جزيرة ديجو جارسيا وإستراتيجية الولايات المتحدة البحرية

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

أُعلن قي 23 سبتمبر 2023 أن وزارة الخارجية البريطانية تحركت من أجل تهدئة المخاوف التي أثارها رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون من أن تسليم جزر شاجوس(ومنها جزيرة دييجو جارسيا)  إلى موريشيوس يمكن أن يصب في مصلحة الصين , ووصف بوريس جونسون هذه الخطوة بأنها “ضعيفة تمامًا” وقال إن المملكة المتحدة تبدو “على وشك ارتكاب خطأ فادح” واصفًا مطالبة موريشيوس بالجزر بأنها “غير معقولة”.

كانت محكمة العدل الدولية في لاهاي أعلنت بتاريخ 25 فبراير2019 عن رأيها الإستشاري في النزاع الذي بين بريطانيا وجمهورية موريشيوس علي أرخبيل Chagos وهوأرخبيل يتكون 55 جزيرة علي الأقل منهم 3 جزر فقط  مأهولة بالسكان وهي : جزيرة Diego  Garcia وهي أكبرها وتبلغ مساحتها 32,8 كم مربع وجزيرة Salomon وجزيرة Peros Banhos , والأرخبيل برمته يقع بالمحيط الهندي جنوب جزر المالديف ويبعد 1,800 كم من Port Louis عاصمة موريشيوس(التي تبلغ مساحتها الإجمالية بجزرها العديدة 2,500كم مربع) وجزيرة دييجو جارسيا موضع لواحدة من أكثر القواعد العسكرية الأمريكية سرية وإثارة للجدل في العالم , وهذا النزاع يعود تاريخه إلي ما قبل إستقلال موريشيوس في 12 مارس عام 1968, وبالرغم من الدلالة الرمزية الهامة جداً لهذا الرأي الإستشاري الذي جاء لصالح موريشيوس وقد صدر هذا الرأي بأغلبية 13 قاض مقابل صوت واحد وبعد دراسة قضاة المحكمة للقضية وإلإستماع للأطراف في عدة جلسات إستماع في الفترة من 3 إلي 6 سبتمبر 2018 أعلنت محكمة العدل الدولية في جلسة النطق رأيها الإستشاري في ملف يقع في 45 صفحة عنوانه  ” الآثار القانونية لفصل أرخبيل Chagos بموريشيوس في عام 1965″ , وذلك بتاريخ 25 فبراير 2019 في تمام الساعة 1400 بتوقيت جرينتش بمقرها بقصر السلام في La Haye , وقد صدر هذا الرأي بأغلبية 13 قاض مقابل صوت واحد ونصه بعد الإشارة إلي حيثيات المحكمة كالآتي :-

” تقرر وفقا للمادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة ، أن يُطلب من محكمة العدل الدولية عملاً بالمادة 65 من نظامها الأساسي  فتوى حول القضايا التالية :

(ألف) هل انتهت عملية إنهاء الاستعمار بشكل صحيح عندما  حصلت على استقلالها في عام 1968 ، بعد فصل أرخبيل Chagos عن  أراضيها بالنظر إلي القانون الدولي وخاصة الالتزامات المشار إليها في قرارات الجمعية العامة 1514 (د -15) بتاريخ 14 ديسمبر 1960 ، 2066 (XX) المؤرخ 16 ديسمبر 1965 ، 2232 (XXI) المؤرخ 20 ديسمبر 1966 و 2357 (د -22) المؤرخ 19 ديسمبر 1967؟”.

(باء) ما هي الآثار المترتبة في القانون الدولي بما في ذلك فيما يتعلق بالالتزامات المشار إليها في القرارات المذكورة أعلاه والحفاظ على أرخبيل  Chagos تحت إدارة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى ايرلندا الشمالية لا سيما فيما يتعلق باستحالة نهوض موريشيوس ببرنامج إعادة التوطين لمواطنيها لا سيما من هم من سكان هذا الأرخبيل أصلاً ؟” .

وكان الرأي الذي أعلنته المحكمة بشأن هذين السؤالين هو :

  • (1) ” أن المحكمة وبالإجماع تري المحكمة أنها مُختصة بالرد علي طلب الفتوي ” .
  • (2)  ” بأحد عشر صوت ضد صوتين تُقرر المحكمة الاستجابة لطلب الفتوى ” .
  • (3) ” بثلاث عشر صوت ضد صوت واحد تري المحكمة أنه بموجب القانون الدولي ، فإن عملية إنهاء الاستعمار في موريشيوس لم تكتمل بشكل صحيح عندما حصلت تلك البلاد على استقلالها في عام 1968 نتيجة فصل أرخبيل Chagos  ” .
  • (4) ” بثلاث عشر صوتاً ضد صوت واحد ترى المحكمة أن المملكة المتحدة مطالبة في أقرب وقت ممكن بإنهاء أعمالهاإدارة أرخبيل Chagos ” .
  • (5) ” بثلاث عشر صوتاً ضد صوت واحد ترى لمحكمة أن جميع الدول الأعضاء مُلزمة بالتعاون مع الأمم المتحدة لاستكمال إنهاء الاستعمار في موريشيوس ” .

كان الموقف البريطاني من قضية التنازع مع موريشيوس بشأن أيلولة السيادة علي أرخبيل Chagos ينحصر في أن بريطانيا كما أكد بعض فقهاء القانون الدولي البريطانيون بقوة حصلت علي موافقة مجلس وزراء موريشيوس علي التخلي لبريطانيا عن أرخبيل Chagos مقابل حصول موريشيوس علي الإستقلال , وأن إقتطاع بريطانيا بهذه الكيفية كان دستورياً لأن جزر الأرخبيل كانت جزءًا قانونيًا من أراضي موريشيوس عندما كانت مستعمرة ثم أن بريطانيا بعد ذلك اقترحت دفع تعويض عن إخلاءها لأرخبيل Chagos من ساكنيه الألفين وهو إقتراح وصفه البريطانيون بأنه “كريم” (3 مليون جنيه إسترليني تم بهم شراء أرخبيل Chagos الذي لا تقل مساحته عن 56,13 كم مربع إضافة لموقعه الحاكم في قلب المحيط الهندي) , وهذا التعويض تم التفاوض عليه مع ممثلي مورشيوس كما أن هناك العديد من التصريحات التي أدلى بها الزعماء السياسيون في موريشيوس في ذلك الوقت من داخل الجمعية التشريعية وفي أماكن أخرى تؤكد جميعها أن هذا الاتفاق قد تم تقديمه للبرلمان بموريشيوس , وهذا ما يمثل لدي البريطانيين خط الدفاع الرئيسي لهم في هذه القضية وطرحوه علي محكمة العدل الدولية , ويضيف إلي هذا الموقف بياناً ما صرح به Robert Buckland النائب بالبرلمان البريطاني والمستشار القانوني للحكومة البريطانية إذ قال ” إن الطريقة التي عومل بها شعب أرخبيل Chagos مخزية ، ونحن نأسف لذلك بشدة , لكن هذا نزاع ثنائي بين لندن وبورت لويس ، وينبغي على قضاة محكمة العدل الدولية التخلي عن اعطاء رأيهم بشأن هذه القضية ” * ( africanews.fr بتاريخ 23 فبراير 2019) , وأضاف ” إن محكمة العدل الدولية ليست في وضع يمكنها من الوصول إلى رأي بشأن السيادة علي Chagos في إجراءاتها الاستشارية , كما نفى أن يكون اتفاق عام 1965 وُقع تحت الإكراه وأنه في عام 1982 وقعت موريشيوس والمملكة المتحدة معاهدة توصلتا فيها إلى “تسوية كاملة ونهائية ” لمطالب موريشيوس بالجزر .

