الانتخابات التركية 2023.. الانتخابات الأكثر ضبابية

صفاء محمد

 

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد رسميًا، لتنعقد يوم 14 مايو المقبل، وذلك قبل شهر من الموعد المقرر سابقًا، على الرغم من التكهنات التي أثيرت بشأن تأجيلها نظرًا للانتقادات التي واجهتها الحكومة التركية في تعاملها مع الكارثة، بالإضافة إلى التحديات اللوجيستية المتمثلة في إجراء الانتخابات في المناطق المنكوبة.

ويأتي الإعلان الرسمي عن الانتخابات في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق شاسعة في جنوب تركيا يوم 6 فبراير الماضي -حيث يقطن أكثر من 15% من سكان تركيا- والذي أسفر عن مقتل أكثر من 50 ألف شخص في تركيا وسوريا، بالإضافة إلى تشريد حوالي 1.25 مليون شخص، فضلًا عن الأضرار التي لحقت بالمنازل والمستشفيات والمدارس والبنية التحتية العامة، بما يوازي قيمته حوالي 34 مليار دولار، وفقًا لتقديرات البنك الدولي.

وقد أثيرت تساؤلات بشأن كيفية إجراء الانتخابات في المناطق التي ضربها الزلزال، إلا أن الرئيس التركي قد أّكّد في خطابه على ضرورة تحويل الانتخابات المرتقبة في 14 مايو ليكون سباقًا انتخابيًا يمحو آثار الدمار الذي خلفه الزلزال. بالإضافة إلى ما سبق، اعتُبر الدستور أحد المحددات الحاكمة في عدم تأجيل الانتخابات؛ نظرًا إلى أن الدستور سمح للحكومة بتأجيل الانتخابات لمدة تصل إلى عام تحت ظرف واحد، وهي أن تكون البلاد في حالة حرب. هذا، ومن المتوقع أن يشهد السباق الرئاسي المرتقب منافسة محتدمة بين الرئيس التركي الحالي “رجب طيب أردوغان” وتحالف المعارضة بقيادة “كمال كليجدار أوغلو”. انطلاقًا مما سبق، سيتم التطرق إلى أبرز التحالفات الانتخابية خلال الانتخابات المقبلة، بالإضافة إلى أبرز استطلاعات الرأي في هذا الصدد.

أولًا: تحالف الطاولة السداسية…اتحاد المعارضة التركية

في يوم 6 مارس، أعلن تحالف المعارضة ” تحالف الطاولة السداسية” المكون من ستة أحزاب  (حزب الشعب الجمهوري، وحزب الصالح القومي، وحزب الديمقراطية والبناء، وحزب المستقبل، وحزب السعادة الإسلامي، والحزب الديمقراطي ) عن مرشحه الرئاسي المشترك، ليضع دعمه خلف زعيم المعارضة كمال  كليجدار أوغلو من حزب الشعب الجمهوري، وهو الحزب الذي أسسه قبل 100 عام مصطفى كمال أتاتورك ، مؤسس تركيا الحديثة.

والجدير بالذكر أن التحالف قد نجح في إعلان مرشحه المشترك على الرغم من الخلافات التي نشبت في البداية، والتي تسببت في انسحاب الحزب الجيد القومي التركي بقيادة المعارضة “ميرال أكشينار”-ثاني أكبر حزب معارض بعد حزب الشعب الجمهوري- من التحالف، إثر اختيار “كمال كيليجدار أوغلو” كمرشح مشترك، إلا أن ميرال أكشينار قد تراجعت عن الانسحاب، ليتم التوصل إلى إجماع بشأن اختيار “كيليجدار” كمرشح رئاسي للمعارضة.  وتجدر الإشارة إلى أن “ميرال أكشينار” قد قبلت بـ”كليجدار” إثر الاتفاق على تعيين عُمدتي بلديتي أنقرة وإسطنبول “منصور يافاش” و”أكرم إمام أوغلو” على التوالي نائبين للرئيس في حال فوزه بالانتخابات القادمة.

تجدر الإشارة إلى أن زعيم حزب الشعب الجمهوري “كمال  كليجدار أوغلو” برز كواحد من المعارضين الرئيسين للرئيس التركي، فهو يبلغ من العمر 74 عامًا، وعمل كموظف حكومي سابق ليشغل مناصب عليا في وزارة العمل والضمان الاجتماعي. هذا، وقد استطاع ” كليجدار ” منذ عام 2008، أن يبرز كأحد المكافحين للفساد، حيث كشف عن قضايا الفساد التي تورط فيها أعضاء في الحزب الحاكم “حزب العدالة والتنمية”.

