التزوُّد بالأمن في زمن المخاطر: إمكانات الاستراتيجية الأوروبية الجديدة للصناعات الدفاعية وحدودها

  • فرضت الحرب الأوكرانية على الاتحاد الأوروبي تطوير برنامجه الدفاعي، من أجل تحقيق قدر أكبر من الاستقلال الاستراتيجي عن الولايات المتحدة الأمريكية، المورد الدفاعي الأساسي للقارة.
  • تُشكِّل الاستراتيجية الأوروبية الجديدة للصناعات الدفاعية، المعلنة في مارس 2024، أول استراتيجية صناعية دفاعية على مستوى الاتحاد الأوروبي، لدعم القدرة التنافسية والإنتاجية والسيادية لصناعة الدفاع الأوروبية.
  • تضم الاستراتيجية الجديدة حُزمةً من التدابير والتشريعات والأدوات، يقع في قلبها برنامج صناعة الدفاع الأوروبي الجديد، المُخصَّص لدعم القدرة التنافسية لصناعة الدفاع الأوروبية؛ وكذلك “مرفق الأسهم الدفاعية”، المُخصَّص لدعم الاستثمار في التقنيات.
  • تواجه الاستراتيجية الصناعية الدفاعية الأوروبية، عدة تحديات أساسية، أهمها: مدى قدرة جميع الدول على الالتزام بتنفيذها؛ وضعف الموارد المالية المرصودة لها، وعدم اليقين بشأن تمويلها المستقبلي؛ والفوارق الإنتاجية والتقنية بين دول الاتحاد الأوروبي، وفوارق التسعير بين السوق الداخلية والعالمية.

 

في 5 مارس 2024، قدَّمت المفوضية الأوروبية أول استراتيجية صناعية دفاعية أوروبية على مستوى الاتحاد الأوروبي، تضمّ حزمة من التدابير الجديدة لدعم القدرة التنافسية والإنتاجية والسيادية، لصناعة الدفاع الأوروبية. ولا تهدف هذه الاستراتيجية فقط لتمكين الدول الأعضاء من إعادة الإمداد، والحصول على معدات دفاعية جديدة في سياق جيوسياسي، هو الأشد توتراً منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن أيضاً تعزيز مكانة الاتحاد الأوروبي كمُزوِّد لتكنولوجيا الأمن والدفاع على المدى الطويل، وقد تقود إلى تحول جيو-اقتصادي جذري في سوق الدفاع الأوروبي والعالمي.

 

السياق

خلال إلقائها لخطاب حالة الاتحاد في سبتمبر 2023، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن قُرب تقديم النسخة النهائية من الاستراتيجية الأوروبية الجديدة للصناعات الدفاعية. لكن الحاجة لهذه الاستراتيجية ولدت فعلياً في اليوم التالي لدخول القوات الروسية إلى أوكرانيا في فبراير 2022. فقد شكَّل هذا الحدث صدمةً للأوروبيين، ونهايةً لنموذج التعايش الحذر مع الروس، الذي بدأ عقب نهاية الاتحاد السوفياتي. وضمن هذا النموذج من التعايش القائم على تبادل المصالح، تخلى الأوروبيون عن اليقظة الدفاعية. لكن الحرب الأوكرانية، أعادت إلى قلب النقاش الأوروبي نقد السياسات الدفاعية – الوطنية أو الاتحادية – القائمة. فقد ذكَّر الصراع في أوكرانيا الدول الأعضاء بالحاجة الملحة إلى وجود صناعة دفاعية قادرة على التعامل مع صراع شديد الحدة وطويل الأمد. وبعد سنوات من التخفيضات في ميزانيات الدفاع، والقرارات التي تهدف إلى الحد من اقتناء المعدات العسكرية، فهم الاتحاد الأوروبي خطورة هذا المسلك.