في سبيل إنشاء قاعدتها العسكرية في Diego Garcia إقترحت الولايات المتحدة علي بريطانيا في محادثتهما التي بدأت عام 1964 بشأن أرخبيل Chagos فصل هذا الأرخبيل عن موريشيوس قبل إستقلالها , وفي 8 نوفمبر 1965 أنشأت بريطانيا مُستعمرة جديدة تتكون من أرخبيل Chagos وجزر Aldabra و Farquharو Desroches , وبدأت بريطانيا في الإخلاء المُتدرج لسكان أرخبيل حتي لا تخضع – علي الأقل من الوجهة القانونية النظرية – لأي إلتزام عليها بموجب أحكام المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة , لكن سواء أكان هذا الإخلاء القسري مُتدرجاً أو علي أكثر من مرحلة أو كان دفعة واحدة فالنتيجة واحدة وهي أن إخلاء قسرياً جبرياً قد كان , ومن ثم فلن تفلت بريطانيا من إلتزاماتها بموجب المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة , ويؤكد ذلك أن محكمة إستئناف بريطانية قضت عام 2007 بأحقية عودة سكان جزر Chagos في العودة إليها (يبلغ عدد هؤلاء حالياً 10,000 نسمة موزعين علي موريشيوس وسيشل والمملكة المتحدة) , لكن مجلس اللوردات البريطاني ألغي هذا الحكم عام 2008  , وبالرغم من إعلان بريطانيا في سبتمبر 2018 عن ” أسفها للطريقة المخجلة ” التي عُومل بها سكان جزر Chagos في عام 1965 عند طردهم من جزرهم تلك ، لكنها في الوقت نفسه وقطعاً للطريق أمام موريشيوس لنيل حقها المسلوب أي في أرخبيل  Chagos جاهرت بالقول وهي أي بريطانيا ذات ماضي إستعماري تليد بأن محكمة العدل الدولية ليست بالمكان المناسب لتسوية نزاعها علي هذه الجزر مع موريشيوس , أما الولايات المتحدة فقد أكدت علي أن محكمة العدل الدولية عليها “واجب رفض” اتخاذ موقف بشأن مصير أرخبيل Chagos * La Croix) بتاريخ 23 فبراير 2019) , وفي فبراير 2019 أعربت Emily Thornberry وزيرة الشئون الخارجية البريطانية في تصريح لها عن تقديرها بأن علي رئيسة وزراء بريطانيا  Theresa Mayالإعتذار لدي رؤساء دول وحكومات الكومنولث البريطاني للإخفاقات التي إقترفتها الحكومة البريطانية , وأعريت عن إعتقادها بأنه ينبغي علي رئيسة وزراء بريطانيا السيدةTheresa May أن تستغل إنعقاد قمة الكومنولث البريطاني لإصلاح ما سببته بريطانيا من ضرر وأذي لشعب أرخبيل Chagos وكذلك لتصرفات السيدة Margaret Thatcher رئيسة وزراء بريطانيا الأسبق في ثمانينات القرن الماضي . * ( موقع africanews. بتاريخ 23 فبراير 2019)

إتبعت الحكومة البريطانية  تكتيكات الإرباك والخداع فقد تصرفت حيال قضية أرخبيل Chagos كما لو كانت ستبقي فيه أبد الدهر ففي أبريل 2010اتخذت الحكومة البريطانية قراراً من جانب واحد يقضي بإنشاء منطقة محمية تُعرف باسم المُتنزه البحري أو Parc marin وذلك في النطاق البحري المُحيط بأرخبيل Chagos بدعوي الحفاظ علي البيئة البحرية والأحياء بها والواقع – وهو ما أتفق معه – أن الدافع الحقيقي وراء هذا القرار ظهر لاحقاً بنشر موقع Wikileaks برقيات مُتبادلة في هذا الشأن بين الجانبين البريطاني والأمريكي فقد تبين من مضمونها أن الدافع من إقامة المُتنزه البحري كان لمنع عودة سكان Chagos للأرخبيل للأبد وهو ما تذرعت به الحكومة البريطانية أمام محكمة التحكيم التي تعمل تحت سلطة الأمم المُتحدة والمُكونة من 7 قضاة والتي لجأ إليها الطرفين المُتنازعين وهما بريطانيا وموريشيوس  إذ حكمت هذه المحكمة في مارس من عام 2015 بأن  إنشاء بريطانيا للمُتنزه البحري غير قانوني ولذلك فقد صرح Philippe Sands المحامي العام لموريشيوس (بريطاني/ فرنسي) تعليقاً علي إمتناع دول عدة من الإتحاد الأوروبي عن التصويت بالجمعية العامة بشأن إحالة النزاع لمحكمة العدل الدولية قائلاً ” يبدو الأمر وكأنه نزيف دعم من الإتحاد الأوروبي لبريطانيا  وربما لو كان هذا قد حدث قبل بضع سنوات أي قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي لكان الوضع مختلفا ” , من جهة أخري صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية البريطانية ” أن بريطانيا ستدافع بقوة عن موقفها ” , وقد جاء هذا التصريح قبل شهور قليلة من نظر محكمة العدل الدولية للنزاع وفي نهاية عدة تصريحات من مسئوليين بريطانيون تعهدوا فيها مراراً وتكراراً بتسليم الأرخبيل إلى موريشيوس عندما لم يعد ضرورياً لأغراض الدفاع * ( موقع VOA بتاريخ 31 أغسطس 2018) وهو معيار مطاطي ولن يحدث , لكن هذا هو الأسلوب التقليديالذي درج عليه الساسة البريطانيين .

دخلت المملكة المتحدة في مفاوضات مع بورت لويس حول مستقبل جزر تشاجوس بعد ضغوط دولية , لكن حكومة المحافظين البريطانية قالت إنه مهما كانت نتيجة المحادثات بين البلدين فإن القاعدة العسكرية البريطانية الأمريكية المشتركة في دييجو جارسيا ستستمر في العمل من قبل الحلفاء .

أما بالنسبة للولايات المتحدة فهي وعمداً لا تثير صخباً حول قضية أرخبيل Chagos ليس لأنها خلافية ولكن لأنها لازمة للمصالح العُليا الأمريكية وهو موقف سيستمر قبل وبعد عرضها علي محكمة العدل الدولية وإلي يوم القيامة , إذ دائماً ما يكرر المسئوليين الأمريكيين القول بأن مشكلة Chagos تتعلق بالمملكة المتحدة وموريشيوس , إلا أن هناك إتجاه في موريشيوس نمي أكثر فأكثر بعد صدور الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية في 25 فبراير 2019 يدعو إلي ضرورة التعامل مع الولايات المتحدة لا بريطانيا فيما يتعلق بأرخبيل Chagos ككل وجزيرةDiego Garcia علي وجه التعيين بما أنها وفقاً للرأي الإستشاري للمحكمة تعد جزءاً لا يتجزأ من موريشيوس

في النهاية نهاية ضغوط موريشيوس والهند دخلت المملكة المتحدة في مفاوضات مع بورت لويس حول مستقبل جزر تشاجوس بعد ضغوط دولية , فالموقف الهندي إعتمدت عليه كثيراً حكومة موريشيوس وهو موقف من الضروري فهم خلفيته , فالهند تدعم موقف حكومة موريشيوس بالنسبة لقضية إستعادتها لأرخبيل Chagos من بريطانيا بما فيه جزيرةDiego Garcia , وهو الأرخبيل الذي تؤمن حكومة موريشيوس أنه جزء لا يتجزأ من أراضيها وسيادتها , وفي سبيل رؤية أوسع نطاقاً للموقف الهندي من قضية أرخبيل Chagos وجزيرة Diego Garcia يحسن الذهاب إلي ما يتصل بهذا الأرخبيل وجزره الأخري فكما إرتبط الموقف الأمريكي من قضية أرخبيل Chagos بالمصالح الأمريكية مُمثلة في القاعدة الأمريكية بجزيرةDiego Garcia , فقد أصبح الموقف الهندي من قضية هذا الأرخبيل في سبيلها لأن تكون كالموقف الأمريكي أو تكاد وأن تكون كذلك , فهناك أرخبيل آخر يتبع موريشيوس وهذا الأرخبيل المُكون من جزيرتين إحداهما جزيرة تُدعي Agaléga وهي واقعة شمال المنطقة البحرية الإقتصادية الخالصة لموريشيوس , وتقع هذه الجزيرة علي بعد 1,122 كم من Port Louis عاصمة موريشيوس ويسكنها 300 نسمة (أو 280 نسمة في قول آخر) , وتكمن أهمية هذا الأرخبيل  في أنه يقع في قلب لعبة الشطرنج التي بدأها لاعباها وهما الهند والصين منذ أوائل عام 2000 , فهناك ثمة صراع بارد وكامن بين الصين والهند للتواجد والتمركز والإستثمار في أرخبيل Agaléga وقد شكلت الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس وزراء الهند Narendra Modi لموريشيوس في مارس 2015 قلقاً لدي الصين , ففي هذا العام 2015 وقعت الهند إتفاقيات عدة مع حكومة موريشيوس منها ما يتعلق بتنمية أرخبيل Agaléga وتحويله إلي مقصد للسياحة البيئية بإستثمار هندي يُقدر بنحو 500 مليون دولار , ويخشي مراقبون أن تتحول جزيرتي Agaléga إلي Diego Garcia أخري لكن بمذاق هندي هذه المرة * ( موقع GEO بتاريخ 17 ديسمبر 2018) , فالهند تنشط في التحرك بإتجاه حلفاء الصين بالمحيط الهندي ومنهم سيشل التي وقعت الهند معها أيضاً إتفاقيات منها ما يتعلق بإقامة بني أساسية عسكرية هندية بها وتحديداً بجزيرةl’Assomption التابعة لسيشل والواقعة إلي الجنوب الغربي  علي بعد 1,140 كم منها وتبلغ مساحتها 11,07 كم مربع .

