أهداف الزيارة الاستثنائية للرئيس الإيراني إلى سوريا

علي عاطف

 

في 18 سبتمبر 2010، التقى الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد في دمشق مع نظيره السوري بشار الأسد، وأكد آنذاك على “تطابق وجهات النظر السورية والإيرانية فيما يتعلق بكل القضايا”. ولم تخل تلك الزيارة من تطرق الجانبين إلى عددٍ من الملفات الإقليمية الأخرى مع التركيز في ذلك الوقت على تطورات المشهد العراقي والحضور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط.

وقبل هذه الزيارة بأشهر، التقى نجاد أيضًا بالأسد في سوريا في فبراير من العام نفسه، في محاولات جرت بغية “عدم عزل سوريا عن إيران” بعيد إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، عن سعي واشنطن إلى القيام بهذا العزل. وكانت تلك الزيارات بمبادرة من طهران.

ويبدو أنه على الرغم من مرور 13 عامًا على الزيارة الإيرانية الأخيرة إلى سوريا، فإن الأهداف الاستراتيجية المشتركة بشكل جذري بين إيران ودمشق لم تتبدل، حيث برزت التحولات الإقليمية الجارية مؤخرًا على مسرح الشرق الأوسط على رأس اهتمامات أجندة زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى سوريا يوم 3 مايو 2023 ولقائه بنظيره السوري في دمشق.

هندسة العلاقات

تتعدد الأهداف التي يرمي الرئيس الإيراني “رئيسي” إلى دفعها للأمام من وراء زيارته دمشق، وهي مساعٍ يمكن تفهمها عند إلقاء نظرة على التحولات الإقليمية الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط. وفيما يلي، نرصد أهم هذه الأهداف:

تأكيد التعاون: تحاول إيران من جديد التأكيد على عمق حضورها وتعاونها وعلاقاتها القوية مع الحكومة السورية، أي أنها تريد استمرار هذا الحضور من خلال توطيد أواصر العلاقات مع الحكومة السورية من جانب، واستمرار حضورها العسكري سواء الرسمي أو عبر الفصائل المسلحة التابعة لها من جانب آخر. يضاف إلى ذلك سعي الرئيس الإيراني “رئيسي” وطهران إلى موازنة التقارب العربي- السوري بذلك الإيراني- السوري، وعدم تجاهل دمشق للعلاقات مع طهران في ظل التحولات الواضحة في طبيعة العلاقات السورية مع الدول العربية فيما بعد مرحلة عام 2011، وخاصة في ضوء الاجتماعات المتعددة التي يعقدها المسؤولون العرب والسوريون في سبيل إعادة الانفتاح العربي على سوريا من جانب وبحث سبل إنهاء الأزمة السورية من جانب آخر، ومنها اجتماع جدة التشاوري في 15 أبريل الماضي واجتماع عمّان التشاوري في 1 مايو الجاري.

ولم تكن هذه المحاولات الإيرانية وليدة العام الجاري، بل تعود لأشهر طوال مضت حينما تم إلحاق هزيمة كبرى بالتنظيمات الإرهابية في سوريا. ونستطيع هنا التطرق إلى زيارات سابقة لوزير الخارجية الإيراني، كانت من بينها تلك التي جرت شهر مارس 2023 وتم خلالها التطرق إلى بعض القضايا المطروحة خلال الزيارة الحالية لإبراهيم رئيسي. وكان الرئيس السوري الأسد قد زار إيران هو الآخر في مايو 2022 من أجل بحث عدة ملفات من بينها بالأساس مستقبل العلاقات بين طهران ودمشق.

دعم الانفتاح السوري والإيراني المتزامنين مع الدول العربية: لا يعني المسعى السابق المتمثل في رغبة الرئيس الإيراني، عبر زيارته دمشق، موازنة علاقاته بلاده بسوريا مع علاقات الأخيرة المتطورة مع الدول العربية أن طهران لا تدعم الانفتاح السوري على الدول العربية، بل إنها تشجع استعادة دمشق علاقاتها مع مختلف الدول ومن بينها الدول العربية. ولكن، تتوجس إيران في الوقت نفسه من سيناريو توثيق دمشق علاقاتها مع الدول العربية على حساب روابطها مع إيران وقوة حضور الأخيرة على أراضيها، وذلك سواء من حيث النفوذ العسكري على الأرض أو ذلك السياسي، علاوة على العلاقات الاقتصادية الأخرى.

وفي إطار توجه إيران لدعم وعودة علاقاتها هي نفسها مع الدول العربية، فإنها لا تمانع أيضًا في استعادة الدول العربية علاقاتها مع سوريا، ولكن كما سبق القول، في ظل معادلة التوازن المُشار إليها. ويأتي هذا منسجمًا مع الرؤى الإيرانية المحلية الرامية إلى تعزيز علاقات مختلف دول منطقة الشرق الأوسط بعضها ببعض ضمن ما تسميه “مساعي إخراج القوات الأمريكية من الإقليم”.

