إعلان “قمة سمرقند”.. هل أسس المجتمعون لعالم مُتعدد الأقطاب؟

 أحمد السيد

 

في الوقت الذي تزداد فيه حِدة الخلافات والتوترات بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، فضلًا عن النزاعات الحدودية بين الهند والصين؛ انعقدت القمة الثانية والعشرين لدول منظمة شنغهاي للتعاون في مدينة “سمرقند” بأوزباكستان. وتبلور الهدف المعلن للمجتمعين في سمرقند في مراجعة أنشطة المنظمة خلال العقدين الماضيين -يصادف هذا العام الذكرى السنوية العشرين لميثاق منظمة شنغهاي للتعاون- ومناقشة آفاق التعاون متعدد الأطراف في مجالات الدفاع والأمن والطاقة والإرهاب وقضية التغير المناخي. فيما تبلورت الأهداف الأخرى في رفض النظام الدولي الأحادي القطب الذي هيمن عليه الغرب لعقود، وسعي القوى الكبرى كروسيا والصين لعالم مُتعدد الأقطاب. وفي ختام قمة منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، التي عقدت على مدار يومي 15 إلى 16 سبتمبر، وقعت الدول المشاركة “إعلان سمرقند” لتعزيز الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال هذا الحدث المهم.

وبموجب “إعلان سمرقند”، وافق المجتمعون على خطة عمل حتى نهاية عام 2027 لتنفيذ معاهدة حسن الجوار والصداقة والتعاون طويلة الأجل للدول الأعضاء في المنظمة، واعتمدوا أيضًا حزمة من الوثائق. مع تأكيد الزعماء على رغبتهم في الحفاظ على استقرار وموثوقية سلاسل التوريد الدولية، واستعدادهم لتعزيز نمو التجارة المتبادلة. وشددوا في الوقت نفسه على الآثار المدمرة للتدابير الاقتصادية الأحادية الجانب والتي تتعارض مع المبادئ والقواعد العامة لمنظمة التجارة العالمية، وعلى النظام التجاري متعدد الأطراف.

مبادئ “إعلان سمرقند”

تضمن الإعلان الصادر عن “قمة سمرقند” عددًا من الاحكام الرئيسة منها: 

  • الوضع الدولي

دافع المجتمعون في القمة عن نظام عالمي أكثر عدلًا، مع بلورة رؤية مُشتركة لـ “مجتمع المصير المُشترك للبشرية”. ووافقت دول منظمة شنغهاي للتعاون على تعزيز وتنمية علاقات الجوار المُشتركة، مع الانفتاح على الدول الأخرى، وتأييد حق الشعوب في اختيار مُستقل وديمقراطي لمسارات تنميتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

واتفق المجتمعون في “سمرقند” على دعم التعاون المُشترك للمشاركة النشطة للمرأة في المجالات السياسية وغيرها من المجالات الأخرى. وأكدوا على ضرورة حل النزاعات من خلال الطرق الدبلوماسية، مع إيلاء اهتمام أكبر لإيجاد تسوية سريعة للوضع في أفغانستان بوصفه أحد العوامل المهمة لتعزيز الأمن في منطقة آسيا.

  • مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن

أدانت دول منظمة شنغهاي للتعاون الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، مُعلنة عن عزمها القضاء على الظروف المؤدية لتنامي وتيرة الإرهاب، ورأت ضرورة بذل الجهود الدولية لمواجهة انخراط الشباب في المنظمات الإرهابية. وأدانت في الوقت نفسه فكرة التدخل في شؤون الدول الأخرى بحجة مكافحة الإرهاب.

وأعرب المجتمعون عن اتخاذ خطوات حثيثة لمواجهة التحديات المتزايدة في المنطقة. مع زيادة انضمام الدول الأخرى للمنظمة لتوسيع وتعميق التعاون الدولي بوصفه الضامن للأمن والاستقرار في المنطقة، وبلورة خطة عمل مُشتركة لتنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في آسيا الوسطى.

