قيادة جديدة وتحديات قديمة: فُرص نجاح رئيس الوزراء اليمني الجديد في مواجهة المُعضِلة الاقتصادية

  • جاء تعيين الدكتور أحمد عوض بن مبارك رئيساً لمجلس الوزراء اليمني في مرحلة تواجه مناطق سيطرة الحكومة، خلالها، تحديات اقتصادية غير مسبوقة، أهمها العجز الكبير في الميزانية العامة نتيجة وقف تصدير النفط الخام، وتسارع وتيرة انخفاض سعر صرف الريال، بما له من تأثيرات سلبية كبيرة على النشاط الاقتصادي الكلي.
  • مع أن رئيس الوزراء الجديد سيستفيد من بعض المشاريع الاستراتيجية في قطاع الخدمات التي بُدِءَ العمل عليها في عهد سلفه، إضافةً للإصلاحات الاقتصادية التي نُفِّذَت مؤخراً، والدعم الإماراتي والسعودي المستمر للحكومة، إلا أن تحقيق بن مبارك نجاحات استثنائية على هذا الصعيد يظل تحدياً كبيراً، يتطلب الالتزام الجدي بتوجهاته المعلنة بشأن مكافحة الفساد وترشيد النفقات.
  • بمقدور رئيس الوزراء الجديد تحقيق نجاحات مهمة في مسار الإصلاحات الاقتصادية والمالية، من خلال تصحيح أداء الحكومة ومؤسساتها في عدد من الملفات المهمة، مثل تشجيع البنك المركزي على اعتماد نهج جديد لاستعادة ثقة المتعاملين يقوم على الاستمرارية والقابلية للتوقع، والتخلي عن سياسة تقييد صادرات المنتجات الزراعية والسمكية، التي ثبت أن أضرارها تفوق فوائدها.

 

في الخامس من فبراير الجاري، عيَّن مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيساً جديداً لمجلس الوزراء، بدلاً من الدكتور معين عبدالملك (15 أكتوبر 2018 – 5 فبراير 2024). وجاء هذا التعيين في توقيت تشهد فيه مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً تحديات اقتصادية قد تكون الأخطر من نوعها، حيث تعاني الحكومة عجزاً كبيراً في ميزانيتها، وتُجاهِد للوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين وموظفي القطاع العام، وبموازاة ذلك تتسارع وتيرة تراجع سعر صرف العملة المحلية (الريال) في ظل ظروف معقَّدة تتجاوز قدرات البنك المركزي وإمكانياته، الأمر الذي يثير تساؤلات حول قدرة رئيس الوزراء الجديد على تخطيها أو احتواء تداعياتها بشكل أفضل على الأقل، مُقارنة بسلفِهِ وطريقته في إدارة الشأن الاقتصادي.

 

تحديات اقتصادية ضاغِطَة

تعيش مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ضائقة اقتصادية شديدة، بسبب توقف تصدير النفط الخام تماماً من هناك، منذ حوالي 17 شهراً، وبالتحديد منذ مطلع شهر أكتوبر 2022، على خلفية استهداف جماعة “أنصار الله” الحوثية لمنشآت التصدير وموانئه، وفي ظل استمرار تهديداتها وتَوَعُّدِها بتكرار ذلك مجدداً إلى أن يتم التوافق معها بخصوص تقسيم عوائد بيع النفط؛ فقد كانت عائدات تصدير النفط الخام، لوحدها، تمثل نسبة تزيد على 60% من إجمالي إيرادات الحكومة، كما أن البنك المركزي في عدن كان يعتمد على هذه المدفوعات بالعملة الصعبة، في تمويل مزاداته الأسبوعية للمستوردين.

