تسريع وتيرة التكيُّف: الاستراتيجية المغربية لمواجهة آثار التغيرات المناخية‎‎

نور الدين بـيـدُكـان

 

تَعرَّض المغرب، على مدى العقدين الماضيين، لتأثيرات شديدة بفعل تغيُّر المناخ، تجلت في تعاقب موجات الجفاف، وانخفاض معدلات تساقط الأمطار، ما أثر بشكل مباشر في الموارد المائية وقطاع الزراعة، فضلاً عن تراجُع الحصة السنوية للفرد من الماء؛ إذ تُقدَّر حالياً بـ620 متراً مكعباً في السنة، ويتوقع أن تنخفض إلى 560 متراً مكعباً بحلول عام 2030، ليقترب المغرب من الحد المطلق لندرة المياه وفق معدل منظمة الأمم المتحدة المحدد بـ500 متر مكعب للفرد.

وبالنظر إلى الوضعية المناخية الراهنة وانعكاسها على الموارد الطبيعية، شرع المغرب في اتخاذ عدة تدابير لتعزيز الحوكمة المناخية والقدرة على تخفيف آثار التقلُّبات، ووضع استراتيجيات ذات بعد تنموي مستدام مرتكزة على الطاقة النظيفة؛ بحيث عمل على استقطاب التمويلات الأجنبية والتكنولوجيات الهادفة إلى تقليل الانبعاثات الكربونية بما يتماشى مع الجهود الدولية. ومع ذلك، فإن التحدي الأساسي يكمُن في ضمان التنسيق بين الأجهزة والهيئات المغربية المعنية بالتكيف مع التغيرات المناخية. ومع أن الرباط سجلت أداءً جيداً في جهود التصدي للتغيرات المناخية وفقاً لمؤشر أداء تغير المناخ (CCPI) لعام 2023، إلا أن تسارُع حدة تداعيات التغير المناخي على الاقتصاد المغربي جعلت نجاعة الخطط الحكومية ذات الصلة محل تساؤل.

المقاربة المغربية حول تغير المناخ

رغم أن المغرب يعد من بين الدول الأقل تسبباً في انبعاثات الغازات الدفيئة، لكنه انخرط مبكراً في المساعي الدولية الرامية للحد من تأثير التغيرات المناخية، من خلال توقيعه عام 1992 على الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، والتصديق عليها عام 1995، إلى جانب مصادقته على بروتوكول “كيوتو” في عام 2002، وعلى اتفاقية باريس في 2016. بالإضافة إلى أنَّه من أوائل البلدان التي قدَّمت مساهمتها الأولى المحددة وطنياً لخفض الانبعاثات والتكيُّف مع الظواهر المناخية، انسجاماً مع المادة 3 من اتفاق باريس، حيث قدَّم المغرب في سبتمبر 2016 مساهمته بخفض انبعاثاته في أفق 2030، بنسبة 42%، منها 17% غير مشروطة بدعم دولي، ثم حيَّنها في يونيو 2021؛ رافعاً طموحه في تقليص الانبعاث بنسبة 45.5% بحلول عام 2030، منها 18.3% غير مشروطة بالدعم الدولي. وفي إطار التزامها بالاتفاقية الإطارية، قدَّمت المملكة أربعة بلاغات وطنية، وفقاً لمقتضيات المادة 12 من الاتفاقية الأممية، أولها في عام 2001، ثم البلاغ الوطني الثاني في عام 2010، والثالث في عام 2016، ثم البلاغ الرابع عام 2020. كما أنجزت ثلاثة تقارير حول الجهود المبذولة لخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، آخرها كان عام 2022 (BUR3).

