إنجازات مبكرة لمؤتمر المناخ “كوب 28”

شهدت الأيام الأولى من فاعليات مؤتمر الأطراف للأمم المتحدة للمناخ ” COP 28″ في الإمارات العربية المتحدة، بدايات مبشرة حول التوصل إلى حل فاعل في عدد من القضايا المناخية العالقة وعلى رأسها ” صندوق الخسائر والأضرار“، حيث اختتم اليوم الأول فاعلياته بالتوصل إلى اتفاق لتفعيل الصندوق الذي سيساعد البلدان النامية المعرضة بشكل خاص للآثار الضارة لتغير المناخ، والمعروفة في المفاوضات باسم “الخسائر والأضرار”.

تم الاتفاق على الصندوق لأول مرة خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP27) الذي عقد في مدينة شرم الشيخ المصرية، في اتفاق تاريخي وقع عليه وفود حوالي 200 دولة، لمساعدة الدول النامية المتضررة على التعامل مع الكوارث المناخية الناجمة عن انبعاثات الدول الغنية. وشهد اليوم الأول اتفاقًا على تفعيل الصندوق وتدفقات مالية من الدول المشاركة في الصندوق.

صندوق الخسائر والأضرار انتصار من اليوم الأول

ظل الصندوق متوقفًا على ما يقارب العام، إذ لم يتم إحراز تقدم يذكر في صندوق الخسائر والأضرار التاريخي خلال العام الماضي، بعد أن وقع ممثلون عن حوالي 200 دولة على الاتفاقية في ختام مؤتمر المناخ بشرم الشيخ ” COP27″. حتى توصلت اللجنة الانتقالية لمؤتمر الأطراف خلال اجتماعها الخامس الذي استضافته أبو ظبي في وقت سابق من شهر نوفمبر، من قبل رئاسة مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين إلى تفعيل الصندوق، واتفقت نحو 200 دولة على القواعد الأساسية لكيفية إدارة الصندوق، وانتخبت البنك الدولي كمضيف مؤقت للصندوق، ومن المتوقع أن يتم تشغيل الصندوق فعليًا في مطلع عام 2024.

وتعهدت الدول بتقديم تمويلات فاقت 400 مليون دولار لصالح صندوق الخسائر والأضرار من أجل دعم البلدان النامية في مواجهة تغير المناخ. إذ تعهدت دولة الإمارات العربية المتحدة – الدولة المضيفة للمؤتمر – وألمانيا بتقديم مبلغ 100 مليون دولار لكل منهما، فيما تعهد الاتحاد الأوروبي بـتقديم 145 مليون دولار. بينما تعهدت المملكة المتحدة بتقديم 76 مليون دولار، واليابان (10 ملايين دولار) والولايات المتحدة (17 مليون دولار)، وإسبانيا (21 مليون دولار).

كوارث مناخية متلاحقة

يأتي هذا الانتصار التاريخي لتفعيل صندوق الخسائر والأضرار في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين      “كوب 28” تزامنا مع تفاقم أزمة المناخ عالميًا، حيث شهد عام 2023 عدد كبير من الظواهر المناخية القاسية التي أثرت على عدد كبير من المناطق، وتسببت في خسائر بشرية واقتصادية هائلة. حيث يعتقد أن عام 2023 هو الأكثر حرارة على الإطلاق، بعد نوبات الحرارة غير المسبوقة التي اجتاحت عددًا كبيرًا من الدول ومن بينها الاتحاد الأوروبي والصين وتركيا واليونان، حتى اضطرت بعض الدول إلى إطلاق الإنذار الأحمر لارتفاع درجات الحرارة لأعلى من المعدلات الطبيعية، وبلوغها أرقامًا قياسية فاقت 50 درجة مئوية، واستمرت خلال شهري يوليو وأغسطس.

كما شهد شهر سبتمبر 2023، إعصار دانيال الذي ضرب اليونان وخلف فيضانات مدمرة أدت إلى مقتل الآلاف في ليبيا والعشرات في اليونان وبلغاريا وتركيا، كما واجهت عدة مناطق من الاتحاد الأوروبي وكندا موسم حرائق غابات غير مسبوق، استمرت خلالها الحرائق عدة أيام متواصلة في اليونان وإسبانيا وإيطاليا والجزائر وتونس والمغرب، وأدت إلى خسائر في الأرواح تقدر بالمئات. كما احترقت أجزاء من أمريكا الجنوبية بسبب درجات الحرارة القياسية، فضلًا عن تغير معدلات هطول الأمطار على بعض المناطق، حيث شهدت نيويورك أمطارًا غزيرة بشكل قياسي، وبلغ متوسط ​​درجات حرارة سطح البحر 20.92 درجة مئوية.