 

وقد بدا التحول في سلوك الاستهلاك الدفاعي الأوروبي واضحاً منذ بداية الحرب في أوكرانيا، حيث ارتفع الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء في الاتحاد بشكل كبير، سيما الدول المتاخمة لروسيا. فقد خصصت عشر دول ما لا يقل عن 2% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع في عام 2023، من بينها بولندا (3.9 %)، واليونان (3%)، وإستونيا (2.7%)، وفنلندا، وليتوانيا (2.5%). وبعد ذلك تأتي المجر، ورومانيا (2.4 %)، ولاتفيا (2.3%)، وقبرص، وسلوفاكيا (2%). فيما حققت فرنسا -صاحبة الجيش الأضخم بين الجيوش السبعة والعشرين -تقريباً الهدف الذي حدده حلف شمال الأطلسي (الناتو)، باستثمار 2% من الناتج المحلي الإجمالي في الإنفاق العسكري (1.9%)، وتُخطِّط لتجاوزه في 2024. وباستثناء قبرص، تنتمي جميع هذه الدول إلى حلف الناتو، وبالتالي فهي الدولة الوحيدة، من بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والمنضوية أيضاً في حلف الناتو، التي احترمت هدف الحلف المتمثل في تخصيص ما يعادل 2% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني السنوي للإنفاق العسكري. ومع ذلك، لا تزال الفجوات في هذا المجال كبيرة في أوروبا، حيث أنفقت أربع دول في الاتحاد أقل من 1% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع في عام 2022، وهي: النمسا، ولوكسمبورغ، ومالطا، وإيرلندا. أما الأخيرة، وهي ليست عضواً في حلف الناتو مثل النمسا ومالطا، فقد خصصت أقل حصة بين الدول الأعضاء (0.3% من الناتج المحلي الإجمالي).

 

ويطرح هذا المؤشر المرتبط بحلف الناتو، دافعاً ثانياً، إلى جانب الصراع في أوكرانيا، وهو محدودية القدرة السيادية الدفاعية الأوروبية، وارتباط دفاع الاتحاد وأمنه بحلف الناتو، وعملياً بالولايات المتحدة الأمريكية. فقد هدَّد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في عام 2017، دول الحلف التي لا تستجيب لهذا السقف من الإنفاق، مما طرح بشكل قوي في ذلك الوقت مسألة اعتماد أوروبا على أمريكا في المجال الدفاعي. وقد عاد الرئيس السابق والمرشح الجمهوري المحتمل للبيت الأبيض في انتخابات نوفمبر المقبل للتلويح بهذا التهديد، مُشيراً إلى أنه في حال انتخابه، لن يقدم المساعدة في حالة وقوع هجوم على دول الناتو التي لا تستثمر ما لا يقل عن 2% من ميزانيتها، في الإنفاق العسكري، مُستهدفاً بذلك العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

 

هذا فضلاً عن الضعف السيادي الدفاعي في قطاع المشتريات والإنتاج، فالتحدي الأكبر اليوم بالنسبة للأوروبيين، هو الحصول على المعدات الأوروبية، وهو ما ليس متاحاً حالياً. ففي عام 2022، تم استيراد ما يقرب من 80% من الأسلحة التي اشترتها الدول الأوروبية من دول تقع خارج حدود الاتحاد، بما في ذلك ما يقرب من الثلثين (63%) من الولايات المتحدة. كما أن 68% من مشتريات الأسلحة التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي لصالح أوكرانيا تتم عبر الشركات الأمريكية. فمنذ اندلاع الحرب، خصَّص الاتحاد الأوروبي في البداية 5.6 مليار يورو من المساعدات العسكرية للمساعدات العسكرية في إطار مرفق السلام الأوروبي، لكن السقف تضاعف منذ ذلك الحين وزاد إلى 12 مليار يورو. وعلى نحو عام، فإن حوالي 55% من واردات الدول الأوروبية من الأسلحة خلال الفترة 2019-2023 جاءت من الولايات المتحدة، مقارنة بـ 35% في الفترة 2014-2018، وهو ما يشكل نقطة ضعف أساسية في الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي.  إلى جانب الضعف الواضح في التعاون الدفاعي والمشتريات المشتركة؛ فبين عامي 2021 و2022، كانت 18% فقط من مشتريات الأسلحة التي قامت بها الدول الأوروبية نتيجة برامج نُفِّذت في إطار التعاون الأوروبي.