 

وبحكم موقعه الجغرافي، تأثَّر المغرب بحِدَّة التقلُّب المناخي، حيث أظهرت تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن المملكة من بين الدول الأكثر عُرضة للتحولات المناخية. فخلال السنوات الماضية تراجعت المناطق التي تُصنَّف ضمن المناخ الرطب أو شبه الرطب لصالح المناطق ذات المناخ شبه الجاف والجاف، نتيجة تعرُّضها لموجات الجفاف، وارتفاع متوسط ​​درجات الحرارة، وتغيرات أنماط هطول الأمطار، لذلك أطلقت الرباط عدة استراتيجيات قطاعية تدمج البُعد البيئي ومسألة تغير المناخ في المجالات الرئيسة للاقتصاد، كالطاقة والزراعة والصناعة والسياحة والصيد البحري، وغيرها من القطاعات المتضررة من مظاهر التغير المناخي، ويعكس هذا التوجه التزام المغرب بالانتقال نحو إنتاج مستدام ومنخفض الكربون.

 

وسبق للمغرب أن استضاف مؤتمر الأطراف (COP) مرتين بمراكش، أولاهما كانت عام 2001 بتنظيمه الدورة السابعة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP7)، والثانية عام 2016 باحتضانه أشغال الدورة الثانية والعشرين (COP22)، والتي شـكلت مرحلة مهمة من مراحل عملية تنفيذ اتفاق باريس، باعتماد “إعلان مراكش للعمل من أجل المناخ والتنمية المستدامة”، وهو إعلان عبَّر عن التزام رؤساء البلدان الأطراف المشاركة في “كوب 22” بالإسراع في توقيع اتفاق باريس وتنفيذها، ودعم العمل لفائدة البلدان الأكثر عرضة للمخاطر البيئية. كما أُعلِنَ عن العديد من المبادرات، من بينها “المبادرة من أجل تكييف الفلاحة الأفريقية”، التي أطلقها المغرب بدعم من 25 بلداً أفريقياً، ومبادرة “الأمن والاستقرار والاستدامة” في أفريقيا، بقيادة السنغال والمغرب، من أجل استباق مخاطر الكوارث ذات الصلة بالتقلُّبات المناخية وتقوية القدرات. وباقتراح من المغرب أيضاً، أُطلِقَت مبادرة “الماء من أجل أفريقيا”، بدعم من البنك الإفريقي للتنمية، وذلك بهدف تعبئة التمويلات لفائدة المشاريع الهيكلية المتعلقة بالأمن المائي. علاوة على ذلك، وفي إطار مشاركته في المبادرات الأممية حول المناخ، قدَّم المغرب إلى جانب كُلٍّ من سلوفينيا وكوستاريكا وسويسرا وجزر المالديف، في يونيو 2022، مشروع قرار أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يقضي باعتماد حق الإنسان في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة، وفي يوليو 2022 تبنَّت الجمعية العامة القرار تحت رقم A/RES/76/300، بعد نيلهِ تأييد 161 دولة، فيما امتنعت ثماني دول عن التصويت.

 

وتُمثِّل المشاركة المغربية في الاجتماعات الدولية حول حماية البيئة والمناخ فرصةً للدفاع عن مصالح الدول الأفريقية المتضررة من الاحتباس الحراري، فقد اغتنمت المملكة تنظيمها لمؤتمر الأطراف (COP7) عام 2001 لطرح احتياجات القارة الملحة، والدعوة إلى تخصيص موارد مالية كافية لمساعدة دولها في وضع سياسات مناخية. كما شكلت القمة الأفريقية الأولى للعمل، التي انعقدت بمبادرة من المغرب، على هامش “كوب 22″، محطة لاستحداث ثلاث لجان يعد المغرب مؤسِّساً لها، من أجل التطوير الفعلي لمشاريع تتعلق بالمناخ على الصعيد القاري، وهي:

  • لجنة المناخ لحوض الكونغو، التي ترأسها جمهورية الكونغو.
  • لجنة المناخ لمنطقة الساحل، برئاسة جمهورية النيجر.
  • لجنة المناخ الخاصة بالدول الجزرية، برئاسة جمهورية السيشل.

 

وإدراكاً منه لأهمية تحويل النوايا إلى التزامات، من خلال تعبئة التمويلات اللازمة لتعزيز قدرات بلدان الجنوب، يحرص المغرب على أن تركز جهود الدعم الدولي على أفريقيا بهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدول الأفريقية جنوب الصحراء، والحد من الهجرة الناجمة عن التغير المناخي لمواجهة الزيادة الكبيرة في عدد المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.

