“ستارلينك”: إنترنت الفضاء والحرب الروسية-الأوكرانية

د. رغدة البهي

 

منذ بداية حربها، انتهجت موسكو استراتيجية عمادها عزل كييف عن بقية دول العالم من خلال استهداف شبكتها المحلية تمهيدًا لهزيمتها أو استسلامها، وذلك من خلال الهجمات الروسية التقليدية والسيبرانية على حدٍّ سواء. فقد أشار تقرير نشرته مجلة “دير شبيغل” الألمانية في شهر فبراير الماضي إلى تعرض “فيا سات” (الرائدة في مجال تقديم خدمات الإنترنت الفضائي لقاعدة واسعة من العملاء منهم أوكرانيون) لأعطال جسيمة بداية من 24 فبراير بالتزامن مع بداية دخول الجيش الروسي إلى الأراضي الأوكرانية. كما أعلنت أوكرانيا في شهر مارس الماضي عن تعرضها لهجمات سيبرانية روسية أثرت في قدرتها على الاتصال بالإنترنت، وهو ما دفع أوكرانيا إلى البحث عن بدائل أخرى لا تعتمد على البنية التحتية للإنترنت بالضرورة، ومن بين تلك البدائل تصدرت خدمات إنترنت الفضاء التي قدمتها شركة “سبيس إكس” المعروفة باسم “ستارلينك”.

ماهية إنترنت الفضاء

يشير إنترنت الفضاء إلى إمكانية الاتصال بشبكة الإنترنت لا سلكيًّا دون الاعتماد على الكابلات البحرية أو الأسلاك الكهربائية، وذلك من خلال الأقمار الصناعية التي يتباين -بطبيعة الحال- بُعدها وارتفاعها عن الأرض تبعًا لمدى تغطيتها، لتصبح هي الوسيط بين المستخدمين من ناحية والشبكة العالمية من ناحية ثانية، مما يُمكّن المستخدمين من الاتصال بالإنترنت من أي مكان عدا القطبين الشمالي والجنوبي بشرط استخدام معدات الاستقبال الأرضي مُمثلة في طبق هوائي مُثبّت يتصل بدوره بجهاز يُوزع الإشارة لا سلكيًا داخل المكان المرغوب، بحيث يمكن من خلاله توجيه البيانات والمعلومات إلى تلك الأقمار عبر الموجات الراديوية، مما يزيد من سرعة الإنترنت بنسبة تتجاوز 40%.

وبالنظر إلى أهميته، تعددت الشركات الرائدة في مجال إنترنت الفضاء وفي مقدمتها شركة “سبيس إكس” (SpaceX) للنقل الفضائي وتقنيات استكشاف الفضاء التي تعتمد على كوكبة من الأقمار الصناعية التي تعرف باسم “ستارلينك”. وفي هذا الإطار، سبق أن أشار الملياردير الأمريكي “إيلون ماسك” (مالك الشركة ورئيسها التنفيذي) إلى رغبته في توفير خدمة إنترنت الفضاء للبشرية جمعاء (من خلال شبكة تتكون من 12 ألف قمر صناعي) ولا سيما مع الارتفاعات المتتالية في قيمة سوق ذلك النوع من الخدمات خلال السنوات القليلة الماضية. وقد دفعت بعض التقديرات بأن حجم هذا السوق قد يتجاوز 140 مليار دولار في عام 2025.

أما حاليًّا، فتقدم شركة “سبيس إكس” بالفعل خدماتها في بعض مناطق العالم (مزودة إياها بالأطباق الفضائية وأجهزة التوجيه دون الحاجة إلى بنية اتصالات تحتية، وبصرف النظر عن توافر خدمات الإنترنت الأرضي أو خدمات المحمول التقليدية من عدمها حتى في المناطق النائية) بسرعة تحميل تتراوح بين 100-200 ميجابايت في الثانية من خلال ما يزيد على ألفي قمر صناعي، وإن طرحت الشركة في فبراير 2022 فئة جديدة عالية الأداء تسمى (Starlink Premium) بسرعات تتراوح بين 150 و500 ميجابايت في الثانية بتكلفة بلغت 2500 دولار للهوائي و500 دولار شهريًا. وإن تعهدت الشركة بتحسين سرعة الإنترنت وخفض تكلفة الاشتراك الشهري مستقبلًا من خلال إطلاق مزيدٍ من الأقمار الصناعية وتوسعة نطاق محطات الاستقبال الأرضية.