 

لذلك، يأتي تقديم الاستراتيجية الأوروبية الجديدة للصناعات الدفاعية، في سياق جيوسياسي متحول، أساسه الحرب في أوكرانيا، ومدى قدرة الأوروبيين على تأمين حدودهم، ومواصلة دعمهم لكييف. وكذلك في ظل عدم اليقين بشأن طبيعة الإدارة الأمريكية المقبلة، في ظل مؤشرات قوية على إمكانية عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وموقفه الواضح والجذري من العلاقات عبر الأطلسية، اقتصادياً ودفاعياً. والعامل الثالث، هو قُرب الانتخابات الأوروبية، وانتهاء ولاية القادة الأوروبيين التنفيذيين، في ظل مؤشرات على صعود قوي لليمين المتطرف، الذي يحمل موقفاً سلبياً تجاه السياسات الوحدوية، ولديه نزوع حمائي في مجالي الاقتصاد والدفاع.

 

ارتفع الإنفاق الدفاعي لدول الاتحاد الأوروبي بشكل كبير منذ بداية الحرب الأوكرانية (Shutterstock)

 

مضمون الاستراتيجية وأهدافها

يكمن الهدف الأساسي للاستراتيجية الدفاعية الجديدة – وفقاً للمفوضية الأوروبية – في أنها توفر رؤية واضحة وطويلة المدى لما يجب القيام به لمواصلة إعداد صناعة الدفاع في الاتحاد الأوروبي. وقد رفدتها المفوضية بطرح أول أداة أساسية لتنفيذها، وهي اقتراح تشريعي لإنشاء برنامج صناعة الدفاع الأوروبي (SIDP)، وإطار من التدابير لضمان توافر المنتجات الدفاعية وتوريدها في الوقت المناسب. وتُشخِّص الاستراتيجية التحديات الحالية التي تواجه القاعدة الصناعية والتكنولوجية الدفاعية الأوروبية (EDTIB)، والفرص المتاحة لاستغلال إمكاناتها بالكامل، والاتجاه المتوقع للعقد المقبل.

 

وتُحدِّد الاستراتيجية مجموعة من التدابير التي تهدف إلى تمكين الدول الأعضاء من التعبير عن طلبها للدفاع الجماعي بشكل أكثر فعالية، من خلال الاعتماد على أدوات ومبادرات من قبيل: مثل خطة تنمية القدرات (CDP)، والمراجعة السنوية المنسقة للدفاع (EACD)، والتعاون المنظم الدائم (CSP). وفي هذا السياق، ستُشجَّع الدول الأعضاء على التعاون خلال مرحلة اكتساب القدرات الدفاعية، وضمان توافر جميع المنتجات الدفاعية من طريق تحسين قدرة الاستراتيجية على الاستجابة للاحتياجات مهما كانت الظروف والمواعيد النهائية. وسيدعم الاتحاد الاستثمارات التي تقوم بها الدول الأعضاء وصناعة الدفاع الأوروبية لتطوير التقنيات والقدرات الدفاعية وتقديمها إلى السوق، الأمر الذي سيعزز أمن الإمدادات في الاتحاد. وكذلك التأكد من قيام الدول الأعضاء والاتحاد بتخصيص موارد الميزانية اللازمة لتكييف صناعة الدفاع الأوروبية مع السياق الأمني الجديد، ودمج ثقافة الاستعداد الدفاعي بشكل كامل في السياسات، بما في ذلك الدعوة إلى مراجعة سياسة الإقراض التي ينتهجها بنك الاستثمار الأوروبي، وتعزيز العلاقات مع أوكرانيا من خلال إشراكها في مبادرات صناعة الدفاع في الاتحاد، وتقوية التعاون بين الاتحاد والصناعات الدفاعية الأوكرانية؛ والتعاون مع حلف الناتو والشركاء الاستراتيجيين الدوليين الغربيين أساساً.

 

وتُحدِّد الاستراتيجية المؤشرات التي ينبغي استخدامها لقياس التقدُّم الذي أحرزته الدول الأعضاء في تعزيز جاهزية صناعاتها، من خلال وضع سقوف ضرورية تتضمن: الحصول على ما لا يقل عن 40% من المعدات الدفاعية بشكل تعاوني بحلول عام 2030؛ والتأكد من أن قيمة التجارة الدفاعية داخل الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2030، تُمثِّل ما لا يقل عن 35% من قيمة سوق الدفاع في الاتحاد؛ وزيادة مشتريات الدول الأعضاء من المعدات الدفاعية بشكل منتظم داخل الاتحاد، بحيث يُنفَق ما لا يقل عن 50% من الميزانية المخصصة لها في الاتحاد بحلول عام 2030، و60% بحلول عام 2035.