 

الوضعية المناخية في المغرب وانعكاسها على الموارد الطبيعية

أدت تبعات تغير المناخ في المغرب إلى ضغط شديد على الموارد الطبيعية للبلاد، مما أثر في النظم البيئية، وفي عدة قطاعات حيوية، لاسيما قطاع الماء، الذي يفرض تحديات متنامية، باعتباره ركيزة أساسية في تحقيق التنمية، وعنصراً جوهرياً في جميع الأنشطة الإنتاجية؛ لذلك حظي بأهمية بالغة، وأعطيت له الأولوية في تنفيذ خطط التكيُّف. لقد تسبَّب التراجع الكبير في التساقطات المطرية بانخفاض حاد في حقينة السدود الرئيسة، والمتأثرة أيضاً بعامل تبخُّر المياه السطحية جراء ارتفاع دراجات الحرارة، وتزايُد عدد الأيام شديدة الحرارة خلال فترة الصيف، التي يتوقع أن تؤدي الاختلالات المناخية إلى إطالة مدتها بحلول منتصف القرن، إذ تشير التوقعات في تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الدولية المعنية بتغـير المناخ (2022) إلى أنه يُرتقب أن تشهد دول شمال أفريقيا، بما فيها المغرب، تساقطات مطرية خلال القرن الحالي، بمعدل أقل مقارنة بالعقـود الماضية، مع استمرار فترات الجفاف.

 

وبحسب معطيات وزارة الفلاحة المغربية، يندرج الموسم الحالي في سياق تسلسل مناخي من 5 سنوات تميَّزت بتعاقب الجفاف وقلة التساقطات؛ فإلى نهاية شهر أبريل 2023، سُجِّلت تساقطات مطرية تراكمية بلغت 207 مليمتر، أي بانخفاض نسبته 36% مقارنة مع سنة عادية (322 مليمتر)، كما بلغت نسبة ملء السدود حوالي 33%. وفي الوقت الذي تعرف المملكة عجزاً في الإمدادات المائية، تشهد المياه الجوفية أيضاً تراجعاً حاداً بسبب استغلالها المفرط، نتيجة تنامي عمليات حفر الآبار والضخ غير القانوني، والتوسُّع في المساحات المسقيَّة من الموارد المائية الجوفية، ما يشكل تهديداً لاستدامتها.

 

يفرض الوضع المائي المقلق، تأثيراً ملحوظاً على القطاع الفلاحي في المغرب، الذي يشكل إحدى دعائم الاقتصاد، حيث يُسهِم بحوالي 15% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، مُحتلاً المرتبة الثالثة بين قطاعات التصدير بقيمة تجاوزت عتبة 80 مليار درهم مغربي عام 2022؛ فإلى جانب دوره في نمو الاقتصاد، يعمل أيضاً على تحقيق الأمن الغذائي. ومع الأخذ في الاعتبار واقع الشح المائي في معظم المناطق الفلاحية، من المتوقع أن يتقلص حجم الإنتاج الزراعي، في حال لم يُقَم نموذج فلاحي يعزز الصمود أمام التغيرات المناخية. ومن ناحية ثانية، شهدت المملكة، خلال السنة الماضية، ارتفاعاً قياسياً في درجة الحرارة، صاحبها اندلاع حرائق الغابات في أجزاء عدة من البلاد، ووفق بيانات الوكالة المغربية للمياه والغابات، سجلت حصيلة حرائق غابات سنة 2022 تصاعداً مقارنة مع السنوات السابقة، بلغت نحو 500 حريق أتى على أزيد من 22 ألف هكتار من المساحات الغابوية، وتصدرت جهة شمال المغرب المناطق الأكثر تضرراً من حرائق الغابات. وعلى رغم ارتفاع عدد الحرائق في المغرب في السنة الأخيرة، فإن حجم المساحة المحترقة يبقى منخفضاً مقارنة مع ما شهدته الدول القريبة جغرافياً من المغرب، مثل إسبانيا والجزائر والبرتغال.

