أوروبا وحوض المتوسط… التعاون والحوار وأمن الجوار

بون: العلاقة ببن الجغرافيا والسياسة، وهي ما يعبر عنها بـ«الجغرافيا السياسـية» تعتبر المحور الذي دارت عليه أحداث النزاع بين القوى الدولية، فبعد الحرب الباردة سمح ببروز تقسيم «جيوبولتيك» جديد، مما جعل منه جبهة «انكشاف استراتيجي» وقد اعتبر بعض الباحثين أن التقسيم الاستراتيجي الجديد للمجال المتوسطي هو التقسيم من شرق غرب إلى شمال جنوب، وبعـد ذلك، انتهج تعريف جديد للبحر المتوسط في الاستراتيجيات الدولية، يقضـي بالأخذ بالمفهوم الواسع كما امتاز البحر المتوسط بالصراعات والتنافس.

شهد أمن الاتحاد الأوروبي والبحر المتوسط ​​على مدى سنوات طويلة شراكة أورومتوسطية ناجحة ويمكن اعتبارها، أهم شراكة إقليمية حاليًا في البحر الأبيض المتوسط ​​حيث تجمع كلا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وعشر دول متوسطية هي المغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والأردن، وإسرائيل، وسوريا، ولبنان، والسلطة الفلسطينية. ويعود ذلك إلى المؤتمر الأورومتوسطي الأول لوزراء الخارجية الذي انعقد في برشلونة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1995.

ويلعب الاتحاد الأوروبي دورًا أكثر طموحًا في مكافحة الإرهاب، على الرغم من أن المسؤولية الأساسية عن مكافحة الجريمة وضمان الأمن تقع على عاتق الدول الأعضاء، فإن الاتحاد الأوروبي يوفر أدوات التعاون والتنسيق، فضلاً عن الدعم المالي، لمحاربة التطرف والإرهاب. وبسبب الصلة بين التنمية والاستقرار، وكذلك بين الأمن الداخلي والخارجي، أصبح يشكل عمل الاتحاد الأوروبي خارج حدوده، أحد أبرز اهتماماته. لقد ازداد إنفاق الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة الإرهاب على مر السنين، للسماح بتعاون أفضل بين سلطات إنفاذ القانون الوطنية وتعزيز الدعم من قبل هيئات الاتحاد الأوروبي المسؤولة عن الأمن والعدالة، مثل اليوروبول والاتحاد الأوروبي و«يوروجست».

كيف يحرّك التعاون الدولي والإقليمي دفة الحرب على الإرهاب

وتتراوح القواعد والأدوات الجديدة العديدة من مواءمة تعريفات الجرائم والعقوبات الإرهابية، وتبادل المعلومات والبيانات، وحماية الحدود، ومكافحة تمويل الإرهاب، وتنظيم الأسلحة النارية. ومع ذلك، فإن تنفيذ وتقييم التدابير المختلفة مهمة صعبة. وفي هذا الإطار لعب البرلمان الأوروبي دورًا نشطًا ليس فقط في تشكيل التشريعات، ولكن أيضًا في تقييم الأدوات والثغرات الموجودة من خلال العمل الذي أنجزته لجنته الخاصة المعنية بالإرهاب.

الشراكة السياسية والأمنية

تهدف الشراكة السياسية الأمنية، إلى الوقاية من الإرهاب والجريمة المنظمة وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي سلميا من خلال الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 242 واعتبر إعلان برشلونة أن تحقيق الأمن في المنطقة المتوسطية يجب أن يكون هو الأساس لأي تعاون، كما تقرر في اجتماع مرسيليا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2000 التوصل إلى صياغة نص الميثاق الأورومتوسطي، وقد بادرت تونس بالانضمام لها في 17 يوليو (تموز) 1955، ثم المغرب والجزائر عام 2002، وخصصت المفوضية الأوروبية 3.10 في المائة من مبلغ إجمالي قـدرة 10 ملايـين يورو لمشـروعات تخص قضايا احترام حقوق الإنسان والديمقراطية. وهو الأساس الذي طالبت من خلاله بإقامة تعاون دولي مكثف ضد الإرهاب.

