جني ثمار الرخاء من خلال الابتكار والتكنولوجيا في قطاع الزراعة

وليام مالوني

يرتبط تاريخ التقدم الإنساني المبكر بتاريخ ازدهار المحاصيل نتيجة للابتكارات الزراعية. في هذا التقرير المعنون “جني ثمار الرخاء: التكنولوجيا ونمو الإنتاجية في الزراعة” نرى أن هذا التركيز على زيادة الإنتاجية الزراعية لا يقل إلحاحاً اليوم عن أي وقت مضى. وفيما يلي بعض الحقائق المعروفة:

  • يعيش 80% من فقراء العالم بالمناطق الريفية، ويعتمد الكثير منهم على الزراعة في كسب معيشتهم. ويفوق تأثير نمو الإنتاجية في قطاع الزراعة أي قطاع آخر على جهود الحد من الفقر – إذ يبلغ ضعفي تأثيره تقريبا في قطاع الصناعات الاستخراجية. (انظر الشكل البياني المرفق) وقد أسهمت زيادة الإنتاجية في الصين وبلدان أخرى بشرق آسيا في إحداث تخفيضات هائلة في معدلات الفقر، لكن هذه الزيادة كانت منخفضة للغاية بحيث لم يكن لها تأثير مماثل في منطقتي أفريقيا وجنوب آسيا اللتين تضمان على وجه التحديد أكبر الجيوب المتبقية للفقر المدقع.

 

  • رغم الزيادة المطردة في الإنتاجية الزراعية في العالم على مدار العقود القليلة الأخيرة، لا تزال معدلات نقص التغذية في العالم كبيرة بل وآخذة في الارتفاع، إذ بلغت 821 مليون شخص في عام 2017. (منظمة الأغذية والزراعة وآخرون، 2018).

 

  • تغير المناخ سيلحق أضرارا بالغة بالمناطق الزراعية، ولاسيما حيث تعيش أعداد كبيرة من الفقراء. وتشير نماذج تغير المناخ‎‏ إلى أن درجة الحرارة سترتفع ما بين درجة مئوية إلى درجتين بحلول عام 2050 مقارنة بما كان عليه المناخ قبل الثورة الصناعية (الفريق الحكومي الدولي المعني بتغيُّر المناخ 2018)، وتذهب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة إلى أن من شأن ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة أن يتسبب في تراجع متوسط غلة الحبوب في العالم بنسبة 3 – 10%.

 

  • تُعد الإنتاجية الزراعية منخفضة وتنمو بوتيرة أكثر بطئا في البلدان الفقيرة، مما يشكل عائقا أمام تحقيق التقارب في مستويات الدخل لديها مع الاقتصادات المتقدمة.

عالميا، تحققت معظم الزيادة في الإنتاج الزراعي من خلال حدوث زيادات في الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج على وجه التحديد، وليس بسبب التوسع في استخدام الأراضي أو المستلزمات الزراعية. وينطبق الأمر نفسه بصورة متزايدة على البلدان النامية. لكن هذا النمو لم يكن متماثلا في مختلف مناطق العالم. إذ كان نمو الإنتاجية منخفضا، على وجه الخصوص، في بعض أشدّ مناطق العالم فقرا، أي جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء.

وبناء عليه، فإن فهم محددات نمو الإنتاجية أصبح عنصرا محوريا. ترى إحدى المدارس الفكرية أن قطاع أصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة يفتقر إلى الكفاءة في استخدام الموارد، ويشكل ذلك عبئا على عملية التنمية، ومن ثم فقد حال دون الانتقال إلى الوظائف الأكثر إنتاجية من جراء تشوه أسواق عوامل الإنتاج. ويعرض التقرير شواهد على أن المكاسب المتأتية من إعادة تخصيص عنصري الأرض والعمل ربما تكون أصغر مما كان يُتصور في أحيان كثيرة، ولكن هناك مكاسب هائلة من المتوقع أن يحققها الاستثمار في توليد المعرفة ونشرها. ويظهر التقرير أن الفجوة في متوسط إنتاجية العامل بين قطاعي الزراعة والصناعة ستختفي فعليا عند تصحيحها حسب الوقت الفعلي المستغرق في العمل، ويمثل ذلك أحد المقاييس الشائعة وإن اعتراه خلل مفاهيمي لقياس تشوه أسواق العمل. وتفترض النظرية الاقتصادية أن الكفاءة تقتضي تساوي مستويات الإنتاجية الحدية، وفي الهند، يخلص التقرير إلى أن الأجور، وهي أفضل مثال متاح، متماثلة بشكل مثير للدهشة في شتى القطاعات. وبالمثل، تشير بعض التحليلات الحديثة إلى أنه لن تتحقق مكاسب كبيرة عند تفكيك الحيازات الكبيرة أو عند تجميع الحيازات الصغيرة. إذ يمكن أن تنمو الإنتاجية في الحالتين بسهولة.

