قانون المحكمة الاتحادية والحفاظ على ثوابت الشريعة الإسلامية

بهاء النجار  

 

عندما أُقرّ الدستور العراقي عام 2005 وصوّت عليه أكثر من ثلثي الشعب العراقي كانت أهم فقرة فيه بالنسبة للإسلاميين هي الفقرة (أ) من البند (أولاً) من المادة (2) والتي تنص على ( لايجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام ) ، وجاء ذلك تتويجاً لجهود المرجعية الدينية التي قاتلت في سبيل أن تُقرّ هذه المادة كي تحافظ على جزء يسير من ثقافة الشعب العراقي الذي يشكل المسلمون أكثر من (95%) منه ، وكان بعض السياسيين ممن حُسبوا على الإسلاميين غير مهتم بإدراج هذه المادة في الدستور لسطحية رؤيته ولكونه يفكر في حدود ضيقة قد تكون حدود فكرية أو عقلية أو شخصية ، وربما كان بعض آخر من هؤلاء السياسيين المسمين أنفسهم (إسلاميين) يعارض في الصل سن مثل هذه الفقرة لأنها تعطي انطباعاً سيئاً عن الشعب العراقي صاحب الحضارات .
ولكن بعد إصرار المرجعيات الدينية بكافة توجهاتها الفكرية على سنّ هذه الفقرة بشكل أصبحت خطاً أحمراً على تمرير الدستور ، بحيث هددت بعض المرجعيات* بالتصويت ضد الدستور الذي يمكن رفضه من خلال رفض ثلثي ثلاث محافظات له ، إذ أن مثل هذه النسبة متحققة وموجودة تحت إمرة المرجعية ، فاضطر السياسيون من الإسلاميين وغيرهم الى إدراج هذه الفقرة خوفاً من عرقلة تمرير الدستور .
ولكن المهمة لم تنتهي كما يتصور البعض ، فمجرد إدراج فقرة في الدستور تمنع سن قانون يخالف الشريعة الإسلامية غير كافي ، فمن يضمن أن هذه الفقرة ستطبق على أرض الواقع ؟!   لا بد من أن تكون هناك آلية تضمن لنا ذلك ، وهذه الآلية تبدأ من المحكمة الاتحادية التي تنظر بدستورية القوانين المشرّعة ، فهذه المحكمة إذا لم تُشكَّل بطريقة تضمن لنا تطبيق هذه الفقرة الإستراتيجية فسوف تضيع جهود المرجعية الدينية وجهود الخيرين من السياسيين الإسلاميين .
وتشكيل المحكمة الاتحادية يكون من خلال القانون الخاص بها ، فالمحكمة الاتحادية الحالية ما زالت تعمل بقوانين شرّعها رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي الذي أعطته سلطة الائتلاف صلاحيات تنفيذية وتشريعية خلال فترة ولايته ، والقانون الحالي لا يصب في مصلحة الفقرة الإستراتيجية الخاصة بمنع سن قانون يخالف ثوابت الشريعة ، من هنا جاء دور السياسيين الإسلاميين الذين يجب أن يكونوا على وعي وحكمة بحيث يضعوا لنا طريقة تضمن تحقيق الفقرة (أ) من البند (أولاً) من المادة (2) ، لأن عدم إقرارها يعني ضياع جهود المرجعية ، وعند تشريع قانون المحكمة الاتحادية بشكل لا يضمن تطبيق تلك الفقرة فعندها لا بد من تدخل المرجعية الدينية بشكل مباشر ومن دون تردد .