ورغم ما تبذله دول أوروبا من جهود في «المسرح» الدولي، تبدو أوروبا بعيدة عن التطورات والأحداث والنزاعات الدولية، والتي أصبحت تمثل معضلات جديدة للاتحاد الأوروبي، كون صوت دول أوروباـ الاتحاد الأوروبي أصبح صوته، غير مسموع ليس فقط في الشؤون الدولية، ولكن أيضًا في دول جوار الاتحاد الأوروبي، وهذا ما يحصل الآن. ويبدو الاتحاد الأوروبي أقل أهمية من أي وقت مضى في سوريا وليبيا؛ ومنقسما حول التطورات في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​بسبب سياسات تركيا، أبرزها التنقيب عن الغاز. ويعود ذلك إلى غياب الحضور العسكري والأمني خارج أراضي أوروبا لدعم القرار أو المواقف السياسية الأوروبية.

يلعب الاتحاد الأوروبي دورًا أكثر طموحًا في مكافحة الإرهاب، على الرغم من أن المسؤولية الأساسية عن مكافحة الجريمة وضمان الأمن تقع على عاتق الدول الأعضاء

في السنوات الأخيرة، تحول الاتحاد الأوروبي من أجندة «مرنة» دفاعية إلى حد ما إلى موقف أكثر طموحًا في السياسة الخارجية، وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية «أورسولا فون دير لاين»، ومنسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوسيب بوريل، والعديد من الدول الأعضاء، يضغطون بقوة ليكون الاتحاد الأوروبي أكثر طموحًا دوليا وبناء أوروبا أكثر جيوسياسية. وهذا ما دفع بوريل إلى الدعوة لاستخدام لغة القوة. يدعو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى وجود أوروبا تتمتع بقدر أكبر من الاستقلالية الاستراتيجية، وسعى إلى تعزيز طموحات السياسة الخارجية لأوروبا. من الواضح أن هناك إجماعًا واسع النطاق على أن أوروبا بحاجة إلى تبني موقف أكثر حزماً في الشؤون الدولية.

الحوار المتوسطي لحلف الناتو

اعتُبرت الهياكل الإقليمية المختلفة التي تم تطويرها على مدى العقود القليلة الماضية- وخاصة الحوار المتوسطي لحلف الناتو ومبادرات أخرى من قبل الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك كانت هناك حاجة إلى تعزيز أكثر بين الاتحاد ودول حوض المتوسط، من خلال التعاون الأمني. وهناك إجماع لدى الخبراء المعنيين في هذا الشأن، أنه من المهم بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، أن تنظم نفسها قبل السعي إلى تنظيم دول المنطقة، وان تكون هناك ثقة بين جميع الأطراف.

لذا كانت هناك مطالب لزيادة الثقة بين دول البحر الأبيض المتوسط​​، وتعاون إقليمي أكبر بشأن الأمن والطاقة. واستمرار القضية الإسرائيلية الفلسطينية، والتي يُنظر إليها على أنها سبب رئيسي في الاحتقان السياسي في معظم المنتديات الإقليمية والدولية، كانت إحدى القضايا الرئيسية للدول المغاربية. في غضون ذلك، كان مصدر قلق الدول الأوروبية هو الفكرة القائلة بأن الجهود المبذولة تجاه البحر الأبيض المتوسط ​​غالبًا ما لاقت تقدمًا ضئيلًا للغاية نتيجة للإحجام السياسي عن تعاون الشركاء الجنوبيين فيما بينهم.

وبات ضروريا الحفاظ على الهياكل الإقليمية وإقامتها، مع زيادة المشاركة بين الاتحاد ودول حوض المتوسط خاصة دول الجنوب. وكانت أوروبا بحاجة إلى الحفاظ على ارتباط متسق مع المنطقة بصرف النظر عن سياسة الإرهاب والطاقة. كذلك ما ينبغي العمل عليه هو، توسيع الاهتمامات الأمنية لتأخذ في الاعتبار قضايا الأمن والتنمية، ومعالجة أسباب الفقر واعتماد برامج في التنمية المستدامة للوقاية من الهجرة والتطرف والإرهاب.

وزير الخارجية المغربي لـ«المجلة»: التدخلات الخارجية من أسباب أزمات المنطقة

آليات المفوضية الأوروبية فى مكافحة الإرهاب والتطرف

  • هيئة رقابية جديدة لمراقبة عمليات غسل الأموال

تسعى كبرى دول الاتحاد الأوروبي لتأسيس هيئة رقابية جديدة تتولى مسؤولية مراقبة عمليات غسل الأموال في المؤسسات المالية وذكرت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا ولاتفيا في بيان مشترك أن التكتل المؤلف من (28) بلدا بحاجة إلى «رقابة مركزية» لرصد تدفق الأموال داخل نظامه المالي. وذكر البيان أن ضرورة وجود هيئة إشرافية تابعة للاتحاد الأوروبي ظهرت بعد الفشل المتكرر لأجهزة رقابية محلية في رصد ومكافحة غسل الأموال وفقا لـ«رويترز» في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 .