 

ويُمثِّل برنامج صناعة الدفاع الأوروبي الجديد (EDIP)، الرافعة الأساسية لهذه الاستراتيجية الدفاعية، بوصفه مبادرة تشريعية تسعى من خلالها المفوضية إلى سد الفجوة بين تدابير الطوارئ قصيرة المدى، المعتمدة في عام 2023 والتي تنتهي في عام 2025، ونهج أكثر هيكلية وأطول أجلاً في صناعة الدفاع، من المحتمل أن يضمن استمرارية الدعم المقدم للقاعدة الصناعية والتكنولوجية الدفاعية الأوروبية، من أجل دعم تكيفها السريع مع الواقع الجديد. ويهدف البرنامج، أولاً، تعزيز التعاون بين المؤسسات والدول الأعضاء في تطوير المنتجات أو التقنيات الدفاعية. وثانياً، دعم القدرة التنافسية لصناعة الدفاع الأوروبية في السوق الداخلية، والسوق العالمية. وثالثاً، دعم وتعزيز التعاون عبر الحدود بين المؤسسات، بما في ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في جميع أنحاء الاتحاد. وأخيراً، تعزيز التعاون مع أوكرانيا بشأن إنعاش وإعادة إعمار وتحديث صناعتها الدفاعية؛ وسيُخصَّص لذلك دعمٌ مالي بحوالي 1.5 مليار يورو يُقدَّم من ميزانية الاتحاد الأوروبي بين عامي 2025 و2027.

 

واستبقت المفوضية الاستراتيجية بوضع مجموعة من الأدوات والصناديق التي ستكون إحدى وسائل تنفيذها، بدءاً من تمويل الأبحاث وحتى مضاعفة إنتاج الذخيرة؛ من بينها صندوق الدفاع الأوروبي (EDF)،بقيمة 8 مليارات يورو، لتمويل البحث والتطوير التعاوني بين 2021 و2027. ولتشجيع الصناعات على زيادة وتيرة الإنتاج للحفاظ على شحنات الذخيرة والصواريخ من أوروبا إلى أوكرانيا، اقترحت المفوضية الأوروبية قانون دعم إنتاج الذخيرة (ASAP) في مايو 2023. وبما أن المخطط ممول بأموال الاتحاد الأوروبي، فإنه يهدف أيضاً إلى تحفيز صناعات الاتحاد الأوروبي على العمل معاً لتعزيز القاعدة الصناعية الأوروبية، عبر تحديد الاختناقات المحتملة في سلسلة التوريد، والاستفادة من خطوط الإنتاج المتاحة. وقال مفوض السوق الداخلية تييري بريتون، المسؤول عن الدفاع، إن الصناعة الأوروبية يمكن أن تنتج 1.4 مليون طلقة ذخيرة سنوياً بنهاية عام 2024، بفضل هذه الخطة.

 

على مستوى المشتريات، بدأ الاتحاد العمل على تحفيز الشراء المشترك للأسلحة، من خلال قانون المشتريات المشتركة (EDIRPA) بعد بدء الحرب الأوكرانية. وأصدِرَ القانون، الذي اُعتُمِدَ في مايو 2022 بتمويل قدره 300 مليون يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي، في البداية بوصفهِ حلاً عاجلاً لتجديد مخزونات دول الاتحاد الأوروبي بعد أن تبرعت بمبالغ كبيرة لكييف في الحرب ضد روسيا، ومن ثمّ منحها المزيد من الفسحة لمواصلة الحرب. ووفقاً للاقتراح، الذي تبلغ قيمته 500 مليون يورو، تشترك دول الاتحاد في شراء الأسلحة، وتتحمل ميزانية الاتحاد الأوروبي النفقات الإضافية المرتبطة بالتكاليف الإدارية للتعاون.