والولايات المتحدة وبريطانيا معاً يهمهما جذب الهند إلي جانبهما بعيداً عن الصين في فضاء المحيط الهندي ,  فالأمريكيون يعملون علي في أهمية الهند ف إطار الإستراتيجيات التي تضعها القوي البحرية الدولية بشأن المحيط الهندي , ومن بين الإشارات الدالة علي ذلك تغيير مُسمي القيادة العسكرية الأمريكية في المحيط الهادئ USPACOM ليكون القيادة العسكرية الأمريكية للمحيطين الهادئ والهندي  INDOPACOM (هناك حالياً تفسير موسع لحدود آسيا والمحيط الهادئ نشأ عن الفكر الإستراتيجي العسكري الأمريكي مع إنشاء القيادة العسكرية للمحيط الهادئ , فقد تحددت منطقة مسؤولية القيادة في أسطول الولايات المتحدة السابع في المحيط الهادي في هاواي لتكون من جزيرة Diego Garcia في المحيط الهندي وتمتد نحو المحيط الهادئ) خاصة وأن الولايات المتحدة تعي الدور الذي تلعبه الدبلوماسية الصينية في محاولة تذويب الفوارق في المفاهيم الإستراتيجية بين القوي الإقليمية الآسيوية وذلك من خلال منظمة شنجهاي للتعاون Organisation de coopération de Shanghai التي من بين أعضاءها أربع قوي نووية يبلغ عدد سكان أعضاءها 3 مليار نسمة  .

أُنشئ مرفق الدعم البحري الأمريكي في أوائل السبعينيات بعد الطرد القسري لسكانها الأصليين من الجزيرة من قبل الحكومتين البريطانية والأمريكية ويعمل بمثابة الحلقة الأخيرة في سلسلة لوجستية طويلة تدعم الوجود البحري الأمريكي والبريطاني الحيوي في المنطقة لكن موقعه البعيد دفع أصحاب نظريات المؤامرة إلى الإشارة إلى أن دييجو جارسيا يلعب دورًا أكثر شرًا كموقع أسود لوكالة المخابرات المركزية بل ويعتقد البعض أن الجزيرة كانت متورطة في الاختفاء الغامض لرحلة الخطوط الجوية الماليزية رقم 370 وفي الوقت نفسه يواصل سكان شاجوس الأصليون نضالهم من أجل العودة إلى موطن أجدادهم .

من الجدير بالإشارة إلي أن هناك ثمة حالة جديدة شبيهة بما حدث في أرخبيل شاجوس تتكرر في إستراليا  ففي سبتمبر 2023 أُعلن أن أستراليا تخلت عن التزامها الذي قطعته على نفسها في عام 1984 أمام الأمم المتحدة “بأنها لم تكن لديها أي نية لتحويل جزر كوكوس Cocos (كيلينج) إلى قاعدة عسكرية استراتيجية أو استخدام الإقليم لهذا الغرض”. فهل تتجاهل حكومة حزب العمال تحذيرات الراحل ريتشارد وولكوت (كان ممثل أستراليا الدائم لدى الأمم المتحدة في عام 1984) وتجعل من جزر كوكوس نسخة عسكرية من الولايات المتحدة دييجو جارسيا ؟ , ففي 2 سبتمبر2023 نشرت ABCتقريرًا خاصًا حول الخطط الرئيسية التي وضعتها وزارة الدفاع للتوسع الكبير في المطار والمرافق المرتبطة به في جزيرة كوكوس وأوضحت المخاوف الخطيرة لدى بعض سكان الجزر وغيرهم من السكان المحليين بشأن التأثير السلبي الذي من المحتمل أن تحدثه هذه المشاريع على المجتمع وبيئته مع خطر تغير المناخ الكامن في المستقبل وأشارت أيضًا إلى المخاوف المحلية بشأن ارتفاع مستوى التهديد الجيوستراتيجي الذي قد يفرضه ذلك على جزر كوكوس حتى أن البعض شعر بالقلق من أن المجتمع المحلي قد يضطر إلى الخروج من كوكوس – مثلما حدث للسكان المحليين الذين اضطروا إلى إفساح المجال أمام المصالح الدفاعية الأمريكية في دييجو جارسيا – غربًا في المحيط الهندي , ولم تذكر الصحيفة أو تشر إلي الالتزام الذي تعهدت به الحكومة الأسترالية آنذاك في عام 1984 للأمم المتحدة كجزء من الاتفاق على قانون تقرير المصير لجزر كوكوس الذي سيتم دمجه في أستراليا في عام 2012ردًا على حديث وزارة الدفاع حول توسيع المطار والمرافق في كوكوس تحت ضغط من الولايات المتحدة التي أرادت الوصول إلى طائراتها بدون طيار بعيدة المدى هناك   .

 الوضع الحالي بشأن إستعادة موريشيوس لأرخبيل شاجوس :

في عام 2022 أعلن كليفرلي وزير الخارجية البريطاني أن المحادثات بشأن مستقبل أرخبيل شاجوس قد بدأت , وقد ، جرت أربع جولات من المفاوضات في 23 و24 نوفمبر2022 و11 و12 يناير و23 و24 فبراير و2 و3 يونيو 2023 , وبالرغم من أن حكومة موريشيوس تزعم أنه تم إحراز تقدم “بناء” في المفاوضات المتعلقة بسيادة موريشيوس على شاجوس إلا أنه في الواقع لا تزال هناك بعض العقبات الخطيرة التي يتعين التغلب عليها ففي نوفمبر 2022 أكدت الحكومتان البريطانية وموريشيوس في وقت واحد تقريباً في بيان أنهما واثقتان من إبرام اتفاق “أوائل العام المقبل” ومع ذلك وبعد مرور 11 شهرًا فلا تزال هناك مجالات كبيرة من الخلاف دون حل وتشمل هذه من بين أمور أخرى النقاط الفنية والقانونية بالإضافة إلى التعويضات والشروط المحتملة المتعلقة باستئجار القاعدة العسكرية الأمريكية الموجودة في دييجو جارسيا ويشمل ذلك على وجه الخصوص المبلغ الذي سيتم دفعه لحكومة موريشيوس مقابل استئجار هذه القاعدة ولكن حسن النية سائد ونحافظ علىه حكومة موريشيوس ومن المقرر إجراء جولة جديدة من المفاوضات من الآن وحتى الأول من أكتوبر2023 بين ممثلي موريشيوس وبريطانيا من أجل إيجاد حل يناسب الطرفين كما تمت مناقشة قضية شاجوس خلال الاجتماع الذي عقد يوم 9 سبتمبر2023 بين برافيند جوجنوث ونظيره البريطاني ريشي سوناك في نيودلهي على هامش قمة مجموعة العشرين , وفي بيان صحفي صادر عن 10 داونينج ستريت عقب هذا الاجتماع يمكننا أن نقرأ: “قام [الزعيمان السياسيان] أيضًا بتقييم التقدم المحرز حتى الآن في المفاوضات بين موريشيوس والمملكة المتحدة بشأن ممارسة السيادة على جزر الهند البريطانية” إقليم المحيط /أرخبيل تشاجوس واتفق رئيسا الوزراء على الاجتماع مرة أخرى قريبا. » عقد لقاء جديد بين الرجلين تم تأكيده من خلال البيان الصحفي الصادر عن مجلس الوزراء الموريشيوسي الصادر في 9 سبتمبر2023 , كما أنه وخلال مؤتمر صحفي عقد في مكتب زعيم المعارضة الموريشسية بشأن ملف شاجوس عُقد يوم 4 يوليو2023 أوضح كزافييه لوك دوفال زعيم المعارضة في موريشيوس أن مسألة الإشعار الخاص (PNQ) تصب في المصلحة الوطنية وقال أيضًا إنه على اتصال منتظم بزعيم المعارضة البريطانية السابق جيريمي كوربين وأقر بأنه تحدث إليه مباشرة بعد PNQ يقول زعيم المعارضة إنه مقتنع بأن رئيس الوزراء كان واضحًا بأن موريشيوس لن تتنازل عن سيادة دييجو جارسيا للإنجليز ويأمل أن يتم التوصل إلى حل قريبا لكن كزافييه أوضح أن المعارضة لا تريد أن يجد السكان أنفسهم في مواجهة أمر واقع وهو يريد أن يتم إعلام السكان وخاصة سكان شاجوس الذين يعيشون في العديد من البلدان بتطور المناقشات بين موريشيوس وبريطانيا العظمى حول هذا الموضوع  , كما أن وزير الخارجية البريطاني 20 قال في يوليو 2023 إنه أكد لنظيره الأمريكي أن أي اتفاق لتسليم سلسلة جزر في المحيط الهندي إلى موريشيوس سيضمن إمكانية استمرار العمليات العسكرية الأمريكية في قاعدة دييجو جارسيا بطريقة “بلا قيود” , فلندن تتفاوض بشأن تسليم جزر شاجوس إلى موريشيوس مما يسمح بعودة سكان الجزر الذين تم إزالتهم منذ عقود كجزء من صفقة لإنشاء القاعدة العسكرية , وعلى الرغم من أن المنشأة أو القاعدة الأمريكية في دييجو جارسيا ستبقى بموجب أي اتفاق إلا أن الجمهوريين في الولايات المتحدة حذروا من أنه لن يكون هناك ما يمنع الصين من إجراء عمليات مراقبة على جزيرة مجاورة , وعلي العموم فإن جيمس كليفرلي وزير الخارجية البريطاني قال لموقع DailyMail.com إنه وعد وزير الخارجية أنتوني بلينكن بأنه يفهم أهمية القاعدة وقال قبيل عودته من الولايات المتحدة إلى لندن: “إنهم يعلمون أنني أفهم تمامًا مدى أهمية العمليات ضد دييجو جارسيا ويعلمون أننا سنحميهم تمامًا” , ومع ذلك فقد رفض شرح كيفية منع زحف النفوذ الصيني مشيرًا إلى أهمية الحفاظ على خصوصية المفاوضات التي قيل نقلاً عن الجانب الموريشيوسي أن  مورشيوس تأمل في تلقي مبلغ 50 مليار روبية سنويًا لاستخدام القاعدة العسكرية لدييجو جارسيا وتعويض عن 50 عامًا من استخدام القاعدة العسكرية وتكلفة إعادة تسجيل 1500 شاجوسي وتعويض مناسب للعائلات الصغيرة بعد عقود من المعاناة فالمعارضة الموريشيسية تعتقد أنه أمر جيد أن تدفع الولايات المتحدة 3 مليارات روبية سنويًا لقاعدة عسكرية أكثر أهمية في جيبوتي ويفيد تقرير KPMG فيما هناك تقدير بأن تكلفة نقل الشاجوسيين قد تصل إلى 15 مليار روبية  .

