المتغيرات الإقليمية والدولية و تأثيرها على العلاقات الروسية – الصينية

المتغيرات الإقليمية والدولية:

 

   أن التغيرات التي تحصل في البيئة الدولية سواء أكانت في محيطها الإقليمي أم محيطها العالمي ليست بمنعزل عن علاقات الدول فيما بينها، فهي تؤثر في مسار تلك العلاقات على النحو الذي يمكن أن يحدث تعاون أو صراع من جراء تلك التغيرات، وان الوضع الدولي، وما يشهده من تطورات وأحداث على المستويين: الإقليمي والدولي فقد غيرت الكثير من الترتيبات التي كان سائدة في السابق، وجعلت بعض الدول تتقارب أتجاه قضية معينة وتتنافر وتتعارض مع قضايا أخرى.

   كما أفرزت البيئة الدولية جملة من التغيرات المهمة على الساحة الدولية التي إنعكست بصورة طبيعية على نمط العلاقات الدولية السائدة، مما جعلها تترك تأثيراً واضحاً في فعالية النظام الدولي السائد وطبيعته، غير أن عوامل التغيير في إتجاهات النظام الدولي لمرحلة ما بعد الحرب الباردة قادت الأوربيين نحو إعادة التفكير، وضرورة أن يكون هناك دور أوروبي فاعل في الساحة الدولية، مترافقاً مع توجهات الولايات المتحدة الأمريكية للهيمنة على العالم، والتصدي لأي دور فاعل لأي قوى دولية.

   ونرى: أن العلاقات الروسية-الصينية من  زاوية المتغيرات الإقليمية والدولية تتأثر مثل غيرها بمحيطها الإقليمي أو الدولي، كما أنها تؤثر في ذلك المحيط نظراً لما تملكه الدولتان من إمكانيات، وفي هذا الفصل سنركز على تأثر علاقتهما بتلك المتغيرات، في حين سنركز في الفصل الثالث على تأثير علاقتهما في المحيطين: الإقليمي والدولي.

   وعليه فقد تم تقسيم المبحث إلى ثلاثة مطالب: إختص المطلب الأول: بالمتغيرات السياسية الإقليمية والدولية. أما المطلب الثاني فقد تناولنا فيه: المتغيرات العسكرية والأمنية الإقليمية والدولية، وفي المطلب الثالث تناولنا: المتغيرات الاقتصادية الإقليمية والدولية.

 المتغيرات السياسية الإقليمية والدولية:

   تعد المتغيرات السياسية في البيئتين: الإقليمية والدولية عوامل أثرت في مسار العلاقات الروسية-الصينية، وبحكم طبيعة القضايا المثارة في البيئتين، وهنا سنتناول ثلاثة متغيرات مهمة كنماذج وهي: القطبية الأحادية والاستراتيجية الأمريكية، وتأثيراتها في العلاقات الروسية-الصينية وقضية تايوان، والعلاقات الصينية-الهندية.

أولاً: القطبية الأحادية والاستراتيجية الأمريكية:

   يُشير مصطلح(القطبية الأحادية) إلى: وجود قطب يملك من الموارد ما يكون قادر معها على الهيمنة على إدارة التفاعلات السياسية الدولية، دون أن ينفي هذا حقيقة وجود قوى سياسية واقتصادية أخرى على مستوى النظام الدولي، بيد أنه يبقى لهذا القطب القوة والإمكانية لصناعة القرار الدولي، فضلاً عن تأثيره في صناعة السياسات الاقتصادية العالمية، ويتفق المعنيون بحقل العلاقات الدولية على أن القطب المهيمن له القيادة العالمية، وبقية القوى تشاركه في هذه التوجهات السياسية.

  لقد شهدت البيئة الإقليمية الآسيوية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة دوراً أمريكياً متزايداً، على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية عمدت إلى مراجعة وجودها العسكري في الإقليم، خاصة إذا ما علمنا: ان ذلك الدور يعمد إلى بناء نظام إقليمي جديد يكون فيه الدور الأمريكي هو  المهيمن. مما دفع الصين بالأخص إلى التخوف من مركزية الدور الأمريكي في الإقليم، على الرغم من أن إختفاء السوفيت من معادلة القوة الإقليمية والدولية قد حرر الصين مؤقتاً من سياسة التوازنات التي بدأت منذ السبعينيات عندما أراد الأمريكيون احتواء السوفيت عن طريق القوة الصينية، وهو أمر ارتضى به الصينيون لتخفيف واقع العزلة الدولية.

   وفي الوقت ذاته كان هذا بمثابة اعتراف أميركي بأهمية الدور الصيني في شرق آسيا بأنها قوة لا يمكن الاستغناء عنها، إلاّ أنّ هذا الاختفاء للخصم قد أخرج الصين من اللعبة ما بين القوى العظمى باعتبارها ذراع وجعلها هدف لقوة عالمية واحدة تسعى لاحتوائها إلاّ وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، وبقدر تعلق الأمر بالدور الروسي، ومكانته في السياسة العالمية، نجد أن القلق الأميركي من احتمالات عودة الروح القومية إلى روسيا ومعها سياسة(قيصرية)بشكل جديد، كان حاضراً في التخطيط الاستراتيجي، بدلالة: أن توسع حلف الناتو باتجاه أوروبا الشرقية ومحاولة الولايات المتحدة الأمريكية النفاذ إلى آسيا الوسطى، حيث مناطق النفوذ التقليدي الروسي يقرأ استراتيجياً على إنه إستدراك إستباقي للحيلولة دون عودة روسيا إلى مكانتها الدولية المؤثرة، وحضور صورة التهديد الروسي في العقل الاستراتيجي الأميركي.(1)

   إن هذا التحول في مراكز القوة الدولية أسهم في إعادة سياسة التوازنات مرة أخرى بحيث أصبحت الصين هي الهدف من وراء الإحتواء بعد الحرب الباردة، فأبقت الولايات المتحدة الأمريكية على تحالفها الأمني مع اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، وبدأت أيضاً بتمتين علاقاتها مع الهند لاحتواء الصين، أما الصين من ناحيتها فبادرت إلى تقوية علاقاتها مع باكستان بالضد من الهند، وفي ذات الوقت أصبح هناك حاجة صينية للتعاون مع روسيا من أجل التقليل من آثار الاحتواء الأميركي.(2) لا سيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تُعدّ إحتواء روسيا والصين، والحيلولة دون إبدائهما مشاركة فاعلة في وضع أنماط التفاعلات الدولية، يمثل حجر الزاوية في سياستها الخارجية، في سبيل الحفاظ على النظام الدولي تحت الهيمنة الأمريكية

ثانياً: قضية تايوان والعلاقة الصينية-الهندية:

     في العام 1948م، وحينما تم اختيار(شنغ كأي شيك)رئيساً للجمهورية، اندلعت بينه وبين القوات الشيوعية بقيادة(ماوتسي تونغ)، حرب أنتهت بانتصار الشيوعية، وأعلن(ماو)عن قيام جمهورية الصين الشعبية في العام 1949م، وانسحبت في أثر ذلك قوات(كاي شيك) إلى جزيرة تايوان، واعلن فيها قيام حكومة الصين الوطنية، ومنذ ذلك الوقت، وسمة التوتر هي الغالبة على العلاقات الصينية-التايوانية، فالصين من جهتها تعد تايوان جزءاً من الوطن الام، وتطالب بضمها إليها. أما تايوان فتؤكد رفضها سياسة الصين الواحدة، وتعلن رغبتها في استمرار الاستقلال، وقد ادى ذلك إلى قيام حالات من التوتر الشديد بين الطرفين كان ابرزها: ما حصل في العام1999م، عندما أعلن الرئيس التايواني(لي شنغ هوي): رفضه سياسة الصين الواحدة وطالب بالتفاوض على أساس دولة مقابل دولة.

   أن الصين لم تكون راضية على أن تتعامل مع تايوان كدولة مستقلة، فقد انتقدت تصريحات الرئيس التايواني(لي شنغ هوي)، بحيث وصل الامر بها إلى التلويح على استخدام القوة، وبدأت الصين بمناورات عسكرية واسعه النطاق في منطقة شرق الصين، فضلاً عن أن من الامور التي ساعدت على توتر العلاقات بين البلدين هي تلك التي قامت بها الولايات المتحدة من دعم عسكري لتايوان، والعمل على تطوير القدرات العسكرية، وتزويدها بالأسلحة للدفاع عن نفسها في إطار إتفاق تعاون مشترك وقع بين الطرفين في العام 1979م، وهذا ما يثير حفيظة الصين وان المخاوف الصينية منذ مستهل الألفية الجديدة من الدعم الأمريكي لتايوان هو الخشية من أمكانية أمتداد الدرع الصاروخي ليشمل تايوان، الامر الذي سيؤدي إلى: تعزيز القدرات الصاروخية الدفاعية لتايوان والذي يعني: مقاومة الضغط الصيني لإعادة توحيد الاراضي الصينية.

  أما بالنسبة للعلاقات الصينية–الهندية، فإنّ الهند تحتل مكانة مهمة في المجتمع الدولي، وهي ذات حضارة عريقة، ولها لغات ولهجات متعددة، فضلاً عن العقائد الدينية المتباينة التي لم تكن يوماً سبباً في حدوث هزات عنيفة داخل النظام السياسي الهندي، فالهند ضخمة في كل شيء في مساحتها التي تبلغ (3,288)مليون كم2 ولغاتها التي لا تقل عن(225) لغة، وامتدادها الجغرافي حيث وسط آسيا وجنوب شرق آسيا وإطلالتها الكبرى على المحيط الهندي.(1)

  وتُعدّ الصين من الدول المجاورة للهند التي تشترك معها بحدود طويلة من الشمال والشمال الشرقي، وتعد الصين من العوامل الخارجية المؤثرة في السياسة الهندية، إذ تشكل تهديداً للنفوذ الهندي، فكان الوضع تنافسياً بين الدولتين لمدة طويلة الأمد، وميزة العلاقة بين الدولتين هو: تأرجحها، وسبب هذا التأرجح في العلاقة بين الدولتين هو: إعتقاد القادة الهنود بأنّ الصين تستخدم باكستان ضد الهند والحيلولة دون صعودها كمنافس محتمل لها، وفرض نفسها بصفتها القوة المهيمنة في منطقة جنوب آسيا.

   وبعد إنتهاء الحرب الباردة حدث تغير في السياسة الصينية، إتجاه الهند قائمُ على أساس: الرغبة بحل خلافاتها مع هذه الدولة، عن طريق طرحها القائم على أساس الحصول على تنازلات هندية في الجبهة الشرقية المتمثلة بالحدود المحصورة بين شمال شرق إقليم أسام الهندي، وجنوب إقليم التبت الصيني، مقابل تنازلات تقدمها الصين إلى الهند في الجبهة الغربية في إقليم كشمير، هذا الطرح الذي تجده الهند لا يصب في خدمة مصالحه، ويحقق مكاسب إستراتيجية للصين، فضلاً عن قضية التبت التي تبرز الخلافات من آن لآخر بين الدولتين، فالصين تعدّ الانفصاليين التبتيين المقيمين في الهند، وزعيمهم الروحي(الدالاي لاما)منذ العام 1959م، يشكلون خطراً مباشراً على الاستقرار في التبت، وعلى الأمن في جنوب الصين.

   بمعنى: ان الهند تشارك في ادامة عوامل عدم الاستقرار في إقليم التبت، حيث اتجهت الصين في توجهاتها الخارجية تجاه الهند من موقع التصادم إلى التعاون، وتمخض ذلك في توقيع العديد من الاتفاقيات منها: إتفاقية حفظ السلام والهدوء في العام 1993م، وإتفاقية مقاييس بناء الثقة في العام 1996م، وتدشين حوار أمني بين الطرفين في العامي(1999م-2000م)، كل ذلك أدى إلى: إعتراف الهند الرسمي بسيادة الصين على التبت، وإعتراف الصين بسيادة الهند على مملكة “سيمكيم” السابقة، والشروع في حل مشكلة الحدود بين البلدين على أساس مبدأ التعايش السلمي، واتفاق الدولتين في آذار من العام 2004م، على توطيد العلاقات العسكرية عَبَرَ تبادل الخبرات والتدريبات، كما أن السياسة الخارجية الصينية تهدف إلى: تدعيم المكانة القومية بتحسين وتنويع العلاقات الخارجية لاسيما بعد إنتهاء الحرب الباردة مع دول الجوار، كالذي حصل مع الهند رغبة منها في تأكيد مبدأ(الصعود السلمي للصين).

