بين المراوحة والإصلاح: الاتجاهات المستقبلية للاقتصاد المصري في ضوء مؤشرات الربع الأول من عام 2023

من المقرر أن يبدأ البرلمان المصري في شهر مايو الجاري مناقشة مشروع موازنة العام المالي الجديد 2023-2024 المقدَّم من الحكومة، في وقت لا يزال الاقتصاد المصري يعاني مشكلات هيكلية تَفاقَمت مؤشراتها خلال الربع الأول من عام 2023، في ظل وجود حالة من الضبابية واللايقين بشأن سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري، بالتوازي مع نشر بعض المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية تقارير يغلب عليها التشاؤم حول مستقبل الاقتصاد المصري، فاقمت أيضاً من حالة اللايقين بشأن موقف برنامج الطروحات الحكومية الذي يعد أحد العناصر الأساسية التي كان مخططاً الاعتماد عليها في سد الفجوة التمويلية التي تواجه الحكومة المصرية.

 

ترصد هذه الورقة واقع المشهد الاقتصادي المصري خلال الربع الأول من عام 2023 من خلال عرض أبرز المحددات الأساسية الخاصة بهذه الفترة، مع إبراز أهم المؤشرات الإيجابية والسلبية المرتبطة بحالة الاقتصاد، وطرح السيناريوهات المتوقعة للاقتصاد المصري على المدى القريب.

 

المحددات الخاصة بالاقتصاد المصري خلال الربع الأول من 2023

1. تبايُن مستهدفات مشروع موازنة العام المالي الجديد 2023-2024: من المتوقع أن تبلغ جملة إيرادات موازنة العام المالي 2023/2024 حوالي 2 تريليون جنيه، في حين ستبلغ جملة إيرادات الموازنة الحالية نحو 1.6 تريليون جنيه. والمتوقع أن يكون إجمالي المصروفات في موازنة العام الجديد 2023/2024، 2 تريليون و838 مليار جنيه، فيما كان إجمالي المصروفات في الموازنة الحالية حوالي 2 تريليون و235 مليار جنيه، ما يعني زيادة الإيرادات وزيادة المصروفات في الوقت نفسه، بفعل انخفاض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار وليس نتيجة حصول زيادة حقيقية في الأنشطة الإنتاجية.

 

من ناحية أخرى، من المتوقع أن تبلغ الاستثمارات العامة خلال العام المالي 2023/2024 حوالي 512 مليار جنيه، فيما كانت في العام الحالي 376 مليار جنيه، ومن المستهدف أن تصل تحويلات المصريين بالخارج إلى 34 مليار دولار خلال 2023/2024، مقارنة بـ 32 مليار دولار في موازنة العام الحالي، وأن تصل الأجور إلى 470 مليار جنيه في موازنة العام الجديد مقارنة بالموازنة الحالية البالغة 400 مليار جنيه، ومن المستهدف أن تصل الصادرات المصرية لـ 76 مليار دولار خلال 2024/2023 مقارنة بـ 52 مليار دولار فقط في الموازنة الحالية.

 

2. عدم إجراء تحرير حقيقي لسعر صرف الدولار مقابل الجنيه: فقد ظلت الدولة تحاول، وإن بشكل غير معلن، تثبيت سعر الجنيه عند حدود الـ 30 جنيهاً للدولار، في مقابل ارتفاعه في السوق الموازية، وفي تداولات العقود الآجلة، إذ تشير الفجوة بين السوق الموازية وتداولات العقود الآجلة للجنيه المصري في الأسواق الدولية إلى إجراء تحرير حقيقي لسعر الصرف الرسمي، ما يعني احتمالية حدوث خفض رابع لقيمة العملة خلال الربع الثاني من عام 2023؛ فقد تراجع سعر الجنيه المصري مقابل الدولار في العقود الآجلة لمدة 12 شهراً بنسبة 5% ليصل إلى 42.9 جنيهاً مقابل الدولار، وذلك مقابل السعر الرسمي في البنوك المصرية البالغ حالياً 30.9 جنيهاً.

 

3. التعثُّر في صرف الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي: كان من المخطط أن تتم المراجعة الأولى لبرنامج قرض صندوق النقد الدولي المقدم لمصر، البالغ 3 مليارات دولار، بحلول مارس 2023 من أجل صرف الشريحة الثانية من القرض، إلا أن الصندوق أرجأ المراجعة وربطها بتحقيق تقدم في السياسات النقدية الخاصة بسعر الصرف، وتفعيل برنامج الطروحات الحكومية. ومن المقرر أن يناقش المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي قرار الموافقة على المراجعة الأولى في يونيو 2023، وفي حالة عدم الانتهاء من المراجعة الأولى بحلول ذلك الوقت من المتوقع دمجها مع المراجعة التالية المقرر إجراؤها في سبتمبر 2023، لكن ذلك يعني عدم صرف الشريحة الثانية التي تحتاج إليها مصر حالياً، والبالغ قيمتها 354 مليون دولار.

