تقارب الضرورة: خط الغاز بين الجزائر ونيجيريا والنيجر ومعادلة الطاقة الإقليمية

عبد المنعم علي

 

جاء التقارب الطاقوي النيجيري الجزائري، على ضوء إعلان وزير الطاقة الجزائري “محمد عرقاب”، توقيع بلاده مذكرة تفاهم مع نيجيريا والنيجر لمد خط أنابيب للغاز الطبيعي عبر الصحراء في الثامن والعشرين من يوليو 2022، كأحد مخرجات المحادثات التي تمت بين الدول الثلاث التي جرت في يونيو من ذات العام، ليخلق وضعًا تنافسيًا مستجدًا في معادلة الطاقة في غرب إفريقيا بصورة عامة وبين الجزائر والمغرب على وجه الخصوص، خاصة في ظل تراجع العلاقات البينية وقطع العلاقات الدبلوماسية بسبب التطبيع المغربي الإسرائيلي وملف الصحراء الغربية.

ولعل فكرة الربط الثلاثي لم تكن وليدة اللحظة الراهنة بل سبق طرحها قبل أكثر من 40 عامًا، وتم توقيع اتفاق بين الدول الثلاث خلال عام 2009، لإتمام المشروع بتكلفة تقدر بنحو 13 مليار دولار، والذي يبدأ من منطقة “واري” النيجيرية وصولًا إلى منطقة “حاسي الرمل” الجزائرية، كأحد المشاريع التنموية في قطاع الغاز التي تستهدف تصدير نحو 30 مليار متر مكعب سنويًا إلى الدول الأوروبية.

دلالات وأهداف

إن المتأمل لتوقيت إعلان الجزائر انضمامها رسميًا لخط الغاز النيجيري، يرى أنها تأتي في ضوء جملة من المتغيرات والتحولات الإقليمية والعالمية، فيما يتعلق بأمن الطاقة من ناحية وفيما يتعلق بالمصالح الجيوستراتيجية من ناحية أخرى ويمكن توضيح ذلك في النقاط التالية:

  • اضطرابات أسواق الطاقة والبحث عن البديل: لعل أولى النتائج والتداعيات الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، يكمن في إنتاج وتصدير الطاقة وما شهدته الأسواق العالمية من فوضى واضطراب غير مسبوق، في ظل التوظيف السياسي لورقة الغاز كورقة ضغط متبادلة بين روسيا والغرب المدعوم من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي تطلب معه فتح دوائر اتصال جديدة داخل الأسواق البديلة المتمثلة في القارة الأفريقية، وما تبعها من تبدلات التعاطي الأوروبي مع دول تلك القارة وانتهاج سياسة المحاور واستراتيجية الاستقطاب الإقليمي، وهو ما برز من التوجهات الأوروبية الأخيرة مع المغرب التي شهدت مزيدًا من الشراكة والتعاون في ملفات متعددة (على رأسها قضية الصحراء الغربية) لضمان توريد الغاز المغربي، الأمر الذي تراجعت معه العلاقات الجزائرية الأوروبية جراء ذلك، مما تطلب معه خلق مساحة مناورة أفريقية للتشبيك العالمي عبر ملف الطاقة خاصة وأن الظروف والسياق العالمي قد هيأ المناخ لعودة إمدادات الغاز الأفريقية في دائرة الضوء.
  • التصعيد الجزائري المغربي وضمان التواجد: مثٌل التصعيد الجزائري المغربي على ضوء التصدعات الناجمة بينهما، بسبب التطبيع المغربي الإسرائيلي وتبدلات الموقف فيما يتعلق بملف الصحراء الغربية، وما تبعه من اتخاذ الجزائر سياسة تصعيدية ضد المغرب أدت لقطع العلاقات الدبلوماسية، الأمر الذي كان له بالغ الأثر في إمدادات الطاقة الجزائرية لأوروبا بسبب توقف خط أنابيب الغاز الجزائري الذي كان يمر لإسبانيا ومنها للدول الأوروبية عبر المغرب، مما تتطلب معه إيجاد الفرصة البديلة لعدم الإطاحة بالجزائر من معادلة الطاقة العالمية والاستمرار في تنفيذ الالتزامات الخاصة بتصدير الغاز، وذلك من خلال أمرين، الأول، تخصيص سفن بحرية لإيصال الغاز المسال إلى إسبانيا ومنها إلى أوروبا، والثاني، الدخول في تحالفات طاقوية جديدة تتمثل في تفعيل مشروع الخط العابر للصحراء، الذي يُمثل مشروع موازٍ لمشروع “الرباط” الخاص لنقل الغاز من نيجيريا إلى إسبانيا مرورًا بــ 12 دولة في غرب إفريقيا.
  • خلل البوصلة الدبلوماسية الجزائرية: في ظل الاضطرابات الدبلوماسية واسعة المدى بين الجزائر وعدد من الدول الأوروبية وأخرها إسبانيا على ضوء التقارب الأوروبي مع المغرب، اضطر الجزائر إلى البحث عن البديل في إطار سياسة المحاور التي باتت تلوح للأفق مؤخرًا، وهو ما برز في تقارب الجزائر مع إيطاليا مؤخرًا من ناحية ونيجيريا من ناحية أخرى، وذلك للحفاظ على موطئ قدم في معادلة الطاقة المغاربية والعالمية وعدم الإطاحة بها في هذا المعادلة الحيوية، لذا فهي ترغب في البحث عن بديل استراتيجي موثوق فيه لتحقيق تعاون مستمر في هذا المجال، ولعل البديل تمثل في إيطاليا حيث تم توقيع اتفاقية بقيمة 4 مليارات دولار مع شركات أوكسيدونتال وإيني وتوتال لتزويد إيطاليا بالغاز الجزائري، إلى جانب الإسراع في التوقيع على اتفاق ثلاثي مع نيجيريا والنيجر حول خط الغاز المار بالصحراء الغربية، بمثابة مساعي جزائرية لاستغلال موقعها الجغرافي وما تحظى به من مقومات للطاقة وعلى رأسها (الغاز) كورقة رابحة في تحقيق توازن في التفاعلات الدبلوماسية مع الجانب الأوروبي.