  • سجل مشترك لمكافحة الإرهاب

فتح الاتحاد الأوروبي عام 2019، سجلاً مشتركاً لمكافحة الإرهاب، على أمل تسهيل مقاضاة وإدانة المتشددين المشتبه بهم والأفراد العائدين من القتال مع تنظيم داعش في العراق وسوريا. وتهدف الخطوة بحسب المسؤولين، إلى تبديد المخاوف المرتبطة بمصير مئات المواطنين الأوروبيين الذين قاتلوا في صفوف التنظيم وهم محتجزون حالياً في العراق وسوريا.

  • مؤسسات التعاون الأمني بين دول الاتحاد الأوروبي

تشير دراسة أكاديمية قام بها الباحث دون بوار، سنة 2019، إلى أن أجهزة وهياكل الأمن والاستخبارات الأوروبية تشمل جميعَ الأطراف التي تلعب دورًا في المهام الاستخباراتية، وإنفاذ قوانين مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي. وتشمل أطرافًا وطنية، وأوروبية؛ مثل وكالات الاستخبارات الوطنية، وأجهزة الأمن ووكالات الشرطة الوطنية. أما الأطراف الأوروبية؛ فتشمل مركز الاستخبارات والعمليات التابع للاتحاد الأوروبي (INTDIV)، وهيئة الأركان العسكرية للاتحاد الأوروبي (EUMS)، ومركز عمليات الاتحاد الأوروبي (SitCen)، واليوروبول (Europol)، ومركز الاتحاد الأوروبي للأقمار الصناعية (EUSC)، والمجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية، وفرق العمل الثنائية والمتعددة الأطراف المختلفة؛ المعنية بمكافحة الإرهاب، ووحدة التعاون القضائي الأوروبي، والإنتربول، والمعهد الأوروبي للشرطة، ورؤساء فرقة العمل المكونة من الشرطة ووكالة فرونتكس.

  • صندوق الأمن الداخلي

أسست الشرطة صندوق الأمن الداخلي للفترة 2014-2020، بإجمالي 4.2 مليار يورو للسنوات السبع. وسيعمل الصندوق على تعزيز تنفيذ استراتيجية الأمن الداخلي والتعاون في مجال إنفاذ القانون وإدارة الحدود الخارجية للاتحاد. وتتكون قوى الأمن الداخلي من أداتين، حدود قوى الأمن الداخلي والتأشيرات وشرطة قوى الأمن الداخلي، والأهداف الرئيسية. ويساهم عنصر شرطة قوى الأمن الداخلي في صندوق الأمن الداخلي في ضمان مستوى عالٍ من الأمن في الاتحاد الأوروبي. وضمن هذا الهدف العام.

أنشطة صندوق الأمن

مكافحة الجريمة: مكافحة الجريمة المنظمة والخطيرة العابرة للحدود، بما في ذلك الإرهاب، وتعزيز التنسيق والتعاون بين سلطات إنفاذ القانون والسلطات الوطنية الأخرى في دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك مع يوروبول وهيئات الاتحاد الأوروبي الأخرى ذات الصلة، ومع المنظمات غير التابعة للاتحاد الأوروبي والدولية ذات الصلة.

إدارة المخاطر والأزمات: تعزيز قدرة دول الاتحاد الأوروبي والاتحاد على إدارة المخاطر والأزمات المتعلقة بالأمن بفعالية، والاستعداد لحماية الأشخاص والبنية التحتية الحيوية من الهجمات الإرهابية والحوادث الأمنية الأخرى.

الشراكة الأوروبية المغربية

أصبح الأمن المعلوماتي من بين الأولويات التي تقوم عليها خطط الأمن القومي المغربي الأوروبي وتم التركيز أكثر على القضايا الكبرى اقتصاديا وأمنيا وسياسيا بين الاتحاد الأوروبي والمغرب والتي أصبحت رهينة تحولات في الرؤية والاستراتيجية.