    كما أن إختفاء المنافسة الأمريكية-السوفيتية، قد استغلت من قَبِلِ الهند وباكستان، بحيث لا تستطيع أي دولة منهما الآن الاعتماد على المساعدة التلقائية لإحدى القوتين العظيمتين كما كانتا تفعلان في حقبة الحرب الباردة، فقد تقلصت دوافع الولايات المتحدة الأمريكية لمساندة باكستان عسكرياً في تنافسها الأمني مع الهند، وبالمثل فقدت الهند راع لها، فقد زال التأييد السوفيتي الدبلوماسي والسياسي والمادي الذي كان حيوياً للحفاظ على القدرات العسكرية الهندية في وجه الصين وباكستان، وأدركت الهند: ان زوال الاتحاد السوفيتي، وبروز الصين يعنيان ضمنياً: أن أي مزاعم مستقبلية بالهيمنة ستواجه معارضة صينية محتملة، فالصين هي الطرف الفاعل الوحيد القريب من الهند والذي يملك القدرة على تحطيم المزاعم الهندية بالهيمنة

    أما بالنسبة لتأثير قضية تايوان والعلاقات الصينية-الهندية على مسار العلاقة الروسية-الصينية، فإنّ روسيا قد تعاملت بحذر وذكاء اتجاه تلك المتغيرات المهمة، وخاصة أنهّا ترى في اعترافها للصين بأحقية استعادة تايوان وتوحيد الصين وتحقيق مشروع الصين الموحدة قد يدفع بالعلاقات بين البلدين إلى الأمام، خاصة في ظل الاوضاع الدولية وهي تتطلع للقيام بدور عالمي مؤثر يوازي قدراتها، حيث تعتبر قضية تايوان بمثابة(بيضة القبان)التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية في ممارسة التأثير على الصين من خلال الدعم العسكري والأمني لها، وهذا ما سيجعل من التقارب الروسي-الصيني أمراً لا محال منه، للوقوف بوجه التدخلات الأمريكية في مناطق النفوذ الصيني وكذلك الروسي في مناطق جنوب وشرق آسيا، وكذلك آسيا الوسطى.

     كما أن روسيا والصين هما متخوفان من التغلغل الأمريكي من بوابة تايوان، خصوصاً في قضية الدرع الصاروخي التي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية نشرة في مناطق النفوذ الروسي والصيني في آسيا، أما الهند وعلاقتها مع الصين وتأثيرها على العلاقات الروسية-الصينية، ليست أقل تأثير وأهمية عن المتغير الأول، أي تايوان، فهي تؤثر في طبيعة العلاقة بين روسيا والصين بالشكل الذي قد يزعج روسيا خاصة عندما يحدث تقارب وتعاون بين كل من: الهند والصين، لأن ذلك يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة على حساب روسيا، هذا من جانب، وكذلك إن تأثير الصراع الصيني-الهندي لن تكون حدوده بين هاتين الدولتين فقط، بل أبعد من ذلك، وأقوى تأثير هو الذي سيطال مجموعة “البريكس” وهو تحالف يضم الدول الأكثر نمواً في العالم وهي:(البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، الأمر الذي ينذر بضعف سيلحق بهذه المنظمة، والتي تهدف إلى: إلغاء القطب الواحد(الأميركي) في القيادة العالمية، من جانب آخر، كما نرى أن أحد أهداف الولايات المتحدة الإستراتيجية من إقحام الهند في هذه المنطقة هو: إضعاف المنظمة والقضاء عليها بعد خلق نزاع بين العملاقين، وبذلك تخلصت واشنطن من قوتين تهددان الهيمنة الأميركية على العالم بضربة واحدة.

 المتغيرات العسكرية والأمنية الإقليمية والدولية:

   أن تأثير البيئة الإقليمية والدولية في العلاقات الروسية-الصينية، كان واضحا،ً خاصة بعد دراسة أهم المتغيرات المؤثرة في العلاقة بين البلدين في جانبها السياسي سواء أكان على الصعيد الإقليمي أو على الصعيد الدولي، وأن المتغيرات العسكرية ليست بمنعزل عن المتغيرات التي سبقتها، إذ نرى: أنّ للمتغير العسكري أثر واضح على العلاقات الدولية بصورة عامة والعلاقات الروسية-الصينية بصورة خاصة، وفي هذا الصدد سوف نتطرق إلى قضية الدرع الصاروخي الأمريكي والاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان كنموذجين لكي نفهم مدى تأثير المتغيرات العسكرية والأمنية في تلك العلاقة.

أولاً: قضية الدرع الصاروخي الأمريكي:

 

    أن فكرة مشروع الدرع الصاروخي بدأت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق(ريغان) في آذار من العام 1983م، وهو: نظام يتم فيه بناء شبكات حماية مكونة من أنظمة صواريخ ارضية مستندة إلى نقاط ارتكاز جغرافية عدة، قادرة على أسقاط أي صاروخ بالستي عابر للقارات يستهدف اراضي الولايات المتحدة الأمريكية أو حلفائها.

    أن قضية الدرع الصاروخي الأمريكي التي أعلنت عنها الولايات المتحدة الأمريكية في كانون الثاني من العام2007م، لإقامة درع مضاد للصواريخ تتضمن نظاماً لرادار مضاد للصواريخ في جمهورية التشيك ونشر عشر بطاريات من الصواريخ المضادة في بولندا، إذ تقوم خطة الدرع على نظام الإنذار المبكر وهي مصممة لاعتراض الصواريخ العابرة للقارات، حيث يقوم الصاروخ الاعتراضي باعتراض الصاروخ العابر للقارات وتفجيره في الفضاء قبل وصوله إلى هدفه في الارض، وهذا ما أثار حفيظة وانتقادات واسعة من قبل الجهات الروسية.

    حيث عارضت روسيا إنشاء الولايات المتحدة الأمريكية للدرع الصاروخية ومحطة الرادار في بولندا وجمهورية التشيك، كونها ترى فيه خطراً على أمنها القومي، كما أنها موجهة ضد روسيا، وليس ضد إيران كما تزعم واشنطن: بأنّ إقامة نظام دفاعي مضاد للصواريخ سيحميها من صواريخ بالستية إيرانية مزودة برؤوس نووية، حيث تعارض روسيا هذا المشروع  وهي تؤكد أنها على جاهزية لأن تقف وجهاً لوجه ضد المشروع الأميركي، وأنها مستعدة لاحتمالات المواجهة العسكرية رداً على منظومة الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا.

  إذ إتجهت الولايات المتحدة الأمريكية في بعض الأحيان إلى إتباع سياسة تفضيلية من خلال التقارب مع بعض الدول الاشتراكية التي كانت تقع ضمن الاتحاد السوفيتي، وتحسين علاقاتها معها وتشجيعها على القيام بإصلاحات جديدة في نظام الحكم وفق المنظور الغربي الأمريكي، على اساس: أنه النموذج الوحيد في العالم الذي خرج منتصراً في الحرب الباردة، حيث يشكل التركيز على التفوق العسكري الهدف الأساس من وراء الدرع الصاروخي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.

     ان الخلاف الناشب بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بخصوص الدرع الصاروخي يُعدّ الخلاف الاكثر حدة وخطورة بين الجانبين منذ إنتهاء الحرب الباردة، متجاوزا بذلك العديد من الخلافات السابقة بينهما، سواء أكانت تلك التي نشبت بشأن توسيع حلف الناتو شرقاً أو بسبب حملة الحلف على صربيا أو بخصوص الحرب الأمريكية على العراق.

