الجيران المقربون والأقارب البعيدون: ماذا حملت زيارة وزير خارجية اليابان إلى الصين؟

أحمد السيد

 

جاءت زيارة وزير الخارجية الياباني “يوشيماسا هاياشي” إلى بكين في أوائل إبريل الجاري في الوقت الذي تواجه فيه العلاقات بين البلدين العديد من التحديات والقضايا العالقة، وفي ظل معطيات بالغة الأهمية تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية.

زيارة “يوشيماسا هاياشي” هي الأولى لمسؤول ياباني رفيع المستوى إلى الصين مُنذ ديسمبر 2019. وفي وقت سابق من العام الماضي، وبالتحديد في نوفبر 2022، وعلى هامش قمة “أبيك” في “بانكوك” أجرى الرئيس الصيني “شي جين بينج”، محادثات ثنائية مع رئيس الوزراء الياباني “فوميو كيشيدا” للمرة الأولى مُنذ ثلاث سنوات، حيث تم خلالها التوصل إلى اتفاق لاستئناف الحوار رفيع المستوى بين طوكيو وبكين.

وفي السنوات الأخيرة، توترت العلاقات بين طوكيو وبكين؛ إذ تراقب اليابان بريبة تنامي القوة العسكرية للصين في المنطقة. وتأتي الزيارة بعد أن أعلنت اليابان -الحليف الوثيق للولايات المتحدة- عن خطط لتقييد صادرات 23 نوعًا من معدات تصنيع أشباه الموصلات، وذلك للحد من وصول الصين لتكنولوجيا أشباه الموصلات. جدير بالذكر أن الصين واليابان جارتان قريبتان، ومن المصلحة المشتركة للبلدين والمنطقة الحفاظ على علاقات صحية ومستقرة بين البلدين. وفي هذا السياق، يُمكن النظر إلى الزيارة على أنها تأتي لتؤكد على أهمية بناء علاقات مستقرة وبنّاءة بين البلدين، فضلًا عن تبادل الآراء بشكل مُعمق حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

أسباب الخلاف الصيني الياباني 

على الرغم من العلاقات الاقتصادية والتجارية الوثيقة بين القوتين الآسيويتين، كانت طوكيو وبكين على خلاف متزايد في السنوات الأخيرة حيث تعتبر اليابان أن نفوذ الصين المتنامي في المنطقة يمثل تهديدًا لأمنها القومي واقتصادها.

لم تكن تداعيات وباء “كوفيد 19” هي السبب الوحيد لعدم السماح لقادة وكبار الدبلوماسيين من دول شرق اَسيا المتجاورة للتواصل وتبادل الزيارات لفترة طويلة. حيث كثفت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها باستمرار من جهودهم لتعزيز الحوار الأمني الرباعي، وهو حوار استراتيجي غير رسمي بين (الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند)، بدأ الحوار في عام 2007 من قبل رئيس وزراء اليابان السابق “شينزو آبي”، وبدعم من نائب الرئيس الأمريكي “ديك تشيني” ورئيس وزراء أستراليا “جون هوارد” ورئيس وزراء الهند “مانموهان سينغ”.

توازى الحوار مع المناورات الحربية المشتركة على نطاق غير مسبوق، التي سميت “مناورات مليبار”. اعتُبرت الترتيبات الدبلوماسية والعسكرية واسعة النطاق رد فعل على زيادة القوة الاقتصادية والعسكرية الصينية. واستجابت الحكومة الصينية للحوار الرباعي بإصدار احتجاجات دبلوماسية رسمية. هذا الأمر جعل العلاقات الصينية اليابانية ليست على أفضل ما يرام.

السبب الآخر للخلافات الصينية اليابانية أن هناك نزاعًا طويل الأمد حول جزر غير مأهولة في بحر الصين الشرقي تسيطر عليها اليابان وتطالب الصين بها، وفي منتصف مارس الماضي نشب نزاع مرة أخرى، حيث اتهم الجانبان كلاهما الأخر بانتهاك أراضيهما البحرية. وتُعرف الجُزر باليابانية باسم “سنكاكو” وبالصينية “دياويو”. وتطالب تايوان أيضًا بالجزر لكنها أبرمت اتفاقيات مع اليابان لتجنب مثل هذه النزاعات.

