السياسيه الخارجيه العراقيه اتجاه التحالف الامني مع روسيا

اعداد : هبه نوفل بهاء الأعرجي  –  أشراف د. محمد غريفي

 

المقدمة:

شهد العقد الاخير تحولات جذرية على صعيد السياسة الخارجية الروسية، وكان من اهم المعضلات التي واجهت روسيا خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 هو التركيز على إعادة صياغة سياسة خارجية جديدة بعد التحولات الجديدة في النظام الدولي تحت زعامة الولايات المتحدة الامريكية. وأثناء انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي ومؤسساته، كان على روسيا إعادة هيكلة السياسة الخارجية في ظل هذه الظروف. وتركز السياسة الخارجية الروسية على تحقيق أهداف أساسية منها ضمان أمن البلاد، وتهيئة الظروف للنمو الاقتصادي، وتعزيز الأمن والسلام الدولي، وتعزيز علاقات حسن الجوار لمنع التوترات والصراعات في المناطق المجاورة للاتحاد السوفيتي. وتحقيق أهداف وسياسات داخلية لتحسين الاوضاع الداخلية المتدهورة والسيطرة على الحدود وتحقيق النمو الاقتصادي والحفاظ على الوحدة الداخلية. وتعد دولة العراق جزءاً محورياً في منطقة الشرق الأوسط، ولطالما سعت روسيا لإقامة نوع من التحالف الاستراتيجي لتحقيق هدف الوصول للمياه الدافئة.

اهمية البحث

ودراسة موضوع العراق في سياسة روسيا الخارجية لا يتم بمعزل عن الولايات المتحدة الامريكية كونها كانت القوة المحتلة للعراق، والتي عمدت فيها الولايات المتحدة من إخراج روسيا من دائرة اللعبة السياسية في العراق. ومع صعود الرئيس فلاديمير بوتين ومحاولاته لاستعادة الدور دخل الصراع مع الولايات المتحدة في مرحلة مهمة، خاصة في المناطق الاستراتيجية في العالم ومنها العراق.

منهج الدراسة

: اعتمدنا في بحثنا هذا على منهجين لمعالجة موضوع الدراسة: المنهج الوصفي: حيث استعنا به في وصف السمات العامة للسياسة الخارجية الروسية، وكذلك وصف الواقع الاقتصادي والأمني لدول منطقة الشرق الأوسط، كما اعتمدنا عليه أيضا في وصف الأحداث والتطورات الراهنة التي تشهدها الساحة الدولية والمنطقة الشرق أوسطية. منهج دراسة الحالة: واعتمدنا عليه للوصول إلى معلومات وحقائق تفصيلية حول الأحداث التي تشهدها سوريا، خاصة وأنها ال تزال مستمرة إلى يومنا هذا، وهذا يتطلب منا المتابعة والتدقيق في تطوراتها، كما ساعدنا هذا المنهج أيضا على تحديد طبيعة التفاعلات التي تحدث بين الأطراف المؤثرة في الأزمة سواء الداخلية أو الخارجية.

أسباب اختيار الدراسة

: تتلخص أسباب اختيارنا للموضوع في أسباب ذاتية وأسباب موضوعيةالاسباب الذاتية: تكمن في الرغبة الشخصية في دراسة المواضيع التي تتعلق بسياسات الدول الكبرى وأهدافها تجاه دولنا العربية خاصة ومنطقة الشرق الاوسط عامة في ظل التطورات مقدمة ج الحالية، وسيساعدنا هذا حتما على إضافة لبنة معرفية حتى ولو كانت بسيطة لخدمة الباحثين والدارسين في هذا المجال وتقريبهم ولو بشكل جزئي من حقيقة ما يدور حولنا. الاسباب الموضوعية: تكمن في محاولة تقديم إطار تحليلي للسياسة الخارجية الروسية في الوقت الراهن، خاصة وأن جل المواضيع ركزت على دراستها في ظل رئاسة بوتين السابقة. ونحاول أيضا فهم التطورات المستجدة في منطقة الشرق الأوسط من خلال توضيح المكانة التي تحتلها هذه المنطقة في سياسة روسيا الخارجية.

المطلب الاول:  العراق في المدرك الاستراتيجي الروسي

يعد وصول فلاديمير بوتن الى رأس السلطة في روسيا عام 2000 انتقاله نوعية وحالة من التحول في البناء الاستراتيجي الروسي على مستوى الفعل والاداء الخارجي، فمن هذا التأريخ بدأت روسيا بالظهور من جديد على الساحة الدولية. فقد اتجه الرئيس بوتين نحو تبني مبدا النهوض بروسيا على الصعيد السياسي وتنظيم الحياة السياسية، وانتشالها من حالة الفوضى والصراع نحو الصعود والريادة على المستوى الدولي. كما تبنى نهجا براغماتي يستند الى المصالح بدرجة عالية من المرونة بعيدا عن الرؤية الايديولوجية الضيقة. (1)

وينبغي التأكيد على الترابط الوثيق بين الاستراتيجية الروسية في منطقة الشرق الأوسط، وطريقة رؤيتها للتعامل مع التحولات الجارية ضمن نطاقه بالمصالح الوطنية الاستراتيجية، التي تهدف الى استعادة المكانة كدولة عظمى، مما شكل اساسا للمسعى الروسي لتعزيز النفوذ في المنطقة. وذلك لمجموعة من الاهداف: أولها، العوامل الجيواستراتيجية المتمثلة في اتجاه روسيا إلى تعزيز تواجدها في البحر الأسود والبحر المتوسط بعد ضم شبه جزيرة القرم لروسيا عام 2014. وهوماتضمنته العقيدة العسكرية البحرية الجديدة التي صدق عليها الرئيس بوتين في 26 يوليو 2015، حيث نصت الوثيقة على ضمان وجود عسكري بحري دائم لروسيا في البحر المتوسط، وتعزيز المواقع الاستراتيجي لروسيا في البحر الأسود ردا على تحركات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في البحر الأسود على خلفية الأزمة الأوكرانية(2)

  • محمد السيد سليم،تحليل السياسة الخارجية، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1998م.ص65
  • علي الدين هلال وأخرون في،حالة الامة العربية (2013-2014م):مراجعات ما بعد التغيير،بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ،الطبعة الأولي ،مايو 2014م) ص92

ثانيها، إلحاح التهديد الذي يمثله تصاعد الإرهاب في المنطقة والذي طال روسيا وفضائها السوفيتي السابق.