 

وعلى الرغم من مبادرة دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية في إثر ذلك إلى دعم الحكومة مجدداً، من خلال إعلان السعودية في شهر أغسطس الماضي عن منحة مالية جديدة بقيمة 1.2 مليار دولار أمريكي، تسلَّمت الحكومة الشريحة الثانية منها (والبالغة قيمتها 250 مليون دولار أمريكي) مع بداية فبراير الجاري، والإعلان عن منحة وقود إماراتية لتموين محطات توليد الكهرباء، بالإضافة إلى تمويل إنشاء محطتين جديدتين لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية (الأولى في المخا، وقد دخلت الخدمة، والثانية في عدن، يُنتظَر دخولها الخدمة قريباً)، إلا أن التحديات أمام الحكومة لا تزال كبيرة.

 

لقد كان تردي خدمة الكهرباء في مناطق سيطرة الحكومة، والمحافظات الجنوبية تحديداً، أوَّل المضاعفات التي خلقها العجز الكبير في الميزانية العامة؛ حيث وصلت ساعات انقطاع الخدمة هناك إلى معدل قياسي (ثلثي ساعات اليوم) منذ النصف الأول لعام 2023، وكادت تستقر خلال الأشهر الأخيرة على معدل أكبر (20 ساعة في اليوم) لولا وصول منحة الوقود الإماراتية الجديدة، وذلك بسبب عدم قدرة الحكومة على تموين المحطات بالكميات المطلوبة من الوقود لزيادة مستوى التوليد وتقليص ساعات انقطاع الخدمة.

 

ومع أن الحكومة نجحت في تسليم مرتبات موظفي القطاع العام في مناطق سيطرتها بانتظام وفي موعدها المعتاد، رغم توقف تصدير النفط، إلا أنها بدأت تتأخر في تسليم المرتبات منذ نوفمبر 2023، في ظل تَرَدُّد إشاعات حول استنفاد أرصدتها ولجؤها إلى الاقتراض من البنوك الخاصة، لتعود عملية دفع الأجور للانتظام مجدداً في فبراير الجاري، فيما اُستؤنِفَ تسليم الرواتب المتأخرة لشهري ديسمبر ويناير الفائتين، وذلك عقب تسلُّمها الشريحة الثانية من المنحة السعودية الجديدة.

 

لكن أخطر مضاعفات وقف تصدير النفط الخام في مناطق سيطرة الحكومة، تمثل في انخفاض سعر صرف العملة المحلية بوتيرة سريعة منذ بداية العام 2023، ليقترب من سقف الـ 1700 ريال يمني مقابل الدولار الأمريكي الواحد أخيراً، وهي المرة الأولى منذ نهاية عام 2021 التي يصل فيها سعر صرف العملة المحلية في مناطق سيطرة الحكومة إلى هذا المستوى الخطر، بعد نجاح البنك المركزي في عكس مسار هذا التراجع والحفاظ على سعر الصرف مستقراً عند مستوى 1100-1200 ريال مقابل الدولار على مدار معظم أشهر العام 2022.

 

وتنبع خطورة انخفاض سعر صرف الريال من حقيقة أن تأثيراته تمتد إلى القطاعين العام والخاص، وتشمل النشاط الاقتصادي الكلي في مناطق سيطرة الحكومة؛ فهو يُقلِّص القدرة الشرائية لموظفي القطاعين العام والخاص، وإن بدرجات متفاوتة بحسب مرونة هيكل الأجور، كما يُقلِّص القيمة الحقيقية لجميع إيرادات الحكومة بالعملة المحلية، سواءً من الرسوم ثابتة القيمة أو تلك التي يفترض أنها متغيرة لكنها لم تعد كذلك بسبب اعتماد الحكومة تسعيرة ثابتة/محددة مسبقاً لها، مثل الرسوم الجمركية التي حُدِّد سعر صرف ثابت فيها للدولار الجمركي (أقل من نصف سعر السوق حالياً) أو المشتقات النفطية وغاز الطهي المنتجان محلياً ويجري تسويقهما بسعر ثابت (ثلث سعر السوق تقريباً). كذلك، يضع تراجع سعر صرف الريال ضغوطاً كبيرة على مؤسسات القطاع الخاص التي تعمل على مواكبة أسعار الصرف من خلال تغيير تسعيرة خدماتها ومنتجاتها وإدراج هامش تحوط لضمان عدم تأثرها بالتذبذبات المستمرة، مع إدراكها في الوقت نفسه ضرورة مراعاة تَقلُّص القدرة الشرائية لدى الغالبية من المواطنين وتأثيرات ذلك على حجم مبيعاتها ونشاطها.