  • التعاون داخل الأمم المتحدة

اتفق المجتمعون في “قمة سمرقند” على مواصلة التعاون في إطار آليات التفاوض المتخصصة داخل الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية. وانتقدوا التطبيق الأحادي الجانب للعقوبات الاقتصادية؛ كونه يتعارض مع مبادئ القانون الدولي، وأن فرض أي عقوبات يجب أن يكون ذا صيغة قانونية ومن خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

  • التعاون في مجال الدفاع

اتفق المجتمعون على استمرار التعاون فيما بينهم في مجالات الدفاع والأمن، مع التأكيد على استمرار نزع السلاح النووي في العالم، وطالبوا الدول المُشاركة في الاتفاق النووي الإيراني بالامتثال الصارم لالتزاماتها الخاصة بتنفيذه بشكل كامل.

ودعت دول منظمة شنغهاي إلى التقيد الصارم باتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية، واعتماد بروتوكول خاص بها يوفر آلية تحقق فعالة، مع الرفض التام لعسكرة مجال تكنولوجيا المعلومات، مع ضرورة إبقاء الفضاء الخارجي خاليًا من أي أسلحة، واعتماد وثيقة دولية لمنع حدوث سباق تسلح في مجال الفضاء.

  • التجارة والعملات الوطنية

عارض قادة المنظمة الإجراءات الحمائية والقيود التجارية التي تهدد الاقتصاد العالمي. وردًا على العقوبات الغربية المفروضة على العملات الوطنية لبعض دول المنظمة، تطرق قادة دول شنغهاي إلى توسيع الزيادة التدريجية لحصة العملات الوطنية في التسويات المتبادلة، مع اتخاذ تدابير لتحسين كفاءة التفاعل في مجال التجارة الإلكترونية، ومواصلة بلدان المنظمة المشاورات بشأن إنشاء بنك التنمية التابع لمنظمة شنغهاي للتعاون وصندوق تنمية خاص بالمنظمة.

وأكدت دول المنظمة على الحاجة إلى إصلاح شامل ومبكر لمنظمة التجارة العالمية، مع التركيز على قضايا التكيف مع الواقع الاقتصادي الجديد، وتعزيز نظام تجاري مفتوح ومتعدد الأطراف قائمًا على مبادئ وقواعد منظمة للتجارة العالمية، ومعارضة الإجراءات الحمائية والقيود التجارية التي تهدد الاقتصاد العالمي. مع تشكيل مجموعات عمل حول الشركات الناشئة والابتكارات ومكافحة الفقر.

  • التصدي للأوبئة

تطرق قادة دول شنغهاي للتعاون إلى بلورة خطة مُشتركة للاستجابة لحالات الطوارئ، والتشديد على الحاجة إلى زيادة تعزيز التعاون الدولي في مكافحة انتشار فيروس كورونا، والتعاون ضد محاولات تقنين استخدام العقاقير لأغراض غير طبية.

  • الجريمة والفساد

اتفق المجتمعون على استمرار دول منظمة شنغهاي للتعاون في مكافحة الجريمة الإلكترونية بشكل مشترك، والدعوة إلى تعزيز التعاون الدولي ومكافحة الفساد.

  • الثقافة والعلوم والسياحة

دعمت دول منظمة شنغهاي للتعاون مشروع إنشاء الصندوق الدولي لحماية الأنهار الجليدية، وعدم جواز استخدام أجندة المناخ لإدخال تدابير تحد من التعاون التجاري. واتفق القادة على إعلان عام 2023 عامًا للسياحة، ودعوا إلى التعاون في تطوير الاتصالات من خلال وسائل الإعلام، والتعاون في المجال الرياضي، وتطوير التعاون في مجال الثقافة، بما في ذلك الأدب والتصوير السينمائي والموسيقى والرسم.

قراءة لإعلان “قمة سمرقند”

من القراءة الأولية لإعلان قادة دول منظمة شنغهاي للتعاون، يتبين أن منظمة شنغهاي للتعاون باتت بديلًا للدول غير الراضية عن نهج الغرب وسيطرته على العالم، لذا باتت المنظمة منصة تُمكن البِلدان من مناقشة مجموعة واسعة من قضايا التنمية والقضايا ذات الاهتمام المُشترك. وعلاوة على ذلك، إن توسيع هذه المنظمة مع وجود تكتلات إقليمية أخرى مثل “البريكس” سيعيد تشكيل النظام العالمي من جديد.