وترسل الصين من وقت لآخر سفنًا وخفر سواحل وطائرات إلى المياه والمجال الجوي المحيط بالجزر لمضايقة السفن اليابانية في المنطقة. وترى اليابان أن الصين تشكل تهديدًا لأمنها القومي والإقليمي، وقد عملت على توسيع نطاق تعاونها الأمني ​​مع الدول الأخرى “ذات التفكير المماثل” في المنطقة وأوروبا، وكذلك مع دول حلف الناتو، مع تعزيز رؤية “حرة ومنفتحة” لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة الصين.

عودة العلاقات

خلق انتخاب “فوميو كيشيدا” رئيسًا لوزراء اليابان بعض المتطلبات الأساسية لذوبان الجليد في العلاقات الصينية اليابانية. كان “فوميو كيشيدا” ممثلًا لما يسمى الفصيل “الليبرالي” المعتدل من الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان (LDPJ). يتميز ممثلو الجناح الليبرالي للحزب الليبرالي، على عكس المحافظين، بنهج تجاري إلى حد ما، وأحيانًا مثاليًا إلى حد ما في السياسة الخارجية؛ وغالبًا ما يطلق عليهم “الحمائم” في وسائل الإعلام الغربية، على عكس “الصقور”، والقوميين المحافظين.

في السياق ذاته، فإن الاتجاه الصيني للسياسة الخارجية اليابانية يتحدد إلى حد كبير من خلال توازن مصالح مجموعات مختلفة من النخبة اليابانية التي لا يهتم جزء منها بانهيار آخر العلاقات اليابانية الصينية. الأمر الذي استغلته بكين وقررت دعوة وزير الخارجية الياباني “يوشيماسا هاياشي” لأراضيها، وذلك تماشيًا مع المثل الصيني القائل “الجار القريب خير من الأخ البعيد”.

في سياق آخر، يصادف هذا العام الذكرى السنوية الخامسة والأربعين لتوقيع معاهدة السلام والصداقة اليابانية الصينية، والتي تعد في كلا البلدين إنجازًا مهمًا للدبلوماسية. في بلدان الثقافة الكونفوشيوسية، تسعى الدول إلى القيام بإيماءات تصالحية، وهو ما تطمح إليه الصين واليابان. بالإضافة إلى ذلك، لاحظت بكين أن الشركات اليابانية الكبرى تعرب عن استيائها من إجبارها على المشاركة في “الاختيار” بين الولايات المتحدة والصين.

توقيت الزيارة

تم تنظيم زيارة “يوشيماسا هاياشي” بصعوبات كبيرة. وبحسب وسائل الإعلام اليابانية، كان من المقرر زيارة “يوشيماسا” للصين في ديسمبر من العام الماضي، ولكن استمرار تفشي وباء “كوفيد 19” واتباع الصين لإجراءات احترازية قوية حتى وقت قريب قد حال دون إتمام الزيارة، وكذلك بسبب رفض بكين لطلب الجانب الياباني إدراج اجتماع لــ “يوشيماسا هاياشي” مع الرئيس الصيني “شي جين بينج” في برنامج الزيارة. الأمر الأخر، هو رفض الصين لطلب الجانب الياباني بالإفراج السريع عن مواطن ياباني ومسؤول رفيع المستوى من شركة “Astellas” للأدوية تم احتجازه في نهاية مارس الماضي بشبهة القيام بأنشطة استخباراتية. لكن رغم كل تلك التحديات كان لدى الطرفين العديد من الموضوعات الأخرى للتباحث بشأنها خلال الزيارة.

في 31 مارس عشية الزيارة، أعلنت الحكومة اليابانية تشديدًا لقواعد الرقابة على الصادرات -على أن تدخل التغييرات حيز التنفيذ في يوليو- وتشمل قائمة الصادرات التي تتطلب تصريحًا خاصًا لتصديرها العديد من المنتجات من أهمها حظر تصدير أشباه الموصلات والدوائر الإلكترونية الدقيقة. واليابان من بين حلفاء الولايات المتحدة الذين اتبعوا واشنطن في تقييد وصول بكين إلى التقنيات الحساسة.

