الأمن الإنساني في ظل تطور الأسلحة البيولوجية

اعداد : شروق مستور – مدونة و طالبة علاقات دولية

  • المركز الديمقراطي العربي

المقدمة:

لطالما كان مفهوم الأمن قضية محورية في مختلف الدراسات الدولية حيث إحتل هذا المفهوم مكانة بارزة لدى المختصين و المسؤولين و حتى المواطنين

و يمثل الامن بمختلف فروعه هاجس للمجتمعات الانسانية المختلفة .، و مع مرور الوقت و تطور أسلحة الدمار الشامل تطورت المسائل الأمنية المطروحة للدراسة، و طرأت تغيرات كثيرة على نوع  التهديدات و مدى تأثيره على الانسان ابشكل خاص  ، فتطور. مصطلح الأمن ليصل إلى مستوى أدق  و هو الامن الإنساني ، الذي إحتل مكانة واسعة في الدراسات الدولية و في الأبحاث الأمنية في النصف الثاني من عقد التسعينيات، و انطلاقا من هذه المقدمة يمكننا طرح الإشكالية التالية :

  • كيف أثر تطور الأسلحة البيولوجية على الأمن الإنساني ؟

1/  ماهية الأمن الإنساني

توسع مفهوم الأمن الإنساني من إطار التحليل الأمني والسياسي للأمن  الإقليمي و أمن الدولة  إلى اطار أمن الانسان ( الفرد ) و لقد سلط تقرير التنمية البشرية لعام 1994 الضوء على عنصرين رئيسيين للأمن الانساني : “التحرر من الخوف” / “التحرر من الحاجة”

يعد مفهوم الأمن البشري  أو ما يقصد به الأمن الإنساني- نقطة تحول في الدراسات الأمنية ، وذلك من خلال الانتقال من أمن الدولة و الحدود و الأرض إلى أمن من يعيشون داخل الدولة، وفي إطار حدودها ، و على أرضها . يمثل هذا المفهوم عودة إلى أمن الأفراد الذين يعدون الوحدة الأساسية للأمن

ويمكن إرجاع مفهوم الأمن البشري(الإنساني) إلى تأسيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 1840 ، وتجسد المفهوم فيما بعد تأسيس الأمم المتحدة في إطار المباديء العامة للمنظمة،وتلك ، وتجسد المفهوم أيضاً في (7 (التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،واتفاقيات جنيف ظل الحركة الدولية لعمال المناجم ، والمحكمة الجنائية الدولية، لمعاقبة الأفراد على انتهاكهم لقواعد الإنسانية ضد غيرهم من البشر.[1]

توجد العديد من التهديدات الموجهة للأمن البشري ، التي تركز على أمن البشر في حياتهم اليومية ، و الذي يمثل الاهتمام المبدئي ، والأساسي للبشر ، وهذه التهديدات متسعة ، إلا أنه يمكن ضمها في سبع فئات رئيسية ، أو محاور تمثل أبعاد الأمن . وداخل كل محور توجد التهديدات الخاصة به ، وهذه المحاور هي : ( الأمن الاقتصادي ، والأمن الغذائي ، والأمن الصحي ، والأمن البيئي ، والأمن الشخصي ، والأمن المجتمعي ، والأمن السياسي)

الأمن الإنساني له خصائص معینة وهي أنه یركز على أمن الفرد والجماعة بصفة أساسیة ویسعى لتحقیقه في المقام الأول، وكمحصلة لهذا الأمن یتحقق في الأخیر أمن الدولة. فالإنسان یمثل الوحدة الأساسیة لقیام الدولة ویفترض أن یكون المحور والغایة لجمیع السیاسات العامة فهو المستهدف بالأمن ویمثل تأمینه الوحدة الأساسیة للسیاسات الأمنیة، وشعور الإنسان بالأمن یمثل المؤشر الحاسم عند تقییم هذه السیاسات[2]

2/ الأسلحة البيولوجية وتأثيرها على الأمن الانساني

الأسلحة البيولوجية هي تلك الأسلحة التي تعمل على  نشر مسببات الأمراض الفتاكة بين البشر والحيوانات والنباتات عمدًا،كالبكتيريا أو الفيروسات المتسللة بفعل فاعل ، و تكون سريعة الانتشار،بالغة الضرر حيث تكمن خطورة هذه الأسلحة وقوتها؛ في سهولة انتشارها حيث يمكن لزجاحة صغيرة أن تحتويها،