 

وقد حدث هذا الانخفاض في سعر صرف الريال على رغم مواصلة البنك المركزي في عدن إقامة المزادات الأسبوعية لبيع العملة الصعبة للمستوردين منذ توقف تصدير النفط وحتى نوفمبر 2023، عندما توقف البنك فجأة، ودون تقديم توضيحات، عن إقامة المزادات، وإن كان السبب في ذلك جلياً، وهو استنفاد البنك أرصدته من العملة الصعبة. لكنَّه ما لبث أن استأنف إقامة المزادات مجدداً في نهاية يناير الفائت، حين أعلن عن إقامة مزاد استثنائي بقيمة 40 مليون دولار أمريكي (كانت قيمة المزادات في العادة تتراوح بين 20 و30 مليون دولار)، وبعدها بثلاثة أسابيع، وتحديداً في منتصف فبراير الجاري، أقام البنك مزاداً استثنائياً جديداً بقيمة 60 مليون دولار، وإن ظلت وتيرة تراجع سعر صرف الريال على حالها.

 

واللافت أنَّه بينما كانت شركات الصرافة وقيادة البنك المركزي تتبادلان الاتهامات بشأن المسؤولية عن هذا التراجع في سعر الصرف (إذ اتهمت شركات الصرافة قيادة البنك بالإخفاق في أداء واجباتها نظراً لانشغالها بالتكسُّب من وراء موقعها، في حين تتهم قيادة البنك تلك الشركات بالمسؤولية عن هذا التراجع عبر التلاعب والمضاربة في سوق الصرف بشكل يخدم مصلحتها، وأنها تستفيد من وجود كتلة نقدية ضخمة لديها)؛ فقد لوحِظَ أن وتيرة تراجع سعر صرف الريال كانت قد تباطأت إلى حد كبير خلال الفترة التي انقطعت فيها مزادات البنك المركزي، ولم تَعُد للتسارُع مجدداً إلا مع استئناف هذه المزادات، وهو أمرٌ قد يعدُّه بعض المراقبين دليلاً إضافياً على مسؤولية المضاربين والمتلاعبين عن تراجع سعر الريال، لكنه في الواقع أقرب إلى مجرد مصادفة.

 

إن انخفاض سعر صرف الريال اليمني من الطبعات الجديدة المتداولة في مناطق سيطرة الحكومة يعود في المقام الأول إلى حجم الكتلة النقدية المصدَّرة منها وليس إلى المضاربين والمتلاعبين في سوق الصرف هناك. وعلى الرغم من أن حالة التراجع والتذبذب المستمرين في سعر الصرف قد تتيح هامشاً للمضاربة والتلاعب، وخاصةً عبر خلقها طلباً وهمياً على الريال من أجل رفع سعر صرفه في الأيام القليلة التي تسبق مزادات البنك المركزي، وعلى أمل شراء العملة الصعبة منه بسعر أقل من سعر الصرف الحقيقي الذي سيعود الريال إلى الاستقرار عليه عقب المزاد في غضون أيام إن لم تكن ساعات قليلة، لكن المشكلة الرئيسة كانت، ولا تزال، تتمثل في التراجع المستمر لسعر صرف الريال بفعل الحالة السائدة من انعدام الثقة بين المتعاملين في السوق في ظل المؤشرات الحالية بشأن عجز الميزانية وميزان المدفوعات، أما الهامش الذي أتيح للمضاربين والمتلاعبين فيُعَدّ مشكلة عرضية ذات تأثير طفيف (تذبذبات محدودة)، ومن المتوقع أن يتقلص هذا الهامش حين يستعيد المتعاملون في السوق ثقتهم في ظل مؤشرات أفضل، كما كان عليه الحال في معظم أشهر العام 2022.

