أهداف ثمينة.. دلالات استهداف داعش خراسان لحاكم ولاية بلخ الطالباني

منى قشطة

 

رغم بقاء النشاط الميداني لتنظيم “داعش-خراسان” عند مستويات منخفضة خلال الأشهر الثلاثة الماضية -بفعل الضربات الأمنية التي نفذتها حركة طالبان ضد معاقل التنظيم، والصعوبة الحركية المرتبطة بظروف الطقس البارد لأفغانستان والتي تعرقل قدرة عناصره على التحضير للهجمات وتنفيذها- فإن التنظيم نجح في الاحتفاظ بقدرته على شن هجمات ضد أهداف “عالية القيمة” بالنسبة لحركة طالبان.

وهذا النجاح له ما يؤيده على أرض الواقع؛ فعلى سبيل المثال، تبنى “داعش-خراسان” في 9 مارس الجاري هجومًا انتحاريًا وقع في مزار شريف عاصمة ولاية بلخ شمال أفغانستان، واستهدف الانفجار مقر إدارة حاكم الولاية “محمد داود مزمل” مما أسفر عن مقتله برفقة آخرين إلى جانب وقوع عدد من الإصابات، وفي هذا الصدد يمكن الوقوف على سياق ودلالات هذا الهجوم؛ بالنظر إلى أنه الأول من نوعه؛ إذ أن حاكم بلخ هو أعلى عضو في طالبان يُقتل منذ استيلائها على السلطة عام 2021.

السياق والدلالات

تأتي عملية اغتيال حاكم طالبان في ولاية بلخ شمال أفغانستان في سياق تنامي نشاط الفرع الخراساني لتنظيم داعش وتزايد هجماته على الجغرافيا الأفغانية منذ وصول حركة طالبان إلى الحكم، وهي الهجمات التي تحمل في طياتها جملة من الدلالات والسياقات، يمكن الوقوف على أبرزها فيما يلي:

• تركيز داعش على الأهداف عالية القيمة: لجأ تنظيم داعش مؤخرًا إلى تطويع استراتيجيته لتتواءم مع الظروف الحالية لفرعه الأفغاني، بحيث تقوم على الحفاظ قدر الإمكان على موارده المحدودة من خلال خفض وتيرة هجماته مقابل تنفيذ هجمات نوعية عالية التأثير وتحمل الكثير من الرسائل لحركة طالبان عدوه اللدود. وهو ما يمكن قراءته في الهجوم الذي أودى بحياة محافظ ولاية بلخ البشتوني “داود مزمل”؛ إذ إن الأخير هو أحد القادة العسكريين البارزين لطالبان، ولعب دورًا مؤثرًا في قتال الحركة خلال الـ 20 عامًا الفائتة ضد القوات الأجنبية، وقبل استيلاء طالبان على السلطة كان له دور حاسم في هزيمة داعش في شرق أفغانستان، وبعد وصولها للحكم أصبح نائبًا لوزير الداخلية في حكومة طالبان، ثم عُيّن محافظًا لولاية نانجارهار ثم انتقل إلى ولاية بلخ، وبالتالي فقدان شخصية مهمة مثل “دواد مزمل” يمثل خسارة لحركة طالبان.

وفي المقابل، يُمثل هذا الهجوم ورقة مُربحة لتنظيم داعش من أكثر من زاوية: الأولى، يستطيع التنظيم توظيف عملية مقتله في جهوده الدعائية كأحد أهم إنجازاته في القضاء على قيادي ذي ثقل كبير داخل طالبان. والثانية، تُشير تفاصيل تنفيذ الهجوم إلى نجاح داعش في إحداث خرق أمني في صفوف طالبان، بالنظر إلى أن الانتحاري مُنفذ الهجوم نجح في التسلل إلى الطابق الثاني من مبنى الولاية واقتناص هدفه رغم الترتيبات الاستخباراتية والأمنية للمحافظ. وعليه، يُعد الهجوم توغلًا أمنيًا للتنظيم في عمق طالبان، ويظهر عجر الأخيرة عن توفير الأمن والحماية الكافية حتى لكبار قادتها.

