ثروات الذهب.. موقع استراتيجي على خريطة الصراع في السودان

أحمد بيومي

 

تعبر صناعة الذهب في السودان عن التفاعل بين الجوانب الاقتصادية للاستثمار في المعدن الأصفر النفيس وما يجنيه من موارد هائلة من جانب والجوانب السياسية والعسكرية للتفاعل مع المشهد السوداني من خلال مجموعات شبه عسكرية إما دولية أو محلية لتهريب هذه الثروة السودانية إلى الخارج. بشكل يمكن من خلاله قراءة الصراع الدائر في السودان الآن كانعكاس لهذا التفاعل.

واقع صناعة الذهب في السودان

السودان هو أكبر ثالث منتج للذهب في أفريقيا. ويبلغ إجمالي ما أنتجه السودان من الذهب في عام 2022 حوالي 18.6 مليون طن بزيادة قدرها 611 كيلو جرام عما تم إنتاجه في العام 2019 وفقًا لإعلان الشركة السودانية للثروة المعدنية. لكن تلك الإنتاجية يقدر أنها تمثل السوق الرسمية فقط بالسودان والتي تمثل نحو 50% من إجمالي ما ينتجه السودان من الذهب؛ إذ تذهب النسبة الأخرى التي يتم إنتاجها بشكل غير رسمي، ثم تهريبها ليتم استخدام عوائدها في تمويل الصراعات على الأراضي السودانية أو خارجها.

وهو ما دعا البنك المركزي السوداني إلى إصدار تعميم للبنوك المحلية في مارس من عام 2022 بحظر تصدير الذهب من جانب الجهات الحكومية والأجانب الافراد والشركات، وقصر عمليات التصدير على الشركات التي لديها امتياز عمل في مجال التعدين فقط، بل وقصر دور البنك المركزي في سوق الذهب على عمليات الشراء لبناء الاحتياطيات فقط.

يمثل قطاع التعدين حوالي 4 % من الناتج المحلي بالسودان، ويعود إنتاج الذهب بالأساس إلى عام 1993 من منجم “هاساي ” للذهب المفتوح، حيث بلغ إنتاج ذلك المنجم من الذهب خوالي 2.3 مليون أوقية يتم إنتاجها من حوالي 18 حفرة مفتوحة. وتشير التقديرات إلى أن إجمالي ما تم إنتاجه من ذلك المنجم منذ اكتشافه حوالي 14.09 مليون طن.

لكن في عام 2006 وبالتحديد في منطقة صحراء ولاية نهر النيل، عثر بعض أهالي المنطقة على ذهب بشكل سطحي في منطقة “الكليس أو الشمالية” والتي تحتضن آبار الذهب، وهي تبعد عن ميناء “العبيدية” الذي يستخدم في عمليات التصدير بحوالي 250 كيلو متر. يعمل الأفراد هناك بشكل غير رسمي. ومع بدايات عام 2010، بدأ التنقيب الأهلي عن الذهب يعم كل المناطق بالسودان في مناطق ولايات: نهر النيل، والقضارف، وشمال وجنوب كردفان، وكسلا، والبحر الأحمر، والشمالية، وجنوب دارفور، والنيل الأزرق، والنيل الأبيض، والخرطوم.

ويوجد الذهب في هذه المناطق بثلاثة أنواع من التكوينات الجيولوجية، هي: تكوين “جوسان ” في منطقة “عرياب” الواقعة في جبال النوبة الشرقية، وتكوين “وريد الكوارتز” الواقع في منطقة شمال كردفان والعبيدية ومنطقة النيل الأزرق، وأخيرًا الذهب “الغريني” والذي يقع على طول نهر النيل وروافده خاصة في منطقة النيل الأزرق وشمال السودان.

شركات متعددة

تضاربت الأرقام الواردة في التقارير وتصريحات ممثلين من الحكومة حول عدد الشركات العاملة في مجال التنقيب عن الذهب في السودان؛ إذ يشير آخر تقرير أصدرته وزارة التعدين السودانية في عام 2015 أن هناك 361 شركة مرخصة تمارس عملها، بينما تشير التقارير الأخرى إلى أن الشركات العاملة بالسودان يبلغ عددها 423 شركة، تستحوذ على حوالي 300 كم مربع من أماكن الامتياز.

أما البيانات الأخرى فتشير إلى أن عدد الشركات العامل هو 140 شركة تعمل في مجال التنقيب، بينما يتم إنتاج الذهب رسميًا من حوالي 12 إلى 15 شركة يشكل حجم إنتاجهما حوالي 20% من إنتاج الذهب بالسودان. يتملك معظم تلك الشركات حزب المؤتمر الوطني الذي كان حاكمًا ما قبل ثورة 11 أبريل 2019، أو لمجموعات تعمل ضمن المجموعات الاقتصادية والأمنية التابعة للحزب. في حين تمتلك شركات وكيانات أجنبية الجزء المتبقي، إلا أنها تجبر على دفع عمولات وحصص لذات المجموعات النافذة.

وتعد أبرز الشركات الأجنبية العاملة بالسودان هي شركات روسية الجنسية، وهي شركة “ميروي جولد” التي تعمل في ولايتي نهر النيل والشمالية، بالإضافة إلى التنقيب في مناطق خلوية وادي الشعار، وقد تم التوقيع على ذلك الامتياز في عام 2017. من جانب آخر، توجد شركة روسية أخرى وهي شركة “انياس كوش” والتي تعد من أكبر شركات الامتياز المنتجة للذهب بالسودان، حيث يصل متوسط إنتاجها الشهري إلى حوالي 450 كيلوجرام، بالإضافة إلى شراء حجارة من مناطق مجاورة. وكانت الشركة قد أعلنت في وقت سابق عن سعيها لزيادة انتاجها من الذهب بالبلاد من خلال حصولها على 14 مربعًا جديدا للتعدين والتنقيب عن الذهب.