وإلى جانب شركة “ستارلينك”، شهد العام الجاري إطلاق أول أقمار شركة “وان ويب” (OneWeb) البريطانية من أحد مطارات جزيرة شريهاريكوتا في خليج البنغال، وذلك في إطار برنامج إطلاق الأقمار الصناعية التابع للشركة والمخصص لأغراض الاتصال، وهو البرنامج الذي يضم حاليًّا 428 قمرًا صناعيًا بنسبة 66٪ من العدد الإجمالي المخطط له. ومن الجدير بالذكر أن مؤسسة “روس كوسموس” الفضائية الروسية رفضت الاستمرار في إطلاق الأقمار الصناعية التابعة لتلك الشركة في أعقاب العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب عليها على خلفية حربها ضد أوكرانيا.

وفي سياقٍ متصل، تخطط شركة “أمازون” لإطلاق 3236 قمرًا صناعيًا في المدار الأرضي المنخفض لتقديم خدمات إنترنت الفضاء في إطار ما يُسمى “مشروع كويبر” (Kuiper) باستثمارات تُقدّر بنحو 10 مليارات دولار. فقد وافقت لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC) على وضع نصف الأقمار الصناعية في المدار بحلول عام 2026 والكوكبة بأكملها بحلول 30 يوليو 2029. وفي هذا السياق، وقّعت الشركة في شهر إبريل الماضي عقودًا (قُدّرت قيمتها بمليارات الدولارات) مع ثلاثة كيانات مختلفة هي: (Blue Origin، وUnited Launch Alliance، وBoeing بالشراكة مع Lockheed Martin وArianespace).

وعلى الرغم من التنافس الدولي المحتدم على إنترنت الفضاء من ناحية، وجهود مختلف الشركات الكبرى للحيلولة دون احتكار شركة “سبيس إكس” له من ناحية ثانية؛ فإن الأخيرة تملك ميزات تنافسية قوية (منها دعم كل من وكالة “ناسا” والحكومة الأمريكية لها)، مما يجعلها في صدارة المشهد على الرغم من تحديات عدة تجابهها، منها كثرة الأقمار الصناعية التي أطلقتها في الماضي والتي ستطلقها في المستقبل والتي قد تقوض جهود الشركات الأخرى جراء تزايد احتمالات تصادم تلك الأقمار وتعثر إشارات الاتصال، ناهيك بارتفاع الخدمة حاليًّا (بالمقارنة بأسعار وسرعات الإنترنت المعتمد على الألياف الضوئية) والمسافات الكبيرة التي ينبغي على المعلومات أن تقطعها، مما يتسبب في تأخر وقت الاستجابة، وهو ما يستلزم تقليص المسافة الفاصلة بين الأقمار الصناعية وسطح الأرض أو زيادة عدد الأقمار الصناعية للشركة الواحدة، وهو ما قد يؤثر في الغلاف الجوي، ولا سيما مع التخلص المستمر من الأقمار الصناعية التي يمضي على وجودها في المدار 5 سنوات من خلال إرسالها نحو الغلاف الجوي كي تتفتت وتحترق، ومع تزايد أعداد الأجسام المحترقة تتأثر بالتبعية تركيبة طبقات الغلاف الجوي العليا. كما يتخوف علماء الفلك من صعوبة الاكتشافات الفلكية في ظل الحركة غير المنتظمة لتلك الأقمار أثناء فترات تصوير ورصد النجوم، وهو ما كاد يتسبب في اصطدام الأقمار ببعضها عدة مرات.

“سبيس إكس” وأوكرانيا

في 27 فبراير 2022، في أعقاب بدء الحرب الروسية-الأوكرانية، وفي تغريدة له على “تويتر”، أشار “ماسك” إلى أنه يعتزم توفير خدمة “ستارلينك” في أوكرانيا دون أي مقابل مادي استجابة لتغريدة نائب رئيس الوزراء ووزير الشئون الرقمية في أوكرانيا “ميخاليو فيدوروف” التي ورد فيها نصًا: “بينما تحاول يا “إيلون ماسك” استعمار المريخ، تحاول روسيا احتلال أوكرانيا! وبينما تهبط صواريخك بنجاح من الفضاء، تهاجم الصواريخ الروسية المدنيين الأوكرانيين! إننا نطلب منك تزويد أوكرانيا بمحطات “ستارلينك”، ومخاطبة العقلاء من الروس لوقف النار”. وقد رد عليه “ماسك” بقوله إن “خدمة “ستارلينك” مُفعّلة الآن في أوكرانيا، والمزيد من المحطات في الطريق”.