وتتصاعد حظوظ تحالف المعارضة للفوز بالرئاسة؛ نظرًا إلى أن حزب الشعب الجمهوري سبق وأن نجح في انتخابات البلدية لعام 2019، في استعادة العديد من المدن الكبرى، بما في ذلك إسطنبول، من الحزب الحاكم. وقد تمثل الأزمة الاقتصادية المحتدمة التي تواجهها الدولة التركية فرصة أمام المعارضة لاقتناص الأصوات؛ نظرًا إلى ارتفاع معدلات التضخم وأزمة العملة التي شهدت العام الماضي انخفاضًا بنسبة 30٪ تقريبًا من قيمة الليرة مقابل الدولار.

وتشير بعض التحليلات إلى أن ترشيح “كليجدار” قد يسهم في حشد الأصوات الكردية أيضًا؛ نظرًا إلى أن المرشح المعارض ينحدر من منطقة ديرسيم ذات الأغلبية الكردية، وينتمي كذلك إلى الأقلية العلوية. ومن ثم، اتجهت التحليلات إلى أنه قد يفوز بأصوات حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد.

على صعيد آخر، تشير بعض التقديرات إلى أن ما يقرب من ثلث السكان الأكراد يصوتون تقليديًا لرجب طيب أردوغان كسنة محافظين. في حين أن الثلثين المتبقيين من الأكراد الذين يصوتون عادة لحزب الشعوب الديمقراطي غير مؤكد تصويتهم للمرشح المعارض. وتجدر الإشارة إلى أن حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد يُعد ثالث أكبر حزب سياسي في تركيا، حيث يمتلك حوالي 10٪ من الأصوات، والذي يجعله في دور صانع الملوك في هذه الانتخابات في حالة جولة الإعادة. ومع ذلك، يواجه تحالف الطاولة السداسية تحديًا محوريًا فيما يخص الحصول على تأييد الأكراد، حيث أشار زعيم حزب الشعوب الديمقراطي “مدحت سنجار” إلى تطلعه للمحادثات مع التحالف المعارض، لتقديم الدعم للمرشح ” كمال كيليجدار أوغلو”، مما قد يسهم في تقليص دعم الناخبين القوميين المعادين لسياسات الحزب المناصرة للأكراد.

أما بالنسبة للبرنامج الانتخابي للتحالف من الأحزاب الستة، فعلى الرغم من أن التحالف يتكون من الأطياف السياسية المختلفة سواء اليسار أو اليمين أو ما بين تيارات محافظة وذات الخلفية الدينية وصولًا إلى أشد التيارات علمانية؛ فإن القاسم المشترك بين الأحزاب المكونة لهذا التحالف هو الإطاحة بالرئيس التركي، تمهيدًا لإلغاء النظام الرئاسي، مع العودة إلى النظام البرلماني والذي يُعتبر أبرز البنود الرئيسة للاتفاق الذي تم توقيعه من قبل الأحزاب الستة. على الجانب الآخر، تباطأ التحالف في تقديم رؤية واضحة بشأن القضايا الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن التحالف يؤكد على مناصرته لتقديم حلول وسط في تناوله لتلك القضايا.

ثانيًا: ترشح الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” للانتخابات التركية

بالنسبة للتحالف الحاكم الذي يخوض الانتخابات، فهو يتضمن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس التركي “أردوغان”، وحزب الحركة القومية بزعامة دولت بهجلي، ويسعى حزب العدالة والتنمية إلى توسيع تحالفاته ليصمد أمام تحالف المعارضة السداسي، عبر ضم حزبين جديدين، هما حزب الوطن الأم برئاسة إبراهيم شلبي، وحزب اليسار الديمقراطي برئاسة أوندر   أكساكال.

وعلى الرغم من الشكوك التي أثارها بعض الخبراء الدستوريين بشأن إمكانية خوض أردوغان في الانتخابات بشكل شرعي، خاصة في ضوء المادة 110 من الدستور التركي التي تنص على أنه “يجوز انتخاب شخص كرئيس للجمهورية لفترتين على الأكثر”، إلا أن وزير العدل التركي قد أشار إلى عدم وجود عقبات دستورية أمام الرئيس التركي؛ نظرًا إلى أنه مرشح لمنصب الرئيس لولاية ثانية في ظل نظام الحكم الرئاسي.

وقد يعول الرئيس التركي على عدد من الركائز للفوز بالسلطة؛ على غرار الحزمة الاقتصادية التي تبناها مؤخرًا وتتضمن: دعم الطاقة، ومضاعفة الحد الأدنى للأجور، وزيادة المعاشات، فضلاً عن استحداث فرصة لأكثر من مليوني شخص للتقاعد على الفور. كذلك أطلق أردوغان وعودًا بشأن إعادة بناء المساكن التي تضررت جراء الزلزال في غضون عام واحد فقط، حيث كشف استطلاع رأي استشهدت به رويترز أن المزيد من الأشخاص يلومون مقاولي البناء أكثر من الحكومة في الأضرار التي سببتها الزلازل بسبب عدم الالتزام بمعايير البناء. ومن ثم، يقدم حزب العدالة والتنمية وزعيمه الرئيس التركي بوصفهما الحل للأزمة وليسا مسببين لها.