 

ومع أن مزادات البنك المركزي الأخيرة شهدت بعد استئنافها مستويات عالية من الإقبال، وقُدِّمَت خلالها عطاءات تتجاوز سقف المبلغ المعروض للبيع، على العكس من الفترة السابقة (أي ما قبل انقطاع المزادات) عندما كانت العطاءات أقل من المبلغ المعروض عادةً، بل وتكاد تعادل نصف المبلغ المعروض في بعض الأحيان؛ علاوة على حقيقة أن المزادات الأخيرة تعد استثنائية من ناحية المبلغ المعروض للبيع فيها بالعملة الصعبة، إلا أن عدم قدرتها على إبطاء مسار تراجع سعر الصرف يدل على ترسُّخ حالة انعدام الثقة بين المتعاملين، وأنها وصلت حداً باتت معها محاولات البنك المركزي رفع قيمة المزادات غير مؤثرة تماماً.

 

استمرار تراجع سعر صرف الريال اليمني في مناطق سيطرة الحكومة، من بين أهم التحديات التي تواجه رئيس الوزراء الجديد (AFP)

 

فرص نجاح رئيس الوزراء الجديد واحتمالاته 

دَشَّن الدكتور أحمد عوض بن مبارك عهده، رئيساً لمجلس الوزراء، بإصدار مجموعة توجيهات وقرارات استهدفت خفض نفقات الحكومة، كان أولها قرار تقييد مشاركة المسؤولين في الفعاليات الخارجية، وتكليف البعثات الدبلوماسية اليمنية الحضور نيابة عنهم باستثناء المجالس الوزارية العربية، وبإذن مسبق، إلى جانب تنفيذهِ جولات ميدانية في بعض المرافق العامة بالعاصمة المؤقتة عدن، التقى خلالها مواطنين وموظفين، واستطلع آرائهم حول سُبُل معالجة أهم المشكلات القائمة. ويبدو أن رئيس الوزراء الجديد يعمل، من خلال مجموعة التوجيهات والمبادرات هذه، على تقديم نفسه للمواطنين بصورة مختلفة عن سلفهِ، مع إبراز رغبته وجدية مساعيه في تحقيق بعض التقدم على مسار تقليص عجز الميزانية وتحسين مستوى الخدمات العامة.

 

ومن المؤكد أن رئيس الوزراء الجديد سيستفيد من بعض المشاريع الخدمية التي بدأ العمل عليها في عهد سلفه وقاربت على الاكتمال أخيراً، مثل محطة الكهرباء الجديدة (محطة الرئيس) في عدن، التي يفترض أن تدخل الخدمة بكامل قدرتها التوليدية (تعمل حالياً بثلث قدرتها فقط) عقب استكمال ربطها بالشبكة نهاية مارس المقبل، وستسهم، إضافة إلى محطة الطاقة الشمسية (المقدمة من الإمارات) التي ستدخل الخدمة على نفس الموعد تقريباً، في تخفيض عدد ساعات انقطاع الكهرباء في مدينة عدن، وتقليل التكاليف التي تتحملها الحكومة، والبالغة قرابة 50 مليون دولار شهرياً لقطاع الكهرباء في عدن وحدها، والحد من عجز الميزانية العامة.