ثالثها، إن الأمن القومي الروسي بأبعاده الاقتصادية مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمنطقة نظراً لحيوية دور دول المنطقة، خاصة المملكة العربية السعودية، في إطار منظمة أوبك في تحديد أسعار النفط. (1)

رابعها، التغير في ميزان القوى الدولي مع تصاعد القدرات الروسية والتراجع النسبي في الاداء الامريكي. فالنظام الدولي قد تغير بالفعل باتجاه التعددية، وعودة روسيا كقوة فاعلة أصبح واقعاً نتيجة النمو المضطرد في قدراتها الشاملة على مدى العقد ونصف الماضيين.

وتعمل روسيا في هذا الجانب، على صيانة وتعزيز علاقاتها الخاصة مع بعض الأطراف الإقليمية، واقامة نقاط ارتكاز استراتيجية لها في المنطقة بعدهمن متطلبات المهمة للأمن القومي الروسي، لذ نجد ان روسيا انتقلت الى مرحلة التوجه نحو اطراف اقليمية تتمتع بمكانه واستراتيجية وتنظر اليها روسيا كمناطق تتركز فيها المصالح بشكل فاعل. وهنا يبرز العراق كأحد اهم الاطراف الاقليمية المستهدف من الاستراتيجية الروسية. فهو يقع في قلب الاهتمام الاستراتيجي الروسي بغية اقامة تحالف معه للحصول على موطئ قدم فيه وضمن نطاق المنطقة التي يقع فيها. (2)

  • يحي أحمد الكعكي، الشرق الأوسط والصراع الدولي، (لبنان: دار النهضة العربية، الطبعة الأولي ،1986م)، تاريخ الاطلاع :14/4/2016، ص65
  • جاة مدوخ، السياسة الخارجية الروسية تجاه منطقة الشرق الأوسط في ظل التحولات الراهنة دراسة حالة سوريا 2010-2014م، (رسالة ماجستير غير منشورة)،جامعه محمد خضير، بغداد، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية،2014م/2015م، ص8

ولابد ان نشير الى ان دوائر صنع السياسة الروسية، بدأت بوضع استراتيجيات جديدة لتجديد المصالح في العراق انطلاقا من رؤية مفادها “ان العراق يقع ضمن المحاور التي تتركز فيها المصالح القومية الروسية” وهو جزء منهم من مرتكزات الامن القومي الروسي. وهذا ما يصب في مصلحة استمرار رغبة روسيا بتأدية دور أكبر في منطقة الشرق الاوسط. كما ان العودة الى المكانة الدولية يتطلب من روسيا التدخل المحسوب طبقاً لمصالحها الفعلية التي تستلزم الاداء الفاعل(1)

وعلى هذا الاساس نجد ان السياسة الروسية دأبت للحفاظ على علاقات جيدة مع العراق كما تعمل على تعزيز مكانتها ضمن مدركات الاستراتيجية العراقية ودعمه من اجل ابعاده عن مخاطر التفكك والانهيار. لذا فأن روسيا تنظر الى العراق ضمن المحور الاقليمي في الشرق الاوسط الذي ينبغي ان لا يكون بعيدا عن النطاق الاستراتيجي الروسي. ونتيجة لانفراد الولايات المتحدة بالسياسات في العراق واستحواذها على المصالح في هذا البلد فان الصراع على النفوذ في المنطقة برز الى السطح بعد ان قررت روسيا الظهور بقوة على مسرح الاحداث في المنطقة وهذا نتيجة بروز أدوار إقليمية لها ادوار محددة ولها ارتباطات سياسية واستراتيجية خارجية، بالإضافة الى قوة بعض القوى الاقليمية وامكانية خروجها عن السياقات الاستراتيجية التي تعمل روسيا على صيانتها لاستمرار التوازنات الاقليمية .(2)

  • أحمد سيد حسين، السياسات الروسية تجاه الشرق الأوسط،مجلة الديمقراطية، ال عدد52، (القاهرة: الأهرام،11/4/2014م)، تاريخ الدخول:4/4/2016م.
  • نورهان الشيخ، السياسة الروسية وحدود الدور في الشرق الأوسط،مجلة دراسات شرق أوسطية، ال عدد39، (الأردن: مركز دراسات الشرق الأوسط ،2007م)، تاريخ الدخول :20/4/2016م

على هذا الاساس نرى ان السياسات الروسية تجاه العراق تجلت بشكل واضح من خلال رفض الصراع الداخلي، وتأكيد موقف روسيا في دعم العراق في حربه ضد الارهاب، والسعي الى اقامة تحالف محوري يكون العراق جزءا منه[4]، الى جانب ذلك ان السياسة الخارجية الروسية تجاه العراق تنطلق من رؤية ترتكز على إيلاء أهمية للقيمة الجغرافية والاستراتيجية للعراق، باعتباره يمثل مكان الصدارة في سلم الاهتمامات العالمية، وأنه لا يمكن لأي نظام عالمي أن يتشكل بعيدًا عن وجود نفوذ له فيه ضمن نطاقه الجيوستراتيجي، حيث تدرك روسيا جيدا ان العراق يؤثر بشكل فاعل في الية صياغة التوازنات الاقليمية ومسار التحالفات بين القوى الدولية [5].

ويقع الادراك الاستراتيجي الروسي ازاء العراق ضمن محور الصراع المتصاعد بين واشنطن وموسكو، اذ يعكس هذه الصراع رغبة روسية في ترسيخ وضع جديد في المنطقة بوجود مؤثر باعتبارأن الدور الحالي محدود نسبيا ولا يؤشر الى توجه حقيقي في تغيير موازين القوى على أرض الواقع، لمواجهة دور امريكي مدافع عن المصالح ويسير نحو استمرار الانفراد بالقرار السياسي والامني فيها. (1)

وهذا ما يمنح العراق دورا محوريا في اعادة ترتيب وتحقيق الاهداف الروسية بعده بيئة شبه مؤهلة للولوج فيها وتحقيق التأثير في التوازن الاستراتيجي والوصول الى مرحلة امتلاك القدرة على فرض خيارات في المنطقة بالاتجاه الذي يمكن من خلاله الذهاب الى تفاهمات مرحلية مع الولايات المتحدة. (2)

  • حمد مجدان، سياسة روسيا الخارجية اليوم: البحث عن دور عالمي مؤثر المجلة العربية للعلوم السياسة، ال عدد48، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2016م، ص7
  • كريم المفتي، مصالح روسيا والصين في الشرق الأوسط دراسة تحليلية، المجلة العربية للعلوم السياسة، ال عدد48، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2016م، ص66