 

4. تعثُّر برنامج الطروحات الحكومية: فبعد أن حُدِدت 32 شركة من شركات القطاع العام لفتحها أمام مساهمة القطاع الخاص، لم يُعلَن عن أية صفقات خاصة ببرنامج الطروحات، وهو ما يُمكن إرجاعه إلى غياب التوافق بين الحكومة والمؤسسات والصناديق السيادية الراغبة في الاستثمار نتيجة موقف الحكومة المُصِرّ على بيع الأصول بفرق سعر أكبر من أسعار السوق، في حين ترى الصناديق الاستثمارية أن القيم المطروحة أعلى بكثير من القيم الحقيقية نتيجة فروقات سعر صرف العملة وارتفاع المخاطر المرتبطة بالاستثمار. ويُفسِّر بعض المحللين ذلك بأن ملف الطروحات الحكومية ذاته لم يكن على درجة عالية من الاكتمال، بدليل ظهور بعض الصعوبات والعقبات المرتبطة بمشكلات هيكلية وتنسيقية بين الجهات الحكومية نفسها، ما دفع رئيس الوزراء المصري للإعلان عن تعيين استشاري دولي لمساعدة الحكومة المصرية في برنامج الطروحات مع بنوك الاستثمار العالمية، في الوقت الذي أعلن عن عزم الحكومة إتمام طروحات بمبلغ ملياريّ دولار بنهاية يونيو 2023، وهو أمر في غاية الصعوبة على المستوى الفني نتيجة حاجة هذه الطروحات لمرحلة زمنية أطول من المستهدف.

 

المؤشرات الإيجابية 

1. تكثيف الجهود والتعهدات الحكومية في المجال الاقتصادي، ومحاولة جذب الاستثمارات الأجنبية: فبالتزامن مع إعلان رئيس الوزراء المصري بنهاية أبريل 2023 أن مصر “لم ولن” تخفق في سداد أي من التزاماتها الدولية، وإعطاء إشارة إيجابية للمؤسسات الدائنة بعزم الحكومة المصرية الحصول على تمويلات من برنامج الطروحات الحكومية قبل نهاية النصف الأول من عام 2023، أعلنت الحكومة المصرية عن إطلاق المرحلة السادسة من برنامج دعم الصادرات، والتي تخطط من خلالها لسداد نحو 10 مليارات جنيه من الدعم المتأخر للمصدرين، فيما أصدر الرئيس المصري في أبريل 2023 قراراً جمهورياً بتشكيل المجلس الأعلى للاستثمار بهدف إزالة العقبات أمام الاستثمارات الجديدة وتسريع منح التراخيص للمساعدة في حشد الاستثمارات الأجنبية والمحلية.

 

وعلى مستوى تحسين البيئة المؤسسية والتشريعية، وافق مجلس الوزراء في نهاية أبريل 2023 على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر المتعلقة بالتمويل المقدم إلى المشروعات من قبل جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مع السماح بإمكانية استخدام التمويل المقدم من الجهاز كضمان للاستفادة من أشكال التمويل الأخرى، بما في ذلك القروض البنكية. وفي ذات التوقيت، أجرى رئيس الوزراء المصري محادثات مع الرئيس التنفيذي لصندوق أبو ظبي للثروة السيادية بشأن ضخ استثمارات جديدة في عدد من القطاعات والفرص الواعدة بمصر، كما أعرب رئيس الوزراء الياباني خلال زيارته لمصر في أواخر أبريل عن اهتمام بلاده بتعزيز وجودها في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، مؤكداً اهتمام المستثمرين اليابانيين بالاستثمار في مصر، ونية الوكالة اليابانية للتعاون الدولي تقديم حزمة تمويلية بقيمة 733 مليون دولار لمصر من أجل تمويل إنشاء الخط الرابع لمترو الأنفاق، في حين تسعى الحكومة المصرية للتنسيق مع شركة تويوتا اليابانية لدراسة إنشاء مصنع للسيارات في مصر ضمن خططها لتدشين مصنعين لها في القارة الأفريقية، بحيث تصل الطاقة الإنتاجية لكل مصنع إلى حوالي 100 ألف سيارة سنوياً.