في إطار أداة التوأمة في الاتحاد الأوروبي، دخلت الإدارة العامة المغربية في شراكة مع الإدارات الأوروبية من أجل التعلم المتبادل وبناء القدرات من خلال تبادل أفضل ممارسات الصحة البيئية. واستفاد المغرب من 25 مشروع توأمة في 2014-2020 في قطاعات الفلاحة والصيد البحري، والبيئة، والمالية، والسوق الداخلية والمعايير الاقتصادية، والصحة وحماية المستهلك، والعدل والشؤون الداخلية، والسلامة النووية، والطاقة، والشؤون الاجتماعية، والتشغيل، والتقييس والمعايير، والتجارة والصناعة، والاتصالات السلكية واللاسلكية والنقل. كما استفاد المغرب من أداة المساعدة الفنية وتبادل المعلومات التي تدعم إصلاحات الإدارة العامة. كما يشارك المغرب في مبادرات أخرى مفتوحة لبلدان الجوار الجنوبية ودعم تحسين الحكم والإدارة.

أميمة أ. (تحمل الجنسية الألمانية والتونسية) تحضر محاكمتها في هامبورغ، ألمانيا، بتهم مرتبطة بتعاونها مع تنظيم داعش أثناء إقامتها في سوريا (غيتي)

شراكة متكاملة

وعلى الصعيد الدولي، لا يزال المغرب حليفًا سياسيًا للقوى الغربية، ويقدم خدماته لحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، ويعمل مع دول الخليج من أجل التنمية الاقتصادية للمنطقة.

تعود العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب إلى الستينات والسبعينات من القرن الماضي، عندما وقعت المجموعة الاقتصادية الأوروبية والمملكة أول اتفاقيات تجارية وتعاونية بينهما. في عام 1995، قام المؤتمر الأورومتوسطي في برشلونة بتوسيع العلاقات من خلال إنشاء الشراكة الأوروبية المتوسطية، والتي أدت إلى إنشاء إطار اقتصادي وسياسي واجتماعي شامل بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ودول البحر الأبيض المتوسط. دخلت اتفاقية الشراكة بين الطرفين حيز التنفيذ في عام 2000، وهي تشكل الآن الأساس القانوني للعلاقة الثنائية.

* يمكن اعتبار أن تجربة المغرب في مكافحة الإرهاب والتطرف وتعاونه مع الاتحاد الأوروبي هي النموذج، رغم وجود تعاون مع دول أورومتوسطية أخرى

أقام الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية في 29 يونيو (حزيران) 2021 حفل إطلاق ما يسمى «الشراكة الخضراء» التي ستشهد عمل الجانبين معًا من أجل الوفاء بالالتزامات التي حددتها اتفاقية باريس للمناخ لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وحماية البيئة وتعزيز الاقتصاد الأخضر، مع استثمار الاتحاد الأوروبي بالكامل في تعزيز الانتقال نحو الطاقة النظيفة ومواجهة الاحتباس الحراري.

وبات متوقعا، أن يكون التعاون المتوقع مع المغرب هو الأول من نوعه مع دولة تقع على جانبها الجنوبي وجزء من الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب من أجل الرخاء المشترك لتعزيز العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، تتماشى مع الأهداف التي وضعتها سياسة الجوار الأوروبية.

تعاون أمني في مكافحة الإرهاب

تمكنت المديرية العامة للدراسات والتوثيق والمديرية العامة لمراقبة الأراضي للمملكة المغربية، بفضل المعلومات الدقيقة، من إلقاء القبض، في أثينا، على أبو محمد الفاتح، وهو مغربي يبلغ من العمر 28 عامًا انضم إلى صفوف داعش والتي كانت موضوع مذكرة توقيف دولية بمبادرة من القضاء المغربي.

أبو محمد الفاتح له دور كبير داخل تنظيم داعش، الذي شغل فيه مناصب مهمة، لا سيما فيما يسمى بالمجموعة الخاصة للخدمات العملياتية، في دير الزور بسوريا.