 

يحاول الأوروبيون تحقيق قدر أكبر من الاستقلال الاستراتيجي عن الولايات المتحدة، المورد الدفاعي الأساسي للقارة (AFP)

 

أما على المستوى المالي والإداري، فتسعى المفوضية إلى تنفيذ الاستراتيجية المقترحة من طريق أدوات تشريعية وإدارية ومالية موجودة حالياً ضمن لوائح الاتحاد، مثل الإطار التنظيمي الذي يسمح للطلبات الدفاعية ذات الأولوية، والإعفاء من ضريبة القيمة المضافة للدول الأعضاء التي تقوم بالشراء بشكل مشترك في أوروبا. وكذلك من طريق البحث عن موارد جديدة، ومقترحات تشريعية جديدة. وقد كشف مفوض السوق الداخلية، تييري بريتون، عن أن المفوضية يمكن أن تؤدي دوراً في إزالة المخاطر عن استثمارات الشركات في الإنتاج وزيادة العمليات لجعل عمليات الإنتاج والمشتريات أسرع، وفي هذا الإطار، اقترح بريتون إنشاء صندوق بقيمة 100 مليار يورو لتعزيز إنتاج الصناعة الدفاعية في الاتحاد الأوروبي، وزيادة التعاون بين البلدان والشركات وأصحاب المصلحة الآخرين. كما يُعوِّل الأوروبيون، على مشروع إعادة إعمار أوكرانيا، لدعم هذه الاستراتيجية، عبر دمج أوكرانيا ضمن أهداف توسيع القاعدة الصناعية الأوروبية لتشمل الشركات الأوكرانية. كما يُعَوَّل على إمكانات تمويلية من بنك الاستثمار الأوروبي، ذراع الإقراض الرئيس للاتحاد. وفي مطلع العام الحالي، قال نائب رئيس البنك للأمن والدفاع، كريس بيترز، إنه “مستعد للعمل بشكل أكبر مع قطاع الدفاع”. ومن الأمثلة على المجالات التي يمكن للبنك الأوروبي الاستثمار فيها، أشار بيترز إلى الحلول التقنية، وأولويات الدفاع في مجال الروبوتات، والاتصالات، والذكاء الاصطناعي، والطائرات من دون طيار. ومنذ عام 2022، أطلق البنك مبادرة الأمن الأوروبي الاستراتيجية (SESI) لتمويل ما يصل إلى 6 مليارات يورو لمشاريع البحث والتطوير والابتكار المؤهلة ذات الاستخدام المزدوج، والبنية التحتية الأمنية، ومشاريع التكنولوجيا المتطورة، بما في ذلك الأمن السيبراني، والتقنيات الناشئة في صناعة الفضاء، والذكاء الاصطناعي، والتقنيات الكمومية. وفي يونيو 2023، قرر البنك زيادة تمويله للأمن والدفاع بما يصل إلى 8 مليارات يورو، بسبب البيئة الجيوسياسية الجديدة، واحتياجات التمويل المتزايدة في هذا القطاع. وقد وافق على المزيد من التمويل ومجموعة أوسع من أدوات الدعم للأمن والدفاع، مع الحفاظ على قيوده على تمويل الأسلحة والذخيرة والبنية التحتية الأساسية للجيش والشرطة.

 

وفي السياق نفسه، أطلقت المفوضية الأوروبية، وصندوق الاستثمار الأوروبي (EIF)، في يناير الماضي، “مرفق الأسهم الدفاعية”، لتعزيز دعمهما للدفاع والأمن في الاتحاد، وهي مبادرة تتوزع قيمتها بين 100 مليون يورو من صندوق الدفاع الأوروبي، و75 مليون يورو إضافية من صندوق الاستثمار الأوروبي، لتوسيع القدرة الاستثمارية بشكل كبير لدعم صناديق الأسهم الخاصة ورأس المال الاستثماري، في السنوات الأربع المقبلة، باستراتيجيات تُغطي التقنيات ذات الصلة بالدفاع. ومن المتوقع أن تجتذب هذه المبادرة استثمارات خاصة إضافية في الصناديق التي تدعمها، وبالتالي تعبئة ما يقرب من إجمالي 500 مليون يورو لدعم الشركات الأوروبية في تطوير نظام بيئي للصناديق الخاصة التي تستثمر في الابتكار الدفاعي. وستركز المبادرة على التقنيات ذات الاستخدام المزدوج، التي تشمل التطبيقات المدنية والدفاعية، لزيادة دعم أمن الاتحاد.