    أذ تبدو كافة الخلافات السابقة محدودة بالمقارنة مع الخلاف القائم بشان الدرع الصاروخي، والذي أكدت أدارة الرئيس(بوش الأبن)على كونه امراً حيوياً لحماية الأمن القومي الأمريكي، ولعل أبرز مبررات(بوش الأبن) في إعادة بناء شبكة الدرع الصاروخي هي: اولاً/بروز دول مارقة أو دول محور الشر كما اسماه(بوش الأبن)، حيث أصبحت تمتلك صواريخ قادرة على تهديد الأمن القومي الأمريكي مثل: كوريا الشمالية وإيران، ثانياً/حماية أمن الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق اعتبار(بوش الأبن) أن معاهدة الدفاع المضاد للصواريخ الموقعة في العام 1972م بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، أصبحت من الماضي، على الرغم من إن بنودها عمداً قصدت إبقاء الأجواء مفتوحة وغير محمية بهدف إيجاد ردع متبادل، ثالثاً/أحداث 11أيلول من العام 2001م.

    في حين تراه روسيا: تهديدا خطيراً للتوازن الاستراتيجي العالمي لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مخاوف لا تطرحها روسيا فقط، وإنمّا تشاركها فيها العديد من القوى الدولية الاخرى بما في ذلك الصين، حيث أسهمت قضية الدرع الصاروخي الأمريكي في تعزيز التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا من خلال تعزيز الإدارة الأمريكية لموقفها في المنطقة.

      كما ترى روسيا: بأن دفاعاً صاروخياً مشتركاً يتلائم مع العلاقة الجديدة من الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بشكل أفضل من البرنامج الأحادي الجانب، إذ ترى روسيا أن قيام منظمة جماعية للدفاع الصاروخي تحمي بشكل مضمون ليس الولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل كافة الدول من أي هجوم نووي محتمل.

    أما بالنسبة للصين فقد عارضت مشروع الدرع الصاروخي الأمريكي، مُعده إياه خطوة غير جيدة تفتح الطريق قبالة سباق تسلح جديد بما يهدد السلم والاستقرار العالميين، كما تُعدّه خطوة تؤدي إلى حدوث خلل في التوازنات الدولية، ويقلل من إمكانية تقليص ترسانات الأسلحة النووية في العالم، وترى الصين في هذا النظام انّه لن يقتصر على حماية الأراضي الأميركية تحديداً، وأنه لن يكون سوى المرحلة الأولى من إستراتيجية أمنية أميركية أخطر مما قد يبدو للوهلة الأولى وسيكون هناك مراحل لاحقة في سياق هذه الإستراتيجية تهدف إلى: توفير غطاء مماثل من الدفاع الصاروخي لحلفاء واشنطن البعيدين عنها جغرافيا: مثل اليابان وتايوان، أي على حدود الصين وفي فضائها الحيوي، وبما يحبط تفوقها الإقليمي.(ورداً على المعارضة الواضحة للمشروع صرح الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، إذ قال: أن قيام الدرع الصاروخي الأمريكي يكون له إثار سلبية في الاستقرار الإقليمي، حيث أن الصين تخشى من دخول تايوان في منظومة الدرع الصاروخي؛ لأن ذلك سوف يعقد أو بالأحرى استحاله استرداد تايوان للصين).

    أن الدرع الصاروخي الأمريكي يعمل على الإخلال بالتوازن الإستراتيجي تحديداً مع روسيا والصين بشكل لا يمكن احتماله من قَبِل هاتين الدولتين، فمن ناحية عملية وفي حال استكمال تطبيقه يوفر للولايات المتحدة الأمريكية تفوقاً إستراتيجياً غير مسبوق على هاتين الدولتين تاركا إياهما مكشوفتي الظهر استراتيجياً إلى درجة انكشاف قصوى لم تصلاها في أقصى درجات التوتر في حقبة الحرب الباردة، إذ عبر استخدام هذا النظام تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية إسقاط أي صاروخ بالستي ينطلق إليها، نظرياً من روسيا والصين، في حين لا تستطيع أي من هاتين الدولتين إسقاط أي صاروخ أميركي من المستوى البالستي نفسه مالم ينطلقا في برامج تسلح متشابهة أي أنه في الوقت الذي تكون فيه الولايات المتحدة بمنأى عن أي هجوم صاروخي خارجي؛ لأنها تستطيع صده فإن بلدان العالم كافة تكون معرضة لأي هجوم صاروخي أميركي لأن أيا من دول العالم لا تمتلك قدرة الصد نفسها التي تمتلكها الولايات المتحدة وهذا وضع إستراتيجي مختل لم يحصل في أي وقت في العقود الماضية التي تلت الحرب العالمية الثانية.(

 

   ويمكن القول: إن البعد الاستراتيجي لمشروع الدفاع الصاروخي الأمريكي يعكس رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في ترسيخ الأنفراد الدولي باستخدام القوة، وأنه يشكل خللاً في التوازن الاستراتيجي لصالح الولايات المتحدة على حساب كل من: روسيا والصين، كما ان المشروع سوف يؤمن للولايات المتحدة تفوقاً واضحاً على خصومها، ويضعهم تحت المظلة الدفاعية والابتزاز الأمريكي هذا من جانب، ومن جانب أخر سيطلق هذا المشروع من جديد سباق التسلح مع كل من: روسيا والصين، إذ نرى: إنّ الموقف الروسي-الصيني الدرع الصاروخي هو: موقفاً يكاد يكون واحداً رافض المشروع، وأن قضية الدرع الصاروخي الأمريكي جعلت من العلاقات الروسية-الصينية في الجانب العسكري والأمني تقوى بشكل كبير، وكذلك ساعد الدولتين في الدخول في إطار تفاهمات استراتيجية وأمنية في ظل التطورات التي تشهدها الساحة الدولية.(

ثانياً: الإحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان:

    فرضت أحداث 11أيلول من العام 2001م، والتي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية أولويات مختلفة على التوجهات العامة لسياستها الخارجية، فقد أعطت الأولوية لمكافحة الإرهاب وبناء تحالف دولي لحصاره؛ لأن ذلك يساعدها على فرض هيمنتها وقيادتها على العالم، ويكون ذلك على حساب الصراع أو التنافس الاستراتيجي مع كل من: روسيا والصين، ففي بداية الامر كان هناك ترحيب واسع من قَبِل روسيا والصين في قضية مكافحة الارهاب مع الولايات المتحدة الأمريكية، والعمل المشترك من أجل حفظ السلم والاستقرار الدوليين.

