تأملات_قرآنية من الآية الحادية والثلاثين من #سورة_فاطر

وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)

التأمل الأول :
من الدروس المؤسساتية في القرآن الكريم أن ما يأتي به اللاحق يُكمِل ويصدّق ما جاء به السابق ، إن كان السابق واللاحق يسيران وفق منهج واحد وأهدافهم مشتركة ، فعلى المستوى السياسي إذا جاءت حكومة جديدة فيجب أن تُكمل ما أنجزته الحكومة القديمة ما دام في مصلحة الشعب والوطن ، ومن الخطأ أن إفشال الإنجازات القديمة إلا أن تكون مضرة بالمواطن .
وهذا ما ينبغي أن تتعلمه المؤسسات الناشئة ، سواء كانت هذه المؤسسة خيرية أم ربحية ، ثقافية أم إعلامية أم تنموية ، فإدارة المؤسسة إن تغيّرت فيجب أن تُكمل ما قامت به الإدارة السابقة في ما يصب في مصلحة المؤسسة وضمن النظام الداخلي للمؤسسة ، وإلا سيكون مصير المؤسسة الى الزوال .

التأمل الثاني:
تكمن أهمية العمل المؤسساتي في المشاريع الكبرى ، وإلا فالمشاريع الصغيرة يمكن إدارتها فردياً ولا أثر لها عند موت مدير هذا المشروع فضلاً عن تركه لإدارة مشروعه الصغير أو تعرضه لظرف خاص كالمرض وما شابه ، ومن كان يفكر بأن دين الله جل وعلا مشروع كبير فيفترض أن يفكر بالتعامل معه كعمل مؤسساتي وليس عملاً فردياً ، والعكس بالعكس . ومن الأسس التي يُبنى عليها العمل المؤسساتي هو أن يكون هناك خط عام مشترك على طول مسار المؤسسة ، لا ينحرف العاملون في المؤسسة عن هذا المسار مهما كانت الظروف ، لأن الانحراف عنه يعني انهيار المؤسسة ، أما تفاصيل العمل فيمكن أن تتغير من ظرف الى ظرف ومن مدير الى آخر .
لذا فإن الشرائع السماوية اختلفت فيما بينها بسبب ظروف معينة إلا أن جميعها دعت الى التوحيد وباقي أصول الدين ، والتنازل عن هذه الأصول يعني الخروج عن الدين .

التأمل الثالث:
البعض وبسبب ضيق نظرته أو بسبب فهمه الضيق للحياة يتصور أن الله تعالى يتعامل مع الدين كما يتعامل هو – هذا الشخص – مع أمور حياته ، فكما أنه يرى مسؤوليته محدودة وأن رحيله من الدنيا لا يؤثر في حياة الناس باعتبار أن كل شيء كان يسير من دون أن يُتعب نفسه في تصحيح ما انحرف منه ، لذا فإنه يظن أن الرسل عليهم السلام كذلك ، لأنه يعتبر الدين مشروعاً صغيراً يدار بعقلية فردية سطحية وقتية ، بالنتيجة سيستغرب من الخطوات التي يتخذها الرسل بحكم حجم مسؤوليتهم وتفكريهم بعقل مؤسساتي ، إذ أنهم يؤمنون بأن ما أوحي إليهم سيكمله من سيأتي بعدهم حتى يصل الأمر الى خاتم الرسل صلى الله عليه وآله .
بل إن هذا الاستغراب بسبب النظرة الفردية الضيقة سينسحب حتى على الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ، فيرفض هذا المستغرِب كثيراً من وصاياه وأوامره ، وقد يسيء الظن بها والعياذ بالله .

التأمل الرابع:
هناك صفتان مهمتان لمن يريد معرفة الحق من الكتاب الذي أوحي الى الرسول الأعظم محمد صلى الله عليها وآله ، وهما ( الخبرة والبصيرة ) ، خبرة في الخوض والغوص في كتاب الله العزيز والاستفادة من بحره المليء بالكنوز المعرفية المختلفة ( العقائد والأخلاق والسيرة والفقه وغير ذلك ) ، هذه الخبرة تكون عادة تراكمية مع الزمن ، تبدأ من الصفر وتتزايد حتى تصل الى مستوى يستطيع به إلتقاط هذه الكنوز .
والبصيرة في استخدام تلك الكنوز في نصرة الحق وأهل الحق ، فليس كل من حصل على كنز استثمره استثماراً صحيحاً ، فقد يُستخدَم لإشباع رغباته الشخصية ، كمن يريد أن يبرّز نفسه على أنه عالم ، أو لإثبات أنه أفضل من غيره ، أو لكي تكون له سمعة ، هذا فضلاً عن إستخدام كنوز القرآن في إضلال عوام الناس .

التأمل الخامس:
إذا قبلنا بفرضية أن الكفاءة هي إحدى ثمار الخبرة ، وأن النزاهة هي إحدى ثمار البصيرة ، فإن الإنسان يمكنه أن يطوّر عمله من الفردي الى المؤسساتي ويجعل مؤسسته ( سواء كانت مؤسسة دينية أو مؤسسة من مؤسسات الدولة أو أي مؤسسة ذي منفعة للمجتمع ) نافعة الى أقصى ما يمكن على مدى الزمان والمكان ، بشرط أن يكون كفوءاً ذا خبرة في مجال عمله نزيهاً ذا بصيرة تمنعه من الفساد مهما قلّ ، ومن هنا يتضح أهمية وصول الإنسان الكفوء والنزيه الى مصدر القرار وفي كافة نواحي الحياة .
أما الشخص الذي لا يفكّر أصلاً في هذا التطور في عمله وإن فكّر فلا يسعى الى ذلك فهو إما شخص غير كفوء لأنه لا يمتلك الخبرة في تطوير عمل المؤسسات التي مسك زمام الأمور فيها، أو أنه غير نزيهٍ لا يمتلك البصيرة التي تكشف له سوء مساره ومنهجه ، وربما يكون غير كفوء وغير نزيهٍ أيضاً .

للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M