ولعائلة ساويرس المصرية أيضًا وجود في السودان عبر شركته “لامانشا ريسورسز”  والتي تمارس عملها في منجم “هساي” في شمال شرق السودان من خلال شركة “أرياب” التي سبق أن باعت حصتها فيها والتي تبلغ 44% إلى الحكومة السودانية في صفقة بلغت قيمتها 100 مليون دولار.

تهريب الذهب من السودان

في سبتمبر 2012 افتتح الرئيس السوداني السابق “عمر البشير” أول مصفاة للذهب في البلاد، والتي خطط لها أن تكون الأكبر في إفريقيا بإنتاج أكثر من 328 طن من الذهب سنويًا، وهي تأتي ضمن استراتيجية الحكومة آن ذاك لتعويض عائدات النفط المفقودة بعد انقسام جنوب السودان في عام 2011، هذا فضلًا عن دورها في تقليل عمليات تهريب الذهب إلى الخارج، إذ كان من المخطط أن يتم تصدير الذهب الخام إلى الخارج فور افتتاح المصفاة وفقًا لإعلان وزارة المالية السودانية في أغسطس من عام 2012.

لكن يبدو أن تلك الخطط لم تتحول إلى واقع؛ إذ قدّر وزير المالية السوداني في عام 2021 “جبريل إبراهيم” أن الذهب المعلن بالقنوات الرسمية بالسودان يمثل 20% فقط من إنتاج الذهب، هذا فضلًا عن أن بيانات البنك المركزي السوداني عن العام 2021 تشير إلى فقدان حوالي 32.7 طن من الذهب. وتشير آخر الإحصائيات المتاحة أن صادرات السودان من الذهب في عام 2021 بلغت 2.8 مليار دولار وهو ما يمثل 52.3% إجمالي ما يصدره السودان.

الشكل 1: تطور صادرات السودان من الذهب

 

*- صدرت السودان بقيمة 1.315 مليار دولار في النصف الأول من عام 2022 ومن ثم فمن المتوقع أن تبلغ اجمالي صادرات السودان للعام 2022 حوالي 2.63 مليار دولار بافتراض تصدير نفس الكمية التي تم تصديرها في الـ 6 أشهر الأولى من العام

في العام 2017، اجتمع الرئيس السوداني آن ذاك “عمر البشير” مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد تم إنشاء شركة مروي جولد الروسية السودانية، وقد تمت الاستعانة بالشركة الأمنية الروسية “فاجنر” لتوفير عمليات التأمين لتلك الموارد من الذهب. ويُنظر إلى قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” على أنه عامل رئيس في تأمين صناعة الذهب في السودان وتهريبها إلى روسيا وغيرها من الدول.

وتشير تقارير غربية إلى أن شركة فاجنر استهدفت الذهب السوداني من خلال تقديم الدعم والتدريب العسكري والاستخباراتي للدعم السريع، وحيث إن قوات الدعم السريع هي التي تسيطر على معظم موارد البلاد من الذهب؛ فقد منحت شركة فاغنر بسهولة مقاليد السيطرة على العديد من مناجم الذهب الواقعة في دارفور والنيل الأزرق ومناطق سودانية بالفعل منحت شركة “مروي جولد” رخصًا تتيح لها حق الوصول إلى المعادن الثمينة بالإضافة إلى ممارسة أنشطة الزراعة والبلاستيك في السودان.

وقد استوردت تلك الشركة معدات بقيمة 11 مليون دولار خلال الخمس سنوات 2017 – 2022 تتمثل في آلات لمعالجة الذهب، وطائرتي هليكوبتر بمحركين روسية الصنع لتمكنها من ممارسة عملها بشكل أكثر كفاءة. ونتيجة لذلك، فقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2020 حظراً على شركة “مروي جولد” التي تستخرج الذهب من السودان؛ نظرًا إلى ارتباطها بشركة “فاجنر”، وشملت في ذلك الاتهام كلًا من “مروي” و “أم انفيست ” واعتبرتهما “غطاء” لعمليات مسلحي “فاجنر” في السودان. وتبع الاتحاد الأوروبي الخطى الأمريكية في فرض الحظر.

وتشير التقارير الغربية كذلك إلى أن وجود شركة “فاجنر” بالسودان له أهمية استراتيجية كبيرة في الوقت الحالي لروسيا، فوفقا لتقرير استقصائي أجرته (CNN) الأمريكية فقد انطلقت 16 رحلة جوية في الفترة بين فبراير 2022 (اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية) ويوليو 2022 تحمل أطنانًا من الذهب من السودان إلى مناطق أخرى في وسط أفريقيا استعدادا لتهريبها إلى روسيا واستخدام عوائدها في دعم الاقتصاد الروسي والإنفاق على الحرب الروسية الأوكرانية، وقد تمت تلك العمليات تحت إشراف قائد كبير في شركة “فاغنر” لديه خبرات سابقة في العمل في مناطق الصراعات مثل ليبيا وسوريا، وبحماية من ميلشيا الدعم السريع بقيادة “حميدتي”.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76955/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M