   ويُعدّ الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان من بين المتغيرات العسكرية والأمنية الدولية التي كان لها أثر على النظام الدولي، لقد مثل التورط العسكري الأمريكي المباشر في العراق وأفغانستان عبئاً على فاعلية دورها، وبدت الإدارة الأمريكية كما لو أنها غارقة في تفاصيل مشهد سياسي لا يمكن ضبطه، هذا ما فرض تغييراً في التخطيط الاستراتيجي، بدأت معالمه تتضح في نهاية عهد الرئيس السابق(بوش) في العام 2007م، باعتماد(استراتيجية الحرب الوقائية)، ومن خلال ذلك أدركت الدول العظمى حقيقة التورط الأمريكي ونتائجه السلبية خصوصاً في العراق.

   أن تطورات الأحداث وإصرار الرئيس الروسي(بوتين)على تمايز دور بلاده، ووقوفه بوجه التفرد والهيمنة الأمريكية على العالم، أدت إلى إعلان معارضته الشديدة للغزو الأمريكي على العراق في العام 2003م، بدون ترخيص من مجلس الأمن، إذ صوتت كل من: روسيا والصين  بمجلس الأمن ضد القرار، وفي هذا الميدان نسقت روسيا سياساتها مع ما بدأ لها: أنه معارضة ألمانية-فرنسية للسياسة الأمريكية ضد تشريع العدوان إلى جانب الصين.

   إذ عُــــــــدّت كل من: روسيا والصين أن الاصرار الأمريكي على غزو العراق من طرف واحد سوف يعمل على إنهيار التحالف الدولي الموجه ضد قضية الارهاب، بحيث إستغلت روسيا ذلك لاستعادة مكانتها كفاعل دولي يستطيع ان يوازن الدور الأمريكي في محاور جغرافية عـــــــــــــدة.

    كما أن الحرب الأمريكية على أفغانستان أدت إلى إحداث تغيرات واسعة في التفاعلات الإقليمية في آسيا الوسطى، فقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية على خلق تحالفات استراتيجية في المنطقة: الأول/هو تحالف لا يمكن وصفه بالاستراتيجي، مثل تحالفها مع باكستان والصين، والثاني/تحالف استراتيجي مع اليابان والهند وإندونيسيا، حيث أصبح للوجود الأمريكي في أفغانستان تأثير ومردوداً مباشر على منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين، بمعنى: أن الوجود الأمريكي قد أحدث الكثير من التغيرات في الموازنات، والحسابات الخاصة بهذه المنطقة وثرواتها، حيث أدى ذلك الوجود الأمريكي بالدفع نحو إيجاد توازنات جديدة تهدف غالبيتها في معادلة المصالح الاقتصادية الجوهرية للولايات المتحدة الأمريكية وبالتأثير النفسي المتعلق بالهيمنة الأمريكية.

    ان الموقف الروسي الصيني من الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، وعلى الرغم من الدعم والموافقة على مكافحة الارهاب والتطرف، والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين، إلاّ انهّما دعوا إلى تسوية سياسية للمشكلة الأفغانية تحت رعاية الأمم المتحدة، ووضع جدول زمني للانسحاب من العراق، وأن السبب في ذلك يكمن في: المخاوف الروسية-الصينية من التمركز الأمريكي في منطقة آسيا الوسطى، والسيطرة على نفط بحر قزوين، والتغلغل داخل منطقة الشرق الأوسط.

 المتغيرات الاقتصادية الإقليمية والدولية:

   لا يتوقف تأثير البيئتين: الإقليمية والدولية في العلاقات الروسية-الصينية على تأثير المتغير السياسي أو العسكري والأمني، وإنما أثرت المتغيرات الاقتصادية فيها أيضاً، ويظهر لنا متغيرين بارزين في هذا المجال هما: الاتحاد الأوروبي والتنافس على منطقة بحر قزوين.

 

أولاً: الاتحاد الأوروبي:

   يُعدّ الاتحاد الاوروبي من أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم، وأكثرها إكتمالاً من حيث البنى والهياكل، ومن حيث الاستمرار في استكمال المسيرة التكاملية، فلا يكاد يمر حدث على المستوى الاوروبي إلاّ يؤكد: ان المسيرة الاوروبية تترك ورائها نزاعات تاريخية مريرة، وتتجمع حسب ما تمليه مصالحها المادية المتفاوتة، ويتحول الاتحاد الاوروبي بهذا المنظور إلى مجموعة دولية مهيمنة تتباين بصددها التنبؤات.

   ونظراً لأن الاتحاد الأوروبي يمتد على مساحة تصل إلى(4,767,203)مليون كم2 أي ما نسبته(20%)من مساحة العالم، ويمتد من جزر(غرين لاند) شمالاً إلى جزيرة(مالطا)جنوباً ومن جبال(الأورال) شرقاً الى المحيط الأطلسي غرباً، وبذلك وفر له امتداده المكاني تنوع في الموارد الاقتصادية، لاسيما أن الاتحاد الأوروبي أصبح قوة اقتصادية مهمة بعد أن ضم(27) دولة، وبلغ تعداد سكانه بنحو نصف مليار نسمة، وبهذا تميز الاتحاد الأوروبي بخاصية جيواستراتيجية مهمة تفتقر اليها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والصين وهي: وقوعه وسط العالم كجسر ما بين القارات، وان هذه العوامل بمجملها قد أثرت بصورة وبأخرى على مكانة الاتحاد الأوروبي بالسياسة الدولية.

    ان الاتحاد الأوروبي يوصف على أنه: عملاق اقتصادي، وأكبر قوة تجارية في العالم، وهذا يجعله ينافس مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين، حيث يسيطر الاتحاد الأوروبي على نحو(40%)من التجارة العالمية، إذ وصل قيمته نحو(9.145) ترليون دولار، بما شكل نسبة (27%)من الناتج العالمي في العام 2005م، مقارنة بالناتج القومي الأمريكي الذي وصلت قيمته نحو(10.601) ترليون دولار، بما شكل نسبة(30%)من الناتج العالمي للعام نفسه، وبذلك يأتي الاتحاد الأوروبي بالمرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية.(1) يُنظر إلى الشكل ادناه.

جدول(7) الناتج المحلي الإجمالي  في الاتحاد الأوروبي للمدة ما بين الأعوام(2000-2012) مقاس بالنسب المئوية:

الأعوام متوسط(1995-2004) 2005 2006 2007 2008 2009 2010 2011 2012
الناتج المحلي الإجمالي 2,6 2,3 2,3 3,2 0,5 -4,2 2,0 1,6 -0,2

الجدول من أعداد الطالب وبالاعتماد على:

1.دراسة استقصائية للأوضاع الاقتصادية والمالية العالمية، أفاق الاقتصاد العالمي، الواقع والمخاطر، ترجمة: (شعبة اللغة العربية أدارة التكنولوجيا والخدمات العامة)، صندوق النقد الدولي، أبريل2013، ص165-156.