وفي هذا الإطار، سلّمت الشركة بالفعل المحطات اللازمة لتقديم الخدمة في أقل من 10 ساعات من مناشدة “فيدوروف”. وتبعًا لتصريحات “ماسك”، أمكن تنشيط “ستارلينك” في أوكرانيا نهاية شهر فبراير الماضي عقب إرسال مزيد من المحطات الطرفية إلى البلاد. فيما كتب “فيدوروف” في تغريدة له أن “ستارلينك باتت هنا. شكرًا إيلون ماسك” مع صورة لشاحنة تبدو كالمركبات العسكرية مُحمّلة بأجهزة استقبال الإنترنت الفضائي، وقد رد “ماسك” مُغردًا “على الرحب والسعة”. كما أكد “فيدوروف” أن بلاده تستخدم الآلاف من المحطات التي وصلت إلى البلاد في أوائل شهر مارس الماضي والتي ساعدت بالفعل على توفير خدمة الإنترنت في مناطق توقفت فيها الخدمة كليًّا/جزئيًّا بسبب الحرب المشتعلة بين الجانبين الروسي والأوكراني.

وفي منتصف مارس الماضي، ووفقًا لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية، بات تطبيق “ستارلينك” هو التطبيق الأكثر تنزيلًا في أوكرانيا؛ فقد أظهرت الأرقام آنذاك تنزيل التطبيق أكثر من 100 ألف مرة في أوكرانيا فحسب، مع زيادة التنزيلات العالمية أكثر من ثلاثة أضعاف معدلها الطبيعي في أول أسبوعين من الشهر نفسه. كما أفادت شركة (Sensor Tower) التي تُوفر بيانات متجري “أبل” و”جوجل بلاي” أن عدد مرات تنزيل التطبيق بلغ 21 ألف مرة عبر كلا المتجرين في يوم واحد، وقد أتت غالبية التنزيلات من أوكرانيا. فيما بلغ عدد الأوكرانيين الذين استخدموا إنترنت “ستارلينك” الفضائي بحلول أوائل شهر مايو الجاري (عقب 10 أسابيع تقريبًا من تفعيل الخدمة) نحو 150 ألف أوكراني، وهو ما يظهر الدعم الذي قدمه ذلك النوع من الإنترنت للبنية التحتية الأوكرانية، بجانب الدور الذي لعبه في استعادة الأراضي المدمرة وإبقاء أوكرانيا متصلة بالإنترنت.

وفي 5 مارس الماضي، قال “زيلينسكي” إنه تحدث إلى “ماسك”، وأعلن أن البلاد ستتلقى المزيد من المحطات اللازمة لإمداد البلاد بخدمات إنترنت الفضاء عبر أقمار “ستارلينك” الصناعية خلال الأسابيع المقبلة ولا سيما في المدن المدمرة، كما أعرب عن امتنانه لدعم لأوكرانيا بالأقوال والأفعال. فيما أكد “ماسك” آنذاك أن “ستارلينك” هو نظام الاتصالات غير الروسي الوحيد الذي لا يزال يعمل في أجزاء بعينها من أوكرانيا، كما أشار إلى أن جميع محطات الإنترنت الأوكرانية غير صالحة للاستخدام بسبب هجوم سيبراني روسي حدث بالتزامن مع بدء العمليات العسكرية الروسية. لذا، حذر “ماسك” من إمكانية استهداف روسيا لخدمات إنترنت الفضاء بعد أن تُصبح أهدافًا محتملة للضربات الجوية الروسية. وهو ما أتى في أعقاب تحذير “جون سكوت ريلتون” (أحد كبار الباحثين في مختبر “سيتزن لاب” لمراقبة الإنترنت) عبر “تويتر” بقوله: “من الجيد التبرع… بوحدات ستارلينك، لكن تذكروا إذا سيطر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على السماء فوق أوكرانيا، فسوف تصبح الوحدات هدفًا سهلًا لضربات جوية.. تملك روسيا خبرة كبيرة في استهداف الناس من خلال اختراق الاتصالات عبر الاقمار الصناعية”. وعليه، طلب “ماسك” من المستخدمين تشغيل الخدمة عند الحاجة فحسب، ووضع الأطباق الهوائية بعيدًا عن مرمى النيران، وتمويهها تجنبًا لاستهدافها.