الى جانب المكاسب السياسية والامنية والعسكرية التي تسعى روسيا الى تثبيتها من وراء الاداء الاستراتيجي نحو العراق، فهي تعمل ايضا من أجل شراكة استراتيجية اقتصادية وتقنية تجلب عائدا اقتصاديا مباشرا لها، ولذلك كانت المصالح الروسية في المنطقة ترتبط بالدول ذات القطاعات النفطية للتركيز على مصادر الطاقة ومنها بلا شك العراق، ومن خلال التعاون أصبح لروسيا مصالح مشتركة مع الدول العربية عليها أن تحافظ عليها حتى مع بداية التغيير في الأنظمة العربية(1)

ولو ألقينا نظرة سريعة على طبيعة الاستراتيجية الروسية تجاه العراق وطبيعة العلاقات بين الجانبين فتجدر الاشارة الى ان للاعتبارات الإيديولوجية دورا حاكما في هذا الجانب، مما كان أحد اهم الاسباب التي اعاقت تطور العلاقات الروسية العراقية.

وفي ظل إعادة هيكلة السياسة بعيدا عن الايديولوجية وتصاعد مكانة الاولويات الاقتصادية كمحدد حاكم للسياسة الخارجية، اصبحت السياسة الروسية اكثر سعيا لتحقيق المصالح الروسية على مختلف المستويات السياسية والامنية والاقتصادية. وانطلاقا من اعتبارات مصلحيه واقتصادية واضحة، بدأت روسيا بتطوير الرؤية الاستراتيجية للتحرك تجاه مكامن المصالح في الشرق الاوسط وكان العراق من أبرزها ليعبر هذا المنهج عن التحول في السياسة الروسية تجاه المنطقة بشكل عاموفي هذا الإطار تدرك روسيا ان التحرك صوب العراق سيحقق اهدافا مرحلية ومستقبلية في عموم المنطقة، حيث سيمكن التقارب مع العراق من الترابط من المنطقة الممتدة من آسيا الوسطى إلى الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط(2)

  • – معتز سلامة، القطب العائد: الدور الروسي في سياق إقليمي متغير، مجله السياسة الدولية، العدد195،(القاهرة :مركزالدراسات السياسية والاستراتيجية، يناير2014م) ص66
  • ميشيل كيلو، رهانات صعبة: حسابات موسكو تجاه الصراع في سوريا، مجلة السياسة الدولية، العدد 195،(القاهرة :مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ، يناير 2014م) ، تص76

ان روسيا تعمل بشكل حثيث على الحد من الدور الامريكي المنفرد في العراق من خلال الدخول في تفاعلات العراق السياسية والامنية من خلال تكوين محور جديد يضم إيران وسوريا ايضا وهذا سوف يؤثر في البنية الاستراتيجية الشرق اوسطية. (1)

ولا يقف الامر عند التحرك من الجانب الروسي، فالعراق ايضا له اهدافه الاستراتيجية من ابراز مكانته ودوره بالنسبة للسياسة الروسية، بالإضافة الى ذلك فان العراق يسعى الى الاستفادة من العودة الروسية القوية في القضايا الدولية، لذا فأن الدوافع العراقية في توسيع مساحة التحرك الخارجي بما قد يسهم في تغيير مسار الازمات الداخلية الامنية والاقتصادية، لذا فان الادراك الواقعي للحاجة المتبادلة دفع نحو قبول التحرك الروسي وتوظيف الرغبة الروسية بالتحرك واستغلال التغييرات المتسارعة في السياسة الامريكية والارتباك الذي تعاني منه. وتجلى هذا التحرك والقبول من استجابة لأدراك الطرفين لأهمية اقامة علاقات متطورة في الجوانب الامنية والاقتصادية، وتطبيقا لهذا التحرك احتل العراق في عام 2014، المرتبة الثانية من حيث حجم الصادرات من الأسلحة الروسية بعد الهند، حيث بلغت (11% من الصادرات العسكرية الروسية)، وبهذا فان روسيا اصبحت ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى العراق بعد الولايات المتحدة.

وهنا لابد من التأكيد على ان اعتبارات المصلحة القومية كانت بمثابة المنطلق فيما يخص السياسة الروسية تجاه العراق بعد عام 2003. وعلى هذا الاساس سعت روسيا للحيلولة دون تعرض تلك المصالح لأي تهديد مهما كان مصدره، عبر تعزيز العلاقات مع النظام الجديد في العراق والحفاظ على ديمومة تلك المصالح والتعاون ولاسيما في المجال العسكري(2)

______________

  • الخلاف الروسي ـ الإيراني يتعاظم ومعلومات عن قصف موسكو تجمعًا لـ «الحرس الثوري»، المجلس الوطني للمقاومة الايرانية، https://www.ncr-iran.org/ar
  • نفس المصدر.

ويرى المحللون ان هذا التحول نحو العراق هو استجابة واقعية لأدراك القيادة الروسية بوجود تغيير للمكانة الامريكية في القرار العراقي، كما يعد اشارة على وجود توجه عراقي لانتهاج مسار مختلف نسبيا عن السياسة الامريكية في قضايا التقارب مع القوى الكبرى الاخرى وقضايا اخرى، ويأتي ايضا كمحاولة لإحياء التحالف مع العراق الذي تلاشى بعد الهيمنة الامريكية بشكل كامل. (1)

لذا نجد ان هناك استجابة روسية للتوجه نحو الالتزام بالتعهدات تجاه العراق سواء في مجال التسليح والدعم السياسي. هذه التحولات تدفع القيادة الروسية أكثر الى الاهتمام بالعراق وإعادة إحياء المعاهدات والاتفاقات التي أبرمتها الحكومات السابقة. حيث تنظر دوائر صنع القرار في روسيا الى ان محورا جديداً يضم العراق يمكن ان يمنح روسيا نقطة وثوب أكبر في منطقة الشرق الأوسط.