تعد القاعدة المؤجرة للولايات المتحدة في جزيرة دييجو جارسيا نقطة انطلاق حاسمة للمهام في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط ولعبت دورًا في الصراعات وحالات الطوارئ بدءًا من الثورة الإيرانية وحتى عملية الحرية الدائمة في أفغانستان  , وتؤكد الولايات المتحدة أن مرفق الدعم البحري في دييجو جارسيا يمنح الولايات المتحدة “حاملة طائرات غير قابلة للغرق” في المحيط الهندي وباعتبارها جزءًا من إقليم المحيط الهندي البريطاني تسيطر عليها لندن  التي استأجرت منشأة عسكرية للولايات المتحدة منذ عام 1966عندما كانت واشنطن حريصة على توسيع نفوذها في المحيط الهندي في ذروة الحرب الباردة  , وموقعها هام وإستراتيجي جداً فهي تقع على بعد حوالي 2200 ميل شرق الساحل الأفريقي لتنزانيا و1200 ميل غرب الطرف الجنوبي للهند – يمنح قاذفاتها الثقيلة إمكانية الوصول إلى سلسلة من الأهداف البحرية والعسكرية الرئيسية  وتم الانتهاء من مرافق الميناء لاستيعاب شركات النقل الجوي في عام 1985 , كما تم بناء مطار بعد أربع سنوات مما سمح بوصول قاذفات القنابل B52 Stratofortress وطائرات التزود بالوقود الجوي وتستضيف الجزيرة المرجانية أيضًا السرب الثاني للتمركز المسبق لمشاة البحرية الأمريكية والذي يتكون من سبع سفن محملة بالدبابات وناقلات الجنود المدرعة والذخائر والوقود وقطع الغيار وحتى مستشفى ميداني متنقل للانتشار السريع في مناطق الحرب , وتتركز المخاوف بشأن مستقبلها والتي أثارها النائب مايك والتز وهو عضو سابق في القبعات الخضراء ويرأس اللجنة الفرعية للاستعداد التابعة للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي ومن بين هذه المخاوف العلاقات الاقتصادية المتنامية بين الصين وموريشيوس في الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى توسيع نطاق وصولها إلى المحيط الهندي وكتب كولن كال وكيل وزارة الدفاع في رسالة مؤرخة في عام 2023 تمت مشاركتها مع “وزارة الدفاع تشارككم مخاوفكم بشأن اهتمام جمهورية الصين الشعبية بتعميق العلاقات مع موريشيوس ودول شرق إفريقيا الساحلية التي تشكل الحدود الغربية للمحيط الهندي” , وبصفة مُحددة قال وزير الخارجية البريطاني كليفرلي وأكد أن مستقبل القاعدة في دييجو جارسيا كان جزءًا حيويًا من المفاوضات كما قال     إنه أكد لنظيره الأميركي أن أي اتفاق لإعادة الأرخبيل إلى موريشيوس سيضمن استمرار العمليات العسكرية الأميركية “دون عوائق” وأوضح قوله : ” إنني لن أخوض في المفاوضات الجارية مع موريشيوس لكنني كنت أؤمن دائمًا أنه من الأفضل إجراء المفاوضات بشكل سري وسرية ومهنية فهذا هو المبدأ الذي عملت عليه دائمًا وقد نجح بالنسبة لي لذا سألتزم به” , “لكن النقطة التي أوضحتها – لقد أوضحت هذه النقطة مباشرة للولايات المتحدة – هي أننا نأخذ بالتأكيد القدرة على العمل من دييجو جارسيا كعنصر رئيسي مطلق في هذا وسوف نضمن بالتأكيد أننا سنكون قادرين على الاستمرار في ذلك” وإنني افعل ذلك بطريقة غير مقيدة  .

 ديجو جارسيا بديل نموذجي للولايات المتحدة وبريطانيا في إستراتيجتهما البحرية بالمحيط الهندي :

في أواخر يوليو2023 سافر الرئيس السريلانكي رانيل ويكرمسينج إلى نيودلهي للقاء رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي  تناولتهذه الزيارة العديد من القضايا المهمة مثل زيادة الاتصالات بين البلدين ومع ذلك كان هناك بند واحد على جدول الأعمال لم يحظ باهتمام إعلامي كبير على الرغم من تأثيره المحتمل على الأمن الإقليمي في المحيط الهندي وهو إجراءات التشغيل الموحدة الجديدة في سريلانكا (SOP) لتحديد السفن والطائرات العسكرية وغير العسكرية التي يمكنها زيارة البلاد فقد بدأت سريلانكا في تطوير إجراءات التشغيل القياسية بعد أن قامت سفينة صينية لتتبع الأقمار الصناعية والصواريخ تدعى يوان وانج 5 بزيارة مثيرة للجدل إلى ميناء هامبانتوتا بجنوب سريلانكا في أغسطس 2022 وقد طلبت الهند مثل هذا الإجراء التشغيلي الموحد وسط تصعيده لنزاعها الحدودي مع الصين ولكنها لم تكن القوة الكبرى الوحيدة المهتمة بالوضوح فيما يتعلق بالوصول إلى الموانئ الاستراتيجية في دول جنوب آسيا الأصغر فمثل هذه التطورات كالتي حدثت في سريلانكا لها آثار أوسع نطاقاً على وصول القوى الكبرى إلى المحيط الهندي فقد ظلت سريلانكا لفترة طويلة بمثابة محطة توقف للسفن التجارية والمدنية والعسكرية بسبب موقعها على طول الممرات البحرية الرئيسية بين الشرق والغرب في وسط المحيط الهندي ويعد ميناء كولومبو دائمًا أعلى ميناء في جنوب آسيا في قائمة لويدز التي تضم 100 ميناء للحاويات حتى بعد الأزمة السريلانكية في عام 2022 .