 

علاوة على ذلك، تأثَّر المغرب بتداعيات الاحتباس الحراري على سواحله البحرية المعرَّضة للتآكل؛ إذ من المرجح تَناقُص الخط الساحلي للواجهة الأطلسية بمقدار 12 سنتيمتراً سنوياً، وبمعدل 14 سنتيمتراً على ساحل البحر المتوسط للمملكة، أي ضعف متوسط المعدل العالمي البالغ 7 سنتيمتراً. ومع توقُّع أن يؤدي ارتفاع مستويات سطح البحر إلى تسارع تآكل السواحل المغربية، فإن الأنشطة البشرية، خاصة استخراج الرمال، قد تتسبب في زيادة وتيرة الغمر البحري، وهو ما يمكن أن ينعكس على أنشطة السياحة الشاطئية. وفي شكل عام، من المحتمل أن تؤدي الزيادة في درجات الحرارة والظواهر المناخية الشديدة إلى تقليل جاذبية المغرب للسياح.

 

جهود التكيُّف مع تغيرات المناخ

يكتسب التعجيل بتنفيذ الإجراءات الرامية إلى التكيف مع الغير المناخي أهمية بالغة، من أجل الحد من آثار الجفاف واستباق تداعيات الإجهاد المائي على اقتصاد المملكة، إلى جانب توظيف إمكانيات البلاد الواعدة في مجال الطاقات المتجددة لدعم تحولها نحو الاقتصاد الأخضر. وفي هذا الإطار تركز السياسة المناخية في المغرب على التعامل مع إشكالية تدبير الموارد المائية، وفي نفس الوقت، تعزيز التوجه نحو الاستثمار في الطاقة النظيفة.

 

1. مواجهة الضغط على الموارد المائية

أدركت المملكة أن الاعتماد فقط على سياسة السدود، التي نهجتها منذ ستينيات القرن الماضي، غير كافٍ لسد العجز المائي الحالي، بسبب تراجع نسبة تساقط الأمطار ونقص الإمدادات المائية، لهذا أضحى تسريع وتيرة البحث عن بدائل أكثر استدامة ضرورة ملحة، بهدف تأمين الحاجيات من المياه، عبر وضع مخطط استثماري متوسط وبعيد المدى، يروم إنشاء محطات لمعالجة المياه المستعملة، واللجوء إلى تحلية مياه البحر، خاصة أن للمملكة واجهتين بحريتين تمتدان على مسافة 3500 كيلومتراً؛ إذ يُرتقب أن تُنجَز ثلاث محطات لتحلية مياه البحر سنة 2023 بجهة الدار البيضاء وبمدينة آسفي، والمحطة الثالثة بمدينة الجديدة، في منطقة الجرف الأصفر التابعة للمكتب المغربي للفوسفات OCP، وبحيث تنضاف هذه المحطات إلى 9 محطات يتوفر عليها المغرب بالفعل، تُنتِج حوالي 147 مليون متر مكعب.

 

وفي ظل أن نسبة كبيرة من الموارد المائية الموجهة للشرب تأتي من السدود أو من المياه الجوفية، من المتوقع أن تضاعف الحكومة المغربية القدرة الإنتاجية لمجموع محطات تحلية مياه البحر، لتخفيف الضغط على الموارد التقليدية، وتخصيص باقي الموارد المائية للمدن الداخلية، ولقطاع الإنتاج الفلاحي، ويتماشى هذا المسعى مع “استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030” التي تراهن على تعبئة الموارد غير التقليدية، وترشيد مياه السقي لبلوغ مليون هكتار باستخدام تقنية الري بالتنقيط بحلول عام 2030.

 

أضف إلى ذلك، يعمل المغرب حالياً على تنفيذ مشاريع الربط بين الأحواض المائية، من طريق نقل المياه بين أحواض الأنهار عبر خطوط أنابيب من مصادرها إلى مراكز الطلب بالمدن الكبرى، وفي هذا الشأن أطلق “مشروع ربط حوض سبو وحوض أبي رقراق” في نوفمبر 2022، من أجل تغطية إمدادات مياه الشرب لجهتي الرباط والدار البيضاء، وتحويل فائض “واد سبو”، الذي ينبع من جبال الأطلس المتوسط ويصب في المحيط الأطلسي، شمالي العاصمة الرباط، إلى حوض أبي راقراق، قُرْب الرباط، وذلك بالاستفادة من فواقد المياه المهدرة في اتجاه البحر، حيث ضاعت حوالي 500 مليون متر مكعب من المياه على مستوى “واد سبو” خلال عام 2022. ونظراً للطابع الاستعجالي لهذا المشروع، من المتوقع أن يُستكمَل قبل نهاية 2023، ويأتي هذا المشروع في إطار تفعيل أهداف “البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027″، و”المخطط الوطني للماء 2020-2050”.