كما ويعد المحللون عودة العراق الى التسليح الروسي جزءاً من سياسة تقوية النفوذ الروسي في المنطقة. كما أن هذا المحور الذي يضم إيران وسوريا ايضا سيعطي موسكو ورقة قوية إضافية في الأزمة السورية في ظل مواقف روسية وعراقية متشابهة في ما يتعلق بضرورة الحل السياسي للأزمة السورية. (2)

  • رؤي غربية لسيناريوهات التدخل العسكري الروسي في سوريا، مجلة السياسة الدولية،العدد 203، (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، يناير 2016م)، ص55
  • نبيل الأصفهاني، مستقبل التعاون الزوسي الإيراني في ضوء التقارب الأخير،مجلة السياسة الدولية، العدد 144، (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، ابريل 2001م) ، ص87 

المطلب الثاني  :مجالات ومحددات السياسة الخارجية الروسية

اعتمدت الخارجية الروسية على عدت دوائر وحسب مراحل نموها ومدى استقرارها السياسي والاقتصادي وفي كل هذا الدوائر كان الهاجس الرئيسي تحقيق أهداف الاستراتيجية السياسية والاقتصادية والعسكرية لروسيا وتختص أولى الدوائر بأوربا والولايات المتحدة ثم الدوائر الأسيوية ذات الأهمية الاستراتيجية وأخيرا دائرة الشرق الأوسط: (1)

أولا –الولايات المتحدة وأوربا وتبدأ هذا المرحلة مع بداية عقد التسعينات بخطاب الرئيس الروسي بولس يلتسن أمام مجلس الأمن الدولي في 1992 والذي أكد فيه بان روسيا تعد الولايات المتحدة ودول أوربا ليس شركاء فقط بل حلفاء أيضاً0 وعلى حد تعبير فلادمير بنارتكو الدبلوماسي الروسي بأنه سوف تكون المنافسة تجارية مع واشنطن وليس إيديولوجية ()0وقد أكد هذا الاتجاه الرئيس الأمريكي بيل كلنتون خلال زيارته الى موسكو في عام 2000مضيفاً بأن ليس لديه اعتراض على العمل مع روسيا في بناء نظام دفاعي صاروخي مشترك والذي سوف يوقف الصواريخ الموجهة الى روسيا والولايات المتحدة من قوى معادية في الشرق الأوسط أو أي مكان آخر0إلا أن أكثر المسائل التي أدت الى خلافات مهمة بين روسيا والولايات المتحدة هي مسألة نقل التكنولوجيا النووية الروسية ذات الاستخدام المزدوج الى دول تعدها الولايات المتحدة دول خارجة عن القانون كإيران وكوريا الشمالية .وجاءت ردود الولايات المتحدة قوية ومهددة بقطع المساعدات عن روسيا وبرزت هذه الحالة بوضوح في قضية بيع مفاعل نووي روسي الى إيران ولكن الأهداف الروسية (2)

  • لبنى عبد الله محمد على، السياسة الخارجية لروسيا تجاه الشرق الأوسط منذ عام 2011-2014م، (مصدر سبق ذكره، ص65.
  • نفس المصدر، ص56

كانت أبعد من قضية مفاعل فالهدف كان تحركات سياسية ذات طابع استقلالي عن الولايات المتحدة وخصوصاً في المناطق المهمة من العالم وهذا ما يمكن أن نلمسه في تصريح إيفريني بريماكوف وزير الخارجية الروسي خلال زيارته الى إيران عام 1996 بقوله ( إن الكرملين عازم على انتهاج سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة تجاه إيران وأن موسكو لن تتراجع عن سياسة التعاون العسكري والنووي مع إيران فضلاً عن تطوير علاقاتها الاقتصادية وليس من مصلحة روسيا أن تسقط جميع أوراقها الدبلوماسية في إمكانية الضغط أو المساومة أو المقايضة مع الولايات المتحدة)(1)

وبشأن المشاكل النووية الإيرانية يؤكد الرئيس بوتين ( أن موسكو تعمل على إخراج هذه المشكلة عن نطاق المواجهة معبراً عن قلقة من تزايد الحضور العسكري الأمريكي في منطقة الخليج ومشيراً الى أن روسيا لم تحصل من واشنطن على ضمانات مؤكدة بعدم مهاجمة إيران() ومنذ الساعات الأولى التي تلت هجمات 11 أيلول عام 2001 على الولايات المتحدة أعلن الرئيس الروسي فلادمير بوتين وقوف روسيا في صف الولايات المتحدة في وجه الإرهاب وبذلك كان قراره التخلي عن السياسة الخارجية الروسية القائمة على منافسة الولايات المتحدة وإدراج بلاده ضمن التحالف الدولي المناهض للإرهاب حيث وصف البعض قراره هذا بأنه تحول جاد في السياسة الخارجية الروسية وتبرز أهم ملامح هذا التحول في السياسة الخارجية الروسية من خلال توصيات الرئيس بوتين حول التدخل العسكري في أفغانستان وهي :-

⦁ أن المشاركة في التحالف ضد الإرهاب قد أعطى لروسيا الحق في استعمال المجال الجوي الأفغاني لطلعات ذات أهداف إنسانية (2)

  • اوغسطين نورتون، ترجمة فريد عسلية، الأمن في الشرق الأوسط توجهات جديدة، المجلس الفلسطيني للعلاقات الخارجية، غزة، 1999، ص23.
  • باسكال بونيفاس، ترجمة احمد الشيخ، الحرب العالمية الرابعة، المركز العربي للدراسات الغربية، القاهرة ،2005، ص87.

⦁ منح حق الاستفادة من معلومات الاستخبارات الروسية وأيضاً خبرة روسيا الواسع عن المواقع الأفغانية

⦁ التوصية بالاكتفاء بالمساندة الخارجية وترك الأفغان لتحرير أنفسهم من حكم طالبان وقد حرص الرئيس بوتين على تحديد النقاط التي تحكم المشاركة الروسية في التحالف الدولي بقيادة أمريكية ضد الإرهاب منها التبادل الايجابي والمثمر في الاستخبارات كذلك فتح المجال الجوي الروسي أمام طلعات جوية من اجل الإغاثة الإنسانية والإسهام في عمليات إنسانية محتملة أجل إغاثة كل الأراضي الأفغانية وأيضاَ السماح باستخدام القواعد العسكرية في دول أسيا الوسطى التابعة لروسيا وتقديم المساعدات للتحالف الشمالي في أفغانستان (1)

وفي العلاقة مع الدول الأوربية سعى الرئيس بوتين الى تحسين العلاقات معها فقد دعا وزراء خارجية ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا الى زيارة روسيا وإجراء محادثات في العلاقات والتعاون الثنائي وخصوصاً فيما يتعلق بموقفهم من الشيشان