فالوصول العسكري للموانئ السريلانكية بالمحيط الهندي لعبت فيه سريلانكا دورًا حاسمًا في العقود الأولى من الحرب الباردة في مرحلة إتباع سياسة عدم الانحياز في سريلانكا في الانتخابات عام 1956 عندما دعت القيادة الجديدة المملكة المتحدة إلى إخلاء قواعدها البحرية والجوية في البلاد وكشف التحول في سياسة كولومبو كيف يمكن للقرارات السياسية التي تتخذها دولة أصغر أن تؤثر على حسابات الطموحات الاستراتيجية للقوى الكبرى ونتيجة لهذا التحرك من قبل دولة أصغر في جنوب آسيا بحثت المملكة المتحدة عن قاعدة في جزر المالديف – وهي دولة أخرى أصغر في جنوب آسيا وتلقت لندن منافسة أولية لإحياء قاعدتها في زمن الحرب في جنوب جزر المالديف وأكملت بنائها في النهاية ومع ذلك فإن العقبات التي قدمتها الحكومة اللاحقة دفعت كلاً من المملكة المتحدة وشريكتها في التحالف، الولايات المتحدة إلى إعطاء الأولوية لقواعد عسكرية بديلة بسبب الحالة غير المؤكدة للعلاقات مع دول المنطقة وسرعان ما حددوا دييجو جارسيا  كموقع في جزر  أرخبيل شاجوس , وظل السعي لإنشاء قاعدة عسكرية لبريطانيا وللولايات المتحدة  ينطوي على إنهاء استعمار موريشيوس بشكل غير لائق وطرد السكان المحليين من سكان شاجوس – وهي القرارات التي لا تزال حتي ما قبل إصدار محكمة العدل الدولية لرأيها الإستشاري في 25 فبراير2019 مصدراً لجدل كبير, أما اليوم فتواجه قاعدة دييجو جارسيا تحديات كبيرة من نوع مختلف هو الكيفية التي سيُسلم بها أرخبيل شاجوس وفي مقدمته جزيرة ديجو جارسيا لموريشيوس فعلى الرغم من كونها دولة صغيرة فقد خاضت موريشيوس معركة قانونية ودبلوماسية ناجحة بشكل متزايد مع المملكة المتحدة للسيطرة على أرخبيل شاجوس وفي الوقت نفسه، شهدت موريشيوس حدود القانون الدولي والدبلوماسية فالمملكة المتحدة – وبالتالي الولايات المتحدة – لا تزال لديها قوات عسكرية موجودة في دييجو جارسيا, وقد دخل النزاع مرحلة جديدة في نوفمبر 2022 عندما وافقت المملكة المتحدة على إجراء مناقشات ثنائية مع موريشيوس لإيجاد حل ولا تزال هذه المفاوضات جارية كما أن القدرات المتفاوتة للدول الصغيرة مثل موريشيوس وجزر المالديف وسريلانكا في تحديد معايير القواعد العسكرية والوصول إلى المحيط الهندي لها آثار كبيرة على الطريقة التي ينبغي للولايات المتحدة وحلفائها أن يتعاملوا بها مع هذه القضية في المستقبل فعندما دخلت يوان وانج 5 هامبانتوتا في أغسطس 2022 تسببت في عاصفة دبلوماسية وإعلامية وأصبحت الصين على نحو متزايد دولة خارج المنطقة مثيرة للقلق بسبب أنشطتها في المحيط الهندي وبعد خمس سنوات من موافقة مشروع مشترك ذو أغلبية صينية على دفع ما يقرب من مليار دولار لاستئجار ميناء هامبانتوتا يبدو أن حكومة سريلانكا سمحت أخيرا لسفينة صينية بزيارة الميناء الذي بنته وتموله الصين وكانت الحكومة السريلانكية قد سمحت في السابق للسفن والطائرات العسكرية من دول أخرى من خارج المنطقة بزيارة ميناء هامبانتوتا مثل الولايات المتحدة وروسيا واليابان , لكن كان الوصول الوشيك للسفينة الصينية قد دفع مسؤولين من الهند والولايات المتحدة إلى مطالبة سريلانكا بإلغاء التصريح الدبلوماسي للزيارة والذي تمت الموافقة عليه في اليوم السابق لفرار الرئيس السابق جوتابايا راجاباكسا من البلاد وتصاعدت التوترات بين الهند والصين في السنوات الأخيرة بسبب الصراع الحدودي بين البلدين وكانت الهند تشعر بالقلق إزاء السفينة الصينية التي تزور هامبانتوتا للمرة الأولى وخاصة سفينة تتبع الأقمار الصناعية والصواريخ , وباعتبار سيريلانكا دولة أصغر حجماً تواجه عدم التكافؤ في القوى فقد مارست دبلوماسية محمومة مع الهند والصين والولايات المتحدة وبدا أنها توصلت إلى حل وسط فقد تمت الزيارة ولكن بعد خمسة أيام من الموعد المقرر .

سلطت هذه الأزمة الدبلوماسية الإضافية الضوء في سريلانكا الغارقة بالفعل في أزمات اقتصادية وسياسية  على تقلص المساحة المتاحة لوكالة دولة أصغر في متابعة تفضيلاتها في السياسة الخارجية على خلفية المنافسة الاستراتيجية المتزايدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ منذ الاستقلال وقد تمكنت سريلانكا إلى حد كبير من الحفاظ على الاستقلال الذاتي في إدارة عمليات الموانئ فالموانئ تمثل بُعدًا مهمًا للسياسة الخارجية لسريلانكا والتي تضرب بجذورها تقليديًا في ثقافة الانفتاح في الاستراتيجية البحرية التي ترى قيمة في تقديم خدمات الموانئ لمعظم السفن وأطقمها بعد اجتياز عملية التدقيق , فالنهج الذي اتبعته سريلانكا في التعامل مع زيارات الموانئ الأمريكية في السبعينيات ففي ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة هي القوة الإقليمية المثيرة للقلق في المحيط الهندي وكانت العلاقات بين الولايات المتحدة والهند بعيدة كل البعد عن الارتقاء الذي شهدناه مؤخرًا خلال رحلة رئيس الوزراء مودي إلى الولايات المتحدة ووقتذاك واعترضت الهند على الوجود الأمريكي في دييجو جارسيا ومع ذلك كانت كولومبو واحدة من عدد قليل من الموانئ التي أتاحت للسفن الأمريكية الوصول إلى الوقود والإمدادات الأخرى في وقت تم فيه إغلاق العديد من موانئ المحيط الهندي أمام البحرية الأمريكية على الرغم من كونها جهة فاعلة رئيسية في حركة عدم الانحياز إلا أن سريلانكا كانت لا تزال على استعداد لتوفير الوصول إلى السفن الأمريكية التي تعبر مسافات طويلة في المحيط الهندي , إن إجراءات التشغيل القياسية الجديدة في سريلانكا والمنافسات المتزايدة بين الهند والصين والولايات المتحدة والصين والدور التاريخي لدول جنوب آسيا الصغيرة خلال الحرب الباردة والمناقشات الجارية بين موريشيوس والمملكة المتحدة حول أرخبيل جزر شاجوس كلها تذكر المراقبين بأهمية الدول الصغيرة في توفير القاعدة والوصول للقوى الكبرى وبعيداً عن المحيط الهندي تشير الرحلة التي قام بها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن مؤخرا إلى بابوا غينيا الجديدة إلي الحاجة إلى وصول أكبر للولايات المتحدة وحلفائها عبر منطقة المحيط الهادئ الهندية الشاسعة ومع ذلك، في حين قد تبدو الدول الصغيرة كسيريلانكا وكأنها تكتسب نفوذاً باهتمام أكبر فإن مجالها للمرونة في إدارة سياستها الخارجية المفضلة وغالبًا ما يكون محدودًا بسبب حاجتها إلى الموارد اللازمة لمعالجة أهداف التنمية الاقتصادية والمخاوف الأمنية غير التقليدية و السؤال الكبير المطروح الآن هو كيف ستنفذ سريلانكا الإجراء التشغيلي الموحد الجديد عند مراجعة طلبات الصين لزيارة الموانئ؟ فهل تتبع سريلانكا مساراً مماثلاً لذلك الذي رسمته خلال الحرب الباردة ؟ ثم كانت على استعداد للسماح للولايات المتحدة بزيارة السفن باعتبارها قوة من خارج المنطقة على الرغم من تفضيلات الهند أم أنها ستقرر أن أي زيارة عسكرية صينية أو سفينة مملوكة للدولة تستحق العواقب الدبلوماسية والاقتصادية ؟ فمنذ تداعيات رد فعل الهند على زيارات الغواصات الصينية في عام 2014 لم تسمح سريلانكا لغواصة صينية أخرى بزيارة موانئها حتى أن رويترز ذكرت أن سريلانكا رفضت طلبًا من الصين في عام 2017 , لكن ونظراً للأزمات الاقتصادية والسياسية التي شهدتها سريلانكا خلال العام الماضي أصبحت الآن في موقف أكثر صعوبة لأنها تعتمد على مساعدة الهند في التعافي اقتصادياً وتعتمد عليها في التعاون الأمني ​​البحري القوي وإذا ما قررت سريلانكا التوقف عن توفير الوصول إلى السفن الحكومية والعسكرية الصينية فهل تسعى الصين إلى التوقف في أماكن أخرى كما هو الحال في جزر المالديف؟ فهل تستطيع هذه الدولة الصغيرة الواقعة في جنوب آسيا أن تلعب مرة أخرى دوراً حاسماً في توفير الوصول إلى القوى الكبرى في وسط المحيط الهندي؟ وفي ظل القيادة الحالية للرئيس إبراهيم محمد صليح لا تبدو هذه النتيجة مرجحة ومع ذلك سمحت الإدارتان السابقتان بزيارات السفن البحرية الصينية فمن المقرر أن تجري جزر المالديف انتخابات رئاسية الشهر المقبل والنتيجة أبعد ما تكون عن الوضوح في الوقت الحاضر فهي مثل سريلانكا فقد واجهت جزر المالديف تحديات باعتبارها دولة أصغر في إدارة الضغوط الناجمة عن التنافس بين الصين والهند , ومع ذلك فإن أحد التطورات التي لا محل شك فيها هو أن السفن الصينية ستستمر في الانتشار في المحيط الهندي مع ظهور أنواع جديدة في المستقبل ففي هذا الأسبوع من سبتمبر 2023 وردت تقارير عن زيارة سفينة صينية لميناء كولومبو ويمكن لصناع القرار في الولايات المتحدة أن يفكروا في زيادة توفير موارد الأمن البحري للدول الأصغر في المحيط الهندي والتي تسعى باستمرار إلى زيادة القدرة التقنية لإدارة موانئها  فسريلانكا تتمتع بالفعل بعلاقة طويلة الأمد مع برنامج أمن الموانئ الدولي التابع لخفر السواحل الأمريكي والذي يتواجد فريقه حاليًا في البلاد لتقديم الدعم للبحرية السريلانكية وهيئة الموانئ السريلانكية.