 

وسيستفيد رئيس الوزراء الجديد أيضاً من بعض الإصلاحات الاقتصادية التي نفذت في نهاية عهد سلفه، وأهمها رفع تسعيرة المشتقات النفطية المنتجة في محافظة مأرب، إلى ما يعادل 30% تقريباً من سعر الأسواق العالمية/التكلفة (التسعيرة السابقة كانت تعادل 10% تقريباً)، ما سيضاعف إيرادات الحكومة ويحد من عجز الميزانية العامة، وإن كان ينبغي في هذه المرحلة تحرير تسعيرة المشتقات النفطية تماماً، بالنظر إلى حجم التحديات الحالية، وأهمية اعتماد معايير متساوية لكل المحافظات النفطية، عدا عن حقيقة أن هذا الشكل من الدعم غير المستهدف لا يخدم مصالح أبناء مأرب أنفسهم بصورة مُثلَى. لكن تقاعس الأجهزة الرسمية طيلة السنوات الماضية في معالجة هذه المسألة يحول دون إمكانية تحرير تسعيرة المشتقات النفطية المنتجة في مأرب بشكل كامل في المرحلة الحالية، وهو ما بدا جلياً في التوتر الذي أحدثه قرار الرفع الجزئي لتسعيرة المشتقات النفطية مؤخراً والمواجهات المسلحة التي كادت تتفجر بسببه. ومن المؤكد أن تحرير تسعيرة المشتقات النفطية كان بالإمكان فرضه في هذه المرحلة لو عُمِلَ على ذلك منذ وقت مبكر، من خلال تهيئة الشارع والقبائل بارتفاعات تدريجية، واسترضاء الوجهاء والزعامات الاجتماعية وغيرهم ممن لديهم مصالح مرتبطة بالتسعيرة المنخفضة.

 

ومن المتوقع أيضاً أن يستكمل رئيس الوزراء بعض الإصلاحات التي بدأ العمل عليها خلال عهد سلفه، مثل إلزام المستهلكين في المحافظات الجنوبية بدفع قيمة فواتير الكهرباء أو تعديل تسعيرة الخدمة والتي لا تغطي 10% من التكاليف، وإن كان تقصير الحكومة وطريقتها في إدارة هذا القطاع يرفع التكلفة إلى أضعاف المستوى المفترض قياساً بمتوسط تكلفة توليد التيار الكهربائي وتوزيعه في دول المنطقة أو في العالم ككل، لكن يظل من الممكن تعديل تسعيرة الخدمة إلى مستوى يحقق إيرادات أكبر دون تحميل المواطنين عبء أخطاء الحكومة وتقصيرها، مع العمل في نفس الوقت على تدارك هذه المسألة ومعالجتها.

 

ويتعيَّن أن يلتفت رئيس الوزراء أيضاً إلى تقصير السلطة المحلية ومؤسسة الكهرباء في تحصيل قيمة الفواتير، وتعديل تسعيرة الخدمة في محافظة مأرب بصفة خاصة، وعدم تجاهل هذه المسألة بناء على الافتراض القائل بأن الحكومة لا تتحمل أي تكاليف كبيرة هناك نظراً لاعتماد محطة التوليد الرئيسة على الغاز الطبيعي المُنتَج محلياً؛ فالظروف الحالية تفرض على الحكومة تحصيل كل الإيرادات المستحقة لها، كما أن الغاز المنتج محلياً الذي لا تستطيع الحصول على عوائد مقابل استخدامه يُعَد تكلفة كبيرة تتحملها الحكومة، بالإضافة إلى حقيقة أن منح محافظة مأرب امتيازات كهذه في الوقت الذي تُحرَم منها بقية المحافظات المنتجة للنفط أمر ينبغي مُراجعته، لاسيما أنه قد يتسبب في توليد موجة من السَّخط الاجتماعي في تلك المحافظات، وهو ما بدأت ملامحه تتضح خلال الأسابيع القليلة الماضية.

