هل تستغل الولايات المتحدة الأمريكية تحالفاتها الأمنية مع الفلبين في مواجهة الصين؟

نيرمين سعيد

 

نظرًا لوقوعها بين قوتين عظميين في المحيط الهادئ، كان على الفلبين دومًا ومنذ فترة طويلة أن تخطو بحذر فيما يتعلق بالتعامل مع المصالح المتضاربة لبكين وواشنطن، وهو ما تجلى بوضوح في الأشهر الأخيرة وصولًا للحادث الذي كاد أن يقع في بحر الصين الجنوبي بين سفينة تابعة لخفر السواحل الصينيين وسفينة دورية فلبينية تقل صحفيين. وفي الوقت الذي أشارت فيه الصين إلى أن الدوريات المستفزة التي ترسلها الفلبين لبحر الصين الجنوبي هي السبب، أكدت الخارجية الفلبينية أنها سوف تستمر في تسيير دورياتها لأنه حق أصيل لها، وأضافت أن سفينة تابعة لخفر السواحل الصينيين قطعت الطريق على سفينة فلبينية أصغر منها مرتين وأصبحتا على مسافة 45 مترًا وتجنبتا الاصطدام بصعوبة.

وهو ما يضع علامات استفهام حول حالة التقارب الفلبيني – الأمريكي، والتي يمكن رؤية انعكاساتها في العديد من الأوجه وآخرها المناورات العسكرية الضخمة التي يجريها الطرفان، والتي تشير إلى أن واشنطن ربما تكون راغبة في تصدير الفلبين في مواجهة مع الصين باعتبارها دولة يربطها بها اتفاق أمني. ومن هذا المنطلق ينبغي الإشارة بداية إلى أوجه التقارب الأمريكي – الفلبيني على النحو التالي:

أوجه العلاقات الأمريكية – الفلبينية

-الاتفاق الأمني بين البلدين: يعتبر التحالف بين الولايات المتحدة والفلبين من أقدم التحالفات في آسيا، وفضلًا عن اتفاق الدفاع المشترك الموقع في عام 1951 وقع البلدان في 2014 اتفاقًا آخر يسمح للقوات الأمريكية باستخدام خمس قواعد فلبينية، بما في ذلك ما يقع بالقرب من المياه المتنازع عليها.  وحسب اتفاق 1951 فإن أي هجوم مسلح على القوات الفلبينية، بما في ذلك تلك التابعة لخفر السواحل ببحر الصين الجنوبي، من شأنه أن يستدعي الالتزامات الدفاعية المتبادلة للولايات المتحدة بموجب المعاهدة.

-القواعد العسكرية الأمريكية في الفلبين: خلال فبراير الماضي قام وزير الدفاع الأمريكي “أوستون”، بجولة آسيوية ركزت بشكل أساسي على العلاقات الأمنية والعسكرية مع الفلبين، وقد أسفرت الجولة عن حصول بلاده على أربع قواعد عسكرية جديدة في الفلبين، في انعكاس لرغبة واشنطن في الوجود الدائم هناك.

-التدريبات والمناورات العسكرية: شكل شهر أبريل الماضي نقلة للعسكرية الفلبينية التي استضافت أكبر تدريبات عسكرية مشتركة حتى الآن مع الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار فقد كانت واشنطن حريصة على إظهار قدراتها العسكرية لاحتواء النفوذ الصيني، وأجرت المزيد من التدريبات العسكرية مع حلفائها في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا. وبالنسبة للبيت الأبيض فإن شأن التدريبات لا يتعلق فقط باستعراضات عسكرية مبهرة، وإنما يستهدف دعم التحالفات.  حيث أرسل البيت الأبيض مبعوثين أكثر من المعتاد إلى آسيا، على أمل تشكيل تحالف قوي لمواجهة الصين. وهذا يشمل الفلبين، التي يعد موقعها أحد العناصر المهمة في هذا السياق.

-الدعم العسكري: في أكتوبر من عام 2022، منحت واشنطن 100 مليون دولار من التمويل العسكري للفلبين في إطار جهود لتعزيز القدرات الدفاعية لمانيلا والتحديث العسكري. وقد أكد هذا التمويل العسكري الجديد في وقتها على تحسن العلاقات الدفاعية بين الحلفاء خلال عهد الرئيس فرديناند ماركوس جونيور، الذي قام سلفه، رودريغو دوتيرتي، بتحويل السياسة الخارجية لبلاده بعيدًا عن الولايات المتحدة لمواصلة علاقات أكثر دفئًا بالصين.

