ” ، (بغداد :دار الرشيد للنشر ، 1981 ) ، ص82 .
  • محمد رشيد الفيل ، ” الاهمية الاستراجية للخليج العربي ” ، ( الكويت : رابطة الاجتماعيين ، بلا)،ص19.
  • شاهر أسماعيل الشاهر, أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بعد احداث 11-أيلول-2001م, منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب – وزارة الثقافة, دمشق, 2009م, ص 106-107.
  • د.عبد علي المعموري ود.مالك دحام الجميلي, النفط والاحتلال في العراق, مركز حمورابي للبحوث والدراسات الأستراتيجية, الطبعة الأولى, 2011م, ص67.
  • فكرت نامق عبد الفتاح ، ” سياسة العراق الخارجية في المنطقة العربية 1953-1958 ” ، (بغداد :دار الرشيد للنشر ، 1981 ) ، ص82 .
  • محمد رشيد الفيل ، ” الاهمية الاستراجية للخليج العربي ” ، ( الكويت : رابطة الاجتماعيين ، بلا)،ص19.
  • شاهر أسماعيل الشاهر, أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بعد احداث 11-أيلول-2001م, منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب – وزارة الثقافة, دمشق, 2009م, ص 106-107.
  • د.عبد علي المعموري ود.مالك دحام الجميلي, النفط والاحتلال في العراق, مركز حمورابي للبحوث والدراسات الأستراتيجية, الطبعة الأولى, 2011م, ص67.
  • حامد ربيع, العراق ولعبة الامم حول تطور الوظيفة الدولية للعراق خلال الاعوام القادمة, منشورات الجمعية العراقية للعلوم السياسية, بغداد, كانون الثاني-1987م, ص40-41
  • خطاب صكار العاني جغرافية العراق ارضا وسكانا وموارد اقتصادية الكتبة الوطنية بغداد 1990 ص9.
  • حسين ندا حسين الاهمية الاستراتيجية والنظام القانوني للطريق الملاحي البحري في الخليج العربي, دار الرشيد للنشر, بغداد, 1980م, ص 47.
  • حمد ثابت، النزعة الإمبراطورية الأمريكية وإعادة هيكلة الوطن العربي، شؤون عربية، العدد 123، 2005م، ص62.
  • شاهر أسماعيل الشاهر, أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بعد احداث 11-أيلول-2001م, منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب – وزارة الثقافة, دمشق, 2009م, ص 106-107.
  • خليل العناني، دور النفط في الأزمة العراقية- الأمريكية، السياسة الدولية، العدد151، 2003م, ص39.
  • أحمد السيد النجار, المكاسب الاقتصادية الأمريكية المحتملة من وراء ضرب العراق، الأهرام، 18أكتوبر 2002، ص4
  • ابراهيم الشريف ، الشرق الاوسط ” ، ط1 ، (بغداد : منشورات وزارة الثقافة والارشاد ،1965، ص ص224- 225 . انظر ايضاً:
  • – مصطفى علوي ، “المكانة الاستراتيجية للعراق : القوة الشاملة للعراق في ضوء التطورات الراهنة” ، مجلة السياسة الدولية ، (القاهرة : مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام ) ع(135)، 2000 ، ص87 .
  • – لونستين ، “حلف شمال الاطلنطي والدفاع عن الغرب ” ،ترجمة طلعت حسن ، ( القاهرة : مطبعة الرابطة ،ج1 ، بلا) ، ص27  .
  • (2) محمد السعيد ادريس ، ” النظام الاقليمي الخليجي ” ، ط1 ، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ، سلسلة اطروحة دكتوراه (34) ، شباط 2000 ) ، ص130 .
  • احمد يوسف احمد ، ” العرب وتحديات النظام “الشرق اوسطي” مناقشة لبعض الابعاد السياسية ” ، مجلة المستقبل العربي ، (بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ) ، ع(179) ، 1994 ، ص54 .
  • جـيفري ريكورد ، ” قوة الانتشارالسريـع : التدخل الامريكي في الخليج “،(بيروت: مـركز مازن الرمضاني ، ” الدولتان العظميان والحرب العراقية – الايرانية ” (بغداد :منشورات الجمعية العراقية لعلوم السياسية ) ، ع(1) ، 1987 ، صص93-96 .