المغرب يساعد فرنسا في تفكيك خلية إرهابية

لعب المغرب دورًا رئيسيًا في مكافحة الإرهاب. وقدم لأجهزة الأمن الفرنسية معلومات استخبارية قيّمة ساعدتها في تحديد موقع خلية إرهابية قاتلة أخرى انزلقت عن شبكة الشرطة بعد سلسلة الهجمات التي ارتكبت في باريس يوم 13 نوفمبر 2015. بفضل بلاغ مغربي، شنت الشرطة الفرنسية مداهمة على ساكن في ضاحية سان دوني بباريس وأحبطت هجومًا على الحي التجاري بالمدينة بعد تبادل عنيف لإطلاق النار مع الإرهابيين.

وفي هذه التطورات، قتلت الشرطة الفرنسية اثنين من المشتبه بهم، من بينهم زعيم هجوم باريس الإرهابي عبد الحميد أباعود (27 عامًا)، عضو في تنظيم داعش من مولينبيك، بلجيكا. وذكرت بعض التقارير الاستخبارية، أن عملاء المخابرات المغربية توجهوا إلى باريس بناء على طلب نظرائهم الفرنسيين للمساعدة في التحقيق. ويبدو أن تدخل الاستخبارات المغربية كانت حيوية وساعدت في الكشف عن الخلية الإرهابية. لقد أثبتت مكافحة الإرهاب في المغرب مرة أخرى كفاءتها في إحباط التهديدات الإرهابية في الداخل والخارج.

إن الاستراتيجية المغربية لمحاربة الإرهاب تقوم على مقاربة عالمية تشمل الوقاية والاستباق وإعادة التأهيل والقضاء على جذور الإرهاب والتعاون الدولي. المغرب عضو فعال في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، والمنتدى ملتزم بتعزيز التعاون الدولي وتجميع الخبرات والموارد لمعالجة أولويات مكافحة الإرهاب التي تركز على المدنيين. وفي هذا الإطار استضاف المغرب العديد من الفعاليات والاجتماعات الدولية لمكافحة الإرهاب.

وصف تقرير للأمم المتحدة وكالة المخابرات المغربية بأنها أقوى وكالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب نجاحها في ضمان الأمن القومي ودورها المهم في منع الهجمات الإرهابية. كما أشاد تقرير الأمم المتحدة بعلاقات التعاون القائمة بين وكالة المخابرات المغربية ونظرائها الأجانب وخاصة تلك الخاصة بالقوى العظمى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا. تدرك العديد من الدول الأوروبية، وخاصة إسبانيا وفرنسا وبلجيكا والعديد من الدول الأخرى حول العالم، أهمية الدولة المغربية في مكافحة الإرهاب والتطرف.

المتهم محرم د. جربر (المنتمي لداعش) خلال محاكمته في المحكمة الإقليمية في ميونيخ، بعد هجمات على محلات في فالدكريبورغ أوائل عام 2020 (غيتي)

تقييم

يواجه الاتحاد الأوروبي الكثير من المعضلات الداخلية والخارجية، أبرزها «قضية الهجرة» التي تثير الكثير من الانقسامات داخل التكتل الأوروبي وكذلك في علاقة التكتل مع دول الجوارـ حوض البحر الأبيض المتوسط. العامل الجغرافي إلى دول حوض المتوسط وامتداداه مع أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، جعل من دول المتوسط، مناطق عبور للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، والتي لا تبعد شواطئها أكثر من 200 كلم فقط بحرا بين ايطاليا وليبيا.

النزاعات الدولية، مثل «الفجوة بين ضفتي الأطلسي، وملفات إقليمية صعبة أبرزها: ليبيا وسوريا والساحل الأفريقي وغرب أفريقيا وحتى أفغانستان وغيرها من مناطق النزاع، تجعل الاتحاد الأوروبي، يشعر بالقلق إزاء التهديدات الأمنية العابرة للحدود خاصة جنوب التكتل الأوروبي. وهذا ما يدفع التكتل الأوروبي إلى السعي لإيجاد تعاون شامل في جميع المجالات أبرزها التعاون الأمني، في سبيل تأمين حدود الاتحاد الأوروبي والذي يعتبر واحدا من القواعد الأساسية للأمن القومي الأوروبي.

* تهدف الشراكة السياسية الأمنية، إلى الوقاية من الإرهاب والجريمة المنظمة وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي سلمياً من خلال الالتزام بقرارات مجلس الأمن

يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي نجح نسبيا في التعاون مع بعض دول حوض المتوسط، وكان هناك تعاون واسع في مجال الدفاع والأمن. ويدرك الاتحاد الأوروبي جيدا مدى أهمية التعاون مع دول الجوار الأوروبي- حوض المتوسط، لكن رغم ذلك يمكن القول إن مساعي الاتحاد الأوروبي أو الخطوات التي اتخذها لحد الآن، ما زالت متواضعة، ويحتاج بالضبط إلى تسريع التعاون مع دول حوض المتوسط، خاصة في مجال الأمن والدفاع وتبادل المعلومات في مكافحة الإرهاب والتطرف.