وقد تجلى ذلك بوضوح في عدد من الأمور: 

الأول: من خلال تبني “إعلان سمرقند”، الذي أشار فيه قادة منظمة شنغهاي للتعاون إلى أن “عالم اليوم يمر بتغيرات عالمية، ويدخل حقبة جديدة من التطور السريع والتحولات واسعة النطاق” في الوقت نفسه أشير إلى أن الأزمات والنزاعات في العالم تتصاعد. وعلى هذه الخلفية، فإن الدول الأعضاء (في الوقت الحالي الهند وكازاخستان وقيرغيزستان والصين وباكستان وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان) تؤكد التزامها لتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب يقوم على مبادئ العدل والمساوة بين الجميع، واتفق الأعضاء على تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بشكل مشترك، وتكثيف الجهود لضمان السلام والأمن، والدعوة إلى تسوية النزاعات الدولية والإقليمية بالوسائل السياسية والدبلوماسية.

الثاني: رفض النظام الدولي أحادي القطب، يُمكن القول إن قمة منظمة شنغهاي للتعاون في “سمرقند” كانت بمثابة حكم على العالم أحادي القطب، وأوضحت في أي اتجاه ستتطور مؤسسات التعاون الدولي الجديدة، وما هي المبادئ التي ستُشكل أساس المُستقبل القادم، وأظهرت ملامح التنظيم الجديد للقوى التي تسعى إلى التعاون بدون الغرب، بأن هناك خمس دول أخرى مستعدة للانضمام إلى دول المنظمة مثل؛ مصر وقطر والمملكة العربية السعودية والبحرين وجزر المالديف، ووقعت إيران على مذكرة انضمام، ومن المتوقع أن تستمر المنظمة في التوسع عبر دول إفريقيا وجنوب شرق آسيا.

الثالث: إنهاء هيمنة الدولار، وذلك ردًا على العقوبات الغربية، فإن إرهاصات نموذج جديد من التعاون يولد من رحم “قمة سمرقند” هذا النموذج يقوم على مبادئ كالتعاون والمساواة في عالم متعدد الأقطاب، بما يسمح لدول منظمة شنغهاي للتعاون بالتخلي عن هيمنة الدولار، خاصة مع اتفاق المجتمعين على اعتماد خارطة طريق لزيادة حِصة العملات الوطنية في المبادلات التجارية بين الدول الأعضاء.

الرابع، دفع عملية توسيع منظمة شانغهاي للتعاون وتعزيز مؤسسات المنظمة. تقدم عدد متزايد من الدول بطلبات للانضمام إلى المنظمة. وهذا الأمر يُبرز القوة والثقة في منظمة شنغهاي للتعاون. وقد تعمل دول المنظمة على اغتنام الفرصة لتكثيف عملها لتوسيع صفوف التعاون وزيادة القوة الفعالة للمنظمة.

وفي الختام، أكد قادة دول منظمة شنغهاي للتعاون على الاحترام المتبادل للمصالح الأساسية فيهم بينهم، واختيار مسار التنمية، وتقديم الدعم المتبادل لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية لتحقيق منافع مشتركة للجميع، وتعزيز التآزر بين استراتيجيات التنمية الخاصة بدول شنغهاي للحفاظ على تعاون مُربح للجميع يقود نحو ازدهار مُشترك. مع التأكيد على مبدأ التعايش بين مختلف الأمم والثقافات، والسعي إلى أرضية مشتركة مع نبذ الخلافات جانبًا، والاستعداد لإقامة شراكة وتطوير تعاون مربح مع الدول الأخرى وكذلك مع المنظمات الدولية، مع التأكيد على الالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، بما يُبرز “روح شنغهاي” والتي تبلورت من رحمها الوثيقة التأسيسية للمنظمة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72950/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M