2.أداء الاقتصاد الدولي، تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية2005، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، 2006، ص55.     

   وضمن التعاون المشترك بين روسيا والاتحاد الأوروبي يظهر ملف الطاقة كأساس في العلاقات، فروسيا عملاق نفطي يطرح بديلاً مهماً لنفط الشرق الأوسط بالنسبة لأوروبا، هذا ما اكده الرئيس الروسي: بأنّ روسيا هي دولة أورو-آسيوية، تنتمي إلى المجتمع الأوروبي ولها مصالح حيوية واستراتيجية مع الدول الأوروبية، ففي هذا المجال نرى: ان هناك العديد من المشروعات الروسية-الأوروبية المشتركة في مجال النفط والغاز الطبيعي، ومن أبرزها: مشروع أنبوب الشمال الأوروبي الروسي الألماني لنقل الغاز، وكذلك مشروع نقل الغاز الروسي عَبِرَ تركيا إلى أوروبا الجنوبية، حيث يُعدّ هذا المشروع المزود الرئيسي لأوروبا الجنوبية من الغاز والنفط الروسي، ففي هذا المجال نجحت روسيا في توظيف امدادات الطاقة لإعادة تفعيل مسارات استراتيجيتها الجديدة مع دول أوروبا والقارة الآسيوية، ولاسيما بعد وصول(بوتين).

    وقد آثار النفوذ النفطي المتزايد لروسيا في الأسواق الأوروبية حفيظة الاتحاد الأوروبي، حيث أعلن عن تقليص دور شركة(غازبروم)الروسية في إمداد أوروبا بالغاز، وذلك عن طريق اللجوء إلى مصادر أخرى من آسيا الوسطى والقوقاز وإيران، فقد أستخدم الاتحاد الأوروبي الأسواق البديلة في آسيا الوسطى والقوقاز وإيران كورقة ضغط على روسيا، وعلى الرغم من كل تلك المحاولات لتأثير على روسيا تبقى روسيا مارداً نفطياً يتزايد نفوذه على نحو ملحوظ في مناطق أوروبا وآسيا.كما تحاول روسيا تعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي ومحاولتها لانعاش الاقتصاد والتقارب معها، بذلك ارتبطت روسيا بالاتحاد الأوروبي بعلاقات تعاونية ومصالح حقيقية، ومنها التوسع في مجال التبادل التجاري، والتوسع في الاستثمارات المتبادلة، اذ شكل رأس المال الأوروبي(75%)من مجموعة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في روسيا، كما يعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريكاً تجارياً لروسيا حتى استأثر بنحو(51%)من الصادرات الروسية و(46%)من مجموع وارداتها في العام 2004م.

   أما بخصوص العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والصين، وتأثيرها على العلاقات الروسية-الصينية، فهي علاقة ذات طابع متميز، إذ يرى الاتحاد الأوروبي: ان التطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الصين أمر هام للغاية بالنسبة لأوروبا، وأن الاتحاد الأوروبي يرغب في تسوية المشاكل في التعاون التجاري بين الجانبين من خلال الحوار والتشاور، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي مستعد لتعزيز التعاون مع الصين في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية, هذا وقد شهدت العلاقات التجارية الصينية الأوروبية تطورا سريعا في السنوات الأخيرة حيث أصبح الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للصين في العامي(2004-2005)، أما الصين فقد أصبحت ثاني أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، وتجاوز إجمالي قيمة التبادلات التجارية بين الجانبين في العام 2006م، إلى نحو(210)مليار دولار أمريكي.

   ان الصين تعول دائماً على أهمية وتطوير علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، فهي تأمل أن يؤدي الاتحاد الأوروبي دوراً إيجابياً في حفظ السلام العالمي، وتعزيز التعاون بين الشمال والجنوب والتنمية المشتركة، حيث ترغب الصين في تطوير شراكة ثابته وبناؤه وطويلة الأمد مع الأتحاد الأوروبي على أساس الاحترام المتبادل، والمساواة والمنفعة المتبادلة، حيث يُعدّ الأتحاد الأوروبي ثالث أكبر شريك تجاري وشريك مهمة في مجال الاستثمار للصين.

    أما الموقف الصيني من توسع الاتحاد الأوروبي فهي أعربت عن أن يكون التوسع مقيد للسلم والاستقرار والرفاهية في أوروبا، بحيث يخدم التعاون المشترك المثمر بين الدول الأعضاء وغير الأعضاء بما فيهم الصين.

   ويلاحظ: ان التكتل الاقتصادي الاوروبي يتخذ استراتيجية هجومية تجاه الاقتصاد العالمي، ويسعى بكل قوة الى أن يكون على رأس الشكل الهرمي للنظام الاقتصادي العالمي الجديد، ويمكن أن نتلمس ذلك بوضوح من خلال أهداف هذا التكتل، والتي وأن كانت تركز على تقوية الهياكل والبنى الاقتصادية للاتحاد إلاّ أنهّا تنص وبشكل صريح على: سعي الاتحاد الاوروبي على أن يلعب دوراً أكثر فاعلية في كافة المجالات العالمية الاقتصادية، بل وحتى السياسية، هذا ما يدعم فرضية الترابط بين ظاهرة تنامي التكتلات الاقتصادية، وما يشهده العالم من عولمة اقتصادية على جميع الاصعدة.

    لقد أدركت كل من: روسيا والصين أنه ليس هناك خيار قبالهم سوى التمسك بالاتحاد الأوروبي من أجل تحقيق الأمن والاستقرار وانعاش اقتصادهما وإعادة مكانتهم وهيبتهم الدولية، خاصة بعد الأزمة التي ضربت الاقتصاد العالمي في العام 2008م، وما نتج عنها تخبط وضعف وانحلال في أغلب بلدان العالم، على الرغم من أن تأثير الأزمة على روسيا والصين كان بدرجة أقل مما كان عليه كل من: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوروبي وبقه الدول العالم، لاسيما ان القيادة الروسية والصينية باتت مدركة: أن أوروبا لديها الحلول القادرة على دعم روسيا والصين في القضايا المحلية والدولية وخاصة الاقتصادية منها، وبغية تحقيق ذلك فإنّ روسيا انتهجت سياسة خارجية متعددة الاتجاهات وتطوير علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي على أساس ثنائي، إذ عملت على توقيع اتفاقيات اقتصادية في سبيل تعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية والتي سوف تنعكس على الروابط السياسية والعلاقات الروسية–الأوروبية بمجملها.