والثالثة، يُسلط هذا الهجوم الضوء على مسألة الخلافات والانشقاقات التي تصاعدت ملامحها مؤخرًا في صفوف طالبان؛ فعلى الرغم من تبني داعش لعملية مقتل حاكم بلخ فإن ثمة آراء أخرى تُجادل بأن اغتيال “داود مزمل” يأتي كتصفية حسابات داخلية بين فصائل الحركة. ورغم أن هذا الرأي قد لا يكون مُرجحًا بنسبة كبيرة، فإنه ليس من المُستبعد أن تحدث هجمات من هذا النوع في الفترة المقبلة في إطار تصاعد حدة الخلافات بين قادة طالبان، وهو ما سيستفيد منه تنظيم داعش بطبيعة الحال سواء في جذب عناصر جديدة من صفوف طالبان، أو في استغلال انشغال الحركة بتضميد خطوط الصدع بين فصائلها في تعزيز حضوره على الجغرافيا الأفغانية.

• رسائل عديدة: يحاول تنظيم داعش أثناء تنفيذه لعملياته النوعية في أفغانستان أن تكون تفاصيل وتكتيكات وأزمنة وأماكن تنفيذ هذه الهجمات على درجة عالية من الدقة ومُحملة بالكثير من الرسائل الداخلية والخارجية التي يريد التنظيم إيصالها إلى طالبان وأي دولة تُبدي رغبتها في التعامل مع حكومتها، وفي مقدمتها الصين وروسيا وباكستان.

وتُفيد كافة الرسائل التي يمكن قراءتها في هجمات داعش ضد طالبان بأن التنظيم لديه القدرة على إحراجها وتنفيذ هجماته حتى داخل المناطق التي من المفترض أنها تحظى بحراسة مشددة من قبل قوات الحركة، على غرار استهداف السفارات الأجنبية والمقرّات الحكومية والمطارات وأماكن وجود قادة الحركة، وغيرها من الأماكن المحصنة حتى داخل العاصمة كابول.

الأمر الذي من شأنه مفاقمة التحديات التي تواجه حكومة طالبان، وزعزعة قدر الثقة الضئيل الذي تحاول الحركة الظفر به في محيطها الإقليمي والدولي لنيل الشرعية الدولية الغائبة عنها، من خلال إثبات العجز الطالباني أمام مواجهة التهديدات الأمنية التي تهدد مصالح الدول الأخرى في أفغانستان، وتُمثل هاجسًا للأمن القومي لهذه الدول خوفًا من امتداد تأثيراتها عبر حدودها المشتركة مع الجغرافيا الأفغانية.

واتصالًا بالسابق، ينطوي هجوم داعش الذي استهدف حاكم ولاية بلخ على رسائل ودلالات زمانية ومكانية مماثلة للهجمات السابقة؛ إذ إن الهجوم وقع بالتزامن مع حالة استنفار أمنى بالولاية بسبب زيارة وفد رفيع المستوى برئاسة الملا عبد الغني برادر نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في حكومة طالبان لمتابعة أعمال سد “قوش تيبه”. ولم يتوان التنظيم عن توجيه ضربة جديدة لطالبان في نفس المنطقة؛ إذ قام بالتزامن مع اليوم الأول لعمل حاكم بلخ الجديد- الذي عينته طالبان خلفًا للقيادي المقتول- بشن هجوم آخر أكثر دموية استهدف مركز “تابيان” الثقافي بالولاية خلال فعالية للصحفيين، مما أسفر عن مقتل شخصين على الأقل وإصابة 8 آخرين بحسب الرواية الرسمية لطالبان، في حين أشارت بعض المصادر المحلية إلى أن عدد المصابين بلغ نحو 30 شخصًا.

ويتبين من الهجومين المذكورين أن بوصلة أهداف التنظيم تركز على استهداف المناطق شمال أفغانستان؛ بهدف تعطيل المشروعات الصينية في هذه المنطقة، ودفع شركاتها إلى الفرار من أفغانستان، بما يزيد من أزمات حكومة طالبان التي تحاول التقليل من حدتها بوسائل مختلفة وفي مقدمتها التعاون والدخول في مشروعات واستثمارات مع الصين.

 • الرد على استهداف قادة وعناصر التنظيم: تندرج هجمات داعش- خراسان الأخيرة في أفغانستان ضمن مساعي التنظيم للرد على الضربات التي نفذتها حركة طالبان مُؤخرًا ضد معاقله ومخابئ قادته وعناصره. فعلى مدار الأشهر القليلة الفائتة، زعمت حركة طالبان نجاح جهازها الاستخباراتي في اعتقال عدد من عناصر وقادة التنظيم المتورطين في شن هجمات في البلاد، ومنهم على سبيل المثال، مسؤول التجنيد والتمويل بفرع داعش-خراسان الذي أعلنت طالبان القبض عليه في أكتوبر الماضي في مدينة كونار الحدودية مع باكستان.  وخلال مارس الجاري، أعلنت الحركة مقتل 6 عناصر داعشية، بينهم امرأة، خلال هجوم على مخبأ للتنظيم في ولاية هرات غربي أفغانستان.