من ناحية أخرى، يبدو أنَّ هناك مكاسب محتملة كبيرة للاستثمار في توليد المعارف ونشرها. على سبيل المثال، يشير التقرير إلى أن تقديرات معدلات العائد على أعمال البحث والتطوير في مجال الزراعة تفوق في العادة بما يتراوح بين 30 و 40% العديد من الاستثمارات البديلة. لكن حجم أعمال البحث والتطوير، كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي الزراعي، أعلى 6 مرات في البلدان المتقدمة مقارنة بالبلدان النامية؛ كما أن الإنفاق على البحث والتطوير لكل عامل أعلى بخمسين ضعفا. وتشهد مستويات الإنفاق الحقيقي تزايدا مستمرا في الصين وأجزاء من آسيا، لكنها آخذة في الانخفاض في نصف البلدان الأفريقية. ويحدث ذلك في وقت تواجه فيه هذه البلدان تحديات على صعيد الفقر والأمن الغذائي والتكيف مع تغيّر المناخ. ومن هنا، ينصب التركيز على كيف يمكن لهذه البلدان سد هذه الفجوة البحثية، وكذلك على تسهيل تبني المزارعين للتكنولوجيات الجديدة. فيما يخص النقطة الأولى، بالإضافة إلى تحسن تخصيص موارد الدولة المكرسة لهذا القطاع، يتيح ظهور جهات تابعة للقطاع الخاص في مجال البحث والتطوير في العالم فرصة لتعزيز الجهود الوطنية في هذا المجال. إلا أن ذلك يتطلب من الدولة تهيئة البيئة الداعمة المشجعة لهذه الجهات.

وفيما يخص النقطة الثانية، فإن أحدث البحوث بشأن دور التحيز ضد الزراعة، وحالة عدم اليقين، وعدم اتساق المعلومات، وضعف رأس المال البشري، وصعوبة الوصول إلى أسواق المنتجات والتأمين والتمويل تشير إلى أن هناك إخفاقات متعددة، قد يتعين على الحكومات التصدي لها في الوقت نفسه تقريبا لتسهيل تبني المزارعين لهذه التكنولوجيات الجديدة. وتتيح سلاسل القيمة العالمية، وهي جهة فاعلة جديدة – سبيلا لتوسيع الأسواق ووسيلة بديلة لعلاج إخفاقات الأسواق على نحو متزامن بدلا من التدخلات الحكومية المباشرة. وفي حالة توفر الشروط المناسبة، فإن سلاسل القيمة العالمية تتيح أسواق الائتمان والتأمين والمنتجات للمزارعين المرتبطين بها. والمطلوب، مرة أخرى، هو أن تتوافر بيئة داعمة تكفل تحقيق الربحية للشركة الرئيسية في سلسلة القيمة العالمية، وكذلك نظام قانوني يكفل إنفاذ العقود من شركة إلى أخرى. على سبيل المثال، إذا وفرت الشركة الرئيسية الأسمدة والائتمان، فإنها سترغب في ضمان بيع المنتج النهائي لهم بالفعل.

ويبدو أن جدول أعمال زيادة الإنتاجية الزراعية وجعل فقراء الريف أكثر قدرة على الصمود في وجه الصدمات السلبية لا يقل إلحاحاً اليوم عن أي وقت مضى. ولحسن الحظ، هناك أطراف فاعلة وأدوات جديدة بالقطاع الخاص يمكن للحكومات الاستعانة بها إن هي رغبت في تبني الإصلاحات الضرورية.

ملاحظة: تقرير “جني ثمار الرخاء: التكنولوجيا والإنتاجية في الزراعة” هو المجلد الرابع في سلسلة مشروع تعزيز الإنتاجية التابع للبنك الدولي التي تبحث “مفارقة الإنتاجية” لاستمرار تباطؤ نمو الإنتاجية على الرغم من التقدم التكنولوجي.

الصورة
جني ثمار الرخاء من خلال الابتكار والتكنولوجيا في قطاع الزراعة

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M