لقد سعت روسيا من خلال عضويتها في مجموعة الدول الثمانية الكبرى الى تفعيل برنامج (الشراكة من أجل التقدم والمستقبل المشترك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (وجرى تبني هذا البرنامج في قمة مجموعة الدول الثمانية الكبرى التي عقدت في الولايات المتحدة في عام 2004 وأخذت روسيا على عاتقها في فترة ترأسها لنادي الكبار تنظيم العديد من الفعاليات في إطار هذا البرنامج فقط أصرت روسيا مع عدد من البلدان الأوربية والعربية على تحويل الخطة الأمريكية الخاصة بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الى برنامج للشراكة(2)

  • زكريا حسين-أستاذ الدراسات الاستراتيجية، المدير الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية –مصر، موقع التجديد العربي.ص67.
  • الشرق الأوسط في الشؤون العالمية، ترجمة جعفر خياط، بغداد، 1994، ص23

الفصل الثاني: -السياسية الخارجية العراقية اتجاه التحالف الامني مع روسيا

  • المطلب الاول: -النتائج الرئيسية للسياسة الخارجية الروسية لعام 2020

تركزت أهداف الأنشطة السياسية الخارجية لروسيا في العام الحالي على إمكانات التعاون الدولي لصالح ضمان الأمن القومي، وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، وكذلك تعزيز المواقف الساعية لحل المشكلات العالمية والإقليمية الملحة التي تلبي المصالح الروسية. (1)

اقترحت روسيا أجندة إيجابية موحدة تحمل في جوهرها أهداف الاستقرار العالمي والقدرة على التنبؤ، وتعزيز الدور المركزي لهيئة الأمم المتحدة بصفتها المنسق الرئيسي للسياسة الدولية. كما دعت الشركاء إلى التخلي عن ألعاب “الخيارات الصفرية” والمعايير المزدوجة لصالح الحوار المفتوح والصادق. وقد تقدم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بمبادرة لعقد قمة لزعماء الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة، تسعى لإطلاق حوار جاد ومباشر حول مبادئ التفاعل بين الدول، وسبل حل المشكلات الأكثر إلحاحا في عصرنا، وقد حظيت تلك المبادرة بدعم الشركاء في “الدول الخمس”، وارتياحا إيجابيا من قبل المجتمع الدولي. وفي سياق جائحة فيروس كورونا المستجد، كان من بين أهم مجالات العمل تنظيم عودة أكثر من 300 ألف مواطن روسي إلى وطنهم، وتقديم المساعدة الطارئة لمن وجدوا أنفسهم خارج البلاد في أوضاع صعبة. كذلك كانت روسيا من أوائل الدول التي قدمت مساعدات للدول الأجنبية في مكافحة فيروس كورونا، والتغلب على التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للأزمة، وأقامت تعاونا واسعا في تطوير وتوريد وإنتاج الأدوية واللقاحات المضادة للفيروسات. (2)

  • محمد نصر مهنا، الجغرافيا السياسية والسياسة الجغرافية، (أسيوط: جامعة أسيوط، كلية التجارة، 2007)، ص ص 79 – 87.
  • ثروت بدوي، النظم السياسية (القاهرة: دار النهضة العربية، 1975)، ص 201.

كما تم الشروع في تعزيز تعاون متعدد الأطراف في مجال الصحة العامة من خلال الجهود الروسية على مستوى هيئة الأمم المتحدة عبر وكالاتها المتخصصة، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، وأيضا على مستويات منظمة الاتحاد الاقتصادي الأوروبي، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، ورابطة بريكس، ومنظمة شانغهاي للتعاون، ومجموعة العشرين وغيرها من المنظمات.

كان الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، وتأسيس هيئة الأمم المتحدة هو الحدث الأهم من بين الفعاليات الدولية لهذا العام. وقد أعدت روسيا، مع مجموعة مؤلفة من 43 دولة مشاركة، قرارا تقدمت به للجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، وعقد اجتماع رسمي في ذكرى ضحايا الحرب لتدشين القرار. وأكد معظم المشاركين على أهمية العمل معا، لمنع تزوير التاريخ، ومراجعة تقييم أسباب ونتائج الحرب العالمية الثانية. وكان أمرا رمزيا بشكل خاص، في عام الذكرى الخامسة والسبعين على انتهاء الحرب، أن تدعم الأغلبية الساحقة من أعضاء الأمم المتحدة (58 شاركوا في إعداد القرار، 130 صوتا مؤيدا للقرار) قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التقليدي الذي ينص على “مكافحة تمجيد النازية والنازية الجديدة وكافة الممارسات الأخرى، التي تساهم في تصعيد الأشكال الحديثة من العنصرية والتمييز وكراهية الأجانب وكل ما يتصل بذلك من تعصب”. (1)

وفي 24 يونيو، وبمشاركة قادة وضيوف أجانب، أقيمت فعاليات مهيبة واستعراض للنصر مع عدد ضخم من جيوش الدول الأجنبية. (2)

  • الموسوعة العربية العالمية. – الطبعة الثانية. – الرياض: مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، 1999، ج 25، ص 9.
  • الموسوعة العربية الميسرة، إشراف محمد شفيق غربال. – القاهرة،1959، ص1812-1813.

وعلى الرغم من الوضع الوبائي غير الملائم، إلا أن روسيا نجحت في إنجاز مهمة القيادة في عدد من المنتديات والمنظمات الدولية، حيث أقيم حوالي 140 حدثا في رابطة بريكس، وتم اعتماد أكثر من 40 وثيقة مشتركة. وأكد إعلان موسكو، الذي تمت الموافقة عليه في قمة بريكس الثانية عشرة، 17 نوفمبر، على المبادئ الأساسية لأنشطة الرابطة والتشابه في مواقف أعضائها بشأن القضايا الرئيسية على جدول الأعمال الدولي. كذلك تمت الموافقة على استراتيجية مكافحة الإرهاب، وإقرار استراتيجية الشراكة الاقتصادية للفترة حتى عام 2025، وإطلاق منصة أبحاث الطاقة. (1)