ثانياً: التنافس على منطقة بحر قزوين:

   بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق، وانفراط عقد الجمهوريات التي كانت تشكله، وبروز جمهوريات جديدة على المسرح الدولي، وبخاصة تلك الواقعة في آسيا الوسطى والقوقاز، ظهرت أهمية بحر قزوين كمركز جذب ونزاع إقليمي بالنسبة الى الدول المحيطة، وواحدة من مراكز النزاع الدولية بالنسبة إلى دول أبعد، وذلك بسبب ما يحتويه هذا البحر من موارد وثـروات متنـوعة للطاقة، تسعى دول العالم الفاعلة للحصول عليها، لما لها من أهمية بالنسبة إلى اقتصـادات هـذه الدول وأمنها الاستراتيجي والاقتصادي، حيث يرتكز الصراع أساساً حول ثروات بحر قزوين التي يأتي في مقدمتها: النفط والغاز، ويعد بحر قزوين أكبر مسطح مائي مغلق على سطح الأرض، وتحيط به روسيا وإيران وكازاخستان وتركمانستان وأذربيجان ويبلغ طولة نحو(10224)كم2، وبمساحة كلية تصل إلى نحو(436)كم2، ويبلغ متوسط عمقه نحو(180) متراً.

   وبدأ يكتسب هذا الإقليم الجغرافي اهتماماً واسعاً من المجتمع الدولي في ضوء الأوضاع التي شهدها العالم منذ العام 1991م، فقد كشف تفكك الاتحاد السوفيتي عن واحدة من المناطق المهمة في مجال الطاقة، وتشير التقديرات إلى أن منطقة بحر قزوين تحتوي على ما يقارب من (250)مليار برميل من النفط القابل للاستخراج، كما تقدر كمية الاحتياطي المحتملة بأكثر من (200)مليار برميل، وتعد الدول المتشاطئة لبحر قزوين، والتي كانت جزاءً من الاتحاد السوفيتي السابق محور اهتمام الشركات العاملة في البحث والتنقيب واستخراج النفط والغاز.              

   وتُعدّ منطقة بحر قزوين منطقة تنافس وصراع بين عدة دول من أجل النفوذ، ولا يتوقف الأمر على ثروات المنطقة فحسب، بل هناك تنافس وصراع من أجل السيطرة على مسارات خطوط الأنابيب من حوض قزوين إلى الأسواق العالمية، وكذلك لا تمثل خطوط الأنابيب لروسيا مصدراً للدخل فحسب، بل تؤمن لروسيا قبضة محكمة تجاه الجمهوريات السوفيتية السابقة، والواقعة إلى الجنوب منها، وهذا هو بالضبط سبب تصميم الولايات المتحدة الأمريكية على إزالة سيطرة روسيا على تدفق الطاقة.

  حيث اكتسبت منطقة بحر قزوين مكانة مهمة في الادراك الاستراتيجي الأمريكي، خاصة بعد أحداث 11أيلول من العام 2001م، وذلك عن طريق: تعزيز التحالفات الأمنية في المنطقة، ومنع بروز قوة منافسة للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة(روسيا-الصين)، وكذلك إمكانية التحكم بمسارات أنابيب الطاقة من حوض بحر قزوين إلى الأسواق العالمية في إطار إستراتيجية التنافس الدولي والإقليمي للسيطرة على المنطقة، أيجاد التوازن بين منطقة بحر قزوين ومنطقة الخليج العربي بحيث لا تعود منطقة الخليج العربي تتمتع بالمزايا الإستراتيجية الراهنة مع ضمان تدفق نفط بحر قزوين إلى العالم عن طريق أيدي أمريكية، وتزداد أهمية هذه المنطقة إذا ما علمنا التقديرات الأمريكية الخاصة باحتياطي النفط الخاص بها، والتي تفوق تقديرات منظمة الطاقة الدولية لتصل إلى(200)مليار برميل، ولعل ذلك يفسر الاهتمام الأمريكي المتزايد بالمنطقة قبل وبعد أحداث 11أيلول 2001م،  فإلى جانب الدول الخمس المطلة على ذلك البحر الضيق تدخل دول أخرى من خارج المنطقة تحاول السيطرة على موارد تلك المنطقة من خلال التعامل مع تلك الدول من جهة، وتغذي خلافاتها من جهة أخرى بصورة تضمن بقاء مصالحها في بحر قزوين وآسيا الوسطى والقوقاز كلها، وتعد الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا أهم هذه الأطراف، فضلاً عن عدد من الدول الأوروبية التي تعاني نقصاً حاداً في مصادر الطاقة.

     أن الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من بُعدها عن المنطقة ومجازفتها بصون التعددية الجيوسياسية في أورآسيا ما بعد العهد السوفيتي، فهي تلوح في الخلف بوصفها لاعباً مهماً بشكل متزايد إن لم يكن لاعباً مباشراً، مهمته بوضوح ليس تطوير موارد المنطقة وحسب، بل أيضاً منع روسيا من الهيمنة وحدها على الساحة الجيوسياسية للمنطقة.

  كما ان دخول الولايات المتحدة الأمريكية إلى أفغانستان في أعقاب أحداث 11/أيلول من العام 2001م، ثم دخول حلف الناتو لم يكن فقط للقضاء على الإرهاب كما هو معلن فقط، بل ثمة هدف خفي آخر، هو: نصب المزيد من الصواريخ، في جمهوريات آسيا الوسطى، المتاخمة لحدود روسيا الجنوبية، وفي كازاخستان، المُتاخمة للحدود الصين الغربية، ومن ثم محاصرة كل من: روسيا والصين، والاقتراب من الهند، وإيران، والسيطرة على طُرق نفط بحر قزوين.

   ولا يتوقف الأمر على ذلك، أنما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة والنفوذ على المنطقة، وأن تلك السيطرة تتم في إطار استراتيجيتين: الأولى/تعمل على منع اشتراك إيران في أي مشروع نفطي، والثانية/تقويض الدور الروسي المتزايد اقتصادياً وسياسياً في المنطقة، وهو ما يعكس ازدياد معدلات إهتمام السياسة الخارجية الأمريكية بمنطقة بحر قزوين والقوقاز في العقدين الأخيرين.