 

وستساعد هذه العوامل، إلى جانب الدعم المقدم من السعودية والإمارات، في توفير ظروف عمل أفضل لرئيس الحكومة الجديد، وإن كانت قد لا تمنحه بالضرورة فرصة نجاح أكبر من سلفه، نظراً لأن استمرار وقف تصدير النفط الخام يخلق تراكمات أكبر وتحديات أكثر تعقيداً أمام الحكومة، كما أن عدم وجود خلفية اقتصادية لدى رئيس الوزراء أو معرفة كافية وشاملة بالأوضاع في مناطق سيطرة الحكومة يدفع إلى التشاؤم بشأن قدرته على تحقيق نجاحات استثنائية فشل سلفه في تحقيقها، وإن كان من المؤكد أن التزام رئيس الوزراء بأهدافه وتوجهاته المعلنة في تفعيل الهيئات الرقابية لمكافحة الفساد، وإعداد استراتيجية عملية وواقعية لزيادة الإيرادات وتقليل النفقات، سيتركانِ تأثيراً إيجابياً ملموساً، لكن تحقيق نجاحات استثنائية يشترط متطلبات تبدو غير متوفرة من جهة إمكانيات أغلب المسؤولين وأدائهم، ونظراً لمجمل الظروف المحلية الحالية المتسمة بالتعقيد والجمود، لاسيما على مسار الحل السياسي في اليمن.

 

فمثلاً، من الممكن تخفيض عجز الميزانية العامة إلى مستويات أدنى بكثير، بالإضافة إلى خلق مؤشرات إيجابية تحد من تراجع سعر صرف الريال عبر التوسع في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية، لكن هذا الخيار غير متاح في ظل المخاوف من إثارة ردود فعل قوية من المواطنين في مناطق سيطرة الحكومة، ليس فقط لأن الإصلاحات الاقتصادية، وما يكتنفها من سياسات تقشفية بالضرورة، تفتقر للشعبية في الأوساط المحلية، وإنما أيضاً بسبب خسارة الحكومة مصداقيتها أمام الرأي العام، في ظل تورط العديد من مسؤوليها في ممارسات الفساد والمحسوبية، علاوةً على أن الظروف الإنسانية والمعيشية الصعبة التي يعانيها اليمنيون عامة تجعلهم عاجزين عن تحمل أي أعباء جديدة يتوقع أن يُلقيها على كاهلهم التوسُّع الكبير في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية.

 

لكن رئيس الوزراء الجديد لا يزال بمقدورهِ تحقيق نجاحات مهمة في مواجهة التحديات الاقتصادية القائمة، من خلال الإمكانيات المتاحة لدى حكومته، ودون اللجوء إلى فرض أعباء جديدة على المواطنين في مناطق سيطرتها، وتحديداً عبر تصحيح أداء الأجهزة الرسمية وتعديله في بعض الملفات. ومن المقترحات المطروحة في هذا الجانب، الآتي:

 

أ) توصية قيادة البنك المركزي بتبني استراتيجية مختلفة لاستعادة ثقة المتعاملين في السوق، بدلاً من محاولاتها غير المجدية المتمثلة في رفع قيمة المزادات الأسبوعية مؤقتاً أو أية إجراءات مشابهة؛ فالمتعاملون في السوق فقدوا قناعتهم بهذه المحاولات، ويدركون أن قيادة البنك المركزي تحاول إرسال إشارات إيجابية عبر تضخيم قدراتها من دون وجود معطيات واقعية تدعم موقفها. ومن الممكن أن تستعيد قيادة البنك المركزي ثقة هؤلاء أو تُخفِّف مخاوفهم عبر اعتماد نهج جديد يقوم على الاستمرارية والثبات والقابلية للتوقع، من خلال استخدام الأرصدة المتوافرة بالعملة الصعبة في إقامة المزادات بالسقف المعتاد وعلى أطول فترة ممكنة، وبحيث يطمئن المتعاملون إلى أن البنك المركزي لن يستنفد أرصدته إلا في أقرب توقيت ممكن من موعد تسلم الشريحة التالية من المنحة السعودية، خاصةً أن قيادة البنك المركزي نفسها قد استفادت من خطوة مشابهة اتخذتها بداية عهدها، تمثلت في الالتزام بعدم تمويل عجز الحكومة بأدوات تضخمية.