وعقب نتائج رئاسة روسيا لمجموعة “روسيا والهند والصين”، تم تبني رسالة إعلامية مشتركة أكدت على دور التفاعل بين الدول الثلاث لضمان النمو الاقتصادي العالمي والسلام والاستقرار، حيث بدأ توجه جديد للتعاون في هذا الإطار فيما يتعلق بالخدمات الصحية والوبائية. وكانت نتيجة رئاسة روسيا لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي لعامي 2019-2020: اعتماد وثائق استراتيجية بشأن ضمان الأمن الجماعي، والتصدي المشترك للتحديات والتهديدات الجديدة، علاوة على تعزيز أسس التعاون متعدد الأطراف في مجال الأمن الإقليمي والقدرات العملياتية للمنظمة في مكافحة الإرهاب والتطرف والإتجار بالمخدرات. كذلك تم تعزيز عنصر حفظ السلام في منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وفي جلسة مجلس الأمن الجماعي للمنظمة، 2 ديسمبر، طرح قادة الدول الأعضاء مبادرة لتشكيل جدول أعمال مشترك، وإقامة تفاعل بناء بين منظمة معاهدة الأمن الجماعي ورابطة الدول المستقلة، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومنظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”. (2)

  • جدي سيد عبد العزيز، موسوعة المشاهير. – الطبعة الأولى. – القاهرة: دار الأمين للنشر والتوزيع، 1417هـ/ 1996، ج 2، ص 45.
  • منير البعلبكي، موسوعة المورد. – الطبعة الثانية. – بيروت: دار العلم للملايين، 1994، ج7، ص100

تغطي السياسة الخارجية للإمبراطورية الروسية العلاقات الخارجية الروسية حتى عام 1917. اتخذت جميع القرارات الرئيسية في الإمبراطورية الروسية من قبل القيصر، ما أعطى تجانساً وقوة لهذه القرارات خلال عهد القياصرة الأقوياء مثل بطرس الأكبر وكاثرين، ومع ذلك فقد كان هناك العديد من القياصرة الضعفاء مثل القياصرة الأطفال الذين سيطر عليهم الأوصياء، بالإضافة للعديد من المؤامرات والاغتيالات والانتقال السريع للسلطة. لعبت روسيا دوراً محدوداً في الحروب النابليونية حتى عام 1812 عندما دمرت روسيا جيش نابليون الضخم الذي غزا أراضيها. ساهمت جهود روسيا في هزيمة نابليون وفي صياغة الاتفاقيات التي أعادت النظام الأرستقراطي لأوروبا خلال الفترة من 1815 إلى 1848. خاضت روسيا عدة حروب مع الإمبراطورية العثمانية، وفي عام 1856 خسرت روسيا حرب القرم أمام تحالف مكون من بريطانيا العظمى وفرنسا والإمبراطورية العثمانية، وتبعتها العديد من الحروب الصغيرة في أواخر القرن التاسع عشر. (1)

توسعت مساحة روسيا بشكلٍ كبير خلال القرون الثلاثة التي أعقبت حكم إيفان الرهيب (حكم من 1547 إلى 1584)، ازدادت مساحة روسيا بمعدل 18 ألف ميل مربع في السنة لتصبح أكبر دولة في العالم (كان عدد سكان الصين أكبر، ولكنها أضعف بكثير من الناحية العسكرية والاقتصادية والسياسية). أدى هذا التوسع أيضاً لدخول العديد من الأقليات الدينية والعرقية ضمن الإمبراطورية الروسية. كان نظام الحكمي السياسي في روسيا استبدادياً تحت حكم القيصر. وفي الأيام الأخيرة للإمبراطورية ظهرت العديد من الجماعات الثورية تحدَّت الدولة البوليسية التي أرسلت الآلاف إلى المنفى في سيبيريا. انتهى توسع الإمبراطورية الروسية نسبياً بحلول خمسينيات القرن التاسع عشر رغم بعض التحركات جنوباً نحو أفغانستان والهند، وهو الأمر الذي أزعج بريطانيا التي كانت تسيطر على الهند.

  • المصدر السابق، ص55

كان العدو التاريخي الرئيسي لروسيا هو الإمبراطورية العثمانية التي حالت بين روسيا وبين الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. رد القياصرة الروس بدعم المتمردين السلافيين في البلقان ضد الحكم العثماني. دعمت صربيا المتمردين ضد النمسا، ووقفت روسيا مع صربيا التي كانت أرثوذكسية في الدين وسلافية في الثقافة. كانت فرنسا هي الحليف الرئيسي لروسيا، والتي كانت بحاجة لحجم روسيا وقوتها لمواجهة الإمبراطورية الألمانية الصاعدة. (1)

دخلت روسيا الحرب العالمية الأولى في عام 1914 ضد ألمانيا والنمسا والإمبراطورية العثمانية للدفاع عن مملكة صربيا من جهة، والوصول إلى البحر الأبيض المتوسط على حساب الإمبراطورية العثمانية من جهة ثانية. تلقت روسيا الدعم المادي من بريطانيا وفرنسا. فشل الجيش الروسي فشلاً ذريعاً في الحرب العالمية الأولى وتهاوى النظام السياسي والاقتصادي. فقد الروس ثقتهم بالقيصر الفاشل، وكانت النتيجة ثورة عام 1917 التي مزقت الإمبراطورية الروسية، وأدت لاستقلال دول البلطيق وبولندا وأوكرانيا ومجموعة من الدول القومية الأصغر مثل جورجيا. تولى نظام شيوعي جديد بقيادة لينين زمام الأمور وأنشأ الاتحاد السوفياتي (اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية) بعد قتال عنيف في الحرب الأهلية الروسية التي تدخلت فيها العديد من الدول.(2)

  • إسماعيل صبري مقلد، أصول العلاقات الدولية إطار عام (أسيوط: جامعة أسيوط، كلية التجارة، 2007، ص 114.
  • نفس المصدر.

صاغ القياصرة السياسة الخارجية لروسيا بشكل كامل لدرجة أن تحول سياسية القيصر أو تغييره قد يؤدي لتحول جذري في سياسة روسيا بين عشية وضحاها. أشهر مثال على ذلك في عام 1762 خلال حرب السنوات السبع عندما دمرت الإمبراطورة إليزابيث جيوش فريدريك العظيم ملك بروسيا، ثم ماتت فجأة، وكان القيصر الجديد بيتر الثالث صديقاً لفريدريك فأوقف الحرب وأنقذ حياة فريدريك الذي نجا بأعجوبة، وأطلق على الحادثة “معجزة آل براندنبورغ”(1)