و الحرب البيولوجية هي حرب تُقدم من خلالها الدول أو بعض الجهات على الاستخدام المُتعمّد للفيروسات والجراثيم أو غيرها من الكائنات الحية الدقيقة

إن الأسلحة البيولوجية رخيصة نسبيًا في تطويرها وإنتاجها مقارنة بغيرها وفي أحد التحليلات، تبلغ التكلفة 2000 دولار لكل كيلومتر مربع مع الأسلحة التقليدية، و800 دولار مع الأسلحة النووية، و600 دولار مع أسلحة الغازات العصبية، ودولارًا واحدًا مع الأسلحة البيولوجية، من هنا أصبحت الأسلحة البيولوجية معروفة بأنها “قنبلة الرجل الفقير”.

  • ما هي احتمالية حدوث هجوم بيولوجي

تختلف آراء الخبراء حول معقولية حدوث هجوم بيولوجي.  حيث صرح المكتب الأمريكي لمدير المخابرات الوطنية ومجلس الاستخبارات الوطني في عام 2008 أن الإرهاب البيولوجي يمثل تهديدًا أكثر احتمالًا من الإرهاب النووي. ففي نفس العام ، كشف مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية مايك ماكونيل أنه من بين جميع أسلحة الدمار الشامل ، كانت الأسلحة البيولوجية هي مصدر قلقه الشخصي الأكبر (ماكونيل ، 2008). و يصر خبراء وعلماء دفاع آخرون على أن احتمال وقوع أي هجوم واسع النطاق ، ضئيل و لكن ليس مستحيل التحضير لمواجهة هجمات بيولوجية في عام 2001 ، و قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر ، قامت العديد من الوكالات الأمريكية والجماعات الأكاديمية بمحاكاة هجوم بيولوجي ، و أطلق عليه اسم Dark Winter ، حيث كان فيروس الجدري هو السلاح المستخدم في هذا لاتمرين .

حيث عمل هذا التدريب على افتراض وجود حوالي 12 مليون جرعة متاحة من لقاح الجدري ، استنادًا إلى مخازن لقاح الجدري التي كانت متوفرة في ذلك الوقت ، “و أظهر هذا التمرين نقاط ضعف خطيرة في نظام الصحة العامة ، يمكن أن تمنع الاستجابة الفعالة للإرهاب البيولوجي أو الخطورة التي تحدث بشكل طبيعي الأمراض المعدية و أحد نقاط الضعف الرئيسية التي تم الكشف عنها في التمرين كان نقص اللقاح. وقد تمت معالجة ذلك منذ ذلك الحين ، على الأقل في حالة الجدري ، مع إضافة مئات الملايين من جرعات لقاح الجدري إلى إحتياطيات لقاح الولايات المتحدة. ومن الصعوبات الأخرى التي تم الكشف عنها التناقضات بين الأولويات الفيدرالية وأولويات الولايات في إدارة الموارد ، ونقص البنية التحتية الطبية للتعامل مع الإصابات الجماعية ، والحاجة الماسة لمواطني الولايات المتحدة إلى الثقة والتعاون مع القادة على الرغم من أن هذا التدريب الذي مر عليه ما يقارب ال 20 سنة ، رصد المشاكل المحتملة ، لمحاولة إيجاد حلول مناسبة لها في حالة حدوث حرب بيولوجية او في حالة ظهور فيروس فتاك الى ان الوضع حاليا م يختلف كثيرا .

