على أعتاب التحوُّل: آفاق الانتخابات الرئاسية في السنغال

  • ستُمثِّل الانتخابات الرئاسية السنغالية في 25 فبراير المقبل لحظةَ تحول مهمة في المشهد السياسي السنغالي، وبينما يطمح الرئيس ماكي سال إلى توريث الحكم لأحد أبرز معاونيه، تطمح المعارضة إلى نيل السلطة مُستفيدةً من النجاحات المتتالية التي حققتها في الانتخابات التشريعية والمحلية في السنتين الماضيتين.
  • يُرجَّح عدم حسم نتيجة الانتخابات من الجولة الأولى، وعقد جولة ثانية بين مرشح الأغلبية الحاكمة آمادو با ومرشح المعارضة بسيرو دوماي فاي، مع توقُّع فوز الأخير، بما يضع السنغال في وضعية سياسية جديدة سيكون لها تأثير في كل منطقة غرب أفريقيا والساحل.

 

أصدر المجلسُ الدستوري السنغالي في 20 يناير 2024 اللائحةَ النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية المقررة في 25 فبراير المقبل، والتي ستكون حاسمة في مصير هذه الدولة المحورية في غرب أفريقيا التي تتميز بأنها البلد الأفريقي الوحيد الذي لم يعرف انقلاباً عسكرياً منذ استقلاله عام 1960، كما عرف في السابق تجاربَ تناوب سلمي على السلطة في إطار ديمقراطي مستقر.

 

القائمة النهائية للمرشحين 

تَقدَّم للترشيح إلى الرئاسيات المقبلة في السنغال 93 شخصية سياسية سنغالية من مختلف التوجهات والمشارب، وقد وافق المجلس الدستوري على 20 ملفاً من ملفات الترشيح اعتبر أنها تستجيب لشروط السباق الانتخابي. وكما كان متوقعاً أقصى المجلس مرشح المعارضة الأساسي عثمان سونكو الذي يقبع في السجن منذ 28 يوليو 2023 بتهم عدة، كما أن حزبه “الوطنيون السنغاليون” قد حُلَّ بتاريخ 31 يوليو 2023. وبالإضافة إلى سونكو، أقصى المجلس الدستوري كريم واد، نجل الرئيس السابق عبد الله واد، المقيم في الدوحة بقطر، بذريعة أنَّه كان يحمل الجنسية الفرنسية عند تقديم ملفه للترشح مع أنَّه قدَّم قراراً حكومياً فرنسياً يتضمن إلغاء جنسيته في 16 يناير 2024.

 

أما أبرز المرشحين الذين قُبِلَت ملفاتهم، فهم:

  • آمادو با: رئيس الوزراء الحالي ووزير سابق للخارجية، وهو مرشح الأغلبية الرئاسية الحاكمة المُلتفة حول حزب ” التحالف من أجل الجمهورية ” الذي أسسه الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال.
  • بسيرو دوماي فاي: أمين حزب “الوطنيون السنغاليون” الذي تم حله، وأقرب زعامات الحزب إلى رئيسه عثمان سونكو، وهو يقبع حالياً في السجن مع سونكو الذي هو في الآن نفسه صديقه.
  • خليفة سال: وزير سابق في عهد الرئيس عبدو ضيوف، وعمدة سابق للعاصمة دكار، وأحد الوجوه البارزة في المعارضة السنغالية.
  • إدريسا سك: رئيس حكومة في عهد الرئيس السابق عبد الله واد، ومرشح سابق للرئاسيات، ورئيس سابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في حقبة الرئيس ماكي سال.
  • حبيب سي: وزير سابق في عهد الرئيس عبد الله واد ومدير ديوانه وعمدة مدينة لينكير. الْتحق بالمعارض سونكو، وأعلن دعمه له وحصل على التزكية عن طريقه.
  • الشيخ تيجان دياي: عالم اجتماع معروف، وناشط مدني وسياسي في صفوف المعارضة، مقرب من زعيم المعارضة عثمان سونكو.
  • علي نغوي ندياي: وزير سابق عدة مرات في عهد الرئيس ماكي سال، استقال من الحكومة في سبتمبر 2023 احتجاجاً على اختيار آمادو با مرشحاً للأغلبية الرئاسية.
  • محمد بون عبد الله ديون: وزير سابق، ورئيس حكومة في عهد الرئيس ماكي سال ومدير ديوانه سابقاً. انفصل عن الأغلبية الرئاسية وترشح للانتخابات المقبلة.

 

رهانات الانتخابات الرئاسية السنغالية وآفاقها المحتملة

تتميز الانتخابات الرئاسية السنغالية المقبلة بأن الرئيس الحالي ماكي سال لن يشارك في الاقتراع المقبل، وهي سابقة في التاريخ السياسي السنغالي؛ ففي خطابه للشعب السنغالي بتاريخ 3 يوليو 2023 أعلن أنه قرر عدم الترشح لولاية ثالثة، رغم القراءة الدستورية التي تسمح له بالترشح، ومن ثم أصبح الصراع على مركز الحكم في الاستحقاق الانتخابي المقبل يدور بين الأغلبية الحاكمة والمعارضة. ففي الوقت الذي يطمح الرئيس ماكي سال إلى توريث الحكم لأحد أبرز معاونيه من الدائرة العليا للسلطة، تطمح المعارضة إلى افتكاك السلطة مستفيدة من النجاحات المتتالية التي حققتها في الانتخابات التشريعية والمحلية في السنتين الماضيتين.