المغرب أنموذج في التعاون الأمني مع الاتحاد الأوروبي

يمكن اعتبار أن تجربة المغرب في مكافحة الإرهاب والتطرف وتعاونه مع الاتحاد الأوروبي هي النموذج، رغم وجود تعاون مع دول أورومتوسطية أخرى، ويعود ذلك إلى نهوض مملكة المغرب بمسؤولياتها، في مجال الأمن الدولي والأمن الإقليمي. تعتمد مملكة المغرب على دعامة أساسية في عملها الاستخباري، وهو نقل أنشطة مكافحة الإرهاب والتطرف، خارج أراضيها، نحن نعلم أن عملاء المخابرات، ولو تحدثنا هنا عن عملاء الاستخبارات المغربية في الخارج، تكمن مهامهم خارجيا في التجسس وجمع المعلومات، لكن أن تعتمد المغرب قاعدة أو دعامة أساسية: (الرصد، وجمع المعلومات والتتبع) لمطلوبين في قضايا الإرهاب والسجل الجنائي أيضا، فهو منفصل عن مهام «الخدمة الخارجية» لكنه قريب منه جدا ومتداخل، فمن يقوم يمهام مكافحة الإرهاب من عملاء دولة المغرب، يكون غير معني بـ«الخدمة الخارجية» (التجسس وجمع المعلومات عن الدول التي تستهدفها). وهناك بالتأكيد اختلاف كبير في آليات جمع المعلومات والتنسيق والعمل بين الخدمة الخارجية ومكافحة الإرهاب في الخارج. ومن دون شك نجحت المملكة المغربية في هذه المهمة، وربما يمكن اعتبارها أنموذجا في التعاون الأمني وتبادل المعلومات في مكافحة الإرهاب.

ما ينبغي العمل عليه

ـ تعزيز التعاون الأمني بين الاتحاد الأوروبي ودول حوض المتوسط، على مستوى التكتل وعلى مستوى وطني، وتسريع هذا التعاون ليكون متكاملا.

ـ أن يكون هناك دور سياسي إلى دول أوروبا في النزاعات الدولية والإقليمية، خاصة لو تحدثنا عن «ملف ليبيا وسوريا»، وأن يكون صوت الاتحاد مسموعا.

ـ من دون شك أن القرار السياسي والسياسات الأوروبية، حول القضايا الإقليمية والدولية، تحتاج إلى «دعم» أمني وعسكري، وهذا يعني أن القرار السياسي الأوروبي، لا يمكن أن يكون مسموعا، دون أن يكون هناك حضور للاتحاد في مجال الأمن والدفاع، دوليا وإقليميا، ليكون هناك دور أوروبي فاعل. غير ذلك سيكون هناك دور لأطراف دولية وإقليمية، تفرض سياساتها على الاتحاد، أبرزها روسيا وتركيا وإيران.

ـ يحتاج الاتحاد الأوروبي، أن يتخذ بالفعل سياسات أكثر حزما وشدة، إزاء مجمل القضايا الدولية، فما زالت سياسات الاتحاد والدول الأوروبية، توصف بالتراخي وعدم المواجهة، وخير مثال تجربة الاتحاد في معالجة «ملف شرق المتوسط».

ـ معالجات جذرية لأسباب الهجرة والتطرف في دول حوض المتوسط وأفريقيا من خلال اعتماد حزمة متكاملة أبرزها التنمية المستدامة.

ـ مراجعة الاتحاد إلى مجمل الاتفاقيات والمواثيق الداخلية للاتحاد، والتي أصبحت لا تتماشى مع التحديات الجديدة، أبرزها تحديات الهجرة وإعادة توزيع اللاجئين والمشاركة الجماعية للدول الأعضاء في تحمل عبء الهجرة غير الشرعية.

.

رابط المصدر:

https://arb.majalla.com/node/154156/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7-%D9%88%D8%AD%D9%88%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7%C2%A0%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%88%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D8%A7%D8%B1#.YRzAolPb7X4.twitter

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M