     أما بالنسبة لروسيا فأنها تُعدّ منطقة بحر قزوين ذات أهمية كبيرة، لأن لروسيا مصالح جيو-استراتيجة تتمثل بـــــــــــــ: رغبة البقاء  قوية في المنطقة عن طريق التقارب مع دول الكومنولث المستقلة التي كانت في السابق جزءاً من الاتحاد السوفيتي، فضلاً عن تأمين جناحها الجنوبي، أن روسيا قلقة بشأن تحالف الولايات المتحدة الأمريكية وأذربيجان وتركيا، حيث تنظر إلى هذا التكتل على أنه موجه بالدرجة الأولى ضد نفوذها في منطقة بحر قزوين، وإعاده توجيه المصالح الاقتصادية لدول الكومنولث المستقلة باتجاه الاستثمارات الأمريكية والغرب بوجه خاص.

  وتأتي في مقدمة الأهداف الاستراتيجية لروسيا في بحر قزوين هي: ضمان الاحتياطي النفطي اللازم لمسيرة التنمية الاقتصادية، خاصة أن حصتها من الميزان النفطي الاحتياطي العالمي ما يمثل(1.5%)إلى(4%)من الاحتياطات العالمية النفطية، فضلاً عن احتياطات الغاز الطبيعي ما يمثل(6%)إلى(7%)من الاحتياطات العالمية للغاز، مما يفرض عليها إيجاد خطوات أكثر فعالية لتأمين حقول النفط والغاز، وكذلك مواجهة التدخل الغربي الذي يعمل على ضمان ما يسمى بـــــــــــــــ(أمن الطاقة الأوروبي المستقبلي)، وأيضاً تعمل على مواجهة المشروع التركي الذي يتمدد على الحدود الشمالية الإيرانية، مما يمثل تهديداً فعلياً لحليف روسيا في منطقة القوقاز-إيران، ومواجهة الولوج الأمريكي للمنطقة عن طريق الحليفة الاستراتيجية لها(أذربيجان)التي استولت على أكثر أجزاء بحر قزوين غنى بالنفط دون أن يتم التنسيق بينها وبين الدول الأخرى.

   أما بالنسبة للصين ودورها في منطقة بحر قزوين، فإنّ من أولى اهتماماتها في تلك المنطقة هي: الاستثمار، حيث انها تشترك معها بحدود طويلة خاصة مع كازخستان التي تعدّ البوابة الرئيسة للصين في منطقة بحر قزوين، إذ نرى أن هناك اتفاقيات مشتركة بين الصين ودول المنطقة في مجال الاستثمار وغيرها من المجالات الأخرى.

    ويبدو أن الصين لديها ثلاثة أهداف واسعة النطاق في منطقة بحر قزوين التي ترتبط بمصالحها في آسيا الوسطى وهي

أولاً: توفير الأمن للمنطقة، وإرساء الاستقرار في اقليم سينكيانغ.

ثانياً: الوصول إلى الموارد الطبيعية.

ثالثاً: توطيد النفوذ السياسي لكي تصبح ذات هيمنة إقليمية من خلال إطار العمل السياسي لــــــــــــ(منظمة شنغهاي للتعاون).

   ومما سبق يلاحظ: أن منطقة بحر قزوين قد أثرت على العلاقة ما بين كل من: روسيا والصين، حيث تُعدّ روسيا هذه المنطقة على وفق الفكر الاستراتيجي الروسي أمناً قومياً، لكونها تمثل خاصرة روسيا، كما أنها تمثل مورداً اقتصادياً كبيراً للدولة الروسية.

   ولذلك فإنّ البُعد القانوني لبحر قزوين يتمثل في أن روسيا تحاول أن تكون المنطقة إقليمية بحتة، يتم التوافق على حلها عن طريق إتفاقيات ثنائية تؤمن السيطرة على هذه المنطقة ودون السماح لأية قوة خارج الإقليم أن تتدخل وتفرض واقعاً قانونياً على هذه المنطقة، وهو ما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية استثماره عن طريق شركاتها وعبر توقيع اتفاقيات ثنائية مع الدول المتشاطئة لتتمكن من النفاذ إلى المنطقة، ولذلك: فقد اندفعت شركات النفط الأمريكية لاستثمار مليارات الدولارات في كل من: أذربيجان وكازاخستان بصورة كبيرة، وتمكنت الولايات المتحدة الأمريكية بإستخدام نفوذها السياسي من النفوذ بنصيب الأسد في حقول أذربيجان، وبذلك خرقت البعد القانوني سياسياً.

    أما بخصوص تأثير منطقة بحر قزوين في العلاقات الروسية-الصينية، نرى: أن تلك المنطقة تمثل متغيراً اقتصادياً مؤثراً في العلاقات الدولية بصورة عامة، والروسية-الصينية بصورة خاصة، حيث تركز اهتمام العديد من القوى الإقليمية والدولية منذ عدة سنوات على منطقة بحر قزوين التي تكون جوهر منطقة قلب أورآسيا، وظهرت تحركات دولية وإقليمية واسعة النطاق تجاه هذه المنطقة، إدراكاً من القوى المنافسة لأهمية المكاسب التي ستجنيها من سياساتها فيها، فإلى جانب الأهمية الاقتصادية التي تتمتع بها المنطقة، فهي تتمتع أيضاً بأهمية جيوستراتيجية مؤثرة في التوازنات الإقليمية والدولية، حيث لكل قوة من القوى الدولية المتنافسة رؤيتها الخاصة بها تجاه المنطقة.

       في نهاية هذا الفصل، تبقى المتغيرات تؤثر في نمط أي علاقة تحدث في الساحة الدولية، ولكن توجد فوارق بين تأثير كل متغير من المتغيرات السابق المذكورة على العلاقة بين الدولتين سواء أكانت علاقة تعاون أم تنافس، وبعد دراسة المتغيرات المؤثرة في العلاقات الروسية-الصينية، ينبغي للباحث فهم: كيفية تأثير تلك المتغيرات على العلاقة بين الدولتين، خاصة واننا ندرس علاقة بين دولتين لهما تاريخ مهم في العلاقات الدولية، وتربطهما حدود ومصالح مشتركة سواء أكانت تلك المصالح على الصعيد الداخلي أم على الصعيدين: الإقليمي والدولي.

    ومما تقدم تبين لنا: أن المتغيرات التي تحدث في الساحة الدولية سواء أكانت في بيئتها الداخلية المتمثلة بالمتغيرات التاريخية أم الاقتصادية أم العسكرية والأمنية أم الثقافية والحضارية، هي لها تأثير مباشر على العلاقة بين روسيا والصين، فضلاً عن تأثير المتغيرات الإقليمية والدولية، بالشكل الذي قد يدفع بالعلاقة نحو التعاون أو التنافس وفق مقتضيات تأثير تلك المتغيرات.

* رسالة ماجيستير بعنوان العلاقات الروسية – الصينية لفترة 2000-2012، من اعداد الباحثة سداد نوري جاسم العيساوي – جامعة النهرين – العراق

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M