وهنا تخطر خاطرة : إذا لم يكن للمرجعية ذراع سياسي يأتمر بأمرها وبأدق التفاصيل فإننا سنضطر الى أن نقبل بما يقبله السياسيون وبما يقتنعون به ، وبما أن السياسيين – ومنهم الإسلاميون – لا يمكن التعيول عليهم في مثل هذه الأمور ، والدليل أن إدراج هذه الفقرة جاء بضغط من المرجعية وليس بدافع منهم ، وهذا يعني أن المرجعية يجب أن تبادر وتضغط مرة أخرى مثلما ضغطت في المرة السابقة ، بل إن أهمية هذه المرة لا تقل عن أهمية المرة الأولى ، وبدون الضغط على السياسيين – الإسلاميين – بحيث يجُبروا على وضع طريقة لتشكيل المحكمة الاتحادية بحيث تضمن لنا تطبيق الفقرة المطروقة فإن خسارة الإسلاميين كبيرة جداً وسيكون موقف المرجعية موقفاً صعباً لأنها أوجبت التصويت على الدستور لوجود فقرة تضمن منع سن قانون يخالف ثوابت الشريعة السمحاء ولم تتخذ الإجراءات اللازمة لضمان تطبيقها على أرض الواقع ، فالغاية ليس هي إدراج فقرة بصورة شكلية وإنما تطبيق تلك الفقرة على أرض الواقع كي يستفيد منها الشعب والمجتمع ونرضي بذلك رب العالمين ، بالنتيجة فمن اللازم وجود متابعة مباشرة من قبل المرجعية أو أن يكون للمرجعية ثقاة من داخل البرلمان يقومون بإعداد آلية تضمن تطبيق الفقرة موضوع البحث على أرض الواقع .
وكنتيجة عرضية مما تقدم نستنتج أن المرجعية يجب أن تتدخل في دقائق الأمور السياسية لأن عدم تدخلها سيكون الحال كحال المحكمة الاتحادية المراد سن قانون لها ، أو أن تضع المرجعية الدينية آلية معينة أو ذراعاً سياسياً مرتبطاً بها ارتباطاً مباشراً ينفذ كل رؤاها وأفكارها وإستراتيجيتها أو على الأقل يدافع عن متبنياتها ويحافظ على المكاسب المتحققة بجهودها وحتى لا تترك للسياسيين مجالاً للصعود على أكتافها وسرقة أتعابها لغايات سياسية وحزبية وفئوية ، فأية دعوة من قبل المرجعية الدينية للأمة لتنفيذ أمر معين إذا لم توضع له آلية لتطبيقه (من الناحيتين النظرية والعملية) فسوف تكون دعوتها أما سطحية أو ربما الأسوأ سيتحقق وهو استغلال بعض الجهات السياسية المحلية والإقليمية والدولية هذه الدعوة لتجييرها لصالحها وضد الشعب والدين .
وبالتالي فإن البلد إما أن لا يستفيد من دعوة المرجعية الملئية بالعطف والأبوية – وهذا في أحسن الأحوال – أو أن أعداءنا من الداخل والخارج من المنافقين والمتملقين والعملاء يحوّل هذه الدعوة الرحيمة الى دعوة تتناغم مع أجنداتهم الخبيثة ، ولنا في ذلك شواهد ومنها مسألة (منع سن قانون يخالف ثوابت الشريعة) فمن حيث الظاهر فإن الدستور يحوي هذه الفقرة بحيث لا يستطيع أحد من الإسلاميين أن يدّعي عكس ذلك ولكن من حيث الواقع فإن المحكمة الاتحادية المسؤولة عن دستورية القوانين المشرّعة سوف لن تقف بوجه قانون يخالف الشريعة إذا لم تشكّل بطريقة تضمن لنا ذلك ، وسنرى مستقبلاً قانون يحرّم ارتداء الحجاب ومنع غلق الملاهي الليلية كما يحدث في تركيا .
هذه النتيجة العرضية التي توصلنا لها تثبت لنا ضرورة تدخل المرجعية في تفاصيل الحياة السياسية بشكل لا يمكن أن يستغلها طرف سياسي من هنا أو هناك حتى ممن يسمي نفسه (إسلامي) إذ لا بد أن ترتبط بها جهة سياسية إسلامية مصاغ عملها صياغة إسلامية وفق رؤية المرجعية نفسها تحقق ما تريده من أفكار ورؤى وآراء ، وبعكسه سنرى إسلاماً في الظاهر وكفراً في الباطن ولا يمكن حينها لأي أحد من الإسلاميين الاعتراض لأن ذلك أمر قانوني ودستوري مصوّت عليه من قبل الشعب وبرعاية المرجعية الدينية التي أوجبت التصويت عليه !!!

——————–
* وهو المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M