 

2. ارتفاع نمو بعض القطاعات الاقتصادية: فقد ارتفعت نسب إشغال الفنادق المصرية بنحو 25% على أساس سنوي في الربع الأول من العام الجاري، بفضل زيادة عدد السياح الوافدين من الأسواق الجديدة وانخفاض قيمة الجنيه، فيما ارتفعت إيرادات قطاع السياحة بأكثر من 50% على أساس سنوي لتصل إلى 9 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، وتتوقع وزارة السياحة استقبال 15 مليون سائح هذا العام، بزيادة 28% عن العام الماضي.

 

3. تكثيف جهود حل أزمة تكدُّس السلع في الموانئ: أكد وزير المالية المصري أنه تم الإفراج الجمركي عن سلع وبضائع ومنتجات مستوردة في مختلف الموانئ والمنافذ الجمركية المصرية بقيمة 23 مليار دولار منذ يناير 2023 وحتى نهاية أبريل 2023، عبر تسريع وتيرة الإفراج الجمركي وتيسير الإجراءات، مع منح الأولوية للسلع الأساسية، ومكونات التصنيع الغذائي، والأدوية ومستلزمات الإنتاج، حيث بلغ المتوسط الشهري للإفراج عن السلع بالمنافذ الجمركية إلى 5 مليار دولار.

 

المؤشرات السلبية

1. انتقادات دولية لبطء مسار الإصلاح الاقتصادي: يرى البنك الدولي أن مسار الإصلاح الاقتصادي في مصر يسير بشكل بطيء رغم الحاجة الملحة إلى تسريع وتيرة العمل من أجل تجنُّب حدوث صدمات أكبر في المرحلة المقبلة، فيما أشارت صحيفة الفايننشال تايمز إلى التأخيرات الواضحة في تأمين الاستثمارات التي تعهَّدت بها دول الخليج لمصر نتيجة عدم المضي قدماً في الإصلاحات المخطط لها مسبقاً. وبدورها، أكدت وكالة “موديز” أن التأخر في إحراز تقدم بشأن برنامج بيع الأصول يُسهم في تزايد المخاطر السلبية لقدرة مصر على الوفاء بديونها ومخاطر استدامة الدين لديها، وفي السياق ذاته أعرب عدد من قادة الأعمال في مصر عن شكوكهم بشأن خطط الحكومة لتقليص دورها في اقتصاد البلاد.

 

2. تخفيض توقعات النمو الاقتصادي: قلَّص صندوق النقد توقعاته لنمو الاقتصاد المصري، إذ توقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي في مصر إلى 3.7% بنهاية عام 2023، بانخفاض كبير عن معدل النمو البالغ 6.6% في عام 2022، ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 4% خلال العام المالي الجاري 2023/2022، وفقاً لمتوسط توقعات المحللين والاقتصاديين في استطلاع أجرته وكالة رويترز في أبريل 2023.

 

3. ارتفاع مخاطر الديون المصرية: سجَّل الدين الخارجي لمصر ارتفاعاً قياسياً في الربع الثاني من العام المالي 2023/2022، بعد ربعين ماليين من التراجع، حيث ارتفع الدين الخارجي بنحو 5.1% على أساس ربع سنوي إلى 162.9 مليار دولار في الربع الممتد من أكتوبر إلى ديسمبر 2022، صعوداً من 154.9 مليار دولار في الربع الأول من العام المالي ذاته، فيما خفَّضت وكالة ستاندرد أند بورز في نهاية أبريل 2023 نظرتها المستقبلية للديون المصرية من مستقرة إلى سلبية، مع التحذير من مخاطر عدم القدرة على تلبية احتياجات البلاد التمويلية الخارجية نظراً لعدم تحقيق تقدُّم في برنامج الطروحات الحكومية، وفي الإصلاحات الاقتصادية. ومن ناحية أخرى، خفَّضت الوكالة نظرتها المستقبلية لكلٍّ من البنك الأهلي المصري، وبنك مصر، والبنك التجاري الدولي من مستقرة إلى سلبية في نهاية أبريل 2023. وقد زادت تكلفة التأمين ضد التخلف عن سداد الديون السيادية في الأشهر الـ12 المقبلة إلى مستوى قياسي، ويجري تداول حوالي 86% من أوراق مصر المالية الخارجية القائمة بهامش 1000 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأمريكية، وهو الحد الأدنى للديون التي تُعدّ مُتعثِّرة.