وفي هذا الصدد، كان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، قد وصف في فبراير 2023 الزيارات العربية الأخيرة إلى دمشق بـ “الخطوة الإيجابية”. وقال كنعاني آنذاك في تغريدة له إن “عمليات الانفتاح الأخيرة في علاقات الدول العربية مع سوريا ومن بينها زيارة وفد اتحاد البرلمان العربي لدمشق بهدف إعلان التضامن معها عقب الزلزال المدمر، هي بمثابة خطوة واقعية وإيجابية على طريق التضامن الإسلامي”.

أما المساعد السياسي في مكتب رئيس الجمهورية الإيرانية، محمد جمشيدي، فقد كتب هو الأخر مؤخرًا يقول إن منطقة “غرب آسيا قد عبرت مرحلة مضطربة للغاية من التحول الجيوبوليتيكي الذي استمر لمدة 12 عامًا، والتي كانت إيران منتصرة بها، وكانت الولايات المتحدة خاسرة. إن الاحتفال بانتصار المقاومة سيُقام خلال زيارة آية الله رئيسي إلى سوريا”، على حد تعبيره. يشير هذا إلى وجهة النظر الإيرانية الخاصة بمسألة التقارب بين مختلف الدول العربية ودول الشرق الأوسط أمام ما تطلق عليه “المواجهة مع الولايات المتحدة”. وعليه، نجد أن جهود طهران لعودة علاقاتها الدبلوماسية مع السعودية على سبيل المثال والبلدان العربية الأخرى تتماشى وتتزامن مع دعمها للعودة “الحذرة” لعلاقات دمشق مع البلدان نفسها.

إيران ورؤى “محاصرة إسرائيل”: إنْ كانت إحدى مرتكزات وأهداف إيران من وراء عودة علاقاتها مع دول الشرق الأوسط تكمن فيما تراه قد يمثل سعيًا لـ”محاصرة إسرائيل سياسيًا” عن طريق الانفتاح مع الدول العربية وموازنة عمليات السلام العربية، فإن الأمر لا يختلف كثيرًا فيما يخص تأييد إيران لدمج سوريا في بيئة العمل العربية. حيث ترى طهران أن هناك “مباراة بين إيران وإسرائيل فيما يخص التقارب أو السلام مع الدول العربية”، وأن تطبيع العلاقات الإيرانية العربية وعودة دمشق إلى الحاضنة العربية سوف يخدمان الطرف الإيراني في هذه “المباراة”، وهو ما يجعلها تدعم جهود استعادة سوريا علاقاتها مع الدول العربية.

دعم تطبيع العلاقات السورية التركية: تسعى تركيا إلى تطبيع علاقاتها السياسية مع الحكومة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، بعد 12 عامًا من معارضة حكمه. ويدفعُ الرئيسَ التركي رجب طيب أردوغان إلى هذا المسار معادلاتُ السياسة المحلية في تركيا وبعض التوازنات الخارجية، وعلى رأس ذلك الانتخابات المقررة في تركيا خلال شهر مايو الجاري؛ إذ يرغب “أردوغان” في إرسالة رسالة إلى الناخبين الأتراك توحي بقرب حلحلة قضية اللاجئين السوريين في بلاده، ما قد يُكسبه أصواتًا كثيرة.

وتؤيد طهران من جانبها عودة العلاقات السورية التركية من أجل تخفيف الضغوط الاقتصادية عن سوريا في ظل معاناة إيران واقتصادها من عقوبات قاسية يبدو أنها ستجعلها عاجزة عن الإيفاء بالمشاريع الكبرى الرامية إلى إعادة إعمار سوريا. يُضاف إلى ذلك مسعى إيران لدمج إيران في المجتمع الدولي وتقوية علاقاتها مع دول الشرق الأوسط على وجه الخصوص من أجل الأهداف المذكورة آنفًا.

تعزيز العلاقات الاقتصادية بين سوريا وإيران: ترمي زيارة الرئيس الإيراني “رئيسي” إلى سوريا إلى التوقيع على اتفاقيات تعاون اقتصادي بين البلدين في مجالات مختلفة، خاصة مع تنامي مثل هذه المشاريع المتوسطة في الآونة الأخيرة. ويحاول البلدان تقوية تعاونهما في مجالات اقتصادية متعددة من بينها: الكهرباء، والنقل، وزيادة عدد الرحلات الجوية، وتقديم القوى البشرية، واستغلال الموانئ. وكان من بين المحاولات الحديثة لتعزيز هذه النوعية من التعاون الثنائي مشاركة وزير الاقتصاد السوري، محمد سامر الخليل، في 25 أبريل الماضي في اجتماعات مباحثات فنية أجرتها اللجنة الاقتصادية السورية- الإيرانية بحضور وزير الطرق الإيراني.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/77040/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M