 

بيد أن السباق الانتخابي المقبل أدى إلى تفكيك جبهة الأغلبية الرئاسية التي لم تستطع الوقوف بإجماع خلف رئيس الحكومة آمادو با مرشح الرئيس سال، بما يفسر دخول اثنين من أركان حكمه السباق المقبل، كما أن حلف المعارضة قد تفكك عملياً بإقصاء اثنين من قادته (سونكو وكريم واد)، واستقلال المرشح خليفة سال عن الائتلاف المعارض. ومن هنا تبدو هذه الانتخابات لحظةَ تحول كبرى في المشهد السياسي السنغالي، بخصوصياتها المميزة ورهاناتها غير المسبوقة.

 

متظاهرون يهتفون دعماً لزعيم المعارضة السنغالية المعتقل عثمان سونكو، في ساحة الجمهورية بالعاصمة الفرنسية باريس (فرانس برس). 

 

وفي ضوء المعطيات الراهنة، وقبيل افتتاح الحملات الانتخابية الرئاسية في بداية شهر فبراير المقبل، يمكن استجلاء ثلاثة سيناريوهات رئيسة في استشراف آفاق الانتخابات الرئاسية السنغالية:

 

1. حَسْم الجولة الأولى من الانتخابات، سواء بنجاح رئيس الوزراء الحالي آمادو با، أو مرشح المعارضة الرئيس بسيرو دوماي فاي. وفي حين تُراهن الأغلبية الحاكمة على فوز مرشحها في الجولة الأولى باعتبار أن التجارب السابقة أكدت رجحان فوز ممثل المعارضة في حال إجراء جولة ثانية، فإن المعارضة الراديكالية المنضوية خلف بسيرو دوماي فاي تعتقد أنها قادرة على الفوز في الجولة الأولى وفقاً لبعض المؤشرات الميدانية.

 

2. الذهاب إلى جولة ثانية ما بين مرشح الأغلبية آمادو با ومرشح المعارضة بسيرو دوماي فاي. في حال لم تُحسَم نتيجة الانتخابات من الجولة الأولى وجرى الذهاب إلى الجولة الثانية، وبحسب تجربتَي 2000 و2012، ستكون حظوظ مرشح المعارضة أقوى، رغم أن المعارضة مفككة وليس من المؤكد أن يدعم مرشحوها كلهم دوماي فاي الذي سيواجه مصاعب جمة في حملته الانتخابية بالنظر إلى وجوده في السجن وحلّ حزبه السياسي، كما أن بعض الوجوه البارزة المستقلة قد تدعم مرشح الأغلبية الرئاسية في الجولة الثانية من الاقتراع.

 

3. عقد الجولة الثانية بين مرشحَي المعارضة بسيرو دوماي فاي وخليفة سال مع إقصاء مرشح الأغلبية الحاكمة آمادو با. في حال تحقق هذا السيناريو، ستتعزز حظوظ خليفة سال في النجاح بالنظر إلى دعمه المؤكد من المجتمع السياسي التقليدي والزعامات الدينية المؤثرة، فضلاً عن شركاء السنغال الخارجيين، وبصفة خاصة فرنسا التي لها مصالح قوية وتأثير حقيقي في السنغال.

 

وعلى رغم صعوبة ترجيح أيٍّ من السيناريوهات الثلاثة، فإن الاحتمال الأقوى هو السيناريو الثاني مع توقُّع فوز مرشح المعارضة بسيرو دوماي فاي، بما يضع السنغال في وضعية سياسية جديدة سيكون لها تأثير في كل منطقة غرب أفريقيا والساحل.

 

خلاصة

بعد إقصاء الزعيمين عثمان سونكو وكريم واد، سيتركز السباق الانتخابي الرئاسي السنغالي في 25 فبراير بين آمادو با رئيس الحكومة الحالي ومرشح الرئيس ماكي سال، وبسيرو دوماي فاي الشخص الثاني في حزب عثمان سونكو وأقرب معاونيه، وخليفة سال الوزير السابق وعمدة العاصمة دكار سابقاً. وتتأرجح السيناريوهات المطروحة بين حسم السباق في الجولة الأولى لصالح مرشح الأغلبية أو مرشح المعارضة، وعقد جولة ثانية بين مرشح الأغلبية ومرشح المعارضة الرئيس أو بين مرشحَي المعارضة البارزَين مع خروج مرشح الأغلبية من المواجهة.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/brief/ala-aatab-althwwul-afaq-alaintikhabat-alriyasia-fi-alsinighal

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M