العلاقات مع السويد

حدثت عدة حروب خلال العصور الوسطى بين السويد وروسيا يقدر عددها بنحو 11 حرباً منذ القرن الخامس عشر. كان عدد الجيش الروسي في أغلب هذه الحروب أكبر بكثير من نظيره السويدي، لكن الجيش السويدي تفوق في عدد من المعارك الهامة مثل نارفا (1700) وسفينسسوند (1790) بسبب التنظيم العسكري الدقيق.[2]كان موضوع النزاع الرئيسي بين السويد وروسيا خلال فترة 1600-1725 هو السيطرة على بحر البلطيق والمناطق المحيطة به. تفوقت روسيا في نهاية المطاف وفقدت السويد مكانتها كقوة عظمى.[3][4] وصل الجيش السويدي إلى موسكو في عام 1610 تحت قيادة جاكوب دي لا غاردي، وفي الفترة الممتدة من عام 1623 إلى عام 1709 شجعت السياسة السويدية خاصة في عهد غوستاف أدولفوس (1611–1632) وتشارلز الثاني عشر (1697–1718) المعارضة الأوكرانية ودعمتها عسكرياً لمواجهة النفوذ الروسي. خاض غوستاف أدولفوس حرب إنغريان ضد روسيا التي انتهت في عام 1617 بمعاهدة ستولبوف التي أبعدت روسيا عن بحر البلطيق. حدثت هزيمة السويد الأكثر دراماتيكية عام 1709 (2)

  • محمد نصر مهنا، الجغرافيا السياسية والسياسة الجغرافية، (أسيوط: جامعة أسيوط، كلية التجارة، 2007)، ص ص 79 – 87.
  • ثروت بدوي، النظم السياسية (القاهرة: دار النهضة العربية، 1975)، ص 201.

وصل بطرس الأكبر (1672–1725) إلى سدة الحكم في روسيا في عام 1695، فوسع من مساحة روسيا بشكل كبير من خلال الوصول إلى موانئ بحر البلطيق والبحر الأسود وبحر قزوين. برز من قادته العسكريين الجنرالات: ألكساندر دانيلوفيتش مينشيكوف وبوريس شيريميتييف. [كانت روسيا قبل عصر بطرس الأكبر معزولة إلى حد كبير عن الشؤون الأوروبية العسكرية والاقتصادية والثقافية. رأى بطرس أن الحاجة ملحة للوصول إلى بحر البلطيق، فشكل تحالفات لتحدي الهيمنة السويدية هناك، وقد جعلت نجاحاته من روسيا لاعباً أساسياً في الشؤون الأوروبية. [

هاجم بطرس الأكبر القوات التركية التي كانت تسيطر على نهر دون في عام 1695، لكنه فشل بسبب افتقار جيشه للقوات البحرية والمهندسين ذوي الخبرة لإجراء الحصار، لكنه سرعان ما تلافى هذه العيوب وسيطر على أزوف في عام 1696. سافر بطرس الأكبر في عام 1697 إلى أوروبا الغربية لدراسة أحدث أساليب الحرب، وعند عودته في عام 1698 بدأ في إصلاح البلاد وتحويل القيصرية الروسية إلى إمبراطورية حديثة عن طريق تقليد نماذج أوروبا الغربية بهدف إنشاء جيش وبحرية قوية بالإضافة إلى قاعدة اقتصادية متينة. اعتمد في البداية على الضباط المستأجرين خاصة الألمان، وسرعان ما بنى شبكة من المدارس العسكرية في روسيا لتأهيل قيادة عسكرية جديدة، وكان إنجازه الكبير بناء أسطول حديث من النوع الذي لم تعرفه روسيا سابقاً. [

أطلق بطرس الأكبر الحرب الشمالية العظمى في عام 1700 بتحالفه مع الدنمارك والنرويج وساكسونيا وبولندا وليتوانيا ضد السويد السويدية ومقاطعات ليفونا وإنجريا. حقق تشارلز ملك السويد انتصارات متعددة على الرغم من تفوق أعدائه في العدد، فهزم جيشاً روسياً كبيراً في معركة نارفا عام 1700(1)

  • المصدر السابق، ص77

المطلب الثاني : التأصيل النظري للسياسة الخارجية الروسية اتجاه العراق

نحاول التركيز في هذا المبحث على أهم النظريات والنماذج التي تقربنا من الفهم الصحيح للنهج الذي تسلكه السياسة الخارجية الروسية في علاقاتها مع دول العالم وتجاه القضايا الدولية، كما أنها ستساعدنا على تبسيط تعقيدات هذه الظاهرة، ظاهرة السياسة الخارجية من خلال تسليط الضوء على كل جوانب السلوك الخارجي الروسي مع ما يتوافق معه نظريا: المقاربات النظرية المفسرة للسياسة الخارجية الروسية لقد تبنت معظم نظريات العالقات الدولية في تفسيرها لطبيعة النظام الدولي وتفاعل الدول فيه، منظور وجانب معين ميز كل نظرية عن باقي النظريات الأخرى، و هذا ما دفعنا إلى اختيار كل من النظرية الواقعية (1)واللبرالية والبنائية لتوفر كل منها على نموذج تحليلي يساعدنا على تفسير جانب معين من السياسة الخارجية الروسية. الفرع الأول: النظرية الواقعية يكمن سبب اختيارنا لهذه النظرية في كونها تتوفر على مجموعة من الرؤى التي تشرح السياسة الخارجية الروسية، ويمكن أن نوجز أهم النقاط التي تستند عليها الواقعية في تحليلها 1 للسياسة الخارجية في ما يلي: 0. الدول هي الجهات الرئيسية الفاعلة في الساحة الدولية، وهذا يعني أن المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسيات ال تعتبر الجهات الفاعلة التي تشكل السياسة الخارجية للدول. 2-.الدول هي عبارة عن فواعل وحدوية، مما يعني أن مستوى التحليل الداخلي مثل نوع النظام أو الأفراد، ليس له أي تأثير مهم على سلوك الدول الخارجي. 1 .تعتبر الدول فواعل عقلانية، مما يعني أنها تختار بين مجموعة البدائل المتاحة الخيار الذي يخدم مصلحتها الذاتية. (2)

  • إسماعيل صبري مقلد، أصول العلاقات الدولية إطار عام (أسيوط: جامعة أسيوط، كلية التجارة، 2007، ص 114.
  • نفس المصدر.