وتفاقمت حدة الزلازل وكانت الأقوى على الإطلاق، إذ ضرب غرب المغرب زلزال بقوة 6.8 ريختر في سبتمبر الماضي، مما أسفر عن خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وضرب مدينة قهرمان مرعش التركية في فبراير زلزال بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، وأثرت قوته على أجزاء من سوريا والعراق والأردن وجورجيا وأرمنيا ومصر، فيما حذرت التقارير الدولية المعنية بتغير المناخ بتوقعات حول اختفاء عدد من المدن الشهيرة جراء ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد منها (الإسكندرية – بيروت – البصرة).

مبادرات دولية لمواجهة تغير المناخ

تلاحقت المبادرات الخاصة بخفض الانبعاثات والتحول نحو الاقتصاد منخفض الكربون سواء على مستوى الحكومات، أو على مستوى الشركات العاملة في قطاع الوقود الأحفوري، فتم الإعلان في اليوم الثاني لمؤتمر المناخ الثامن والعشرين عن تدشين “نادي المناخ”، وهو نادٍ دولي لمساعدة الدول النامية على الاستثمار في إزالة الكربون عن الصناعات التي يصعب خفض الانبعاثات منها، مثل الصلب والإسمنت والألومنيوم. ويضم نادي المناخ 36 عضوًا حتى الآن، ويهدف إلى تسريع العمل لخفض كثافة ثاني أكسيد الكربون في منتجات وقطاعات بعينها.

كما تم الإعلان يوم السبت عن ميثاق خفض الانبعاثات في قطاعي النفط والغاز، وذلك في إطار ما أطلق عليه “المُسرِّع العالمي لخفض الانبعاثات”، والذي يشمل مجموعة من المبادرات تهدف لانتقال عادل ومنظم في قطاع الطاقة، من خلال ثلاثة محاور رئيسة وهي، تسريع بناء منظومة الطاقة المستقبلية، وتوسيع نطاق الاعتماد عليها – خفض انبعاثات منظومة الطاقة الحالية بشكل متزامن -، ودعم جهود التخفيف بشكل عاجل من خلال خفض انبعاثات غاز الميثان وغازات الدفيئة غير ثاني أكسيد الكربون.

وانطلقت أول مبادرة بشأن غاز الميثان الذي يعتبر أكثر الغازات ضررًا للبيئة بعد الانبعاثات الكربونية، حيث يمثل الميثان حوالي 50% من انبعاثات النفط والغاز، وعليه وقعت 50 شركة تمثل أكثر من 40 % من إنتاج النفط العالمي على «ميثاق خفض انبعاثات قطاع النفط والغاز»، والالتزام بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية من غاز الميثان ووقف حرق الغاز بحلول عام 2030، وتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، كما التزمت أكثر من 29 شركة نفط وطنية بالميثاق، وهو أكبر عدد على الإطلاق من شركات النفط الوطنية التي وقّعت على تعهد بالحد من الانبعاثات.

وأعلنت الإمارات عن إنشاء صندوق خاص “للحلول المناخية” بقيمة 30 مليار دولار على مستوى العالم، لسد فجوة التمويل المناخي وتيسير الحصول عليه بتكلفة مناسبة، حيث يهدف الصندوق إلى تحفيز جمع واستثمار 250 مليار دولار بحلول عام 2030.

وعلى الصعيد الآخر؛ هناك حالة جادة من الزخم حول المبادرات التي من شأنها تسريع العمل المناخي العالمي، وتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ 2015، فقد اتفق عدد كبير من الدول على اتفاقيات بشأن مضاعفة الاستثمارات في مشروعات الطاقة المتجددة إلى ثلاثة أضعاف، ومضاعفة إجراءات كفاءة الطاقة إلى الضعف بحلول عام 2030. كما اتفق عدد آخر من الدول على مبادرات تخص التصنيع الأخضر، وإزالة الكربون من الصناعة. ووافقت 27 دولة من خلال انضمامها إلى إعلان الإمارات للهيدروجين، على اعتماد معيار عالمي لإصدار الشهادات والاعتراف بخطط إصدار الشهادات الحالية لإنتاج الهيدروجين، ما يسهم في تعزيز فرص التجارة العالمية المتعلقة بالهيدروجين منخفض الانبعاثات. ناهيك عن إعطاء الأولوية لقطاع الزراعة والأمن الغذائي ضمن مسارات العمل المناخي والحفاظ على التنوع البيولوجي.

ختامًا، لا زالت فاعليات مؤتمر الأطراف للأمم المتحدة المعني بتغير المناخ مستمرة، ونأمل مزيدًا من الاتفاقات والنجاحات التي ستسهم في خفض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني قبيل منتصف القرن، مع التزامات أكثر جدية من الدول المتقدمة تجاه الكوكب.

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/80102/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M