 

4. وقف التوسع في الاستثمارات القائمة من جانب بعض المستثمرين المحليين والعرب: فقد حدث عزوف من بعض المستثمرين المحليين عن ضخ استثمارات جديدة توجساً من حالة عدم اليقين في السوق والتغيرات المتلاحقة في أسعار السلع، بالإضافة لتخطيط بعض المستثمرين للتوسع في استثماراتهم خارج السوق المصرية إلى أسواق أخرى عربية، نتيجة لضبابية الموقف الخاص بسعر صرف الجنيه، وطريقة خروج الأرباح من السوق، ما قد يؤثر على حجم القطاع الخاص في الاقتصاد الكلي، الذي انخفض فعلياً من 62% إلى 21% خلال السنوات العشر الماضية وفقاً لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

 

5. انخفاض بعض العوائد المالية من قطاعات رئيسة: حيث انخفض إنتاج الغاز من حقل ظهر العملاق بنسبة 11% على أساس سنوي إلى 2.5 مليار قدم مكعب في اليوم نهاية عام 2022، وقد أدى التراجع إلى خسائر في إجمالي إنتاج مصر من الغاز، الذي انخفض إلى أدنى مستوى له في 28 شهراً عند 6.1 مليار قدم مكعب يومياً في فبراير 2023، بتراجع 7% على أساس سنوي، لكن صادرات الغاز الطبيعي المسال ظلت مستقرة بفضل واردات الغاز الإسرائيلي.

 

6. تزايُد أزمة الاحتياطيات الأجنبية: إذ تكمن المشكلة في عدم توفر مقدار كافٍ من العملات الأجنبية نتيجة زيادة الطلب عليها بسبب زيادة فاتورة الواردات التي سجلت 90 مليار دولار سنوياً، مقابل فاتورة الصادرات التي لا تزيد على 45 مليار دولار، وهو ما يُعمِّق عجز الميزان التجاري المصري، فيما انخفض صافي الأصول الأجنبية في مصر بنسبة 7.3% على أساس شهري إلى 755 مليار جنيه في مارس، ويرجع ذلك إلى انخفاض صافي الأصول الأجنبية للبنوك التجارية بنسبة 13.2%.

 

7. استمرار ارتفاع معدلات التضخم: لا تزال معدلات التضخم في مصر في ازدياد؛ وعلى رغم اتجاه وزارة التموين المصرية إلى رفع أسعار جميع السلع المدعمة لحاملي البطاقات التموينية بهدف خفض فاتورة الدعم وخفض التكاليف، تُثار مخاوف من زيادات جديدة في معدلات التضخم مع قيام الحكومة برفع أسعار بعض السلع الأخرى. وقد اقترب معدل التضخم من أعلى مستوى له على الإطلاق في مارس 2023 عندما سجل 32.7%، مقارنة بمعدل 31.9% في فبراير 2023.

 

السيناريوهات المتوقعة

يتجه الوضع الاقتصادي المصري في ظل المؤشرات السابقة إلى مزيد من اللايقين فيما يتعلق بالآفاق المستقبلية الخاصة بمؤشرات الاقتصاد الكلي، أو مدى قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها، والنجاح في الحصول على الشرائح المتبقية من قرض صندوق النقد الدولي، ويبقى الاختبار الحقيقي ماثلاً في التعهُّد الأخير للحكومة المصرية بالقدرة على تنفيذ طروحات بقيمة 2 مليار دولار قبل نهاية يونيو 2023، وهو ما يعني إمكانية أن يشكل ذلك انطلاقة ناجحة لبرنامج الطروحات بما يُمكِن الحكومة من السير في باقي مراحل البرنامج من أجل توفير التمويل المطلوب لسد الفجوة التمويلية، والتي لا يُمثل فيها قرض صندوق النقد الدولي سوى نسبة صغيرة. وهناك عدد من المحددات التي يتوقف عليها مدى إمكانية حدوث السيناريوهات المستقبلية التي ستناقشها الورقة أدناه من عدمه، أهمها:

 

  • موقف الأطراف الداعمة من تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، والسياسات الاقتصادية الحكومية الحالية.
  • التقلبات المرتبطة بالاقتصاد العالمي.
  • الظروف الدولية المتغيرة.
  • مدى جدية الحكومة في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي وإحداث التنسيق والتعاون اللازمين بين الوزارات والجهات الحكومية المختلفة.