هناك ميل وتفضيل أمريكي واضح للدخول في شراكة مع الهند لتعزيز أمن المحيط الهندي ويمكن كذلك للولايات المتحدة أن تستفيد من المزيد من التعاون مع الدول الأصغر في المنطقة والاستثمار فيها ففي عام 2018 أعادت الولايات المتحدة تنظيم أكبر قيادة مقاتلة لها، PACOM إلى INDOPACOM، مما يعكس التحول في استراتيجية الولايات المتحدة التي أدركت أهمية المحيط الهندي للأمن الوطني والدولي كان هذا تحولًا عن الموقف السابق للولايات المتحدة – على الرغم من تركيز استراتيجية الأمن القومي على منطقة المحيطين الهندي والهادئ باعتبارها مساحة استراتيجية حاسمة فمن الواضح للولايات المتحدة في السابق أن المحيط الهندي كان ثانويًا بالنسبة للمحيط الهادئ رغم أن القاعدة الأمريكية في دييجو جارسيا كان لها أيضاً أهميتها الحيوية لعملياتها في الشرق الأوسط لكن مع زيادة وجود الصين في هذه المنطقة تتزايد أهمية منطقة المحيط الهندي (IOR) بالنسبة للتخطيط الأمني ​​الأمريكي , لكن مع ذلك لا يزال نهج الولايات المتحدة تجاه المنطقة جزئياً فمن ناحية تعمل الولايات المتحدة على زيادة تعاونها اللوجستي والإمدادي مع الهند القوة المهيمنة في مجال IOR فضلاً عن تحسين التكنولوجيا والمرافق الخاصة بها في المنطقة ومن ناحية أخرى يجب على الولايات المتحدة أن تدرك الانزعاج المحتمل الذي قد تشعر به الهند إذا رأت أنها قد أُزيلت من موقعها البارز في المنطقة فقد كانت الولايات المتحدة أيضًا بطيئة في توسيع نطاق التعاون مع دول أخرى في المحيط الهندي فهي لم تتبن استراتيجية الصين الشاملة المتمثلة في توسيع مشاركتها غير العسكرية في منطقة العمليات الإقليمية بل ركزت بدلاً من ذلك على وجودها العسكري ولأن كلاً من الهند والولايات المتحدة تشعران بالقلق من النفوذ البحري المتزايد للصين فقد أصبحت الهند ناقلًا رئيسيًا لزيادة الاستثمار الأمريكي في أمن المحيط الهندي فخلال الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الوزراء ناريندرا مودي مؤخرا إلى واشنطن أعلنت الولايات المتحدة والهند عن أحدث اتفاقية في سلسلة من اتفاقيات التعاون البحري من شأنها أن تسمح للبحرية الأمريكية باستخدام الموانئ الهندية كمراكز لوجستية ويأتي ذلك في أعقاب سلسلة من الاتفاقيات اللوجستية وتبادل المعلومات السابقة التي أدت إلى زيادة الشراكة الأمنية الثنائية في المحيط الهندي وتعمل الولايات المتحدة أيضًا على تحسين تدفق المعلومات الاستخباراتية والمرافق في المنطقة ففي سبتمبر 2021 أنفقت الولايات المتحدة ما يقرب من 250 مليون دولار على تحسين المرافق الأساسية مثل مدارج الطائرات وأبراج مراقبة الطائرات ومرافق الصيانة ومباني العمليات الأساسية وفي فبراير 2022 قام طاقم سفينة الكابلات الأمريكية CS Dependable بتركيب كابل من الألياف الضوئية تحت الماء سرًا إلى القاعدة البحرية الأمريكية دييجو جارسيا وهي مركز معلومات رئيسي يعزز رابط الإنترنت عالي السرعة ويعكس هذا استعداد الولايات المتحدة في منطقة IOR في حالة وجود أي مخاطر أو مخاوف أمنية جديدة ومع ذلك فإن علاقة الولايات المتحدة مع الدول الأصغر في المنطقة لا تزال متخلفة ففي المحيط الهادئ كانت الولايات المتحدة قادرة منذ فترة طويلة على تعزيز التعاون الأمني ​​من خلال اتفاقيات “فرسان السفن” مع نحو اثنتي عشرة دولة جزرية وفي المحيط الهندي لم تبرم حتى الآن سوى سيشيل اتفاقية مماثلة مع الولايات المتحدة وعلاوة على ذلك هناك تعامل دبلوماسي محدود مع دول IOR باستثناء الهند التي تشارك الولايات المتحدة كشريك حوار مع إحدى الهيئات الإقليمية لـ IOR – رابطة حافة المحيط الهندي (IORA) – ولكنها لا تشارك على الإطلاق في الهيئة الأخرى كالندوة البحرية للمحيط الهندي (IONS) وتغطي ثلاث سفارات أمريكية وملحقين دفاعيين فقط تعاملها مع الدول الجزرية السبع التابعة لـ IOR , فلقد تفوقت الاستثمارات الصينية على الولايات المتحدة أيضًا في البنية التحتية للموانئ في منطقة IOR ومن هامبانتوتا في سريلانكا إلى باجامويو في تنزانيا قامت الشركات الصينية ببناء وتشغيل العديد من الموانئ عبر المحيط الهندي كجزء من “طريق الحرير البحري” الصيني ومع قيام الصين ببناء المزيد من الموانئ وكابلات الألياف الضوئية والبنية التحتية البحرية التكميلية فإن الولايات المتحدة تخاطر بالتحول إلى لاعب هامشي من حيث التنمية الاقتصادية والأمنية مع الدول الأصغر ومع ذلك يعد موقف إدارة بايدن كشريك في حوار IORA والتزامها بالاستثمار في التحديات الإقليمية مثل تغير المناخ والأمن البحري والأمن الغذائي خطوة أولى جيدة  .

يظل من الصعب على الولايات المتحدة أن يكون لديها استراتيجية موحدة فيما يتعلق بالمحيط الهندي ككل بينما يتم تقسيمه بواسطة INDOPACOM وCENTCOM و AFRICOM فهذا التقسيم يعيق قدرة خفر السواحل الأمريكي على معالجة القضايا الأمنية غير التقليدية المهمة للدول الجزرية الصغيرة من خلال منع وجود بيئة استراتيجية موحدة في المنطقة , وعلى الرغم من أن هناك مجالًا لنمو دور الولايات المتحدة في IOR فمن المهم أيضًا أن تعمل الولايات المتحدة على موازنة وجودها وقد أعربت الهند في السابق عن قلقها بشأن الضغط المتزايد من البحرية الأمريكية وتميل إلى رؤية المحيط الهندي باعتباره مجال نفوذها الطبيعي وبينما تواصل الولايات المتحدة دراسة وتطوير استراتيجيتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ فإنها ستستفيد من البحث عن التعاون مع الدول الصغيرة والاستثمار فيها بالإضافة إلى الهند لتعزيز الأمن الإقليمي والمساعدة في مواجهة الوجود الصيني المتزايد  .