كذلك يعتمد الرئيس التركي في اقتناصه لفرص النجاح في تلك الانتخابات على السياسة الخارجية التركية، حيث نجحت الدولة في الدخول في شراكات استراتيجية مع دول أخرى، بالإضافة إلى لعبها دورًا محوريًا في الأزمات الدولية. فعلى سبيل المثال، وقعت تركيا مؤخرًا اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تهدف إلى زيادة التجارة بين البلدين إلى 40 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة. وسعت أنقرة إلى الحفاظ على العلاقات مع كل من موسكو وكييف، ولعبت دور وساطة رئيس في تأمين مبادرة حبوب البحر الأسود.

وتشير بعض الترجيحات إلى أن الحكومة التركية قد تستخدم الورقة الطائفية، لاسيما أن المعارض “كليجدار” هو علوي من أصل كردي، حيث تستخدم حزب العدالة والتنمية الهوية السنية بكثافة كسلاح سياسي في الماضي، لا سيما خلال الحرب الأهلية السورية عندما صور أردوغان ووسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية الصراع على أنه جهاد ضد نظام علوي.

ثالثًا: أبرز استطلاعات الرأي بشأن حظوظ المترشحين للانتخابات التركية

تراجعت نسبة التأييد لحزب العدالة والتنمية الحاكم في استطلاعات الرأي خلال عامي 2021 و2022؛ نظرًا إلى الانتقادات الموجهة للسياسات الاقتصادية التي تبناها، والتي أسهمت في تفاقم أزمة التضخم في تركيا، إلا أن نسب التأييد قد ارتفعت بالتوازي مع كشف الرئيس التركي النقاب عن سلسلة من الإجراءات لمعالجة أزمة تكلفة المعيشة، بما في ذلك زيادة الحد الأدنى للأجور.

في شهر يناير عام 2023، كشف استطلاع أجراه مركز أبحاث ORC Research أن رؤساء بلديات من حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش، قد سجلوا نسب تأييد مرتفعة مقارنة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فمثلًا، حصل عمدة أنقرة “منصور يافاش” على 49.4% من الأصوات في حين حصل أردوغان على 39.8% فقط. وحصل عمدة إسطنبول إمام أوغلو على نسبة تأييد تبلغ 47%، في حين حصل الرئيس التركي على 41.9% فقط من الأصوات. من ناحية أخرى، حصلت ميرال أكشنر على 46.3٪ من الأصوات في سؤال ترشحها ضد أردوغان الذي حصل على 41.7٪ من الأصوات. وأخيرًا، حصل زعيم حزب الشعب الجمهوري كيليجدار أوغلو على 41.8% من الأصوات، في حين حصل منافسه أردوغان على 42.5%من الأصوات.

وتشير استطلاعات الرأي خلال الآونة الأخيرة إلى أن نسب التأييد لكلا الطرفين متقاربة جدًا، مما يعكس احتدام السباق الرئاسي المرتقب، والذي يعني ضمنيًا أن العملية التصويتية خلال تلك الانتخابات تُعد الأقل يقينًا على مستوى كافة الانتخابات بالنسبة للرئيس التركي. فالجدير بالذكر أن من بين المقاطعات العشر التي ضربها الزلزال كانت ست مقاطعات تقليديًا من معاقل حزب العدالة والتنمية؛ فعلى سبيل المثال، في انتخابات 2018 في مدينة أديامان التركية، إحدى المدن التي تضررت بشدة من الزلزال، فاز حزب العدالة والتنمية بـها بحوالي 70% من الأصوات.

وعلى صعيد آخر، أظهرت استطلاعات الرأي قبل الزلزال أن التحالف بين حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان وحزب الحركة القومية لا يزال قويًا، مما يعني أنه حتى لو تمكن تحالف المعارضة المكون من ستة أحزاب من تولي الرئاسة، فإنه سيفشل للفوز بالسيطرة على السلطة التشريعية، مما سيجعل من الصعوبة بمكان على المعارضة إعادة النظام البرلماني السابق الذي تم إلغاؤه من خلال التغييرات الدستورية.

ختامًا، من المتوقع أن تكون الانتخابات الرئاسية التركية المرتقبة من أكثر الانتخابات التركية التي تتسم بعدم اليقين بالنسبة للرئيس التركي “أردوغان”، مع عدم اتضاح من الفائز بالرئاسة التركية القادم ، وقد أسهم في تعقيد المشهد الانتخابي التركي هو اندلاع سلسلة الأزمات التي تواجهها الدولة التركية، وآخرها كارثة الزلزال الذي جعل المشهد الانتخابي التركي أكثر ضبابية خلال الشهرين المقبلين.

المصادر

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76222/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M