 

التحديات 

تواجه الاستراتيجية الأوروبية الجديدة للصناعات الدفاعية، ثلاثة تحديات أساسية؛ سياسية، ومالية، وصناعية:

 

1. التحدي السياسي: في تعليقه حول مدى نجاح الاستراتيجية، أكد جان باي، الأمين العام لاتحاد الصناعات الأمنية والدفاعية في أوروبا، في يوم إعلانها، أن نجاح هذه المبادرة “سيعتمد الآن بشكل كبير على رد فعل الدول الأعضاء”، وهو بذلك يضع يده على أكبر تحدٍّ يواجه الاستراتيجية، والذي واجه أغلب الاستراتيجيات الكبرى للاتحاد (المناخية، والصناعية، والزراعية، والرقمية). إذ تُبدي كثير من الدول الأوروبية، تحفُّظها على تسليم إدارتها الدفاعية للاتحاد الأوروبي. لذلك حاول قادة الاتحاد توضيح الأمر على أنه إدارة مشتركة للصناعة الدفاعية وليس للدفاع، الذي يبقى من مهام الدول. ومع ذلك، ستكون الطبيعة الكونفدرالية للاتحاد عائقاً أساسياً أمام تنفيذ كل بنود الاستراتيجية، سواء فيما يخص المشتريات المشتركة أو الإنتاج المشترك، أو حتى السعي إلى فك الارتباط بالولايات المتحدة كمورِّد أساسي، حيث يرتبط جزء من دول الاتحاد، في أوروبا الشرقية والبلطيق وألمانيا، بعلاقات تحالف عضوي مع واشنطن، سيكون من الصعب تقليصها، في ظل التهديد الروسي الذي لا يزال قائماً.

 

2. التحدي المالي: تمثل ميزانية الـ 1.5 مليار يورو، المرصودة لبرنامج صناعة الدفاع الأوروبي الجديد خلال الفترة 2025-2027، مبلغاً غير كافٍ لتشكيل سوق أوروبية دفاعية تستطيع منافسة الولايات المتحدة الأمريكية، وتحقيق حالة من السيادة الصناعية الدفاعية النسبية للأوروبيين، حيث لا تشكل سوى 0.2% من الإنفاق الأوروبي العام. وبالتالي فإنها تعكس مدى رغبة الأوروبيين في الإنفاق على مشروع دفاعي مشترك. وحتى الفكرة التي اقترحتها رئيسة وزراء إستونيا، كايا كالاس، مطلع العام الحالي، وأيدها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ورئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، بشأن استخدام سندات اليورو لتمويل الدفاع، لا تبدو ممكنة التحقق بسبب المعارضة الألمانية القوية، وكذلك بسبب ما تنطوي عليه من مخاطر استثمارية، إذ يُمكِن ألا تجد قبولاً لدى المستثمرين، كما حذَّر نائب رئيس البنك الأوروبي للاستثمار، كريس بيترز، والذي أشار إلى أن صناديق التقاعد وغيرها من الصناديق الاستثمارية، ليست على استعداد للاستثمار في هذا النوع من السندات. كما أن مقترح المفوضية استخدام الإيرادات الناتجة عن الأصول الروسية المجمدة في أوروبا، والتي تبلغ نحو 200 مليار يورو، لزيادة ميزانية تنفيذ الاستراتيجية، لا يبدو واقعياً، وتواجهه عوائق قانونية وسياسية، إذ ستكون هذه الورقة جزءاً من أوراق أي تفاوض مستقبلي بين روسيا وأوروبا حول الصراع الدائر في أوكرانيا.

 

3. التحدي الصناعي-التقني: يُعاني الاتحاد الأوروبي من تباينات كبيرة، تصل إلى حد الفجوة، بين دول قليلة تملك قاعدة صناعية دفاعية متطورة تقنياً وعلمياً، وبين دول لا تملك أي إمكانات في هذا المجال، وبالتالي فإن أي استراتيجية مشتركة في الإنتاج والشراء ستكون في صالح الدول التي تملك هذه القاعدة المتطورة، وستزيد من عمق الفجوة الراهنة. كما أن هذا التحدي سيطرح مشكلات أخرى تتعلق بالتسعير والجودة، حيث تشتري الكثير من الدول داخل الاتحاد مواردها الدفاعية من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وحتى الصين، وربما تكون فوارق الأسعار عائقاً أمام تنفيذ سياسة الشراءات المشتركة، وسياسة الشراء من داخل الاتحاد. لذلك، فإن الأمر يحتاج حوافز سياسية ومالية كبيرة لإقناع الجانب المتضرر بتطبيق هذين الشرطين.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/eimkanat-alastiratijia-al-uwrubiya-aljadida-lilsinaat-aldifaeia-wahududiha

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M