فرص وتحديات

إن المتأمل لمشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء الذي يربط بين نيجيريا والنيجر والجزائر، يجد أنه أحد أهم مصادر الإمداد المستجدة للطاقة إلى الأسواق العالمية، خاصة وأن المشروع يُعد ركيزة أساسية نحو زيادة القدرة الإنتاجية والتصديرية مما ينعكس إيجابيًا على الدول الثلاث المُشار إليها، خاصة وأن التقارب الجغرافي الجزائري الأوروبي عامل مهم نحو تقليل تكلفة المشروع وتعظيم الاستفادة من الموارد الداخلية لتلك الدول، مما يساهم في المجمل نحو تحقيق فائدة مشتركة ومتبادلة لكل الأطراف وتعزيز سوق أفريقيا للطاقة.

الأمر الآخر فيما يتعلق بفرص المشروع؛ تتمثل في النطاق الجغرافي ذاته حيث تعد فرصة حقيقية نحو تحقيق تكامل إفريقي لدول غرب إفريقيا على وجه الخصوص، ومن المهم التفكير في إنشاء منتدى لغاز غرب إفريقيا بما يحقق ربط طاقوي جامع لدول تلك المنطقة، خاصة وأن هذا الخط قادر على الربط بين النيجر ونيجيريا والجزائر وكذلك مالي والتشاد، مما يدعم مسار تبادل المهارات والوسائل بين الشركات الوطنية للمحروقات وذلك لتطوير مجال التنقيب والاستكشاف بصورة أوسع، وهو يضع تلك البلدان على الخارطة العالمية للانتقال الطاقوي.

الأمر الآخر في هذا الشأن؛ هو أن الدول الأفريقية باتت تهتم في الآونة الأخيرة بتدشين وتطوير شبكات البنية التحتية للطاقة، حيث سبق أن دعت منظمة الطاقة الأفريقية في منتصف ديسمبر عام 2021 وخلال انعقاد الدورة الحادية والأربعين، إلى أهمية التوجه لإنجاز البنية التحتية المشتركة بين دول القارة وتطوير الموانئ النفطية لدعم مشاريع أنابيب الغاز العابرة للحدود، لحسن استغلال موارد الطاقة المختلفة التي تحظى بها غالبية الدول الإفريقية، ولعل هذا الأمر يساهم في خلق مساحة نحو ضخ مزيد من الاستثمارات في هذا المجال تعظيم للاستفادة من القدرات المحلية لدول غرب إفريقيا.

خريطة توضح مسار خط الغاز الجديد

غير أن التنامي المستمر للجماعات المسلحة في المثلث الحدودي لمنطقة الساحل والصحراء، وبصورة أقرب نقاط التماس بين نيجيريا والنيجر وتشاد ومالي تلك المنطقة التي تنشط داخلها العناصر المتطرفة، يمثل في حد ذاته تهديدًا لعمليات الإنشاء وضمان سلامة أنبوب الغاز من العمليات المسلحة والهجمات الإرهابية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى التقاطعات الحادثة في السياسية الجزائرية والمغربية خاصة فيما يتعلق بملف الصحراء الغربية ربما يؤدي إلى انخراط الرباط على خط هذا المشروع وعرقلة مساعي إتمامه في ظل اعتبار المغرب أن الصحراء الغربية تقع تحت سيادتها.

ختامًا؛ إن الوضعية الجيوسياسية والطاقوية العالمية الراهنة باتت بمثابة محرك ودافع نحو خلق سياسية محاور جديدة في غرب إفريقيا بالتشبيك مع الدول الأوروبية، حيث دفعت متغيرات موازين القوى بمستواها الأمني والاقتصادي إلى إعادة الدفع بمشاريع أنابيب الغاز المختلفة في الدول الإفريقية التي تحظى باحتياطيات غاز هائلة، ولا شك في أن خط الغاز العابر للصحراء بمثابة بنية تحتية إقليمية ذات مدى دولي وتعزز من مسارات التنمية الاقتصادية إلا أنها سوف تضع غرب إفريقيا بصورة عامة وشمال إفريقيا على وجه الخصوص في حالة من الاستقطاب وسياسة المحاور في منافسة مفتوحة في هذا القطاع الحيوي، خاصة وأن نيجيريا التي تُعد مصدرًا مهمًا لتصدير الطاقة لأوروبا بحاجة إلى دول التلاصق الجغرافي مع الجنوب الأوروبي وتتمثل تلك الدول في (الجزائر والمغرب) حيث تشارك نيجيريا في مشروع المغرب الرامي لتصدير الغاز لأوروبا وكذلك كونها إحدى دول مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء مع الجزائر، كل تلك المفردات تعزز من مواطن التنافس بين القوتين الرئيستين في الشمال الإفريقي مما يساهم بصورة كبيرة لحالة من صراع الطاقة في المستقبل المنظور، وبصورة أكبر في ضوء غياب التفاهم والتنسيق بينهما.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72334/

 

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M