الخلافات بين الصين والفلبين

-الصراع في بحر الصين الجنوبي: يشار إلى بحر الصين الجنوبي باعتباره يشكل بؤرة خلاف في آسيا، وذلك بعد الادعاءات الصينية بالأحقية في السيطرة عليه، وبالإضافة إلى الصين والفلبين فإن لدى فيتنام وماليزيا وتايوان وبروناي أيضًا مطالبات متداخلة في المسطح المائي الغني بالموارد، والذي يمر عبره جزء كبير من التجارة العالمية والنفط. وبالنسبة لبكين ومانيلا على وجه التحديد فإنه ما يبدو أنه دوريات اعتيادية من الفلبين قد يتحول إلى تصعيد عسكري، وقد قدمت مانيلا ما يقرب من 200 احتجاج دبلوماسي ضد تصرفات بكين في بحر الصين الجنوبي.

-التقارب الأمريكي- الفلبيني: وهو ما سبقت الإشارة إليه في أربعة أوجه، فضلًا عن أن القواعد العسكرية الفلبينية التي يسمح للولايات المتحدة بالدخول إليها، تمكن الجيش الأمريكي من تخزين معدات دفاعية وتؤهل واشنطن لدور أكثر تأثيرًا في دعم تايبيه. وعلى هذه الخلفية اتهم سفير بكين في مانيلا، هوانغ شيليان، الفلبين بـ “تأجيج نيران” التوترات الإقليمية. وكرد فعل صيني أيضًا عارضت الصين التدريبات العسكرية التي شاركت فيها القوات الأمريكية في المنطقة، وكذلك زيادة الانتشار العسكري الأمريكي، والتي حذرت من أنها ستؤدي إلى إثارة التوترات وإعاقة الاستقرار والسلام الإقليميين.

-تغيير الوضع في تايوان: ترى بكين أن على مانيلا ألا تقف على الحياد بشأن استقلال تايوان، بل عليها أن تنحاز إلى الموقف الصيني برفض تغيير الوضع في شبه الجزيرة من جانب واحد. وقد ردت مانيلا على هذا الطرح، وأشارت إلى أن الفلبين ليس لديها نية للتدخل في قضية تايوان وأن القواعد العسكرية التي تتواجد فيها الولايات المتحدة ليست مخصصة بحال من الأحوال لدعم التدخل الأمريكي في تايبيه. ولكن ما يثير حفيظة بكين أن الفلبين تمثل أهمية في حماية مصالح الأمن القومي للصين.

موقف الفلبين

على الرغم من أن الفلبين هي أقدم حليف للولايات المتحدة في آسيا، ولكنها مثل العديد من البلدان الأخرى في المنطقة تحاول موازنة تلك العلاقة الأمنية مع علاقاتها الاقتصادية مع الصين، ولذلك فقد استبعدت الحكومة الفلبينية السماح للولايات المتحدة بتخزين أسلحة في قواعدها لاستخدامها في الهجوم على تايوان. ومن هنا فإن الفلبين مهتمة بتعاون عسكري أوثق مع الولايات المتحدة من أجل أمنها، لكن حكومتها لا تريد المشاركة في صراع مع الصين إذا كان بإمكانها تجنب القيام بذلك. بالإضافة إلى أن عدم رغبة الفلبين في السماح للولايات المتحدة باستخدام القواعد الموجودة على أراضيها لخوض حرب على تايوان، يقود إلى حقيقة أن الولايات المتحدة ستكون في الغالب بمفردها إذا اختارت القتال وهو ما من شأنه أن يقلل من احتمالات المواجهة الأمريكية – الصينية. وتنطلق مانيلا من مبدأ أساسي ينص على أنه لا ينبغي استغلال التحالفات الدفاعية لجر الحلفاء غير الراغبين إلى صراعات تختار واشنطن خوضها.

ولكن تنظر الولايات المتحدة إلى علاقاتها مع الفلبين من منظور آخر، يشمل أن الوصول إلى الإقليم الشمالي للفلبين كوسيلة لمواجهة الصين في حالة قيامها بمهاجمة تايوان، وبالنسبة لبكين فإنها ترى أن دفاع الولايات المتحدة عن تايوان أمر بالغ الأهمية للحفاظ على المصداقية الأمريكية مع حلفاءها في آسيا وأوروبا كذلك.

وهذا يعني أن الولايات المتحدة تعاني من تشوش للرؤية في هذا السياق، حين تتصور أنه من المتوقع أن يسير الحلفاء في الصف ويؤدون التحية عندما تقرر الولايات المتحدة المضي في مسار الحرب، ولكن سيكون من الخطأ اتباع هذا النهج مع الفلبين بشأن تايوان. لأن إلزام الحلفاء بأكثر من رغباتهم وقدراتهم يضر في النهاية بعامل الثقة ويقضي على أسس التحالفات.

وبالبناء على ما تقدم؛ فإن كلا القوتين “أمريكا والصين” حساستان للغاية في كل مرة يُنظر فيها إلى الفلبين على أنها تميل أكثر تجاه أحدهما أو الآخر لما تمثله مانيلا من أهمية استراتيجية، ولكن تخطئ واشنطن عندما تتعامل مع حلفائها باعتبارهم “تابعين”، وتتجاهل إنها دول متساوية وذات سيادة تتخذ قرارات بشأن متى وأين ستذهب للحرب.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76948/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M