  • فهد ابراهيم الدبيكل ، ” النزاع العراقي – الايراني وانعكاساته على السياسة الخارجية للبلدين ” ، (الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية ، 1985 )، ص ص123-125
  • دراسات الوحدة العربية ، 1983 )، ص3 .
  • اسماعيل صبري مقلد ، ” الصراع الامريكي – السوفيتي حول الشرق الاوسط : الابعاد الاقليمية والدولية ” ، ( الكويت :منشورات ذات السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع  ، 1986 ), ص514 .
  • عماد يوسف ، اروى الصباغ ، ” مستقبل السياسات الدولية تجاه الشرق الاوسط ” ، ط1 ، (عمان : دار البشير للنشر والتوزيع ، 1996)، ص66 .
  • فهد ابراهيم الدبيكل ، ” النزاع العراقي – الايراني وانعكاساته على السياسة الخارجية للبلدين ” ، (الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية ، 1985 )، ص ص123-125.
  • سعد ناجي جواد، منعم االعمار ،” الخليج العربي في عالم متغير:دراسة في معضلة الامن الخارجي وترتيباته”، مجلة السياسة الدولية ، (القاهرة:مركزالدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام)ع(125) ، 1996، ص43.        2- مراد ابراهيم الدسوقي ، ” امن الخليج بين التوجه العربي والتوجه الخارجي ” ،مجلة السياسة الدولية ، (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام) ، ع(105) ، 1991 ، ص91
  • عبد الخالق عبدالله ، ” النفط والنظام الاقليمي الخليجي ” ، مجلة المستقبل العربي ، (بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية) ، ع(181) آذار 1994 ص5 .
  • جمال مصطفى،” الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط 1979– 2000 ” ، (اطروحة دكتوراه/ منشورة ، جامعة بغداد/كلية العلوم السياسية ،2001) ،ص28 .
  • مراد ابراهيم الدسوقي ، ” امن الخليج بين التوجه العربي والتوجه الخارجي ” ،مصدر سبق ذكره، ص91
  • جميل مطر ، ” استراتيجية اسرائيل الاقتصادية للشرق الاوسط ” ، ط1 ، (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، تموز 1995 ) ، ص199
  • ديفيد ديوك: الصحوة – النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة، ترجمة إبراهيم الشهابي دار الفكر، . ط ١، دمشق ٢٠٠٢ ، ص ١٦٢
  • مصطفى بدر: الإعلام في الحرب على العراق في: النور، العدد ١٤٤ أيار ٢٠٠٣ ، ص ١٠٠
  • ديفيد ديوك: الصحوة – النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة، ترجمة إبراهيم الشهابي دار الفكر، . ط ١، دمشق ٢٠٠٢ ، ص ١٦٢
  • مصطفى بدر: الإعلام في الحرب على العراق في: النور، العدد ١٤٤ أيار ٢٠٠٣ ، ص ١٠٠
  • خالد الحروب: تداعيات الغزو الأمريكي للعراق على خريطة القوى بالمنطقة في: شؤون عربية القاهرة العدد ٢٠٠٣ ،١١٣ ، ص ١٦
  • عبد الإله بلقزيز: المشروع الممتنع: التفتيت في الغزوة الكولونيالية للعراق في: المستقبل العربي،. العدد ٢٩١ أيار ٢٠٠٣ ، ص ٢٥
  • سكوت جونسون: الحلف غير المقدس، نيوزويك، الطبعة العربية العدد ١٥٧ ،حزيران ٢٠٠٣ . ص ١٧
  • حسن الرشيد ، العراق ودور الاستعمار : الغد الامريكي في بلاد الرافدين ، صحيفة البيان ، 2003 . http://www.albayan-magazine.com.
  • عبد الناصر ناصر: دوافع شركات الإدارة الأمريكية وراء احتلال العراق في: أبيض وأسود، ٢٠٠٣ ،ص ٢٠ -٦- العدد ١٦ ،٤٥
.
رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M