 

ب) حثّ وزراء الحكومة المسؤولين عن الصادرات الزراعية والسمكية على التخلي عن سياسة حظر تصدير الأسماك وبعض الأصناف الزراعية لمدة معينة (أشهر أو أسابيع) بدعوى الحرص على توفيرها في الأسواق المحلية بأسعار في متناول المواطنين؛ فهذه المقاربة غير مناسبة، وتُلحِق بالاقتصاد الوطني وبمعيشة المواطنين أضراراً أكبر مما يمكن أن تلحقه أي ارتفاعات في الأسعار، وذلك بناءً على العوامل والأسباب الآتية:

 

1. يدفع وضع الاقتصاد الكلي، وتراجع سعر صرف الريال تحديداً، نحو جعل الأولوية لزيادة الصادرات، خصوصاً أن تردي ظروف شريحة كبيرة من المواطنين واقترابهم من حالة المجاعة يجعل توفير الغذاء لهم مقدماً على توفير صنفٍ معينٍ من المنتجات الزراعية أو البروتين الحيواني في السوق المحلية بالسعر المناسب. ومن المعروف أن النظام الغذائي الذي تعتمد عليه الشريحة الأدنى يرتكز على الحبوب ومنتجاتها، والتي يستورد اليمن 80-90% منها من الخارج، ومن ثمّ فإن قابليتها للتأثر بانخفاض سعر صرف الريال أكبر من المنتجات الزراعية والحيوانية التي يوجد شبه اكتفاء ذاتي منها.

 

2. إن الضرر الذي يلحق بالعاملين في قطاعي الزراعة والأسماك لا يقتصر على عدم تحقيق أرباح أكبر، وإنما يمتد إلى إجبارهم على بيع منتجاتهم بأسعار لا تغطي حتى التكاليف، ولهذا فإنهم قد يحجمون عن الاستثمار في توسيع أعمالهم لما فيه خدمة البلد، سواءً من جهة عائدات التصدير بالعملة الصعبة أو من جهة تغطية جزء من الطلب المحلي وتقليل فاتورة الواردات الخارجية، إضافةً إلى استيعاب نسبة من القوى العاملة للحد من معدلات البطالة والفقر الضخمة بين اليمنيين، وهي مكاسب تظل أهم بكثير من توفير صنف معين من المزروعات أو البروتين الحيواني.

 

3. يَتعيَّن ملاحظة أن القيود على التصدير تأتي بسبب ارتفاع الأسعار في السوق المحلية على خلفية ارتفاع الطلب، وزيادة الأسعار في الوجهات التقليدية للصادرات اليمنية، وهي أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي فإن هذه القيود تحرم العاملين في قطاعي الزراعة والأسماك من تحقيق أعلى عوائد ممكنة من بيع منتجاتهم، وتحرم الاقتصاد اليمني من كل المكاسب الممكن نيلها من العوائد المضاعفة، إذ لا تُرفَع هذه القيود عادةً إلا في ظل اعتدال الأسعار وانقضاء فرصة تحقيق أعلى عوائد ممكنة، فضلاً عن أن تلك القيود قد تجعل اليمن يخسر حصته السوقية في دول الجوار لصالح منافسين آخرين من الدول القريبة، أو بسبب تشجيع دول الجوار نفسها على توفير بدائل محلية.

 

4. كان يَجدُر بالحكومة العمل على تطوير قطاعي الزراعة والأسماك محلياً، واستغلال إمكاناتهما الكاملة، ومعالجة أهم التحديات التي تحول دون ذلك، مثل الأساليب البدائية المستخدمة، أو عدم وجود تنسيق يضمن ورود المنتجات إلى السوق بشكل متوازن يُلبي الطلب ولا يتجاوز العرض أو يؤدي لانهيار الأسعار، وبحيث يستفيد الاقتصاد الوطني بأكبر درجة ممكنة من هذين القطاعين على المديين القريب والبعيد، بدلاً من اتخاذ قرارات شعبوية ومرتجلة وفقاً للمتغيرات اليومية.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/furs-najah-raiys-alwuzara-alyamani-aljadid-fi-muajahat-almuedila-alaiqtisadia

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M