ففي الوقت الذي يحارب فيه العالم ضد الفيروس المجهري كوفيد_19 لا تزال كل الدول و من بينها الولايات المتحدة تعاني من هذه المشاكل التي تم التوصل لها من طرف العلماء قبل 20 سنة حيث يشكل حاليا لقاح الكورونا هاجس بالنسبة لكل الاطباء و علماء الفيروسات ،  وتؤكد الدراسات ان أنجح لقاح و الأكثر أمانا على الإنسان؛ يستلزم اكثر من سنة لتطويره و إخضاعه للتجارب اللازمة ، في حين تتسارع المخابر من مختلف الدول للتوصل لأول لقاح في أقرب وقت ، حيث تتنافس الدول الأوروبية و الو م ا مع روسيا و مع الصين و حتى الهند  في هذا المجال اما الأزمة الثانية التي واجهتها مختلف دول العالم ، هي النقص الحاد في الموارد الطبية و حدوث فشل و شلل في البنية التحتية لقطاع الصحة ، حتى في الدول الكبرى و التي تعتبر ميزانية الانفاق الصحي فيها اعلى من ميزانية الانفاق العسكري  ، حيث أدى اكتظاظ المستشفيات و الاستهتار بالإجراءات الصحية اللازمة الى إنهيار المنظومة الصحية في مختلف الدول الاوروبية  و في الولايات المتحدة الامريكية أيضا ، و وصل عدد الإصابات عالميا الى اكثر من 45 مليون اصابة و العالم حاليا يترقب قدوم الموجة الثانية للفيروس و التي يرجح العلماء انها ستكون اكثر شراسة .

القانون الدولي كآلية لحظر إستخدام الأسلحة البيولوجية :

يتضمن القانون الدولي اتفاقيتان دوليتان في مجال التسلح الكيميائي والبيولوجي.

الاولى هي معاهدة الأسلحة البيولوجية والسامة، والثانية هي المعاهدة التي وقعت عام 1993 حول حظر الأسلحة الكيميائية، وترمي الثانية إلى إزالة فئة كاملة من أسلحة الدمار الشامل، وذلك من خلال حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة الكيميائية والاحتفاظ بها أو نقلها أو استعمالها من جانب الدول الأطراف

وقد اتفقت كافة الدول الأطراف على نزع السلاح الكيميائي وذلك بتدمير كل ما قد تحوزه من المخزونات من الأسلحة الكيميائية ومرافق إنتاجها، وتدمير كل الأسلحة الكيميائية التي قد تكون خلّـفتها في الماضي على أراضي دول أطراف أخرى.

وفي ما يتعلق باتفاقية نزع الأسلحة البيولوجية فهي مرتبطة بشكل مباشر بالفيروسات و تعد هذه الاتفاقية المتعلقة بحظر استحداث وإنتاج وتخزين الاسلحة الجرثومية البيولوجية والسموم وتدميرها، من بين صكوك القانون الدولي الانساني الرامية إلى تخفيف المعاناة الناجمة عن الحروب اي تعنبر من الاتفاقيات المباشرة المتعلقة بالحروب البيولوجية و تفادي حدوثها لما فيها من اخطار على البشرية و البيئة

وتنص المادة الأولى من اتفاقية 1972 لحظر الأسلحة البيولوجية ، حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية، وتدمير هذه الأسلحة….

خاتمة :

على الرغم من إهتمام القانون الدولي و المنظمات الدولية بقضايا نزع السلاح و خاصة الأسلحة البيولوجية ، الى إن احتمالية وقوع حروب بيولوجية ترتفع مع مرور الوقت  ، و خاصة مع ظهور مستجدات دولية بسبب إنتشار فيروس كورونا و الذي تحوم الشكوك حول مصدره . و يشير مختلف الدارسين ان العالم لا يزال امام موجات اخرى من الفيروسات الغير طبيعية سواء نتجت عن التغيرات المناخية او عن حروب بيولوجية

المراجع :

محمد العدوي.الامن الانساني و منظومة حقوق الانسان . قسم العلوم السياسية والإدارة العامة- جامعة أسيوط.مصر.

محمد الخشاب . الأسلحة البيولوجية.. قنابل الفقراء.موقع الجزيرة .تاريخ النشر. 18/12/2019

الحروب الجرثومية بين المواجهة الدولية والقانون الدولي.موقع قناة افاق .تاريخ النشر 14 أذار 2020

سامية جمال.الأمن الإنساني – Human Security.الموسوعة السياسية.

دينا الغضبان وأخرون.الحرب البيولوجية – Biological War.الموسوعة السياسية

Biological Weapons, Bioterrorism, and Vaccines.the history of vaccines.10 January 2018

[1] محمد العدوي.الامن الانساني و منظومة حقوق الانسان . قسم العلوم السياسية والإدارة العامة- جامعة أسيوط.مصر.ص4/5

[2] محمد العدوي . مرجع سبق ذكره

 

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=70372

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M