 

2. الاستثمار في الطاقات المتجددة

يسعى المغرب، ضمن استراتيجيته التنموية، إلى ضمان أن تأخذ المبادرات الاقتصادية الجديدة في الاعتبار التزاماته بتسريع وتيرة التحول إلى الاقتصاد الأخضر، باستخدام مصادر الطاقات المتجددة؛ بما فيها الريحية والشمسية والمائية، ويطمح إلى أن يفتح الحد من الكربون الباب أمامه ليصبح دولة مصدرة للطاقة الخضراء، لاسيما نحو الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الشأن تقود أهم القطاعات المستهلكة للطاقة الأحفورية (كالقطاع الصناعي، وقطاع الكهرباء) الجهود الرامية إلى تعزيز السيادة الطاقية، وفق أهداف “الخطة الوطنية منخفضة الكربون طويلة الأمد 2050″، التي قدَّمها المغرب للأمم المتحدة في نهاية عام 2021.

 

وللتقليص من التبعية الطاقية للخارج، عمل المغرب على جذب الاستثمار الأجنبي في مجال الطاقات المتجددة؛ حيث يعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة الأحفورية، بنسبة قد تصل إلى%90 ، وبكلفة بلغت أكثر من 153 مليار درهم مغربي عام 2022. لهذا أُنشِئَت شراكة في مجال الطاقة بين المغرب وألمانيا (PAREMA) في عام 2012، تعمل كمنصة لتعزيز التعاون في دعم مشاريع الطاقات الخضراء بأهم المناطق المغربية، التي تحظى بمناخ ملائم للاستثمار في إنتاج الطاقة الريحية والشمسية. وعلى رغم توجه المملكة المبكر نحو تطوير الطاقات المتجددة وتوفير بيئة مناسبة للاستثمار في هذا المجال، فإن قدرة الإنتاج الكهربائي من الموارد المتجددة لم تتجاوز نسبة 20% عام 2021، وهو ما يقتضي تسريع مسلسل الانتقال الطاقوي، وخفض واردات الطاقة الأحفورية على المدى القصير، وتوفير بطاريات لتخزين الطاقة المتجددة؛ حيث لا يتوفر المغرب سوى على محطة واحدة فقط، مما يحد من قدرة البلاد على تخزين الطاقة المتجددة لاستخدامها خلال فترات الذروة.

 

كما وقَّعت الرباط وبرلين في يونيو 2020 على اتفاق لتأهيل قطاع إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتعد المملكة أول دولة توقع معها ألمانيا مثل هذا الاتفاق، الذي يتوقع أن يسهم في رفع حصة الطاقة النظيفة إلى 80% من المزيج الطاقي في المغرب مطلع عام 2050.وإلى جانب ذلك، من المرتقب أن يفتح هذا الاتفاق آفاقاً واعدة للمغرب ليصبح من بين الفاعلين الرئيسين في إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره إلى أوروبا بتكاليف تنافسية، لاسيما بعد انضمام ألمانيا إلى مشروع خط أنابيب “H2Med (هيدروجين المتوسط)” في يناير 2023، الذي يربط بين إسبانيا والبرتغال وفرنسا، ويهدف إلى نقل الهيدروجين الأخضر من شبه الجزيرة الأيبيرية إلى بقية أوروبا. وبذلك تأمل الرباط في الاستفادة من الإمكانيات التي يوفرها خطH2Med . ووفق تقرير نشرته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) عام 2022، من المتوقع أن يصبح المغرب في المركز الرابع ضمن تصنيف للبلدان المنتجة للهيدروجين الأخضر بحلول عام 2050.