وفي هذا السياق، قال وزير الاقتصاد والتجارة الياباني “ياسوتوشي نيشيمورا” إن ضوابط التصدير فرضت لمنع تحويل المواد إلى الاستخدام العسكري. وقال إن القرار اتخذ “للوفاء بمسؤولية اليابان العالمية كدولة تمتلك تكنولوجيا رقائق متقدمة” وليس لاستهداف الصين أو اتباع الخطوة الأمريكية. وقال “نيشيمورا” إن اليابان تشاورت مع الولايات المتحدة وهولندا ودول أخرى ذات تفكير مماثل.

وتضاف الأزمة الأوكرانية وتداعياتها إلى ما يتعلق بتوقيت الزيارة؛ فقد كان الحديث حول “الازمة الأوكرانية” من الموضوعات البارزة على أجندة وزير الخارجية الياباني أثناء زيارته للصين، حيث  بدت زيارة رئيس الوزراء الياباني “فوميو كيشيدا” غير المتوقعة لأوكرانيا في مارس الماضي، بالتزامن مع زيارة الرئيس الصيني “شي جين بينغ” لروسيا؛ بمثابة تحدٍ واضح للدبلوماسية الصينية. وبحسب وسائل إعلام يابانية، نتيجة للمحادثات، استمرت الخلافات العميقة في مواقف الأطراف بشأن هذه القضية، فيما دعا الوزير الياباني الصين إلى “القيام بدور مسؤول في ضمان السلم والأمن الدوليين”.

ومن الأمور المهمة الأخرى التي حددت جدول أعمال المحادثات بين وزيري خارجية الصين واليابان رئاسة اليابان لقمة مجموعة السبع التي ستُعقد هذا العام في مدينة “هيروشيما” اليابانية، هذا وتخطط اليابان إلى جعل موضوع “الأزمة الأوكرانية” والوضع في أوكرانيا بمثابة الموضوع الرئيس للقمة. وهو ما أيده وزير الخارجية الصيني “تشين جانج” بقوله خلال اجتماعه مع نظيره الياباني إن اليابان، بصفتها رئيس مجموعة السبع هذا العام، “توجه بشكل صحيح لهجة ومسار الاجتماعات”. كما حث طوكيو على عدم الاقتداء بمحاولة تطويق بكين.

وفي خِتام زيارته إلى بكين والتي استمرت يومين؛ صرَّح وزير الخارجية الياباني على هامش مؤتمر صحفي أنه أجرى خلال زيارته مناقشات صريحة مع الجانب الصيني، مع مراعاة فهم القضايا المشتركة بين أعضاء مجموعة السبع، بما في ذلك الوضع في أوكرانيا. وأكد أن الجانب الياباني مهتم بالمناقشات في أحداث مجموعة السبع، أخذًا في الحسبان الرأي الذي أعرب عنه نظيره الصيني خلال المحادثات. أما فيما يتعلق بقضية المواطن الياباني المحتجز لدى السلطات الصينية والذي طالب وزير الخارجية الياباني بالإفراج عنه خلال زيارته، رد وزير الخارجية الصيني بأن بكين ستتعامل مع هذه القضية وفقًا للقانون.

في الأخير، تنظر الصين إلى اليابان بوصفها الجار القريب، وتسعى إلى الحفاظ على تنمية سليمة ومستقرة للعلاقات بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين والمنطقة ككل. ووفقًا لما أعلنته الخارجية الصينية، أعربت الصين عن استعدادها للعمل مع الجانب الياباني، واعتبار التوافق المهم الذي تم التوصل إليه بين الزعيمين بمثابة توجيه استراتيجي، واستغلال الذكرى 45 لإبرام معاهدة السلام والصداقة الصينية اليابانية هذا العام كفرصة لتعزيز الحوار والتواصل، وتعميق التعاون العملي، وإدارة النزاعات والخلافات، ودفع بناء علاقة بناءة ومستقرة بين الصين واليابان تلبي متطلبات العصر الجديد.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76780/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M