 

وفي إطار هذه المتغيرات، يُمكن طرح ثلاثة سيناريوهات متوقعة، على النحو الآتي:

 

السيناريو الأول، استمرار الحكومة المصرية في نفس السياسات الاقتصادية والمالية الحالية، بما يعني استمرار الدفاع عن سعر صرف الجنيه وإقرار تعويم شكلي وليس حقيقي للعملة المصرية، وعدم الوضوح بشأن خطة برنامج الطروحات أو طريقة سد الفجوة التمويلية، وهو ما قد يُنذِر بخطر التخلف عن سداد الديون.

 

السيناريو الثاني، القيام بتعديل جذري في السياسات الاقتصادية الحالية، بحيث يتم تبني سياسات تلائم برنامج الإصلاح عبر إقرار تحرير حقيقي لسعر صرف العملة المصرية، والمضي قدماً بفاعلية في برنامج الطروحات الحكومية.

 

السيناريو الثالث، القيام بتعديل جزئي ومحدود في السياسات الاقتصادية، لمواجهة الضغوط الاقتصادية الداخلية والدولية، وارتفاع التضخم، وخروج الاستثمارات الحالية، وعدم القدرة على جذب استثمارات جديدة؛ وهو الأمر الذي قد يؤجل الأزمة ولا يحلها تماماً أو يتعامل معها بفاعلية، وقد يتم ذلك التعديل من خلال تحريك لسعر صرف الجنيه ليقترب من القيمة الموجودة في السوق الموازية ثم العودة للدفاع عنه من جديد، والمضيّ قدماً في بيع بعض الأصول دون تنفيذ برنامج طروحات شامل حقيقي، والوفاء بالتزامات بعض الديون مع الاستمرار في الاعتماد على السندات الدولية بوصفها أداةً لتمويل الفجوة التمويلية.

 

ويبدو أن السيناريو الثالث هو الأكثر ترجيحاً في ظل السياسات الحالية التي تنتهجها الحكومة المصرية، وقدرة الدولة على تأمين جزء كبير من تعهداتها على المدى القريب. كما أن توقُّف برنامج الطروحات الحكومية قد يؤثر في توجه المستثمرين تجاه السوق المصري، ويُحدِث مشكلات في توفير السيولة من النقد الأجنبي، ما قد يرفع التوقعات بمزيد من انخفاض قيمة الجنيه وارتفاع التضخم، وزيادة الضغط على سعر الفائدة الحالي.

 

خلاصة واستنتاجات

وضعت الحكومة المصرية مستهدفاتها لموازنة العام المالي الجديد 2023-2024 في ظل تزايد المخاطر المرتبطة بالوضع الاقتصادي المصري، والتي تتعلق بتوقف برنامج الطروحات، وعدم إتمام المراجعة الخاصة ببرنامج صندوق النقد الدولي، وإيقاف التوسُّع في بعض الاستثمارات القائمة، بالإضافة لمخاطر الديون واتساع الفجوة التمويلية، إثر التباطؤ في مبيعات الأصول واستئناف سحب التدفقات وتضرر سيولة الصرف الأجنبي، والتأخر في تطبيق سعر الصرف المرن والإصلاحات الهيكلية.

 

وفي ضوء ذلك، قد تضطر الحكومة المصرية إلى إبطاء وتيرة تنفيذ مشروعات البنية التحتية الضخمة، وتسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية أو مواجهة المزيد من اللايقين فيما يتعلق بقيمة العملة المحلية ومعدلات التضخم وانخفاض النمو، مع إمكانية التعرُّض لخطر الدخول في حلقة مفرغة من انخفاض العملة والتضخم، وهو ما يمكن أن يؤثر في قدرة البلاد على خدمة ديونها الخارجية، ويُحدِث ضرراً في ثقة المستثمرين بالاقتصاد المصري.

 

لقد أصبحت الحكومة المصرية الآن أمام مسار إجباري للإصلاح من خلال تنفيذ بنود برنامج صندوق النقد الدولي بفاعلية؛ خاصةً على مستوى سعر صرف العملة والضبط المالي عبر ضبط الإنفاق وليس فقط زيادة الإيرادات، علاوة على تأجيل العمل في بعض المشروعات القومية التي تحتاج إلى المكوِّن الأجنبي، وتقليل فاتورة الاستيراد عبر إحلال السلع المنتجة محلياً مقابل المستوردة وزيادة المكون المحلي لزيادة قيمة الصادرات ومن ثمّ توفير العملة وتقليل الاقتراض الخارجي.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/featured/aliatijahat-almustaqbalia-liliaqtisad-almisri-fi-daw-muashirat-alrubue-al-awal-min-aam-2023

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M