1 .أن النظام الدولي هو نظام فوضوي وهذا ما نتج عنه فراغ أمني دائم. تركز النظرية الواقعية بصفة عامة على ثالث مفاهيم أساسية في تحليل وتوضيح هذه الافتراضات ويمكن أن نعتبرها الأساس الذي سيساعدنا على فهم جزء كبير من السلوك الخارجي لروسيا و دوافع هذا السلوك وهي القوة، المصلحة الوطنية والأمن. بما أن المنظور الواقعي يجعل من الدولة وحدة تحليل أساسية فهو يهتم بمسائل تتعلق بكيفية المحافظة على الاستقرار(1) وكيفية التمسك بالسيادة والبقاء عليها والسبل الكفيلة باستخدام القوة، فالقوة هي الخاصية الأساسية في التحليل الواقعي والتي ينظر إليها على أنها من المبادئ 1 المهمة التي تحرك سلوكيات الدول في النظام الدولي. فبوجود كثير من الدول ذات السيادة وبغياب نظام قانوني واجب النفاذ بين تلك الدول، وبقيام كل دولة بالفصل في مظاليمها وفقا لمنطقها الخاص، في هذه الحالة يجب على الدول الاعتماد على وسائلها الخاصة الحراز نتائج ايجابية في هذا الصراع. وفي هذا يقو ل فريديريك دان ” مادامت فكرة الاعتماد على النفس موجودة، فإن هدف الحفاظ على حالة القوة لشعب ما 2 هو هدف يسمو على كل الاعتبارات الأخرى”. ووفقا لهذا المنظور فإن السياسة الدولية هي صراع من أجل القوة، ومهما كانت الأهداف النهائية للدول فالقوة هي الهدف الآني والفوري، إذ ينشد الساسة الحرية في النهاية والأمن والازدهار وقد يحددون أهدافهم في مثل دينية وفلسفية واقتصادية واجتماعية وقد يحاولون تحقيق هذه الأهداف بوسائل ال سياسية كالتعاون التقني مثال مع الأمم الأخرى (2)

  • جدي سيد عبد العزيز، موسوعة المشاهير. – الطبعة الأولى. – القاهرة: دار الأمين للنشر والتوزيع، 1417هـ/ 1996، ج 2، ص 45.
  • منير البعلبكي، موسوعة المورد. – الطبعة الثانية. – بيروت: دار العلم للملايين، 1994، ج7، ص100

لمنظمات الدولية، إنما يفعلون ذلك عن طريق الكفاح من أجل القوة ومهما كانت الأهداف 1 المادية ألية سياسة خارجية فإنها تنطوي دائما على السيطرة على الآخرين. إن القوة التي تعنيها التحليلات الواقعية ليست هي القوة العسكرية التقليدية بل القوة القومية Power National بمفهومها الشامل من عناصرها ومكوناتها المادية وغير المادية، فهي النتاج النهائي لعدد كبير من المتغيرات، والتفاعل الذي يتم بين هذه العناصر هو الذي يحدد في النهاية قوة الدولة، وتتضح هذه القوة من خلال الحيوية الاقتصادية أو النفوذ السياسي، (1) أو القوة العسكرية وبما أن القوة نسبية فإن الدول يجري تقييمها على وضع قوتها الذاتية مقارنة مع 2 الوضع في الدول الأخرى. يعتبر مورغانتو من القائل الذين عرفوا القوة فهي تعني حسب رأيه السيطرة على أفعال وتفكير الآخرين، أما ريمون آرون فيعرفها بأنها قدرة وحدة سياسية على فرض إرادتها على 3 الوحدات الأخرى. ويقسم إدوارد كار القوة في المحيط العالمي إلى ثالثة أقسام، القوة العسكرية والقوة الاقتصادية وقوة التحكم بالرأي ويرى بأن هذه الأقسام متداخلة كليا مع بعضها ولكنها نظريا منفصلة، فالقوة العسكرية حسب رأيه هي عنصر أساسي في حياة الدولة وهي ليست أداة فقط بل غاية بحد ذاتها، أما القوة الاقتصادية فهي في نظره أحد أدوات القوة السياسية وهي مرادفة أو متحدة مع الإرادة العسكرية، وفي ما يتعلق بقوة التحكم بالراء فهو يؤكد على دور 4 الدعاية والعالم واعتبرها أداة من أدوات السياسة وتحقيق الأهداف الخارجية(2)

  • إسماعيل صبري مقلد، أصول العلاقات الدولية إطار عام (أسيوط: جامعة أسيوط، كلية التجارة، 2007، ص 114.
  • نفس المصدر.

الخاتمة:

نفرد منطقة الشرق الأوسط بأهمية قصوى في حسابات الدول الكبرى، لما لها من أهمية استراتيجية في المشهد السياسي الإقليمي والعالمي، ولما تتمتع به من غنى مواردها الطبيعية وعلى رأسها النفط والغاز وموارد الطاقة المختلفة، وهي من أهم عناصر الجذب التي تستقطب نفوذ الدول وصراعاتها، لا سيما منطقة الشرق الأوسط بالإضافة إلى جغرافية الشرق والموقع المتميز في وسط العالم، وما يُشرف عليه من ممرات مائية، فقد شكلت المنطقة نقطة استقطاب استراتيجية منذ سنوات طويلة لعديد من الدول التي تتنافس في سباق محموم في صراع على مصادر الطاقة ومناطق النفوذ الاستراتيجية.بعد شعور روسيا بتقلص دورها عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وولادة نظام دولي جديد بزعامة الولايات المتحدة التي تصرفت باعتبارها القوة الأعظم الوحيدة في العالم حتى الآن، وقد بدت هذه التفردية جلية خاصة خلال تسعينيات القرن الماضي، ولكن منذ تولي بوتين مقاليد السلطة للمرة الأولى، بدأت تتجلى الغيوم عن الطموحات الروسية، وتتجه إلى مناطق استراتيجية من العالم قريبة منها إقليمياً، لفرض نفوذها ومحاولة السيطرة على زمام الأمور والمشاركة في حل القضايا والأزمات الدولية.
وقد استغلت روسيا منطقة الشرق الأوسط بما فيها من صراعات داخلية، وتطورات بسبب ثورات الربيع العربي، بالإضافة إلى سياسة الانسحاب التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب المشكلات الاقتصادية الداخلية، التي جعلتها تتجه إلى دول شرق آسيا والتعاون معهم، بعيداً عن صراعات الشرق الأوسط، والتدخلات العسكرية الطاحنة في بعض الدول مثل سوريا، وبدأت روسيا بالتقرب إلى الدول الشرق الأوسطية عن طريق العقود الاقتصادية، وصفقات الأسلحة، بالإضافة إلى التدخل العسكري في سوريا إلى جانب الاقتصادي والدبلوماسي، راجية استمرار السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط

رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M