كما كتب “ماسك” تغريدة قال فيها: “إذا مت في ظروف غامضة، فاعلموا أنني سعيد بلقائكم”؛ فقد سبق أن تعرض لتهديد من قبل مدير وكالة الفضاء الروسية “ديمتري رو جوزين” الذي حذره من التدخل في الحرب الروسية-الأوكرانية بالقول: “إن ماسك يزود القوات الأوكرانية بالاتصالات العسكرية، وعليه تحمل مسئولية تصرفه”. ووفقًا له، تزود وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) القوات الأوكرانية بخدمات “ستارلينك” للإنترنت، وبالتالي يعتبر “ماسك” طرفًا مشاركًا في إمداد القوات الأوكرانية بمعدات الاتصالات، وهو ما أكده رئيس أركان اللواء 36 من مشاة البحرية التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية العقيد “ديمتري كورميانكوف” في أعقاب إلقاء القبض عليه من قِبل القوات الروسية، فقد اعترف بأن أقمار “ستارلينك” الصناعية كانت توزع الإنترنت على القوات المسلحة في مدينة ماريوبول.

وقد انتقدت موسكو موقف “ماسك” بصور مختلفة، ففي 24 إبريل 2022 كشف تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية عن تصدي شبكة “سبيس إكس” لمحاولة تشويش شنها مهاجمون روس استهدفت شبكتها المكونة من أكثر من 2000 قمر صناعي في المدار الأرضي المنخفض. ووفقًا لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية، قاوم “ماسك” جميع محاولات القرصنة والتشويش من خلال تدابير مضادة عمادها تحديث شبكات الشركة باستخدام أكواد جديدة. وقد دفعت بعض التحليلات بأن الكود أو الرمز الجديد الذي استخدمته الشركة أحبط الهجوم الرامي إلى حظر الإنترنت في أوكرانيا.

كما تجلّت انتقادات موسكو لموقف “ماسك” في تغريدة “ديمتري روجوزين” (المدير العام لوكالة الفضاء الروسية “روسكوزموس”) في 8 مايو الجاري على “تويتر” التي قال فيها نصًا: “عندما تمارس روسيا مصالحها الوطنية القصوى على الأراضي الأوكرانية، يتدخل إيلون ماسك بخدمة ستارلينك التي أعلن أنها ستستخدم على الصعيد المدني فحسب… لقد حذّرت سابقًا، لكن العلّة بأولئك المحبين لماسك الذين يرون أنه خلاص روّاد الفضاء، والآن انظروا إلى أي جانب وقف. إني لا ألومه شخصيًا، فهؤلاء هم الغرب الذين لا ينبغي أن نثق بهم أبدًا.. سيتعين عليه تحمل مسئولية تزويد القوات الأوكرانية بالاتصالات العسكرية”. كما أضاف على قناته على تطبيق “تلجرام” أنه “وفقًا لمعلوماتنا، البنتاغون يزود وينقل الإنترنت من ستارلينك للقوات الأوكرانية. لذلك، يشارك ماسك في تزويد القوات الأوكرانية بمعدات الاتصالات.. عليك أن تتحمل مسئولية هذا يا إيلون”.

أبرز الدلالات

تثير تقديم خدمات “ستارلينك” في أوكرانيا جملة من الدلالات التي يمكن إجمالها في النقاط التالية:

1- قدرات هائلة: تمثل “ستارلينك” مبادرة طموحة لإنترنت الفضاء الذي تقدمه شركة “سبيس إكس” التي تهدف إلى إطلاق عشرات الآلاف من الأقمار الصناعية إلى مدار أرضي منخفض لتوفير تغطية إنترنت عريضة النطاق. وقد أشار “ماسك” في تغريدة له خلال شهر فبراير الماضي إلى أن “سبيس إكس” لديها أكثر من 250 ألف محطة قيد الإنتاج بهدف تقديم خدمة إنترنت عالية السرعة لربط المناطق النائية (على شاكلة تونغا التي شهدت انفجاراً بركانياً مدمراً، وتعرضت لموجات تسونامي في شهر يناير الماضي،. إذ تسمح الأقمار الصناعية بنقل كميات كبيرة من المعلومات بسرعة إلى أي نقطة على الأرض دون الحاجة إلى كابلات الألياف الضوئية كما سبق القول، مما يجعلها وسيلة مرغوبة في حالات الحروب والأزمات الدولية.