إن جزيرة ديجو جارسيا تعطي مزية كبيرة للبحرية الأمريكية في المحيط الهندي لكن ذلك لا يكفي في ضوء الحركية التي تتمتع بها البحرية الصينية بفضل نمو الإستراتيجية البحرية الصينية في المحيطين الهادئ والهندي ففي 31 مارس 2022 وقعت حكومة جزر سليمان مع الصين الشعبية علي إتفاق أمني شامل ووقع الاتفاق وزير الخارجية الصيني  Wang Yi ونظيره من جزر سليمان Jeremiah Manele ولم يُكشف النقاب عنه ولا عن مكان التوقيع علناً وقد أخبر رئيس وزراء  Mannesseh Sogavare برلمانه في Honiara عاصمة جزر سليمان بعد يوم واحد من التوقيع أنه سيسمح للصين بإرسال أفراد من الشرطة والجيش إلى جزر سليمان ” للمساعدة في الحفاظ على النظام الاجتماعي” , كما يمكن أن تتوقف السفن الحربية الصينية في الميناء هناك من أجل “التجديد اللوجستي” , لكن رئيس وزراء جزر سليمان أصرعلى أن الاتفاقية لن تسمح للصين ببناء قاعدة عسكري , وهناك حالة تكاد ان تكون مُشابهة لحالة جزر سليمان والصين فيما يتعلق بإحتمال أن يؤدي الإتفاق الأمني المُوقع بين الصين وجزر سليمان إلي إنشاء الصين قاعدة عسكرية أو تواجد عسكري في جزر سليمان , وهذه الحالة هي حالة غينيا الإستوائية والصين الشعبية , فبعد أسبوع من قمة منتدي الصين / أفريقيا FOCAC الذي عُقد بداكار عاصمة السنغال في الفترة من 29-30 نوفمبر2021 تداولت المواقع الإخبارية بدءاً من 6 ديسمبر 2021 موضوع محاولة الصين الشعبية إقامة قاعدة بحرية لها في ميناءBata الواقع علي المحيط الأطلنطي , ويبعد بنحو 200 كم جنوب شرق العاصمة Malabo يينما تقع العاصمة Malabo في جزيرة Bioko وجاءت الإشارة لهذا الموضوع في تقرير نُشر بصحيفة Wall Street Journal الأمريكية لكن John Kirby الناطق باسم Pentágon رفض في مؤتمر صحفي عُقد في 6 ديسمبر 2021تأكيد محتوى هذا المقال الذي أحالت الصحيفة مضمونه علي تقارير استخباراتية أمريكية سرية (بدأت وكالات المخابرات الأمريكية في التقاط مؤشرات على النوايا العسكرية الصينية في غينيا الاستوائية عام 2019وفي هذا الحين حاولت إدارة الرئيس Trump إثناء الرئيس Obiang عن الإستجابة للرغبة الصينية , كما أشار  Kirby إلى أن الصين تسعى لإقامة قاعدة عسكرية في غينيا الاستوائية لكنه من جهة أخري أوضح أن :”هناك مخاوف تتعلق بالأمن القومي (الأمريكي) لقد رأينا الصين تحاول إقامة مواقع ولا أقول إن إرسال عسكريون لأجزاء أخرى من العالم , لمحاولة كسب النفوذ , كما أن الصين لديها سلوك قسري مع العديد من الدول الأفريقية وهي تحاول الترهيب والتأثير ببأعمال وتصرفات اقتصادية سعيا لتحقيق أهدافها الأمنية الوطنية” , لكن تصريح الناطق باسم Pentagon لا يعني عدم علم الإدارة الأمريكية بنوايا الصين تجاه غينيا الإستوائية , فقد ورد في التقرير السنوي لوزارة الدفاع الأمريكية لعام 2020 إلى الكونجرس توقع Pentagon بأن الصين ستضيف منشآت عسكرية على طول الساحل المحيط الهندي لأفريقيا في دول مثل كينيا وسيشيل وتنزانيا وساحل الأطلسي لأنجولا علي مدي السنوات الـ  15 نظرًا للكمية الكبيرة من النفط والغاز الطبيعي المسال المصدرة من غرب ووسط إفريقيا مما يجعل المنطقة ذات أولوية قصوى بالنسبة للصين , كذلك حذر مسؤولو دفاع أمريكيون منذ منتصف عام 2021 من أن الصين تدرس إقامة قاعدة بحرية في غينيا الاستوائية , وتوضيحاً لماهية هذه القاعدة المُحتملة قال Paul Nantulya وهو باحث مشارك في  Africa Center for Strategic Studiesالمُمول من قبل الـ  Pentagon: ” إن الصين لا تبني فقط قاعدتها العسكرية علي المنوال الأمريكي , فالنموذج الصيني مختلف جدًا جدًا فهي تجمع بين عناصر مدنية وأمنية” , كذلك أشار مقال Wall Street Journal ومسئوليين أمريكيين معنيين إلي أن الرئيس الصيني Xi Jinping يأمل في إقناع Teodoro Obiang Nguema Mbasogo رئيس غينيا الإستوائية (تولي الحكم بإنقلاب عسكري عام 1979علي عمه Francisco Macias) بالسماح بإقامة توسعات في هذا الميناء تمكن الصين من إقامة قاعدة عسكرية به , ويري مسئولون أمريكيون في هذه القاعدة خطراً مباشراً علي الأمن القومي الأمريكي (  للولات المتحدة حوالي 138000 جندي يتمركزون في الخارج) , إذ إنه لو إستطاعت العسكرية الصينية التموضع في نقطة إرتكاز ثابتة دائمة علي المحيط الأطلنطي ولتكن مثلاً ميناء Bata الواقع علي الساحل الأفريقي المُقابل للساحل الشرقي للولايات والذي تتوفر به طرق سريعة تربطه بالجابون ووسط أفريقيا , فسيُمكن والحالة هذه للسفن الحربية الصينية الوصول بأقل تكلفة ومسافة وإستهداف المدن الأمريكية الكبرى مثل واشنطن العاصمة ونيويورك وبوسطن وغيرهم , وتنبغي الإشارة إلي أن الأمريكيين يتابعون عن كثب هذا التحرك الصيني العسكري في أفريقيا(قدمت الصين100 مليون دولار مساعدة عسكرية للاتحاد الأفريقي لدعم إنشاء قوة أفريقية جاهزة والقدرة الأفريقية الاستجابة الفورية للأزمات) , وإزاء هذا التحرك الصيني قام النائب الرئيسي لمستشار الأمن القومي الأمريكي Jon Finerبزيارة غينيا الاستوائية في أكتوبر 2021 لمحاولة لإقناع رئيس غينيا الاستوائية Teodoro Obiang Nguema Mbasog (79 عاماً) وابنه وولي عهده نائب الرئيس  Teodorin” Nguema Obiang  Mangueبإبعاد البلاد عن الصين في هذا الشأن ” , كذلك قال مسؤول كبير في إدارة الرئيس Joe Biden : “كجزء من دبلوماسيتنا لمعالجة قضايا الأمن البحري أوضحنا لغينيا الاستوائية أن بعض الخطوات المحتملة التي تنطوي على نشاط (صيني) هناك ثمة مخاوف تتعلق بالأمن القومي “, وبدوره صرح قائدالقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM الجنرالStephen Townsend  في أبريل 2021قائلاً :”إن التهديد الأكثر أهمية من الصين سيكون إقامة منشأة بحرية مفيدة عسكريًا على ساحل المحيط الأطلسي لإفريقيا … إني أتحدث عن ميناء حيث يمكنهم إعادة تسليحهم بالذخائر وإصلاح السفن البحرية ” , وأكد ذلك بتصريح آخر في مايو 2021 قال فيه :”إن الصين تتطلع إلى دول على طول الساحل الغربي الأفريقي بأكمله تقريبًا حتى شمال موريتانيا وجنوباً مثل ناميبيا في محاولة للعثور على قاعدة في المحيط الأطلسي” , والجدير بالذكر أن غينيا الإستوائية داخلة في نطاق عمل AFRICOM , ففي هذا الإطار قام حرس السواحل الأمريكي عام 2013 بزيارات للرأس الأخضر وغينيا الإستوائية التي يقوم عناصر البحرية الأمريكية بحماية منشآت بترول تابعة للشركات الأمريكية ( Chevron و Exxon) بها من خلال حرس خاص غير مُسلح والتعاون علي منع وإخضاع كافة أشكال الجريمة البحرية والأنشطة غير المشروعة , كذلك شاركت غينيا الإستوائية في تدريبات بحرية جرت في الفترة من 19 إلي 27 مارس 2015 تحت مُسمي OBANGAME EXPRESSأمتد مسرحها ليشمل 12 دولة أفريقية هي أنجولا والكاميرون وساحل العاج والكونجو الديموقراطية وغينيا الإستوائية والجابون وغانا ونيجيريا وجمهورية الكونجو وبنين وساوتومي وبرنسيب وتوجو , بالإضافة إلي مشاركة بلجيكا والبرازيل والنرويج وألمانيا والبرتغال والدنمرك وتركيا وفرنسا وأسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وذلك في مسرح قتالي يقع ما بين شواطئ ساحل العاج حتي شواطئ أنجولا علي المحيط الأطلسي , وتأتي هذه التدريبات إنطلاقاً من توقيع 22 دولة بغرب ووسط أفريقيا علي Yaoundé Code of Conduct وهي وثيقة تلتزم بموجبها الدول المُوقعة عليها بالعمل والتعاون علي منع وإخضاع كافة أشكال الجريمة البحرية والأنشطة غير المشروعة للمحاكمة , وتحاول الولايات المتحدة إبعاد غينيا الإستوائية – التي تعتمد إلي حد كبير على شركات النفط الأمريكية – عن الصين , لذلك عملت الولايات المتحدة على تعزيز العلاقات مع غينيا الاستوائية في العام الماضي 2021 فعرضت مثلاً في مارس 2021 مساعدتها بعد انفجار مخزن ذخيرة في إحدى القواعد العسكرية بها أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 100 شخص , وفي أغسطس 2021 رست سفينة حربية أمريكية قبالة ميناء Bata ودعت المسؤولين المحليين وأفراد البحرية لمراقبة التدريب على مكافحة الحرائق على متن السفينة , كما رفعت وزارة الخارجية الأمريكية مؤخرًا ترتيب غينيا الاستوائية في تقييمها السنوي لكيفية مكافحة البلدان للاتجار بالبشر وقد يؤدي هذا التحسين لمركز غينيا الإستوائية التصنيف الإيجابي إلي تلقيها المساعدة الأمنية من البحرية الأمريكية مما يُعززالعلاقات الثنائية , ولو أني لا أعتقد أن هذه الأعمال الأمريكية ستفي وحدها بغرض إقناع الديكتاتور Teodoro Obiang في الإبتعاد عن الصين  التي تساعد في تدريب وتسليح شرطة غينيا الاستوائية بينما تعتمد غينيا الاستوائية على التكنولوجيا الأمريكية لإستغلال احتياطياتها النفطية الكبيرة .