 

وقد دفعت الفرص المتوفرة بالمغرب في توليد الكهرباء من الألواح الشمسية ومزارع الرياح، العديد من الشركات الأوروبية إلى الاستفادة منها، ويعد مشروع (XLINKS) البريطاني مثالاً على ذلك، إذ يتوخى إنتاج 10.5 جيغاواط من الكهرباء الخالية من الكربون، انطلاقا من جهة “كلميم واد نون” المغربية وربطها عبر الموصلات البينية تحت سطح البحر بطول 3800 كيلومتر وصولاً إلى جنوب غرب إنجلترا، ليكون المشروع بعد اكتماله أطول خط كهرباء بحري على مستوى العالم. ومن المتوقع أن يكون قادراً على تزويد 7 ملايين منزل في بريطانيا بالطاقة النظيفة بحلول عام 2030، وتوفير 8% من احتياجات المملكة المتحدة من الكهرباء. ومن ناحيتها، كشفت شركة XLINKS، في أبريل 2023، عن حصولها على تمويل من مجموعة “طاقة (TAQA)” الإماراتية بلغ 25 مليون جنيه إسترليني. ولدى المجموعة الإماراتية شركة تابعة لها في المغرب، وهي شركة “طاقة المغرب” (TAQA MOROCCO)، وتدير “محطة الجرف الأصفر للطاقة الحرارية”، جنوبي الدار البيضاء، التي تعد حالياً أكبر محطة طاقة تعمل بالفحم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتستحوذ على حصة مهمة من الكهرباء الوطنية تصل إلى 38%؛ حيث تعمل على إمداد 15 مليون مواطن بالكهرباء. ولمواكبة الاستراتيجية المغربية لخفض الكربون بحلول 2050 أعلنت شركة “طاقة” بالمغرب (TAQA MOROCCO)، في مارس 2023، اعتزامها تزويد المحطة بالطاقات المتجددة بإنتاج 1000 ميغاواط من مصادر متجددة، باستثمار 1.6 مليار دولار بحلول عام 2030، مما يتيح تقليل انبعاثات الكربون بنسبة 25%، أي بمقدار 130 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.

 

استنتاجات

أدى الضغط على الموارد المائية في المغرب، نتيجة توالي سنوات الجفاف، إلى حشد الجهود لتنزيل خطط التكيف مع التغيرات المناخية بشكل استعجالي، ووضع سياسة مائية تعزز مرونة الاقتصاد وقدرته على الصمود في وجه تقلب المناخ، خاصة في المجال الفلاحي، من خلال الاستثمار في موارد المياه غير التقليدية، مثل معالجة المياه المستعملة وتحلية مياه البحر. ومع ذلك، لا يزال قطاع الماء يشهد صعوبات مرتبطة بتعدد الفاعلين في تدبير القطاع، وضعف التنسيق فيما بينهم، والاستغلال المفرط للمياه الجوفية، وغياب إدارة فعالة للطلب على المياه، التي قد تساعد في ترشيد استخدام الموارد المائية والتحكم في الاستهلاك.

 

وأمام تفاقُم الوضع المناخي، يحرص المغرب على أن تأخذ المبادرات الاقتصادية المقبلة في الاعتبار التزامه بتسريع وتيرة التحول إلى الاقتصاد الأخضر، باستخدام مصادر الطاقات المتجددة؛ بما فيها الريحية والشمسية والمائية. ومن شأن الشراكة المغربية الأوروبية أن تدعم هذا التحول، عبر توفير الدعم المالي لإنجاز المشاريع الخضراء، وتأهيل الموارد البشرية على المستوى المحلي في مجال التكنولوجيات النظيفة. ومن المتوقع أن تفتح خطة الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050 الباب أمام المملكة لتصبح وجهة جاذبة للاستثمار الأجنبي في الطاقات المتجددة، ودولة مُصدِّرة للطاقة الخضراء، لاسيما باتجاه الاتحاد الأوروبي.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/featured/tasrie-watirat-attakyuf-aliastiratijia-almaghribia-limuajahat-athar-altaghayurat-almunakhia

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M