2- حدود الدور: يُقدر إجمالي عدد محطات “ستارلينك” الطرفية في أوكرانيا بنحو 5000 محطة، وفي اتجاه مضاد لخدماتها التي تقدمها للمواطنين من ناحية، والاتصالات العسكرية من ناحية ثانية، فقد دفعت بعض التحليلات بأنها قد تشكل خطرًا على المستخدمين، لأن إشارات الراديو الناجمة عنها قابلة للتتبع من قِبل القوات العسكرية الروسية التي يمكنها تدميرها بسهولة.

3- فرصة تسويقية: وجد “ماسك” في الحرب الروسية-الأوكرانية فرصة سانحة للترويج لشركته التي تتربع بالفعل على عرش الشركات الرائدة في مجال إنترنت الفضاء، إذ إن خدماتها قادرة على تجاوز ظروف الحرب الاستثنائية على نحو يحول دون عزل أوكرانيا عالميًا، بل ويعوضها جزئيًا عن الخسائر التي مُنيت بها جراء الهجمات التي تعرضت لها والتي تسببت في انقطاعات عشوائية في الاتصالات، طالت مختلف المؤسسات الأوكرانية بل وملايين المستخدمين الأوكرانيين.

4- صمود الإنترنت الأوكراني: يرجع صمود بنية الاتصالات الأوكرانية إلى جملةٍ من الأسباب التي يأتي في مقدمتها المتطوعون في مجال تكنولوجيا المعلومات الذين دأبوا على إصلاح أي أعطال فعلية جراء الهجمات السيبرانية أو العسكرية من ناحية، وإمداد مقدمي خدمات الاتصالات بعدد من الخدمات غير المسبوقة بهدف الحد من تأثير الاختراقات السيبرانية من ناحية ثانية. وإلى جانب هذا، ساهم إنترنت الفضاء في استمرارية خدمات الإنترنت في بعض المؤسسات الحيوية الأوكرانية وفي مقدمتها المستشفيات والمقرات الحكومية وبعض الأجهزة الأمنية.

5- تصدر الشركات التكنولوجية: برهنت الحرب الروسية-الأوكرانية على تحول الشركات التكنولوجية العملاقة إلى مصدر رئيسي لخدمات غير تقليدية ذات قيمة مضافة تلبي احتياجات عملائها على النحو الأمثل. وما تلك الحرب إلا دليل على قدرة واحدة من تلك الشركات التكنولوجية العملاقة على تعزيز قوتها وتجاوز العقبات الراهنة لتتحول إلى قوة غير محدودة بالنظر إلى قدرتها على تقديم تقنيات أقل حضورًا قبل 24 فبراير الماضي. فلا شك أن الأزمات الدولية المتعددة قد برهنت على قدرة الشركات التكنولوجية على استغلال الظروف لتقديم بدائل مناسبة تضمن لها التكيف والاستمرارية في حالات والسبق والتفرد في حالات أخرى، ولعل خير مثال على ذلك هو جائحة كوفيد-19 التي خلقت طلبًا متزايدًا على الأدوات التقنية المختلفة.

ختامًا، دفعت الحرب الروسية-الأوكرانية بالحلول التقنية إلى صدارة المشهد؛ حتى أضحت أحد الحلول المتاحة للمأزق الأوكراني؛ إذ يسهم إنترنت الفضاء -بشكل عام- في وصول الإنترنت إلى المناطق المعزولة جراء الكوارث الطبيعة أو تدهور البنية التحتية أو الظروف الاستثنائية. فقد أضحى الاتصال بالإنترنت إبّان الحروب الدولية أحد العناصر الحاسمة في المواجهات العسكرية الحديثة، لأنه يُمكّن المواطنين من معرفة آخر تطورات العمليات العسكرية الميدانية من ناحية، ويحد من انتشار الشائعات والأكاذيب والأخبار المغلوطة من ناحية ثانية، ناهيك بمعرفة توجيهات الحكومة للمواطنين كتلك التي تتصل بالأماكن التي يمكن الاحتماء بها مقابل تلك التي يجب تجنبها من ناحية ثالثة. وبالنظر إلى أهميتها تلك، أضحت أحد الأهداف الاستراتيجية التي تستوجب الحماية دون أن تقل أهميتها عن الأهداف العسكرية الحيوية.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/19502/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M