وكذلك أعلن المتحدث الرسمي باسم الحركة “ذبيح الله مجاهد” في فبراير الماضي أن قوات طالبان نجحت في مقتل عنصرين من عناصر داعش خراسان أحدهما هو “قاري فاتح” المسؤول عن الاستخبارات والعمليات في ولاية خراسان، ومُخطط هجمات التنظيم الأخيرة في كابول، وقبل ذلك شغل منصب القائد العسكري للمحافظة (أمير الحرب) وقائد قطاع كونار.

لكن على الرغم من أن العمليات العسكرية التي تقودها طالبان كبدت التنظيم خسائر فادحة في صفوفه، فإن الأخير نجح في التمدد في كافة الولايات الأفغانية تقريبًا، لا سيما في بعض المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية على المستويين الاقتصادي والعسكري، وتصاعدت هجماته التي تستهدف المراكز التعليمية والمساجد والسفارات والأقليات، إلى جانب تركيزه على اغتيال كبار منظري وعلماء حركة طالبان.

• شن حرب دعائية ضد حركة طالبان: يتزامن الهجوم الميداني لتنظيم داعش الذي استهدف حاكم ولاية بلخ مع حرب أخرى دعائية يديرها التنظيم ضد الحركة عبر منصاته الإعلامية المختلفة، ويسلط من خلالها الضوء على عناصر الضعف التي تواجه طالبان، كالاقتتال الداخلي بين فصائل الحركة، والفساد وسوء الإدارة، مثل انقطاع التيار الكهربائي المتكرر في أفغانستان والجرائم التي يزعم أن مسؤولي طالبان ارتكبوها. وتصاعدت كذلك الانتقادات الموجهة إلى أي دولة لها تعاملات مع حركة طالبان عبر قنوات التواصل الاجتماعي الموالية لداعش- خراسان.

وكان من اللافت أن دعايا تنظيم داعش تحاول الاستثمار قدر الإمكان في قرارات وسياسات طالبان المتشددة ضد المرأة؛ فقد انتقد التنظيم منع الحركة للنساء من الالتحاق بالجامعات، زاعمًا -رغم انتهاكاته الجسيمة لحقوق المرأة- أن للعنصر النسائي دورًا مركزيًا في المجتمع. وهو ما يؤشر على أن التنظيم يحاول استغلال تضرر المرأة الأفغانية تحت حكم طالبان في تجنيد المزيد من العناصر النسائية التي تمثل موقعًا مُهمًا في أدوات التنظيم لتحقيق أهدافه.

وقد أشرنا في موضوعات سابقة إلى أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية السيئة التي تعيشها المرأة الأفغانية في ظل حكم طالبان قد تدفع بعضهم إلى الانضمام إلى داعش-خراسان إما للاحتماء من بطش الحركة التي تمارس سياسات القتل والتعذيب ضدهن، ولاسيما السيدات اللاتي كن يعملن في القضاء وفي صفوف أجهزة الأمن الأفغانية السابقة. أو الانضمام لأغراض انتقامية بهدف ثأر بعض النساء لمقتل أزواجهن وأولادهن على يد عناصر طالبان.

ختامًا، يمكن القول إن التهديد الأمني لتنظيم داعش- خراسان يتزايد في أفغانستان ووسط وجنوب آسيا، خصوصًا في ظل تصاعد التقارير التي تتحدث عن أن التنظيم نجح في تعزيز تعداده البشري ليصل عدد عناصره إلى حوالي 6500 عنصر، مع تركز نحو 4000 مسلح من هؤلاء بالقرب من الحدود الأفغانية مع طاجيكستان، فضًلا عن تطور القدرات النوعية للتنظيم وتركيزه على تحقيق مكاسب استراتيجية من جهوده الدعائية في كل هجوم يقوم بتنفيذه. ويُرجح أن تستمر الوتيرة المتزايدة في هجمات داعش خلال العام الجاري، سواء على الجغرافيا الأفغانية أو أي من دول الجوار الأفغاني.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76227/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M