في 5 نوفمبر2022 أعلن عن إتفاق موريشيوس والمملكة المتحدة على بقاء القاعدة العسكرية في دييجو جارسيا وإجراء محادثات حول مستقبل إقليم ما وراء البحار البريطاني المتنازع عليه/جزر شاجوس وقال وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي إن البلدين اتفقا على أن القاعدة العسكرية البريطانية الأمريكية في دييجو جارسيا ستستمر في العمل مهما كانت النتائج وقال وزير الخارجية إن المملكة المتحدة تريد التوسط في اتفاق يدعمه القانون الدولي “لحل جميع القضايا العالقة” بشأن أرخبيل المحيط الهندي، وهو إقليم بريطاني ما وراء البحار منذ عام 1814 , وقال السيد كليفرلي في بيان وزاري مكتوب: “اتفقت المملكة المتحدة وموريشيوس على الدخول في مفاوضات بناءة بهدف التوصل إلى اتفاق بحلول أوائل العام المقبل”, وكتب وزير الخارجية: “من خلال المفاوضات مع الأخذ في الاعتبار الإجراءات القانونية ذات الصلة نعتزم التوصل إلى اتفاق على أساس القانون الدولي لحل جميع القضايا العالقة بما في ذلك تلك المتعلقة بالسكان السابقين في أرخبيل شاجوس” , وفي 3 نوفمبر 2022 أخطرت حكومة المملكة المتحدة البرلمان بأن المملكة المتحدة وموريشيوس اتفقتا على بدء المفاوضات بشأن ممارسة السيادة على إقليم المحيط الهندي البريطاني BIOT/الأرخبيل .

إن حالتي جزر سليمان وغينيا الإستوائية تظهران إلي حد ما حالة الإسترخاء الإستراتيجي للعسكرية والبحرية الأمريكية تجاه حركة الصين النشطة في المحيطين الهادئ والأطلنطي أيضاً وهو تهديد لاشك فيه يدعو الولايات المتحدة للحركة المباشرة حماية لمصالحها فيقول الخبراء الأمريكيين ومنهم Dean Chengالخبيرفي HeritageFoundation المحافظة بواشنطن : “إن الولايات المتحدة سيكون لديها القليل من الخيارات الجذابة للرد على أي خطوات صينية نحو إقامة وجود عسكري دائم في جزر سليمان , يمكنك خفض المساعدات لكن هذا الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى زيادة اندماج جزر سليمان في الحضن الصيني ” , فيما قال Derek Grossman محلل الدفاع البارز الذي يركز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ  في مؤسسة RAND Corporation  : ” إن الولايات المتحدة يمكنها أيضًا تسريع فرص إنشاء القواعد في شمال شرق أستراليا لمراقبة القوات الصينية ، أو إجراء المزيد من الدوريات البحرية في المنطقة ”.

الــــتــــقــــديــــر :

بعد فترة قصيرة من إمتناعها عن الرد الإيجابي علي الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية إستجابت بريطانيا ومضت إلي مسار التفاوض مع موريشيوس لتنفيذ ما ورد بهذا الرأي الإستشاري ومن ثم تسليم موريشيوس أرخبيل شاجوس بما فيه جزيرة ديجو جارسيا , لكن سوف تصل بريطانيا إلي إتفاق مع موريشيوس بشان هذا الأرخبيل  بما فيه جزيرة ديجو جارسيا  علي أن تبقي القاعدة الأمريكية عليها كما هي , أي أن موريشيوس سوف تحل محل بريطانيا كمؤجر لهذه الجزيرة الإستراتيجية أي أن حيازة موريشيوس لها ستكون في النهاية حيازة إسمية فالقاعدة الأمريكية في جزيرة ديجو جارسيا مع تصاعد النشاط البحري للصين في المحيطين الهادئ والهندي حيازة الصين لقاعدة بحيرة هي الوحيدة لها حتي الآن في العالم علي مدخل البحر الأحمر الجنوبي عند باب المندب تتطلب أكثر من أي وقت مضي حضوراً بحرياً أمريكيا في المحيط الهندي وهو مالن تعارضه الهند بقوة التي من مصلحتها في ضوء الحضور الصيني الكثيف في المحيطين الهادئ والهندئ وبحر الصين الجنوبي أن تنسق وبقوة مع العسكرية الأمريكية التي تنظر إلي الحضور البحري الصيني في المحيطات بإستمرار علي أنه تحد وتهديد مُستمر لإستراتيجتها البحرية وكان الإتفاق الأمني الذي وقعته الصين مع جزر سليمان القريبة من إستراليا حليفتها وكذا ما كادت أن تفعله في غينيا الإستوائية بإنشاء قاعدة لها هناك بمثابة تنبيه أخير للعسكرية الأمريكية حتي توقف الزحف البحري العسكري للصين وتبدأ في الإحاطة به مثلما فعلت مؤخراً في نيودلهي بالإعلان عن الممر الأخضر من الهند مروراً بالخليج العربي وإنتهاء بأوروبا حتي تقطع الطريق أمام تنفيذ مكتمل لمبادرة الطريق والحزام الصينية , ومن المتوقع في ضوء تسوية النزاع علي جزيرة ديجو جارسيا تطوير الولايات المتحدة والصين لوسائل التتبع والمواجهة البحرية علي المستوي التخطيطي مستقبلاً وستكون جزر المحيطين الهادئ والهندي المجال الأول لإستراتيجية التتبع والمواجهة هذه ثم يتبعه وربما يتوازي معها موانئ الدول المُطلة علي هذين المحيطين فإستراتيجية الولايات المتحدة النهائية هي تقصير الظل الصيني في هذين المحيطين لتحجيك حركة التجارة والنفاذ الصيني فيهما , وتعد تسوية النزاع البريطاني مع مورشيوس علي أرخبيل شاجوس بما فيه جزيرة ديجو جارسيا إسهام ملموس في تعزيز وتطويرإستراتيجية الولايات المتحدة البحرية في المحيط الهندي فهذه الجزيرة ستبقي قاعدة بحرية أمريكية فوق إستراتيجية وستجني موريشيوس بعض الفوائد من بقاءها كقاعدة أمريكية وربما يتكثف الوجود الأمريكي في موريشيوس ومحيطها في المستقبل طالما إستمر الزحف الصيني .

الـــــــســــــفـــــيـــر: بــــــلال الـــمــــصــــري –

حصريا المركز الديمقراطي العربي – الـــقاهــــرة / تـــحـــريـــراً في 27 سبتمبر 2023

 

.

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=92470

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M